أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامي القسيمي - لماذا نحن، ولماذا هم؟














المزيد.....

لماذا نحن، ولماذا هم؟


سامي القسيمي

الحوار المتمدن-العدد: 8317 - 2025 / 4 / 19 - 16:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يبدو أننا، نحن شعوب العالم الثالث، قد تخلينا عن أنفسنا منذ زمن. حملنا حقائبنا المليئة بالأعذار، عبرنا بحار الوهم، وقررنا أن نعيش في ظلال الفوضى، نُمجد الخراب ونُسميه قدرًا. اخترنا أن نُسجن أنفسنا في كومة طين، في أسماء طويلة، في شهادات مؤجلة، وفي أحلامٍ لا نجرؤ على تحقيقها. بينما في الغرب، يبدو أن الإنسان قد قرر أن يكون إنسانًا، لا عبدًا للأوهام أو رهينةً للانتظار.

في الغرب، لا تُرفع الأيادي إلى السماء طلبًا للمطر، لكنه يهطل بانتظام. الماء لا يُقطع بلا إنذار، والأشجار تُورق دون الحاجة إلى صلوات. الحقوق تُنتزع بالقانون لا بالمظاهرات، والعدالة تُطبق دون الحاجة إلى وساطة. هناك، الكهرباء لا تنقطع، الشوارع لا تتفجر، المعلم يُحترم، والإنسان لا يُحاكم باسمه أو لونه. الزمن يسير منتصبًا، لا أحد يركله. بينما نحن، نُحارب الزمن بالتأجيل، نُصالحه بالشعارات، ونُخدر أنفسنا بالأمل الكاذب.

نحن نصرخ كثيرًا. ننوح، نتمتم، نعد، نهدد، نرجو، نلعن الظروف، ونُلقي باللوم على الجميع: على التاريخ، على الاستعمار، على الجيران، على القدر. لكن صوتنا لا يتجاوز سقف الفوضى. لسنا بحاجة إلى أعداء خارجيين، فنحن أعداء أنفسنا. نُكثر من الشكوى لأننا نعجز عن العمل. نُردد الشعارات لأننا نخاف المواجهة. نُحب الكلام لأن الكلام سهل، لكن العمل صعب، والتغيير مؤلم.

في الضفة الأخرى، لا أحد ينتظر الخلاص من الخارج. لا أحد يرفع صوته طلبًا للرحمة، ومع ذلك، الحياة تسير. الماء لا يُسمم، المستشفيات لا تُغلق أبوابها، والعدالة لا تُباع. هناك، الناس تُصلح ذاتها بنفسها. يحترمون القانون كما لو كان عقدًا اجتماعيًا لا يُخترق، ويُنظمون حياتهم بعقلٍ ومنطق. الإنسان هناك يعيش لأنه قرر أن يعيش، لا لأنه ينتظر من يُنقذه.

في ستوكهولم، يمكنك أن تمشي ليلاً بلا خوف. في كوبنهاغن، لا أحد يسألك عن اسمك الكامل أو قبيلتك. في أمستردام، لن تحتاج أن "تعرف أحدًا" لتُعامل كإنسان. في برلين، قد تختلف معهم، لكنك ستبقى محترمًا. هذه بلادٌ لا تعرف الشعارات الجوفاء التي نُحبها، لكنها تعرف العمل. لا تحفظ خطبًا طويلة عن الأخلاق، لكنها تُطبق القانون. لا تتحدث عن المثاليات، لكنها تجعل الأرض مكانًا يُشبه الحلم.

بينما نحن، لا نتحرك إلا حين تسقط الكارثة. لا نفيق إلا حين ينهار السقف فوق رؤوس أطفالنا. حين تغرق مدينة، نقول "كان يمكن أن تكون أسوأ". نحول المصائب إلى دروس، والخسائر إلى أعذار. نعيش على التأجيل، على الأمل المُعقوف، على وهم أن شيئًا ما سيحدث، أن شخصًا ما سيأتي، أن الغد سيكون أفضل دون أن نفعل شيئًا. لكن الغد لا يأتي لمن ينتظر، والخلاص لا يُمنح لمن لا يُقاتل من أجله.

لنكن صرحاء: المشكلة فينا. في عقلياتنا الراكدة، في أنظمتنا الفاسدة، في حكامنا الذين يُحولون الأوطان إلى مزارع خاصة. نحن شعوبٌ تُقدس الشكل وتُهمل الجوهر، تُمجد النية وتُعدم الفعل. نُحب الخطابات الرنانة، لكننا نُفرغ العمل من معناه. نُكثر من الشعارات لأننا لا نُجيد التنفيذ. نُلقي باللوم على الجميع، إلا أنفسنا.

أنظمتنا تُكافئ الولاء لا الكفاءة، تُعاقب الفكر وتُكرم الصمت. حكامنا يُحاضرون عن العزة بينما يُذلون شعوبهم. يتحدثون عن التقدم بينما يُغرقون الأوطان في الديون. يُشيدون بالعدالة بينما يُوزعون الامتيازات على المقربين. ونحن، بدل أن نثور، نُصفق. بدل أن نُطالب، نصمت. بدل أن نُغير، ننتظر. لقد أدمنا الانتظار حتى صرنا أسرى له.

