أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي طبله - تفكيك الطائفية كمنظومة للهيمنة: نحو تحليل ماركسي بديل















المزيد.....

تفكيك الطائفية كمنظومة للهيمنة: نحو تحليل ماركسي بديل


علي طبله
مهندس معماري، بروفيسور في الهندسة المعمارية، باحث، كاتب وأديب

(Ali Tabla)


الحوار المتمدن-العدد: 8318 - 2025 / 4 / 20 - 11:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مدخل: الطائفية ليست “وعياً زائفاً” بل أداة سلطة معاصرة

التحليل اليساري التقليدي للطائفية غالبًا ما يراها كتجلٍ لـ”الوعي الزائف” الذي يصرف الطبقات الشعبية عن مصالحها الحقيقية. هذا التشخيص، رغم صحته الجزئية، بات قاصرًا. فواقع ما بعد 2003 في العراق، وما قبله في لبنان وما يشبهه في سوريا والبحرين، يفرض علينا قلب المعادلة: الطائفية لم تعد فقط أداة لتضليل الجماهير، بل أصبحت بنية إنتاج وإدارة للسلطة والثروة، تُمارَس بشكل يومي، وتُقنّن داخل مؤسسات الدولة والمجتمع، وتُدافَع عنها أحيانًا من قبل ضحاياها أنفسهم.

أي تحليل ماركسي اليوم لا يعترف بهذا الواقع، أو يتجاوزه بخطاب عن “وحدة الطبقة العاملة” فقط، يفشل في فهم الكيفية التي تُدمّر بها الطائفية إمكانية هذه الوحدة من الأساس. علينا أن نتحدث بوضوح: الطائفية ليست انحرافًا عن الصراع الطبقي، بل طريقة في تنظيمه بشكل منحرف لخدمة السلطة.



أولًا: الطائفية كنظام لا كخطاب

في العراق، كما في لبنان، الطائفية ليست مجرد طريقة للتفكير، بل نظام سياسي واقتصادي واجتماعي متكامل. هي طريقة توزيع المناصب، والعقود، والثروات، وأحيانًا حتى الحصص في الجامعات والمستشفيات. هذه ليست مجرد “ثقافة طائفية”، بل منظومة مصالح تحمي نفسها عبر مؤسسات الدولة، وعبر إعلام وأحزاب وقادة دينيين، وحتى عبر سلوك الناس اليومي.

وبالتالي، فإن من يتعامل مع الطائفية وكأنها مجرد “تعصب ديني” أو “تحيّز اجتماعي” يقع في فخ التبسيط. إن إزالتها لا تكون فقط عبر “التوعية”، بل عبر تفكيك مصالحها المادية وشبكاتها السلطوية. وهذا ما يجعلها صعبة الكسر: لأن من يدافع عنها لا يفعل ذلك بدافع الجهل فقط، بل لأنه يستفيد منها، أو لأنه خائف من بديل لا يضمن له شيئًا.



ثانيًا: الطائفية كغطاء للطبقة

المفارقة الجوهرية هي أن الطائفية تُستخدم اليوم لتقسيم الطبقات الدنيا، لا لحماية مصالحها. ففي العراق، هناك ملايين الشيعة الفقراء، مثلما هناك ملايين السنة الفقراء، ومئات الآلاف من الكرد الفقراء. لكن أي احتجاج على أوضاعهم يُواجه بـ”الخط الأحمر الطائفي”: ممنوع أن تنتقد زعيمك لأنه “يمثّلك”، ممنوع أن تطالب بحقوقك لأن “طائفتك مستهدفة”، ممنوع أن تتحالف مع غيرك لأن “الآخرين خانونا”.

بهذا المعنى، فإن الطائفية تُحوّل الغضب الاجتماعي إلى خوف هوياتي، وتُفرّغ الصراع الطبقي من مضمونه، وتُعيد تعبئته كصراع بين جماعات متوازية وهميًا، لكنها متكافئة فقط في الظاهر. الطبقة الحاكمة، بجميع طوائفها، تستفيد من هذا التقسيم، وتُعيد إنتاج سلطتها عبره.

والأخطر: أن الفقراء أنفسهم يُدفعون أحيانًا للدفاع عن هذا النظام الطائفي، لأنه يبدو لهم “أقل ضررًا” من المجهول، أو لأنه يُقدّم لهم فتاتًا من وظائف أو خدمات لا ينالها غيرهم.



ثالثًا: تفكيك الطائفية لا يعني تجاهلها

الكثير من الخطابات اليسارية تقع في فخ “العمى الطائفي”: أي أنها ترفض حتى الاعتراف بوجود الطائفة، وكأن إنكارها كفيل بإلغائها. هذا موقف مثالي، لكنه غير عملي. المطلوب ليس تجاهل الطائفة، بل تفكيكها كأداة للهيمنة.

هذا يتطلّب أمرين:
1. تحليل مادي دقيق: من يربح من الطائفية؟ من هم “وسطاء الطائفة” الذين يحتكرون التمثيل السياسي والديني والخدمي؟ كيف تُحوّل الهويات إلى رأسمال سياسي؟
2. بناء وعي طبقي هجومي: لا يخاف من مخاطبة الناس بلغتهم، بل يُعيد توجيه هذه اللغة نحو مصالحهم الحقيقية. نعم، نحن بحاجة لليسار أن يخاطب الشيعي كشيعي، والسني كسني، والكردي ككردي، لكن لا ليُكرّس الطائفة، بل ليكشف زيفها.



رابعًا: من لينين إلى العراق – إعادة تشكيل النظرية

لينين واجه إمبراطورية متعددة القوميات، وقال إن على الثوري أن “يكون الأكثر حساسية للاضطهاد القومي”. نحن اليوم نواجه بنية أكثر تشابكًا: لا قومية فقط، بل طائفية تُمارس كقومية، وتُدار كطبقة.

