زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8324 - 2025 / 4 / 26 - 18:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نافذة على الصحافة الروسية
نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع
*اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*
فلاديمير بولشاكوف
فيلسوف وعالم اجتماع روسي، دكتوراه في الفلسفة، أستاذ، ناشط اجتماعي.
12 مارس 2025
الجزء الخامس
جريدة "برافدا" ضد الصهيونية
في 17 مايو 1971، أرسل جهاز الKGB مذكرة سرية رقم 1277 إلى سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي، بيوتر ديميتشيف، بعنوان "حول الأنشطة العدائية للعناصر الصهيونية داخل البلاد". سرعان ما صدر أول قرار للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي بناءً على هذه المذكرة، بعنوان "حول الإجراءات اللازمة لفضح (جوهر) الصهيونية الدولية والأنشطة المعادية للسوفيات لمراكز الصهيونية الخارجية والعناصر المنحرفة المؤيدة للصهيونية". تلت ذلك قرارات مماثلة في عدد من الجمهوريات السوفياتية.
في 19 مارس 1979، أصدرت سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الأوكراني قرارًا بتنفيذ قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي الصادر عام 1971 بشأن فضح الصهيونية. وفي 14 فبراير 1983، صدر قرار عن المكتب السياسي للحزب الشيوعي الأوكراني بعنوان "حول الإجراءات لتعزيز مواجهة الأنشطة التخريبية المعادية للسوفيات لمراكز الصهيونية الخارجية والعناصر المنحرفة المؤيدة للصهيونية".
الدعاية السوفياتية ضد الصهيونية
في كل مرة يتم فيها اتخاذ مثل هذه القرارات، كان قسم الدعاية التابع للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي يضمن تغطية إعلامية مناسبة في الصحف السوفياتية، وخاصة في جريدة "برافدا" التي كان توزيعها اليومي يصل إلى 10.5 مليون نسخة، وكذلك في "إيزفيستيا" و"كومسومولسكايا برافدا" اللتين كانتا تتمتعان بتوزيع واسع أيضًا.
كان أول رد فعل لـ"برافدا" على هذا القرار مقالًا ساخرًا بعنوان "مقاتلو الصهيونية" عن "رابطة حماية اليهود" وقائدها الفاشي "الفوهرر" مئير كاهانا (كتبه فلاديمير بولشاكوف، برافدا، 11 مايو 1971). تبع ذلك سلسلة من المقالات المشابهة في "إيزفيستيا" و"سوفيتسكايا روسيا" وغيرهما من وسائل الإعلام.
-----
ومع ذلك، لم يبادر كبار خبراء الصحافة السوفياتية إلى تنفيذ قرارات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي بانتقاد الصهيونية، سواء كانوا المراسل السياسي لصحيفة "برافدا" يوري جوكوف، أو الموظف السابق في اللجنة المركزية فيتالي كوريونوف، أو الخبير الأمريكي والفرنسي جورجي راتياني، أو أفضل خبير آسيوي في الاتحاد السوفياتي فسيفولود أوفتشينكوف، أو ماتفيفيف والمراسلون الآخرون في صحيفة "إيزفيستيا". ولم تدفعهم أي قرارات صادرة عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي إلى ذلك. وبالطبع، لم يكن من الممكن تفسير مقاطعة مثل هذه الموضوعات الحيوية في ذلك الوقت بنقص المعرفة حول هذه القضية لدى خبراء "برافدا" وغيرهم من "الأساتذة". لقد كانت موقفًا "ليبراليًا" مدروسًا بعناية، نوع من الإضراب الإيطالي. على ما يبدو، اعتقدوا أن مناهضي الصهيونية سيبدون أكثر سخرية من دون كيشوت في معاركه ضد طواحين الهواء إذا استمروا في هذه المقاطعة. لكنهم أخطأوا في تقديرهم. فقد قوبلت هذه المنشورات بالموافقة، كما يتضح من أكياس الرسائل التي وصلت إلى "برافدا" من قرائها، بما في ذلك اليهود، تدين الصهيونية.
