محمد بن زكري
الحوار المتمدن-العدد: 8316 - 2025 / 4 / 18 - 01:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا أشك في حسن نية الدكتور فتحي بن شتوان و لا في وطنيته ، و شخصيا - و للتاريخ - أشهد له بشجاعة تحمل المسؤولية و الحس الوطني ، عندما شاءت الصدفة ، لحسن حظ (!) قطاع النفط و الاقتصاد الليبي عموما ، أن يأتي وزيرا للطاقة ، خلفا لعبد الله البدري ، الذي كان قد تنازل - بقرار انفرد باتخاذه ، دون العودة إلى وزارة الخارجية والتعاون الدولي ، للتشاور والتنسيق معها بالخصوص - لشركة سوناطراك الجزائرية ، عن الاستثمار الليبي في حقل غدامس النفطي ، بالرغم من أن الخزانة الليبية كانت قد دعمته لتوها بمبلغ 70 مليون دولار ! فلم يتأخر الدكتور فتحي عن دعم و تبني موقف الإدارة العامة للتعاون الدولي بوزارة الخارجية ، لجهة معارضتنا لقرار وزير النفط السابق (عبد الله البدري) ، و العمل على إلغائه ، حيث كان كل من رئيس مجلس الإدارة و مدير عام المصرف الليبي الخارجي (محمد لياس) و الأمين المساعد للتعاون الدولي بالوزارة / وزير دولة (محمد الطاهر سيالة) مؤيّديْن لقرار التصفية ، تضامنا مع موقف وزير النفط (عبد الله البدري) ، بدعوى عدم الجدوى ! و كنتُ من موقعي و مسؤوليتي في الإدارة العامة للتعاون الدولي ضد قرار التصفية (أحتفظ بنسخ من الوثائق ذات الصلة) ، فما كان من الدكتور فتحي إلا الانحياز لاستعادة الحق الليبي في حقل غدامس النفطي شراكةً مع سوناطراك .
و من ثم أستطيع الآن أن أتفهم هذه المبادرة (الوطنية) التي يتقدم بها بن شتوان ، كخارطة طريق لمعالجة الآثار التدميرية للصراع (اللاوطني) على السلطة منذ خمس سنوات من (فوضى الربيع العربي الخلاقة !) التي أتت على الأخضر و اليابس في بلادنا .
و إنه لجهد كبير بذله الدكتور فتحي في إعداد مقترحه - أو بالأحرى برنامجه الشامل - لتجاوز الأزمة بالغة التعقيد و متعددة الأوجه ، التي تعصف بالوطن ، و تغذيها صراعات مصالح و نفوذ قوى دولية كبرى ، ليست الصراعات المحلية - في جانب منها - غير انعكاسات ثانوية لها .
و المقترح في خطوطه الرئيسة و برؤيته الفكرية و أدواته التحليلية الإطارية ، هو - في تقديري - أقرب إلى ما يمكن وصفه بأطروحة يوتوبيا ليبرالية ، تحتاج في ترجمتها (واقعيا) إلى جيل كامل و ربما جيلين من الزمن ، و من رجال إدارة الدولة - و لا أقول الحكام - الأكفاء ، و النزيهين الأقرب إلى الملائكية ! و ما يثير الانتباه في المقترح هو التركيز على دور القطاع الخاص في خطط التنمية ، بالرغم من أن كل تجارب التنمية - في دول ما يسمى العالم الثالث - قد أثبتت أن القطاع الخاص ، ليس عاجزا فقط عن النهوض بأي دور حقيقي في إنجاز خطط التنمية ، بل كان دائما عبئا عليها و نقطة ضعف بنيوي فيها .
أما فكرة المِلكية الجماعية ، فهي إعادة طرح لفكرة توسيع قاعدة المِلكية التي روّج لها النظام السابق ، و التي غالبا ما تلجأ إليها حكومات النظم الراسمالية (حكومة تاتشر في بريطانيا مثلا) للخروج من أزماتها الهيكلية الدورية ، الأمر الذي لا يمكن في ظروف الواقع الليبي شديد التخلف اقتصاديا و اجتماعيا - مع عجز القطاع الخاص بطبيعته عن تحقيق التراكم الراسمالي اللازم للتنمية - إلا أن يؤدي إلى إعادة إنتاج اقتصاد التخلف ، بما يصاحبه من تشوهات اجتماعية ؛ خاصة و أنهم في التطبيق ، سيأخذون بما ورد في المقترح من " تشجيع القطاع الخاص " دون شرط ارتباط ذلك بـ " تعزيز الموارد المالية التي تتطلبها التنمية " .
و فيما يميل المقترح إلى تبني سياسات إلغاء الدعم الحكومي ، فهو لا يقدم بديلا (واضحا) لهيكل الأجور و المعاشات غير المتوازن في القطاع العام ، و لا يهتم بنظام الاستخدام الجائر - ساري العمل به في القطاع الخاص - الذي هو أقرب إلى نظام العبودية و السخرة ، بعقود إذعان فاحشة الإجحاف بحق المستخدَمين (بفتح الدال) . و يتجاهل المقترح أن التعليم في فرنسا و ألمانيا و الدول الإسكندنافية (الراسمالية) مجاني في كل مراحله ؛ فهو في ليبيا حق ، و ليس منة من أحد ، و أن مظلة الضمان الاجتماعي أوسع كثيرا في أوربا الراسمالية - نموذج الاقتداء - مما هي في هذا المقترح ؛ فضلا عن أنه من المعيب أن يكون في ليبيا فقراء أصلا ، مع أن تعداد سكانها أقل من عدد الطلبة في الجزائر ، و يتجاوز عددهم تسعة ملايين طالب في مختلف مراحل التعليم [اليوم 2025 عددهم حوالي 14 مليون] ، أخذا في الاعتبار أن التعليم في الجزائر مجاني ، مع نقل عام طلابي شبه مجاني ، و تغذية مدرسية مجانية ، و أقسام داخلية بدرجة فنادق ثلاثة نجوم ، و منح مالية لطلاب الجامعات .
