أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزالدين محمد ابوبكر - مقالات وجودية: نظريّة المراحل الكيركجوريّة















المزيد.....

مقالات وجودية: نظريّة المراحل الكيركجوريّة


عزالدين محمد ابوبكر

الحوار المتمدن-العدد: 8325 - 2025 / 4 / 27 - 00:22
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


نظريّة المراحل عند كيركجور هي واحدة من أكثر تحليلاته شمولاً ، في مشروعه الفلسفيّ المهتم بـ الفرديّ ، وظهرت أصداء هذه النظريّة ، في أعمال كيركجور الفلسفيّة ، مثل «إما/أو» و «خطوات على طريق الحياة» ، وهذه الأعمال تحكي أكثر من قصة ، تحت أسماء مستعارة كعادة كيركجور ، ليمكننا من رؤية واختبار الأخلاق الفرديّة الواردة ، بهذه القصص في حياتنّا اليوميّة ، وتقدم هذه القصص مجتمعةً وصفًا دقيقًا ؛ لدوائر الوجود الثلاثة ، التي صاغها كيركجور في مؤلفاته ، وتحدث عنها في يومياته ، وقد جعل كيركجور لكل قصة بطلها ، الذي يحيا على طريقة تناسب مضمون المرحلة ؛ نجد دون جوان ، ضمن آخرين ؛ في الدائرة الجماليّة ، و سقراط ، أيضاً ضمن آخرين ، في الدائرة الأخلاقيّة ، و إبراهيم (كـ فرد إنسانيّ ، خاض تجربة مع المقدس والإلهيّ) ، في الدائرة الدينيّة ، وكل هذه الشخصيات تمثل وتشير إلى الفرد ، الذي يحيا في الوجود ، ويحاول أن يكتشف الغرض ، من وجوده ، ومدى أصالة تجربته وماهيته.

والفرد الذي يكون في المرحلة الجماليّة من الوجود ، يحيا وفق مبدأ «لا عبرة إلا بالمتعة» ، ولهذا نجده ينتهب اللّذات ، ويسرف في الأخذ منها كلما عُرضت له ، أو ظهرت أمامه ، و دائماً ما يكون الفرد الجماليّ غير مرتبط بـ شيء ، لأن أيّ ارتباط أو واجب ، في نظره ؛ هو تقييد ، وكل قيد فيه تعلق بلحظة مقبلة وأخرى مدبرة ، ويرى كل فرد جماليّ أنّ لكل لحظة أصدقاؤها و واجباتها ، ولكل فعل ملابساته ومرجحاته ، ولكل وضع مسلك يتكيف وفقاً له الفرد الجماليّ ، وفي هذا الصدد دائماً ما يُعليّ الجماليّ من قيمّة الأمثال ، التي تتناسب مع وضعه و وجوده ، مثل «تمتع بيومك» أو «أحب ما لن تراه مرتين» ، ومن ما سبق يتبين أن الجماليّ لا يحب التكرار ، لأن كل تكرار هو تقييد ، والتقييد هو أفظع شيء قد يصيب" الفردُ-الوجوديّ/الجماليّ" ، ومن هنا نجد الفرد الجماليّ لا يحب إلا اللّذة ، وهي في عنفوانها ، ولا يهوى التقاط الشهوات إلا إذا أحرقت أنامله بتناولها ، وهكذا يتضح أن الفرد الجماليّ ، لا يحب الإستقرار على حال ، وينشد التغير المستمر في الأوضاع والمكان ، ومن ما سبق يتضح أن الفرد الجماليّ هو فرد متمرد ، وقياسًا على تمرداته السابقة ، يكون ذلك الفرد غير محبذ للصداقة ، أو الحب ، أو الزواج ، لأنها أشياء يلزمها البقاء ، والتكرار ، والذكرى ، وتنفي التجدد ، والصيرورة ، والتمرد ...