وهنا تتطلب اللينينية إعادة بناء معرفي، من دون التفريط بجوهرها. لا بإلغاء تحليل البنية الطبقية، بل بربطه بتحليل البنية الهوياتية كآلية سيطرة متداخلة مع الرأسمالية. فكما أن البضاعة تخفي علاقات الإنتاج، فإن الطائفة تخفي علاقات الاستغلال، وتقدّم نفسها كـ”مصير” بينما هي مجرد وسيلة تنظيم للهيمنة.



خامسًا: نحو إستراتيجية ثورية ما بعد الطائفية

إلغاء الطائفية لا يعني الدعوة إلى التجريد النظري، بل إلى التنظيم العملي. والاستراتيجية البديلة يجب أن تتأسس على ما يلي:
1. بناء بنى قاعدية مشتركة: مجالس عمّالية، لجان أحياء، تنسيقيات نقابية، تجمع عمّالًا من مختلف الهويات، وتربطهم بمصالحهم اليومية.
2. فضح شبكات الهيمنة الطائفية بالأسماء: من هم الوسطاء؟ من هم المستفيدون؟ كيف تُدار الوزارات والصفقات والوظائف؟ ليس عبر التعميم، بل بالتفصيل.
3. إنتاج خطاب ثوري جديد: لا يكتفي بترديد “الطبقة العاملة” او الأمرّ من ذلك "المدني والمدنية" بل يطرح أسئلة جديدة: من هو “عدو العامل الشيعي”؟ من يسرق الفلاح السني؟ لماذا لا يملك العامل الكردي داخل حزبه صوتًا؟
4. تحالفات طبقية أفقية: من أسفل، لا من قمة الأحزاب أو الطوائف، قائمة على المصالح لا الهويات، وعلى التنظيم لا النوايا.



خاتمة: ما بعد الطائفية ليس بعد الطوائف

نهاية الطائفية لا تعني نهاية الطوائف. الناس لن تتخلى عن هوياتها الدينية أو الثقافية، ولا يجب أن يُطلب منها ذلك. بل ما يجب تغييره هو موقع هذه الهوية: من كونها أداة للسلطة، إلى أن تكون خيارًا شخصيًا، لا تحدد الحقوق ولا توزع الامتيازات.

هذا هو التحدي النظري والعملي لليسار العراقي اليوم. لا أن يبشر بـ”أخوة وطنية” فارغة او مصطلحات ليبرالية: مدني ومدنية، ولا أن يستنسخ شعارات الأممية دون سياق، بل أن يخوض معركة حقيقية ضد النظام الطائفي كنظام سياسي طبقي مقنّع، وأن يُعيد بناء الطبقة العاملة من بين ركام الخوف، والانقسام، واليأس.



#علي_طبله (هاشتاغ)       Ali_Tabla#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد ذاتي للخطاب اليساري في العراق: الحزب الشيوعي العراقي نمو ...
- نقد ذاتي للخطاب اليساري في العراق: الحزب الشيوعي العراقي نمو ...
- مَلَكَةُ الجَمَالْ: ثَلاثِيَّةُ الوَرْدَةِ التي لا تَذْبُلُ
- نبوءة - في السياسة
- اللينينية بين ضرورة التجديد وتحديات الطائفية: دراسة مقارنة ب ...
- رد على تساؤلات وتعليقات -ملهم الملائكة- - حول مقالتي: - العر ...
- رد على تعليق الدكتور لبيب سلطان حول مقالة: “العراق ليس دولة ...
- العصبيات والطائفية في العراق – تفكيك الأعداء وصناعة الصراع ا ...
- دفاعاً عن اللينينية في ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي العراقي: تحل ...
- دفاعاً عن اللينينية في ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي العراقي: تحل ...
- العراق ليس دولة فاشلة، بل دولة مُفشَّلة عمداً.. والشعب وحده ...
- -العراق ليس دولة فاشلة، بل دولة مُفشَّلة عمداً.. والشعب وحده ...
- دفاعاً عن اللينينية في ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي العراقي: تحل ...
- يَا حِزْبَ الْكادِحِينْ
- معلقة الرفيق فهد
- رثاءٌ في ظِلّ الشُّهُود
- جيرةُ القَلبِ لا تُهدَمُ بالجُدرانِ
- العصبيات والطائفية في العراق – تفكيك الأعداء وصناعة الصراع ا ...
- مرثية من بغداد
- التغيير و ...


المزيد.....




- انتهاء هدنة -عيد الفصح- في أوكرانيا، وكييف تتهم موسكو بانتها ...
- ترامب يأمل في -صفقة هذا الأسبوع- بين موسكو وكييف ويعد بتجارة ...
- الاحتلال يقتحم نابلس ويهجر 4 آلاف عائلة من مخيمي طولكرم
- غارات على سوق فروة الشعبي في صنعاء، والحوثيون يتوعدون بـ-محا ...
- تشويه تماثيل في لندن خلال مظاهرة حاشدة مؤيدة لحقوق المتحولين ...
- السوداني: قمة بغداد تعقد وسط تحديات كبيرة يواجهها العرب والم ...
- -إل موندو-: فارق بسيط مهم في صفقة ترامب.. هل تمتلك كييف القد ...
- إعلام: ضغوط أمريكية على كييف للرد على مقترحات واشنطن لوقف ال ...
- ترامب: الكثير من قادة العالم يطلبون مني إعفاءهم من الرسوم ال ...
- انتهاء هدنة عيد الفصح التي أعلنتها روسيا في أوكرانيا


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي طبله - تفكيك الطائفية كمنظومة للهيمنة: نحو تحليل ماركسي بديل