كان دراسة طبيعة الصهيونية وتاريخها وهيكلها التنظيمي في تلك الأيام، عندما لم يكن الإنترنت معروفًا في الإتحاد السوفياتي، أمرًا معقدًا للغاية. ومن خلال رد فعل وسائل الإعلام الغربية والمسؤولين الرسميين على المقالات الأولى حول الصهيونية في "برافدا" وسائل الإعلام الأخرى، كان من الواضح أنه بالإضافة إلى الانزعاج الواضح من أن الصحفيين والعلماء السوفيات "تجاسروا" على تناول موضوع كان محظورًا في السابق، كان هناك أيضًا ارتباك واضح أمام الحقائق التي لم تظهر أبدًا في وسائل الإعلام العامة من قبل، ولكنها كانت بمثابة أدلة دامغة على الطبيعة الإجرامية للصهيونية الدولية وقادتها.
بعد نشر مقال في "برافدا" بعنوان "المفلسون من كونسيرن الصهيونية"، والذي تناول الجدل مع دعاة الصهيونية حول مفهوم "الأمة اليهودية العالمية"، الذي ينص على أن كل يهودي، بغض النظر عن جنسيته، ينتمي إلى هذه الأمة، وأن وطنه هو إسرائيل (بولشاكوف ف.، "المفلسون من كونسيرن الصهيونية"، برافدا، 11 مايو 1971)، تعرض المؤلف و"برافدا" لاتهامات معاداة السامية. تناول المقال قضية حساسة للغاية بالنسبة للصهاينة، وهي انقسام اليهود داخل إسرائيل نفسها. على وجه الخصوص، تم اقتباس كلمات الصحفي البولندي أندريه جيرومسكي: "لا يوجد مكان في العالم فيه مثل هذا الانقسام بين الناس إلى مجموعات عرقية، ومن بينها الأكثر شهرة: السابرا (المولودون في إسرائيل)، الأشكناز (يهود أوروبا الشرقية)، السفارديم (أحفاد اليهود الموريسكيين والإسبان)، اليهود السود من إثيوبيا ودول أفريقية أخرى، اليهود نصف الدم (ليس من جهة الأم)، وأخيرًا غير اليهود (الغوييم)، مما أدى إلى إنشاء نظام فصل عنصري. وهذا دون الحديث عن أن إسرائيل، التي تعيش وفقًا لقوانين اليهودية الأرثوذكسية، هي في جوهرها دولة ثيوقراطية". أثار المقال رد فعل غاضبًا في الصحافة الموالية للصهيونية أيضًا لأنه دحض بشكل مقنع الادعاءات بأن إسرائيل هي نموذج للديمقراطية في الشرق الأوسط.
عندما نشرت "برافدا" في قسم "من الجبهة الأيديولوجية" مقالًا عن العلاقات بين الصهاينة والنازيين (بولشاكوف ف.، "الفاشية والصهيونية: جذور القرابة"، برافدا، 24 يناير 1984)، كان رد الفعل في وزارة الخارجية الأمريكية هستيريًا، حيث صرح المتحدث أ. رومبرج في اجتماع مع الصحفيين: "الآراء الواردة في هذه المقالة مثيرة للاشمئزاز وغير مسؤولة، ويجب على الإتحاد السوفياتي أن يدرك أنه لا يمكن إقناع أي شخص متعلم باتهامات غير مدعومة بالأدلة كما ورد في المقال" (تاس، 26 يناير 1984). في الواقع، ما أثار استياء رومبرج أكثر هو أن المقال قدم بالضبط تلك الحقائق والأدلة التي تثبت قرابة الصهيونية بالفاشية، والتي يرغب قادة الصهيونية العالمية في نسيانها وعدم ذكرها.