الغرب لم يصل إلى ما هو عليه بالصدفة. لقد فهموا أن الحياة تُحب من يفكر، من يخطط، من يحفر أساسات البيت قبل أن يسكنه. لم ينتظروا أحدًا ليبني لهم سكك الحديد، بل صنعوها. لم يتوسلوا لإصلاح اقتصادهم، بل عملوا حتى أوجعهم التعب. هم لم يعتمدوا على الأمل، بل على العقل. بينما نحن، نُردد "غدًا أفضل"، ثم نترك الأمور للصدفة، ونُلقي باللوم على الظروف.

ربما لسنا بحاجة إلى أن نكون عربًا، أو أي شيء آخر، إذا كان هذا يعني التمسك بالتخلف. ربما العزة ليست في الهوية، بل في العمل. ربما الكرامة ليست في الشعارات، بل في الإنجاز. ربما الحرية ليست في الكلام، بل في الفعل. نحن نُقدس الشكل ونُهمل المضمون. نصنع تماثيل لفظية للنية، ونهدم أي محاولة للتطبيق. نُحب الكلام لأن الكلام لا يكلفنا شيئًا، لكن التغيير يكلفنا كل شيء: الخوف، الراحة، الأوهام.

الغرب ليس أفضل منا لأنهم "هم"، بل لأنهم اختاروا أن يكونوا. اختاروا أن يخجلوا من الفوضى لا أن يُبرروها، أن يرفضوا التخلف لا أن يُلبسوه ثوب العزة. اختاروا أن يُعطوا للعقل مكانًا، للعمل قيمة، للإنسان كرامة. هم لا يملكون جواز سفر للحضارة، لكنهم يكرهون العبودية المقنعة، والتسليم المزيف، والتواكل المتخفي خلف الأعذار.

لن نجد أنفسنا حتى نُغير أنفسنا. لن نعيش حتى نقرر أن نعيش. المشكلة ليست في السماء، ولا في الأرض، ولا في التاريخ. المشكلة فينا: في عقولنا المُغلقة، في قلوبنا المُكبلة، في أيدينا المُرتجفة. فلنبدأ من حيث نكون: بشوارع نظيفة، بمدارس تحترم عقل الطفل، بقوانين لا تُفرق بين غني وفقير. لنبدأ بعملٍ صغير، لكنه صادق. بخطوةٍ متواضعة، لكنها ثابتة. لنكف عن لوم الظروف، ونبدأ بلوم أنفسنا.

السويد ليست أفضل منا، لكنها اختارت أن تكون. اختارت أن تُحسن إلى نفسها، أن تزرع بذرة وتصبر حتى تثمر، أن تبني بيتًا ولا تنتظر الريح لتهدمه. فلنكن نحن الخلاص الذي طالما انتظرناه. فلنُحيي العقل، ونُعيد الاعتبار للعمل، ونجعل من أرضنا مكانًا يليق بالإنسان. عندها، لن نحتاج أن نسأل لماذا نحن هكذا، لأننا سنكون قد أصبحنا ما نريد.

وإن لم نفعل، فلا نلومن إلا أنفسنا. فلا أحد يُغير مصير قوم، إلا أنفسهم.



#سامي_القسيمي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السعودية والإمارات: خمسون عامًا من الظلال - التطرف، الاغتيال ...
- دور المملكة العربية السعودية في تمويل الإسلام ونشوء الجماعات ...
- برنامج الحج عبر الإنترنت: تجربة الحج في عالم الواقع الافتراض ...
- الحيوانات المتفوقة: تحديات وجودية في ظل عبثية الخلق
- تحليل فلم صاحب المقام للكاتب ابراهيم عيسى
- بائعة جسد متطرفة
- السبايا في القرآن والسنة
- فنون المسلمون في إذلال الذميين
- الحشيش بديلا عن القات في اليمن – رؤية إقتصادية وصحية - جزء ث ...
- الحشيش بديلا عن القات في اليمن – رؤية إقتصادية وصحية - جزء أ ...
- أين هو قبر النبي محمد ؟
- الأمثال والتعابير التي إقتبسها القرآن من الكتب المقدسة
- الحجر الأسود والوثنية
- الحرق وداعش في التراث الإسلامي
- محاولة إنتحار (محمد) وعلاقتة بمرض BPD
- إعصار تسونامي وأسطورة المساجد الصامدة
- فضيحة الزنداني - الكاسيت المرعب
- درع الرسول وصاع من شعير!
- أكل لحوم البشر في الإسلام (The Cannibal)
- نصلي من أجل السلام ونقتل بإسم الدين !


المزيد.....




- هارفارد تقاضي ترامب بعد تجميد التمويل الفدرالي وتصف قراره با ...
- إشادات عربية بمواقف البابا فرانشيسكو من الحرب على غزة وحوار ...
- فنزويلا تعلن الحداد ثلاثة أيام على وفاة البابا فرنسيس
- جامعة هارفارد تقاضي إدارة ترامب بسبب تجميد منح بـ2.2 مليار د ...
- الأردن ينكس أعلامه لمدة ثلاثة أيام حدادا على وفاة البابا فرن ...
- إعلام: سرقة حقيبة وزيرة الأمن الداخلي الأمريكي في مطعم بواشن ...
- غارات أمريكية تستهدف صنعاء اليمنية
- رئيس البرازيل: البابا فرنسيس كان بابا الأمل
- تحذير أممي: هايتي على شفا -نقطة اللاعودة- مع تصاعد عنف العصا ...
- جامعة هارفارد تقاضي ترامب


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامي القسيمي - لماذا نحن، ولماذا هم؟