أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ضيا اسكندر - الواقع الأمني والاجتماعي في الساحل السوري.. مجازر وقلق وخيبات















المزيد.....

الواقع الأمني والاجتماعي في الساحل السوري.. مجازر وقلق وخيبات


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 8318 - 2025 / 4 / 20 - 10:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين تعجز الجغرافيا عن حماية ساكنيها، وتغدو الطبيعة مجرد شاهد أخرس، تصير الأرض مسرحاً للصمت، والبحر أرشيفاً للألم. تنكفئ الحياة، ويُطمر الأمل تحت ركام العجز والنسيان.
أربعة أشهر من الدخان والدموع، وما زال الساحل السوري ينزف جراحاً لم تندمل. مجازر تركت ضحاياها طعاماً لأسماك البحر؛ وفي المكان الذي كان يُفترض أن يكون البحر فيه متنفساً للسكان، تحوّل إلى مقبرة جماعية تلفظ بين الحين والآخر بقايا بشرٍ لم يُمنحوا حتى حقّ الدفن.
الجبال التي كانت حصناً صامتاً، لم تعد قادرة إلا على تسجيل فصول المأساة في ذاكرة صخورها وغاباتها المحترقة. والساحل الذي كان "الخاصرة الآمنة"، يُذبح الآن ببطء وبلا رحمة، بينما العالم يتجاهل صرخاته الأخيرة.

جذور المأساة: ما قبل الكمين
يُحيل البعض بداية الجرح إلى السادس من آذار، حين نُصب كمينٌ لفصيل من قوى الأمن العام، فكان الردّ دموياً من فصائل تابعة لوزارة الدفاع، بتحريضٍ مكشوف من شيوخ الفتنة، الذين أطلقوا فتاويهم على الهواء، واستباحوا الدم، ودقّوا طبول النفير العام..
لكن الحقيقة أكثر مرارة. الكمين، لم يكن إلا شرارة فجّرت تراكمات مذلّة من الإهانات والانتهاكات. فمنذ استلام هيئة تحرير الشام زمام السلطة في دمشق، والكرامات تُسحق على قارعة الطريق.
من حلب إلى القرداحة، من السقيلبية إلى القرى النائية المنسية، سُحقت الرموز، وأُهينت المقدسات، وشُتمت الهوية جهاراً أمام المراقد، في المدن والبلدات والقرى.
كان عناصر الأمن العام يجوبون القرى مستعرضين سلطتهم، يسألون بتهكّم: "ما اسم هذه القرية؟" ثم يجيبون بأنفسهم: "سبحان من أعزّنا وأذلّكم"، يتبعونها بسيلٍ من الشتائم التي نربأ عن ذكرها.. ثم جاءت فصولٌ أشد قسوة، في ريف حمص الشمالي الغربي، تحديداً في قريتي فاحل ومريمين المحسوبتين على الطائفتين العلوية والمرشدية، حيث جرى إذلال الأهالي بأبشع الصور: أُجبِروا على الانبطاح والزحف، وتقليد نباح الكلاب ونهيق الحمير، قبل أن تُتوَّج هذه الإهانات بقتل عدد من المدنيين، لا لذنبٍ ارتكبوه، سوى انتمائهم الطائفي.
ولم تكن حادثة قرية "عين الشمس" التابعة لريف مصياف في 27 شباط أقل وحشية، إذ قُتل وأُهين واعتُقل العشرات، بذريعة "ملاحقة الفلول". تلتها مجزرة "الدعتور" في اللاذقية بتاريخ 4 آذار، التي راح ضحيتها عدد من المدنيين، بينهم امرأة وطفلها، بعد اشتباك أوقع قتيلين من عناصر الأمن العام في مواجهة مع مجموعات مسلحة تابعة للنظام الساقط.