قبل نشر المقالات حول قضايا الصهيونية في "برافدا"، كان رؤساء التحرير في تلك الفترة، مثل ميخائيل زيميانين وفيكتور أفاناسييف، يقومون بإرسالها في شكل مسودات "في الدائرة الكبرى" (أي إما إلى جميع أعضاء المكتب السياسي، أو فقط إلى رؤساء قسمي العلاقات الدولية والدعاية). كل ما جاء "من الأعلى" تم إدراجه في المسودات دون أي اعتراض.
وكلنا بالطبع كنا ندرك أنه بدون مثل هذا التصريح من القمة، لم يكن من الممكن أن تظهر مثل هذه المقالات في صحيفتنا المركزية.
عمليًا، لم تكن أي منشورات بارزة حول الصهيونية، خاصة في صحيفة "برافدا"، تمر دون أن تلفت انتباه وسائل الإعلام الغربية. فكانت تندلع على الفور حملات حول "تفشي معاداة السامية في الإتحاد السوفياتي". تمكنت "برافدا" من نشر عدة مقالات رئيسية حول الصهيونية، تضمنت حقائق لم يسبق ذكرها في أي مكان من قبل. كان صدمة للعديد من اليهود الكشف عن تعاون الصهاينة الأوكرانيين مع "بيتليورا" ووعدهم بإرسال "اليهود القوزاق" لمساعدته في محاربة البلشفية. (بولشاكوف ف. "معاداة السوفيتية – مهنة الصهاينة" // برافدا. 18، 19 فبراير 1971). كما تم الكشف لأول مرة عن تحركات العملاء الصهاينة في تشيكوسلوفاكيا خلال عامي 1967–1968 (المصدر نفسه – ف. ب.).
كانت مقالة "معاداة السوفياتية – مهنة الصهاينة" الأكثر تأثيرًا، حيث نُشرت على مساحة كبيرة في عددين متتاليين من "برافدا". لكن العبارة التي أثارت أكبر ضجة كانت: "أي شخص يعتنق العقيدة الصهيونية يصبح تلقائيًا عميلًا للكونسورتيوم الصهيوني الدولي، وبالتالي عدوًا للشعب السوفياتي" (برافدا. 19 فبراير 1971 – ف. ب.).
علّق مراسل "نيويورك تايمز" في موسكو، برنارد جويرتزمان، على المقال في عددين من صحيفته، حيث جاء في أحد العناوين: "برافدا تكتب أن الصهيونية تحاول تقويض العالم الشيوعي" (Pravda Says Zionism Tries to Subvert Communist World. The New York Times. 1971, February, 19 – ف. ب.)، وفي الآخر: "قيل لليهود السوفيات إن الصهيونية خيانة" (Soviet Jews Told Zionism is Treason. The New York Times. 1971, February, 20 – ف. ب.). بينما زعم مراسل "واشنطن بوست" في موسكو، أنتوني أستراكان، أن "برافدا وصفت الصهيونية كسلاح للرأسمالية" (Pravda Calls Zionism Tool of Capitalism. The Washington Post. 1971, January, 20 – ف. ب.).
علّق على المقالة جميع المراسلين الأجانب المعتمدين في موسكو تقريبًا، كما أعادت نشرها كاملة بعض الصحف العربية في مصر وسوريا. كان الضجيج كبيرًا، فلم يسبق لـ"برافدا" أن تناولت الصهيونية بهذه الطريقة. لكن الأهم هو أن هذه المقالة نُشرت قبل خمسة أيام فقط من انعقاد المؤتمر الدولي حول وضع اليهود في الإتحاد السوفياتي في بروكسل (23–25 فبراير 1971 – ف. ب.).
كما روى مراسل "برافدا" في دول البنلوكس، يوري خارلانوف، "تعرضت برافدا ومؤلف المقال لهجوم شرس في ذلك التجمع، لكن الغريب أنهم لم يتمكنوا من دحض أي من الحقائق الواردة في المقالة". هذه هي قوة المنهج العلمي الذي تم تطويره منذ البداية في القسم الدولي للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي عند نشر انتقادات للصهيونية في الصحافة السوفياتية.
*****
يتبع
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