أما الفرد الأخلاقيّ ، فهو فرد يرى الحياة والوجود في العيش تحت لواء المسؤولية والواجب ، وكلاهما يقتضي الذكرى والتكرار ، ومن هنا يظهر التناقض الوظيفيّ والحياتيّ بين الفرد الجماليّ والفرد الأخلاقيّ ، وأرى أنه لا يوجد سبيل للإشارة إلى وجود فروق بين الأثنين من الناحيّة السيكولوجيّة ، والحياة عند الفرد الأخلاقيّ ليس لها معنى إلا عندما يتقبل المسؤولية والواجب ، وهذا يعطيه شعوراً بالرسالة في الحياة ، مما يجعل تفكيره مهتمًا بالمسؤولية قبل أن يكون مهتمًا بالموقف ، وتكون علاقاته في الحياة تعبيرًا عن رؤيته وحبه للمسؤولية ، حيث يكون الزواج بالنسبة له تعبيرًا عن اهتمامه بالواجبات والالتزامات ، والنمط الأخلاقيّ في الوجود ، هو نمط لا يسعى إلى تجنب التكرار بل بالعكس ، إنه (يريد) التكرار لأن التكرار ، والمثابرة ، والتصميم ، على شيء يجعلانه سعيدًا عندما يصل إليه ، ومن ثم يتبين لنا أن "الفرد-الجماليّ" ، يحيا في اللحظة الحاضرة ، بينما يعيش الأخلاقيّ في الزمن ، بمعنى أن حياته لها استمرار من الناحيّة التاريخيّة ، أو أنه يحيا في الزمان فقط ، من أجل القيام بواجباته مقابل (السعادة) أو (المال) ، ويرى أن القيام بواجباته هو الغاية من وجوده ، ويكون العامل الحاسم في (اختياره) أن يعيش حياته تحت سيادة مقولتيّ الخير والشر ، ومقولات الأخلاق ، في حين يظل الجماليّ خارجها ، ولا يسمح لنفسه أن تسترشد إلا بالمقولات الجماليّة مثل اللّذة والجمال والمصلحة.

أما الفرد الدينيّ ، فنجده لا يحيا في الزمان ، لأنه أدار وجهه عن هذه الدنيا ، وولى وجهه قِبل الآخرة ، وقِبل عالم فوق الزمان ، حيث لا يوجد عالم مليئ بـ الشرور ، وإنما يوجد الخير والسرور ، في جنة الرب السرمديّة ، وحسب فكر كيركجور ، فإن «القفزة الإيمانيّة» هي المدخل إلى الدائرة الدينيّة ، وهي أعلى صورة من صور الفرديّة ؛ حيث لا تكون التصنيفات المؤثرة هي اللذة والألم ، كما عرضنا في حديثنا عن الدائرة الجماليّة ، ولا الخير والشر كما طالعنا في الدائرة الأخلاقيّة ، بل الخطيئة والنعمة الإلهية ، ويكون إبراهيم النبي هو بطل هذه المرحلة ، وإبراهيم عند كيركجور هو إبراهيم المذكور في سفر التكوين ، الذي كان مستعداً للتضحيّة بابنه الوحيد طاعةً لأمر الله ، على الرغم من الوعد الإلهي ، بأن الرجل العجوز (المقصود: إبراهيم ، وهذه الإشارة ، وصف حال) سيكون أبًا «للعديد من الأمم» ، لكن ما يهمنا هنا في هذه القصة هو تلك "اللحظة" التي تتم فيها هذه النقلة «اللانهائية» (وهي لحظة تلقي الخبر الإلهي) ، وتكون التصنيفات الأخلاقيّة متوقفةً ، بسبب إستجابة إبراهيم للأمر الإلهي ، الذي ينص على ذبحة لابنه ، وفي هذا السياق لا يمكننا تعميم دوافع الأفعال في المرحلة الدينيّة ، مثلما نفعل في باقي المراحل ، لأن الفرد المتدين «لا يخضع لمعايير الخير والشر» على حد قول نيتشه ؛ وبالتالي يمكن اعتبار تصرفاته فاسده ، من الناحيّة الأخلاقيّة ، لا يملك إبراهيم كلمات يبرر بها تصرفه الغريب لزوجته ، لكن إبراهيم هنا ، لا يستطيع الاعتماد على يقين المبادئ العامة ولا على دعم المنطق العام ، لأنه لوحده بين يدي الله ؛ الواحد الكامل ، ومن هنا نجد إبراهيم يتجاوز الدائرة الأخلاقيّة ، لأنه يشعر بالقلق الناجم عن حريته ، حتى مع إدراكه لمجازفة أن هذا الأمر ، المناقض للمبادئ الأخلاقيّة العامة ، قد لا يكون إلهيًّا من الأساس ، وهنا يرتقي الفرد المتدين فوق ما هو عام ، مثلما ارتقى على الزمان ، ومن وجهة النظر الدينيّة ، فإن «الإغراء» الآن يتمثل في عكس هذه العلاقة ، أي جعل الأخلاقيّ أو العام مطلقًا ، بمعنى عمل ما هو «أخلاقيّ» وعدم طاعة الأمر الإلهي ، وهذه بحق «قفزة إيمانية» مفسرة من العم كيركجور.