التراكم الكمّي يؤدي إلى التغير النوعي
هذا التراكم المروّع من الحوادث المشينة، ولّد احتقاناً شديداً في صدور كثيرين، حتى انفجر في لحظة الكمين المذكور آنفاً، ليتحول بعدها الساحل إلى مسرح لمجازر طالت الآلاف من أبناء الطائفة العلوية، وأجبرت أعداداً كبيرة من السكان على الفرار إلى لبنان، أو إلى مدن سورية أخرى تشهد أمناً نسبياً.
أما الكارثة الكبرى، فتكمن في الغموض الذي لا يزال يلفّ عدد الضحايا والمفقودين حتى اليوم. الأرقام متفاوتة حدّ الصدمة؛ فبينما يدّعي البعض أن عدد القتلى لا يتجاوز الألفين، يؤكّد آخرون أن المأساة تخطّت حاجز العشرين ألفاً، وربما أكثر.
وأمام موجة الغضب العارمة محلياً وإقليمياً ودولياً، شُكِّلت لجنة تقصي حقائق للتحقيق في الجرائم التي ارتكبت خلال أيام المجازر. وقد مُنحت اللجنة مهلة شهر واحد بدءاً من التاسع من آذار 2025، لكن تم تمديدها لثلاثة أشهر أخرى. بذريعة أن المدة غير كافية للإحاطة بجميع الوقائع. وسط سخط واستياء كبيرين من قبل غالبية المتضررين من هذه اللجنة لعدم ثقتهم بها، ويطالبون بمحكمة ذات طابع دولي لافتقادهم الثقة في نزاهة التحقيق المحلي وقدرته على إحقاق العدالة.
إلا أن المأساة لم تُطوَ بعد؛ فالانتهاكات، وعمليات الخطف، والاغتيالات، لا تزال مستمرة حتى لحظة إعداد هذا السطور. الفرق الوحيد أنها باتت تُنفذ بعيداً عن الكاميرات، بعد أن فضحتهم مقاطع الفيديو التي صوّروها بأنفسهم، وهم يتباهون بجرائمهم، ساخرين من أي عواقب، واثقين بأن لا عدالة ستطالهم.
الآن، يمكن القول إن المدن الرئيسة في الساحل (اللاذقية، وجبلة، وبانياس، وطرطوس) - وعلى الرغم من حظر التجول الطوعي الذي يبدأ من غياب الشمس وحتى صبيحة اليوم التالي، بسبب الخوف من الخطف أو الاعتقال أو القتل- تنعم بالهدوء نهاراً عموماً، وتتوفر فيها مستلزمات العيش بأسعار أفضل مما كانت عليه سابقاً، لكنّ هذا الهدوء الظاهري يخفي شللاً متفاقماً داخل مؤسسات الدولة، التي تعمل بروحٍ خاوية، كأن الحياة انسحبت منها بهدوءٍ جنائزيّ، لا يُنتج سوى الحدّ الأدنى من الخدمات.
ويُعزى ذلك، في معظمه، إلى عجز آلاف الموظفين عن الوصول إلى أماكن عملهم، إما بسبب ندرة وسائل النقل، أو نتيجة تسريحهم من وظائفهم ضمن موجات الإقصاء الأخيرة. أما من بقي في الخدمة، فغالباً ما يُنفق راتبه الزهيد كاملاً على أجور المواصلات، دون أن يبقى له ما يسد رمق يومه.
في المقابل، لا يزال الريف الساحلي يرزح تحت وطأة الخطر. الناس هناك ينامون خائفين، ويستيقظون على صوت الرصاص، فيهرعون من بيوتهم إلى البراري والأحراش، خشية مجازر قد تُفاجئهم في عتمة الليل. كثير من العائلات، ممن نُهبت أو أُحرقت منازلها، فرّت نحو المدن واستأجرت بيوتاً مؤقتة، على أمل نجاةٍ لم تتضح ملامحها بعد.
وفي خضمّ هذا الواقع المأزوم، لم تعد فكرة الفرار حلماً فردياً، بل تحوّلت إلى أمنية جماعية تتردّد في المجالس، وعلى شفاه الكبار والصغار. ولا نبالغ إن قلنا إن غالبية أبناء الساحل، لو أُتيحت لهم فرصة الرحيل إلى أي بقعةٍ في هذا العالم، لما ترددوا لحظة. غير أن ضيق الحال من جهة، وانسداد أبواب اللجوء من جهة أخرى، يجعلان من هذا الحلم ضرباً من المستحيل.

