نجاح محمد علي
سياسي مستقل كاتب وباحث متخصص بالشؤون الايرانية والإقليمية والارهاب وحركات التحرر
(Najah Mohammed Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 8323 - 2025 / 4 / 25 - 21:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عشية الجولة الثالثة المقررة السبت، يمكن النظر إلى عودة الولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات مع إيران ، محاولة لإيجاد حلول للخلافات المزمنة ، وخاصة حول البرنامج النووي الإيراني. هذه المفاوضات وقد اشترطتها إيران نووية وغير مباشرة ، و التي تُجرى بوساطة عُمان وتُعقد في مدن مثل مسقط وروما، تُعتبر لحظة حاسمة قد تُغير مسار العلاقات بين البلدين وتُعيد تشكيل ديناميكيات المنطقة.
في هذا المقال، نستعرض تطورات هذه المفاوضات، مواقف الطرفين، والتحديات التي تواجه التوصل إلى اتفاق ، إضافة إلى الدور العماني المميز .
تطورات المفاوضات:
بدأت الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة في مسقط في 24 أفريل 1404 (2025م)، حيث التقى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقچي مع المبعوث الأمريكي ستيف ويتكاف، بوساطة وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي. وصفت هذه الجولة بأنها "إيجابية وودية"، حيث ركّزت على البرنامج النووي الإيراني دون التطرق إلى قضايا إقليمية مثل دعم إيران لفصائل المقاومة أو برنامجها الصاروخي. وفي الجولة الثانية التي عُقدت في روما، أكد عراقچي أن المحادثات أُجريت في "أجواء بنّاءة"، مشيرًا إلى تقدم في الاتفاق على مبادئ وأهداف أساسية.
ومن المقرر أن تُعقد جولة ثالثة في مسقط يوم السبت المقبل، مع تركيز متزايد على المحادثات الفنية بين خبراء نوويين ومسؤولي العقوبات من الجانبين.
تُجرى هذه المحادثات الفنية بوساطة عُمانية لضمان التواصل غير المباشر بين الطرفين. هذا التقدم السريع، كما أشارت تصريحات المعنيين ، يُظهر جدية الطرفين في استكشاف إمكانية التوصل إلى اتفاق، على الرغم من التحذيرات من أن الاتفاق ليس وشيكًا.
مواقف الطرفين:
• إيران: تُصر إيران على الحفاظ على حقها في التخصيب النووي، وتسعى لرفع العقوبات الاقتصادية التي أثقلت كاهل اقتصادها . وقد نجحت طهران في الجولتين الأوليين في الحفاظ على تركيز المفاوضات على البرنامج النووي، متجنبةً مناقشة سياساتها الإقليمية أو برنامجها الصاروخي. ومع ذلك، تواجه إيران ضغوطًا داخلية وخارجية، مع تأييد واضح من عموم القوى السياسية في البلاد.
• الولايات المتحدة: يسعى الرئيس دونالد ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض في 2025، إلى تحقيق إنجاز دبلوماسي من خلال التوصل إلى اتفاق يمنع إيران من تطوير سلاح نووي لاتريده إيران أصلاً . وقد أكد ترامب أن المفاوضات "تسير بشكل جيد"، لكنه حذّر بلهجة أقل حدة من السابق، من أن الفشل قد يؤدي إلى خيارات عسكرية ربما لإرضاء القوى السياسية داخل الولايات المتحدة ، و الحلفاء، خاصة الكيان الصهيوني ، الذي يُروج هذه الايام إلى انه أعد خططًا لضربات عسكرية ضد إيران، وإن كانت بحاجة إلى دعم أمريكي لمواجهة أي رد إيراني.
التحديات والعقبات:
على الرغم من التفاؤل الحذر، تواجه المفاوضات تحديات كبيرة:
• ضمانات عدم الانسحاب الأمريكي: تسعى إيران للحصول على ضمانات بأن الولايات المتحدة لن تنسحب من أي اتفاق مستقبلي، كما فعلت في 2018 عندما انسحب ترامب من الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة).
• مصير اليورانيوم المخصب: لا تزال قضية اليورانيوم عالي التخصيب في إيران دون حل واضح، مما يُثير قلق الغرب.
• التوقيت الضيق: مع اقتراب الموعد النهائي لآلية "الزناد" في أكتوبر 2025، يضيق الوقت أمام الطرفين للتوصل إلى اتفاق شامل.
تأثيرات المفاوضات:
تُظهر المفاوضات تأثيرًا مباشرًا على الأسواق الإيرانية، حيث انخفض سعر الدولار من 100 ألف تومان إلى حوالي 85 ألف تومان خلال الأسابيع الأولى من المحادثات. ومع ذلك، يحذر خبراء اقتصاديون من أن رفع العقوبات وحده لن يكون كافيًا إذا لم يُصاحبه إصلاحات في النظام المصرفي الدولي وتسوية قضية إيران مع مجموعة العمل المالي (FATF).
عموماً :
تُمثل المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة فرصة تاريخية لتخفيف التوترات وتحقيق استقرار نسبي في المنطقة، لكنها محفوفة بالمخاطر والتحديات.
إيران، بقيادة الرئيس مسعود پزشكيان ووزير خارجيتها عباس عراقچي، تُظهر مرونة دبلوماسية غير مسبوقة بفضل الدعم الداخلي النادر قياساً بمفاوضات إبرام الاتفاق النووي عام 2015، بينما يسعى ترامب لتحقيق نصر سياسي يعزز مكانته. ومع ذلك، فإن نجاح هذه المفاوضات يعتمد على قدرة الطرفين على التغلب على عقبات الثقة المتبادلة والضغوط الخارجية.
