احمد مجيد الحسن
كاتب
(Ahmed Majeed Alhasan)
الحوار المتمدن-العدد: 8321 - 2025 / 4 / 23 - 18:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الذكرى المئوية لصدور أول دستور في العراق (القانون الأساسي) لسنة 1925
أحمد مجيد الحسن
شهد العراق سنة 1925 وضع أول دستور في تاريخه الحديث ليؤسس بذلك نظاماً سياسياً برلمانياً مقيداً بالدستور.
فبعد انتهاء حكم العثماني في العراق ومجيء الاحتلال البريطاني سنة 2017 وقيام الدعوة لإقامة حكم وطني، كانت المطالبة بدستور يوضع من قبل مجلس منتخب من العراقيين في مقدمة مطالب الحركة الوطنية العراقية.
ففي الاستفتاء الذي أجراه الحاكم الملكي العام )أرنولد ولسن) ما بين عامي 1918-1919 عبرت جماهير المدن التي أجري الاستفتاء فيها، عن طلبها بالاستقلال وإقامة حكم مقيد بمجلس ينتخبه العراقيون يقوم بوضع دستور للبلاد.
إن مطالبة العراقيين بالدستور لم تأتِ من فراغ، فقد سبق لهم أن شاركوا في مجلس (المبعوثان) وهو مجلس النواب العثماني بدوراته الثلاثة للسنوات 1877 و1908 و1914 مع أن أعداد المشاركين لم تتجاوز (50 مبعوثاً) نائباً.
كما أن العراقيين وحركتهم التحررية قد تأثرت بشكل كبير بحركة الدستور العثمانية الذي كان يسمى (المشروطية) التي أعلنت الدستور العثماني سنة 1876، وكذلك بحركة الدستور الإيراني (المشروطة) الذي منحه (الشاه مظفر الدين) للشعب الإيراني سنة 1906.
كل ذلك نبه العراقيين لأضرار الحكم الاستبدادي، ولأهمية الحكم الدستوري في حياة الناس.
وبعد تأسيس الدولة العراقية سنة1921، أعلن (الملك فيصل الأول) في حفل تتويجه الذي أقيم في ساحة السراي (القشلة) يوم 23 آب 1921:
أن أول عمل سيقوم به هو المباشرة بالانتخابات، وجمع المجلس التأسيسي، وأن هذا المجلس هذا هو الذي سيضع دستور استقلالها بمشاورته.
وقد سبق أن تعهدت بريطانيا في صك الانتداب، بأن تضع في مدة لا تتجاوز الثلاث سنوات من تاريخ الانتداب قانوناً أساسياً للعراق يعرض على مجلس العصبة للمصادقة عليه، على أن يضمن هذا القانون الحقوق الأساسية للأهالي الساكنين في البلاد.
إن تشريع الدستور آنذاك لم يكن بالمسألة الهينة فقد كانت جيوش الاحتلال البريطاني للعراق تملأ أرضه، وحكامه ومستشاروه يسيطرون على الوزارات والدوائر الحكومية، لذا فقد مر مشروع هذا الدستور بصعوبات ومراحل عدة حتى أخذ شكله النهائي:
فأول مسودة له وضعتها لجنة بريطانية تألفت من موظف في وزارة المستعمرات البريطانية في لندن، ومن المستشار القضائي بدار المندوبية.
عرضت اللجنة المشروع على (الملك فيصل)، فقبله بصورة مبدئية وأحاله في آذار1922 إلى لجنة عراقية تألفت من وزير العدلية (ناجي السويدي)، ووزير المالية (ساسون حسقيل)، وسكرتير الملك (رستم حيدر)، وبعد تدقيقه اعترضت اللجنة على المشروع، لأنه منح الملك صلاحيات واسعة، وحرم مجلس الأمة من وضع أي تشريع يخالف معاهدة التحالف المبرمة بين الحكومتين العراقية والبريطانية.
وبناء على ذلك وضعت اللجنة مشروعاً أخر يمثل وجهة النظر العراقية، استوحت بعض أحكامه من الدستور العثماني وبعض دساتير الدول الأخرى.