الوجدان الشعبي: من رفض الفيدرالية إلى تبرير التقسيم
غالبية سكان الساحل يعيشون حالة من التوجّس والقلق، وفي ظلّ صمت الإعلام الرسمي وغياب الإعلام الحر، باتت مصادرهم الوحيدة للأخبار هي صفحات الفيسبوك واتصالاتهم الشخصية عبر شبكة الإنترنت. في هذا الفراغ الإعلامي، ووسط الانهيارات المتتالية، تغيّرت البوصلة في قلوب الناس.
فالذين كانوا، حتى وقتٍ قريب، يرفضون بشدّة مجرد سماع عبارة "الإدارة الذاتية" — التي لطالما روّج النظام البائد أنها مرادفة للانفصال والخيانة — باتوا اليوم يقبلون لا بالفيدرالية فحسب، بل حتى بالتقسيم. لا بدافع القناعة السياسية، بل فقط رغبةً في البقاء على قيد الحياة. لقد بدؤوا يبرّرون الفكرة بمرارة، مستندين إلى ما ذاقوه من ويلات خلال الشهور الماضية؛ إذ لم يعد لديهم ما يخسرونه سوى الخوف ذاته.
بلادٌ معلّقة بين نارين
ما يحدث في الساحل السوري ليس مجرّد أزمة أمنية ولا اضطراباً سياسياً عابراً، بل جرحٌ مفتوح في خاصرة وطنٍ يترنّح على حافة الانهيار.
بين سلطة مهترئة عاجزة عن الحماية، ومعارضة مشتتة لم تُفلح في توحيد صفوفها، وشعبٍ خائف تائه بين ركام الخيبات—تظل البلاد معلّقة بين نارَين:
نار الانتظار، ونار الاندثار.
وإن لم يُكتب لهذا الواقع خاتمة عادلة، فإن ما يُخطّ اليوم على جدران القرى ليس شعاراتٍ مؤقّتة، بل وصايا الراحلين، رسائل ما قبل الفقد الأخير.
ومع ذلك، حتى في أحلك اللحظات، يظلّ في القلوب قبسُ رجاءٍ لا تُطفئه المجازر، ووميض كرامةٍ تعجز البنادق عن إخماده.
من تحت الركام، ستنهض الحكايات.
ومن بين أنقاض القرى المنكوبة، ستولد أصواتٌ جديدة؛ لا لتنتقم، بل لتشهد، وتُصلح، وتعيد للبحر صفاءه، وللجبال هيبتها، وللإنسان حقه في أن يحيا بلا خوف.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليسار نائم: الرجاء عدم الإزعاج!
- -ثوار- خارج الخدمة
- اللجنة الوطنية للتحقيق: عندما تتحول المجازر إلى مسلسل شهري ب ...
- رسالة إلى سلطةٍ لم تَعُد ترى إلا ما تُريد..
- سكاكين المخطط: سوريا خارج التاريخ
- المجازر وخريطة التقسيم: كيف تؤدي الفظائع إلى تفتيت الأوطان؟
- لماذا تقلّ نسبة الجرائم في الدول الاسكندنافية؟
- من الطفولة إلى الإجرام: كيف يُصنع القتلة؟
- بين إحصاء الموظفين وإحصاء الضحايا.. ذاكرة الحكومة الانتقائية ...
- العلويون في سوريا.. تاريخها معتقداتها معاناتها مستقبلها (الج ...
- العلويون في سوريا.. تاريخها معتقداتها معاناتها مستقبلها (الج ...
- الإعلام.. صانع الأحداث أم بائع الوهم؟
- سوريا بعد مائة يوم: أي عهدٍ هذا؟
- أردوغان وتطلعاته للسلطة الدائمة: تحليل لاستراتيجياته السياسي ...
- بين مطرقة الخوف وسندان الوطنية.. زيارة الدروز إلى إسرائيل
- اتفاق عبدي والشرع.. توقيع في الزمن الحرج
- الإعلان الدستوري: نسخة محسّنة من الاستبداد القديم!
- الطائفية.. حين يصبح الانتماء تهمةً تستوجب القتل
- هل أصبح مصير المفقودين في الأزمة السورية طيَّ النسيان؟
- قراءة أولية في اتفاق -قسد- مع دمشق


المزيد.....




- في ظل انخفاض مبيعات التذاكر.. هل أصبح السفر الجوي أكثر خطرًا ...
- -النصوص قطعية لا تقبل الاجتهاد أو التغيير-.. الأزهر يرد على ...
- قلق أردني من تداعيات الرسوم الجمركية
- وسائل إعلام: لا إنذارات جوية في أوكرانيا خلال الليلة الماضية ...
- حزب الله: سلاح المقاومة لمواجهة إسرائيل
- ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على قطاع غزة
- العشق الوهمي.. تبادل الحب والرومانسية مع تطبيقات الذكاء الاص ...
- جدل جديد حول الميراث في مصر.. والأزهر يصدر بيانا ناريا
- سفير روسيا يهدي وزيرة خارجية كوريا الشمالية كعكة عيد الفصح
- أصبحت رمزا للصمود.. أكبر بطريقة في العالم تحتفل بعيد ميلادها ...


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ضيا اسكندر - الواقع الأمني والاجتماعي في الساحل السوري.. مجازر وقلق وخيبات