المصادر :
- صـ ٤٧ ، دراسات في الفلسفة الوجودية ، تأليف عبدالرحمن بدوي ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، الطبعة الأولى - ١٩٨٠ ، بيروت.
- صـ ٣٨ ، كيركجور ، تأليف فريتيوف برانت ، ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد ، مكتبة دار الكلمة ، الطبعة الأولى - ٢٠٠٩ ، القاهرة.
- صـ ٤٤ ، الوجوديّة : مقدمة قصيرة جداً ، تأليف توماس آر فلين ، ترجمة مروة عبدالسلام ، مراجعة محمد فتحي خضر ، نسخة رقمية صادرة عن مؤسسة هنداوي عام ٢٠١٣.



#عزالدين_محمد_ابوبكر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقالات وجودية: فلسفة الشوارع المصرية ، الجزء الثاني
- مقالات وجودية: نظريّة المراحل عند كيركجور
- فلسفة الشوارع المصريّة : فلسفة مواقف ، وتفكر إنسانيّ.
- مقالات وجوديّة: أبو الدرداء ، حياته ، ومذهبه ، ومواقفه الوجو ...
- مقالات وجودية: هل يمكن دراسة ”السحر العربي“ وجودياً؟
- مقالات وجودية: كيركجور ومواقفه الفلسفية
- مقالات وجودية: «المتصوف الغريب» ... مقاربات وجودية الجزء الث ...
- مقالات وجودية: «المتصوف الغريب» ، النِفَّريّ مقاربات بين الو ...
- «المتصوف الغريب» ... بدأ من العراق وانتهى في مصر: النِفَّريّ
- وقائع من العصر الذهبي المصري القديم : الجزء الثاني
- مقالات وجودية: هل يمكن قيام تفسيرية ”وجودية“ للآثار المصرية؟
- مقالات وجودية: كيركجور حياته وأثرها على فكره
- وقائع من العصر الذهبي المصري القديم
- هل سوف يُنهيها آتوم؟


المزيد.....




- باكستان: سنرد على أي غزو أو هجوم من الهند بشكل مناسب
- تعيين حسين الشيخ نائباً لرئيس السلطة الفلسطينية، ومراقبون يع ...
- الشرطة الهندية تعتقل 175 شخصا على الأقل بحثا عن منفذي هجوم ك ...
- 40 شهيدا بغزة وتحذيرات من وضع إنساني كارثي
- بايدن يبتسم وهو يلتقط صور سيلفي في جنازة البابا فرنسيس (فيدي ...
- -المسيرة-: 3 غارات أمريكية استهدفت السفينة الإسرائيلية المحت ...
- -أنصار الله- تحذر من تسرب نفطي هائل بالبحر الأحمر جراء الضرب ...
- صنعاء.. فيديو يفطر القلوب لأم تبحث عن ابنتها تحت ركام منزلها ...
- الإمارات تطلق مبادرة حفر آبار مياه جنوب قطاع غزة ضمن عملية - ...
- الدوما الروسي يحذر من التهديد الرئيسي الذي يواجهه مالكو محاف ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزالدين محمد ابوبكر - مقالات وجودية: نظريّة المراحل الكيركجوريّة