أُرسل المشروعان الى وزارة المستعمرات البريطانية في لندن في السنة نفسها التي أعدت مشروعاً موحداً قلص فيه صلاحيات الملك وجعلت الحكومة تحت إشراف المجلس النيابي وتحقيق مسؤولياتها أمامه، وأنيطت بالملك صلاحيات تشريعية فأعطاه حق اصدار المراسم التي لها قوة القانون عندما يكون البرلمان غير منعقد.
أُعيد المشروع بعد تنقيحه إلى بغداد في شباط 1923، فألف مجلس الوزراء لجنة مشتركة عراقية بريطانية تضم في عضويتها وزير العدلية (ناجي السويدي)، و(دراور) مستشار وزير العدلية، وآخرون، فقامت بإدخال تعديل مهم يتضمن جعل الوزراء مسؤولين أمام مجلس النواب وليس امام الملك كما جاء سابقاً، ووضعت نصاً يلزم الملك بأن يستحصل موافقة مجلس الأمة على إعلان الحرب، ونصاً آخر يمنع الملك من حل مجلس الأعيان.
أرسل المشروع إلى وزارة المستعمرات ثانيةً في نيسان 1923، فنقح المشروع في ضوء مذكرات لجنة الشرق الأوسط البريطانية التي وردت فيها:
«إن الضرورة والرغبة هي أن يوضع القانون الأساسي بحيث يؤهلنا للسيطرة على مجلس الأمة العراقي عن طريق الملك من أجل تحقيق العلاقات التي نظمت بواسطة المعاهدة».
أعيد المشروع إلى بغداد في أيلول 1923، فألفت لجنة برئاسة (عبد المحسن السعدون) لدراسته، فوافقت عليه من دون أدخال أي تعديل جوهري، ثم أقره مجلس الوزراء.
وبذلك أخذ المشروع المنقح من بريطانيا شكله النهائي ونشر في الصحف في تشرين الثاني1923 وأصبح جاهزاً للعرض على المجلس التأسيسي لإقراره.
وبعد انتخاب أعضاء المجلس التأسيس العراقي سنة 1924 ألف المجلس لجنة من أعضائه لدراسة مشروع الدستور وقد روعي في تأليف اللجنة أن تضم نائباً من كل لواء (محافظة) من ألوية العراق.
وفي حزيران 1924 بدأت مناقشات الدستور التي استغرقت شهراً واحداً عقدت خلاله (18) جلسة، وكانت المناقشات مقيدة بنصوص المعاهدة البريطانية العراقية، فتمت موافقة المجلس التأسيسي على الدستور دون أن يُجرى أي تعديل على نصوصه، الذي بدأ يعرف باسم (القانون الأساسي) العراقي تعريباً لاسم القانون العثماني (قانون أساس) لأن التشريعات العراقية التي صدرت بعد الحكم الوطني تأثرت بالتشريعات العثمانية تسميةً ومتناً في كثير من الأحوال، حيث كانت التشريعات العثمانية تطبق في العراق طيلة خضوع العراق للحكم العثماني وحتى ما بعده أما ما ورد في أحد المصادر بأن تلك التسمية جاءت لأن كلمة دستور غير عربية فذلك بعيد لآن كلمة قانون نفسها غير عربية.
ويمكننا ملاحظة الولادة العسيرة للدستور لأن بريطانيا عملت في بادئ الأمر على تأخير نشره وبالتالي تطبيقه، وأدى ذلك الى استياء وشكوى أبناء الشعب، وتفاقمت هذه المعارضة الشعبية أثر معرفتها بالسبب الرئيس لهذا التأخير، وهو الرغبة في منح استثمار النفط في الأراضي العراقية إلى شركة اجنبية عرفت فيما بعد بـ(شركة نفط العراق)، وألا يصدر الا بعد موافقة المجلس التأسيسي (البرلمان) على معاهدة 1924 التي قيدت إرادة العراقيين وربطت مصيره وثرواته النفطية بالمصالح البريطانية، وألّا يحتوي الدستور على ما يخالف المعاهدة.