فهل ستكون هذه الرقصة الدبلوماسية بداية لعهد جديد، أم مجرد فصل آخر في سلسلة التوترات؟ الإجابة تكمن في الأيام والجولات القادمة.
دور عُمان في الوساطة بين إيران والولايات المتحدة
أما عُمان فهي تلعب دورًا محوريًا كوسيط موثوق في هذه المفاوضات غير المباشرة، مستفيدةً من موقعها الجيوسياسي المحايد وسياستها الدبلوماسية المتوازنة. منذ عقود، أثبتت مسقط قدرتها على بناء جسور الثقة بين الأطراف المتخاصمة، خاصة في المنطقة ، مما جعلها قناة مفضلة للحوار في الأزمات الإقليمية. فيما يلي تفصيل لدور عُمان في الوساطة:
• التأريخ الدبلوماسي لعُمان:
• عُمان لديها سجل طويل في الوساطة، حيث كانت اللاعب الرئيسي في المحادثات السرية التي مهدت للاتفاق النووي الإيراني (JCPOA) في 2015. استضافت مسقط محادثات سرية بين مسؤولين إيرانيين وأمريكيين في 2012-2013، مما ساعد في كسر الجليد بين الطرفين.
• حيادها وسياسة عدم الانحياز جعلتها مقبولة لدى كل من طهران وواشنطن، حيث تحافظ على علاقات ودية مع إيران وفي الوقت نفسه شراكات استراتيجية مع الولايات المتحدة.
• الوساطة في المفاوضات الحالية (2025):
• في نيسان أبريل 2025، استضافت مسقط الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقچي والمبعوث الأمريكي ستيف ويتكاف. وزير الخارجية العُماني، بدر البوسعيدي، لعب دورًا مباشرًا في تنسيق اللقاءات ونقل الرسائل بين الطرفين.
• عُمان وفرت بيئة آمنة وسرية للمحادثات، بعيدًا عن الأضواء الإعلامية، مما سمح للطرفين بمناقشة قضايا حساسة مثل البرنامج النووي الإيراني دون ضغوط خارجية.
• و لم تقتصر عُمان على استضافة اللقاءات، بل شاركت بنشاط في صياغة مقترحات تهدف إلى سد الفجوات بين المواقف الإيرانية والأمريكية، مثل آليات التحقق من الالتزام النووي وتسلسل رفع العقوبات.
• أدوات عُمان الدبلوماسية:
• العلاقات الموثوقة: عُمان تتمتع بثقة إيران بفضل دعمها التأريخي لطهران في أوقات الأزمات، مثل تسهيل المدفوعات المالية خلال العقوبات. كما أن لديها اتفاقيات دفاعية مع الولايات المتحدة، مما يجعلها وسيطًا مقبولًا لدى واشنطن.
• الدبلوماسية الهادئة: تُعرف عُمان بأسلوبها الهادئ والسري في إدارة الأزمات، مما يسمح بمناقشات صريحة بعيدًا عن التصريحات العلنية المثيرة للجدل.
• الشبكات الإقليمية: عُمان تستفيد من علاقاتها مع أطراف إقليمية أخرى، مثل قطر والاتحاد الأوروبي، لتعزيز جهود الوساطة وتوسيع نطاق الحوار.
• التحديات التي تواجه عُمان:
• الضغوط الإقليمية: تواجه عُمان ضغوطًا من بعض دول المنطقة تنظر بحذر إلى أي تقارب إيراني-أمريكي قد يعزز نفوذ طهران بالرغم من وجود إجماع خليجي واضح على دعم المفاوضات .
• تعقيد الملفات: قضايا مثل اليورانيوم المخصب وآلية "الزناد" تتطلب حلولًا فنية معقدة، مما يضع عُمان أمام تحدي تنسيق المحادثات الفنية بين خبراء الطرفين.
• التوازن الحساس: يجب على عُمان الحفاظ على حيادها، خاصة مع تصاعد تهديدات الكيان الصهيوني لإيران، حيث قد يؤثر أي انحياز على مصداقيتها.
• تأثير الوساطة:
• نجحت عُمان في إبقاء قنوات الحوار مفتوحة، مما ساهم في خفض التوترات المباشرة بين إيران والولايات المتحدة. على سبيل المثال، أشارت تقارير موثوقة إلى أن المحادثات التي رعتها عُمان ساهمت في تأخير أي تصعيد عسكري محتمل من جانب حكومة نتنياهو الذي يعاني من أزمات داخلية حادة لكنه كما يبدو حالياً تحت سيطرة ترامب.
• الوساطة العُمانية عززت التفاؤل الحذر في الأسواق الإيرانية، حيث انخفض سعر الدولار مقابل التومان بعد إعلان الجولة الأولى من المفاوضات.
أخيراً:
عُمان، بفضل خبرتها الدبلوماسية وحيادها، تُعد العمود الفقري للمفاوضات الحالية بين إيران والولايات المتحدة. دورها لا يقتصر على استضافة اللقاءات، بل يمتد إلى صياغة الحلول وإدارة التوترات.
ومع اقتراب الجولة الثالثة من المفاوضات في مسقط، تظل عُمان رمزًا للدبلوماسية الهادئة القادرة على تحقيق اختراقات في أصعب الأزمات. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الوساطة يعتمد على التزام الطرفين بالمرونة والتوصل إلى حلول وسط.
#نجاح_محمد_علي (هاشتاغ)
Najah_Mohammed_Ali#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