و الحق انه لا وجه للمقارنة مع الجزائر في أي من مجالات الخدمات العامة و تخطيط النمو ، بما في ذلك الإسكان العام .
و عودة إلى سياسات الاستخدام ، يشير المقترح بشكل غامض و ملتبس إلى " المرونة في الأجور و الانتقال من نشاط إلى آخر والمرونة في العلاقة بين العاملين وأصحاب العمل وممارسات التشغيل والإيقاف عن العمل " ، ما يمكن تفسيره بالإحالة إلى مبدأ (سوق العمل) في النظم الراسمالية التقليدية ، حيث يغدو الإنسان مجرد سلعة خاضعة لقانون العرض و الطلب .
و صحيح تماما أنه ليس ثمة من معطيات إحصائية دقيقة ، فيما يتعلق بالقوى العاملة و توزيعها بين الفئات العمرية من الشباب ، على أن نسبة البطالة بين الشباب - بما في ذلك خريجو التعليم الجامعي من الجنسين - تتجاوز 30% ، و قد تتجاوز تقديريا سقف 60% ، أخذا في الاعتبار (التزوير المتعمد) في تعبئة و تفريغ استمارات مشروع الاستبيان الوطني ، بكل مراحله .
و صحيح أيضا أن جزءً كبيرا من القوى العاملة يشارك " في أنشطة ذات قيمة منخفضة و أن إنتاجيتها متدنية جدا.. و لا يوجد اهتمام بتدريبها و خاصة التدريب المحلي المتخصص في مواقع العمل " ، لكن الأنكى من ذلك هو أن الدولة ، قد تخلت نهائيا منذ نحو عقدين - و تكرس ذلك خلال العشرية النيوليبرالية الأخيرة من النظام السابق ، في إطار رؤية مشروع ليبيا الغد - عن دورها الضامن في توفير فرص و مواطن العمل للشباب ، ثم إن شركات القطاع العام (جميع شركات الاتصالات / نموذجا) تشترط للتوظيف توفر خبرات عملية سابقة ، و هو ما ليس متوفرا للخريجين من كل التخصصات بمن فيهم المهندسون ، فضلا عن انتفاء أن يكون لديها أي اهتمام بخطط التدريب لرفع الكفاءة الإنتاجية .
و إذا كان ترتيب ليبيا في مؤشرات استقرار الاقتصاد الكلي ، قد تراجع من المرتبة السابعة عام 2010 الى المرتبة 73 عام 2013 ، كما تراجع ترتيبها على كل المؤشرات الدولية ، إلى الحضيض في كل القوائم بجوار الصومال . و فيما يورد الدكتور فتحي أن نسبة التضخم قد ارتفعت - تأثرا بالأحداث - من 2.5% إلى 6.1% ؛ فإن تقرير البنك الدولي ، الصادر في أكتوبر الفائت ، يفيد بأن معدلات التضخم قد ارتفعت خلال النصف الأول من العام 2016 إلى 24% .
و في كل الأحوال ، و بصرف النظر عن نقاط الاختلاف مع مقترح الدكتور فتحي بن شتوان ، الذي لا نشك في انطلاقه من موقف وطني ، بقصد تدارك إصلاح ما يمكن إصلاحه ، مما أفسده نظام الميليشيات .. في المجالات كافة و على كل مستويات الأداء العام لأجهزة الدولة ؛ وصولا بالتدريج للانتقال بليبيا من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد إنتاجي مولد للثروة ، بالاستخدام الرشيد للموارد المالية المتاحة ، و خاصة منها عائدات الاستثمار في قطاع الطاقة ؛ فإن المقترح - مع مرونة التطبيق و القابلية للإثراء بتجارب الأمم المتقدمة - يمكن له الإيفاء باستحقاقات الخروج بالبلاد من أزمتها الراهنة ، فيما لو توفرت الإرادة اللازمة .
و ختاما للمداخلة و بكل التقدير و الاحترام : حيث إن المقترح قد غمز من قناة الأيديولوجيا ، مع أنه ليس بمعزل عنها ، في أخذه بمعطيات النظرية الكينزية ، فهل لنا نحن الأغلبية الشعبية الساحقة عدديا / المسحوقة اقتصاديا و اجتماعيا ، من ملايين المفقَرين الليبيين ، أن نتطلع في وطننا إلى ما تضمنه نظم (الراسمالية الاجتماعية) لمواطنيها من مكاسب ، كحقوق مترتبة عن المواطنة ؛ عوضا عن بذخ أيديولوجيا تطلعاتنا الاشتراكية ، التي غدت حلما بعيد المنال .. بل في حكم المستحيل ؟ .
Apulios Zekri
-------------------
* المقالة تعقيب على ورقة بحثية ، للدكتور فتحي بن شتوان ، بعنوان : " مقترح لكيفية التعامل مع الأزمة الاقتصادية في ليبيا " .
17 ديسمبر 2016 . ليبيا المستقبل
#محمد_بن_زكري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