ولم يكن الشعب العراقي غافلاً عن ذلك فقد عبر الشاعر (الرصافي) عن ذلك بقصيدته المعروفة:
عَلَمٌ ودستور ومجلس أمةٍ كلٌّ عن المعنى الصحيح مُحرَّف
من يقرأ الدستورَ يعلم أنه وفْقًا لصكِّ الانتداب مُصنَّف
ولم تتم مصادقة الملك عليه ولم ينشر في الجريدة الرسمية حتى آذار عام 1925، بعدما منحت حكومة (ياسين الهاشمي) امتياز النفط للشركة المذكورة انفاً.
ثم أرسل مشروع الدستور الى عصبة الأمم عن طريق بريطانيا، فقبل هناك وأُرجع إلى العراق لتنفيذه والعمل بموجبه.
لقد كان إصدار الدستور حدثاً كبيراً في تاريخ العراق، فقد احتفلت الحكومة العراقية بذلك احتفالاً كبيراً، وقد جرى ذلك الاحتفال كما يأتي:
1. تحرك الموكب الوزاري يتقدمه رئيس الوزراء من ديوان الرئاسة في الساعة التاسعة والنصف صباحاً، حاملا الدستور في مخمل من الحرير الأخضر يرافقه وكيل القائد العام ومدير الشرطة العام وامين العاصمة ومتصرف بغداد، تتقدمهم مسيرة من الرماحة الراكبة تتبعها ثلة من الشرطة الخيالة الى البلاط الملكي.
2. اصطف الجنود الراكبة والمشاة والشرطة وفرق الكشافة وتلامذة المدارس على جانبي الشوارع التي يمر منها الموكب الوزاري.
3. قامت ثلة من الشرطة بأداء التحية للموكب الوزاري عند وصوله الى البلاط الملكي.
4. عندما وصل الموكب الوزاري الى البلاط قدم الدستور الى (جلالة الملك) فقبَّله وصدقه بقلم مذهب في تمام الساعة العشرة حسب المنهج المعد، وعندها أُطلقت إحدى ومائة طلقة مدفع ابتهاجاً بهذا الحدث.
5. رجع الموكب الوزاري بعد تقديم الشكر لـ(صاحب الجلالة) حاملاً الدستور الموقع عليه في الشارع نفسه، وأديت له التحية من قبل الجيش والشرطة وفرق الكشافة.
6. قامت امانة العاصمة بتزين العاصمة وشوارعها والأبنية العمومية نهاراً وإنارتها ليلاً.
7. عطلت الدوائر الرسمية ورُفعت عليها الاعلام العراقية بالشكل الجديد المنصوص عليه في الدستور فوق بنايتها اعتبارا من صباح ذلك اليوم.
8. أنارت وزارة الاوقاف المساجد والمعابد ليلا وتليت المواليد الشريفة في الاماكن المناسبة من المساجد في العاصمة.
وقد أُنهي العمل بذلك الدستور بعد ثورة 14 تموز سنة 1958.
المصادر:
* د. إبراهيم العلاف، إرهاصات ما قبل التشريع لأول دستور عراقي.. المخاض والولادة، بيت الحكمة 2025.
* د. إخلاص لفته حريز، الافكار السياسية الواردة في الدساتير العراقية دستور 1925.
* د. حنان طلال جاسم ود. سوسن عادل ناجي، الدستور العراقي لعام 1925 دراسة تاريخية، جامعة بغداد
* د. صلاح عبد الرزاق، العراق والإسلام السياسي الجزء الثاني: الإسلام في الدساتير العراقية السابقة، واحة البيان.
* الوثيقة رقم (9660/32050)، منهاج الاحتفال المركزي بإعلان الدستور نهار السبت في 21 مارت (آذار) 1925، دار الكتب والوثائق.
#احمد_مجيد_الحسن (هاشتاغ)
Ahmed_Majeed_Alhasan#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