أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ثائر ابو رغيف - قرارات ألإنسان بين حتمية العوامل وقيد السببية














المزيد.....

قرارات ألإنسان بين حتمية العوامل وقيد السببية


ثائر ابو رغيف
كاتب مهتم بالأوضاع ألسياسية

(Arthur Burgif)


الحوار المتمدن-العدد: 8314 - 2025 / 4 / 16 - 18:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كمدخل لمقالي سأستخدم الجبرية وهي مدرسة لاهوتية إسلامية تنسب كل أفعال الإنسان إلى إرادة الله المطلقة، ناكرةً أي دور حقيقي لإرادة الإنسان في خياراته. نشأ هذا المذهب في سياق الجدل الكلامي المبكر حول "القدر" و"حرية الإرادة"، الذي شغل الفكر الإسلامي منذ القرن الأول الهجري، خصوصًا مع ظهور فرق مثل القدرية (الذين أكدوا على حرية الإنسان) والجبرية (الذين نفوا ذلك)
استندت الجبرية إلى نصوص قرآنية تُظهر سيطرة الله الكاملة على الكون، مثل
﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ (الإنسان: 30). ﴿وَخُلِقَ كُلُّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ (الفرقان: 2)
يرى الجبريون أن الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة، وأن إنكار الجبر يُضعف مفهوم التوحيد، لأن الإقرار بفعل مستقل للإنسان يُشبه الشرك في الربوبية
ألجهم بن صفوان ألذي يعتبر مؤسس المدرسة الجبرية، قال إن أفعال الإنسان مخلوقة لله، والإنسان مُجبر عليها كالريشة في مهب الريح
من حجج ألجبرية العقلية لو كانت للإنسان إرادة حرة، لتناقض ذلك مع علم الله الأزلي (علمه المسبق بأفعال البشر) كذلك القدرة على الاختيار تُفترض وجود "استقلالية" عن إرادة الله، وهو ما يخالف مفهوم الإسلام عن الإله الكلي القدرة
تبنى بعض المتصوفة أفكارًا قريبة من الجبرية، مثل القول بـالفناء في الإرادة الإلهية، حيث يُلغِي العبد إرادته لصالح المشيئة الربانية. لكن هذا مُختلف عن الجبرية الكلاسيكية، كونه نتاج تجربة روحية وليس تنظيرًا كلاميًا
يتجادل بعض العلماء اليوم حول مدى توافق الجبرية مع نظريات الحتمية البيولوجية (مثل تأثير الجينات على السلوك)، لكن الفارق يبقى أن الجبرية ترى الله مصدرًا للتقدير، وليس الطبيعة العمياء

سأدخل في لب مقالي هذا وفيه ألكثير من الجبرية, تخيل للحظة أنك ألفرد، شخص وُلد في ظروف معينة، تربى في بيئة محددة، وتشكلت شخصيته عبر تفاعل لا نهائي من التجارب. كل قرار تتخذه، من أبسط الأمور كاختيار فنجان قهوتك الصباحية، إلى قرارات مصيرية كالزواج أو المهنة، يبدو وكأنه نتاج إرادتك الحرة. لكن ماذا لو كانت كل هذه القرارات محكومة بعوامل سبقت وجودك، أو رافقتك منذ الولادة حتى لحظة الاختيار؟ هذا هو المأزق الوجودي الذي يواجهه ألفرد، حيث تصبح "حريته" مجرد وهم، وقراراته محصلة حتمية لسلسلة لا تنتهي من الأسباب والنتائج
تبدأ قصة ألفرد قبل ولادته. فجيناته، الموروثة من والديه، تحدد ميوله النفسية، قدراته العقلية، وحتى استعداده للإصابة بأمراض قد تؤثر على قراراته لاحقًا بنسبة تصل إلى 40% في سمات الشخصية كالاندفاعية أو الحذر، وهي سمات تحدد كيفية تقييم ألفرد للخيارات في دراسة نشرتها مجلة Nature Neuroscience
ألعامل الأكثر أهمية هو الأسرة، المدرسة، والثقافة المحيطة ألتي تشكل نظامًا معقدًا من القيم والمعتقدات. لو نشأ ألفرد في مجتمع يُقدس الوظائف التقليدية، فاحتمال اختياره مهنة كالطب بدل الفن سيكون أعلى، حتى لو كان يميل إلى الإبداع. عالم النفس إريك إريكسون يرى أن الهوية تتشكل عبر أزمات نفسية متتالية، كل منها يُحسم وفقًا للدعم أو النقد الذي يتلقاه الفرد
ويجب أن لا نغفل دورالحوادث العشوائية كالتعرف على صديق مؤثر، أو خسارة وظيفة تُعيد توجيه مسار ألفرد. لكن حتى هذه "الصدف" ليست مستقلة عن سياقه. فقرار الذهاب إلى مكان ما (حيث حدثت الصدفة) كان نتاج دوافع مبنية على عوامل سابقة كأن نذهب لمقهى معين دون غيره
حسب الفيلسوف باروخ سبينوزا الامر يتعلق بحتمية مطلقة ، فالإنسان كحجر يسقط بفعل الجاذبية: قد يعتقد أنه يقرر مساره، لكنه في الحقيقة يخضع لقوانين الطبيعة. الفيزيائي ݒيير لاݒلاس تخيل كونًا كآلة عملاقة، حيث يمكن معرفة كل حدث مستقبلي بمعرفة كل ذرة في الحاضر
تجربة بنيامين ليبت (1983) أظهرت أن النشاط الدماغي يسبق الإدراك الواعي للقرار بثوانٍ، ما يشير إلى أن "القرار" وهمي، ومجرد تصديق لاحق لعملية دماغية حتمية.
يرى فلاسفة مثل دانييل دينيت أن الحرية لا تعني انعدام الأسباب، بل القدرة على التصرف وفقًا لرغباتك دون إكراه خارجي. لكن في حالة ألفرد، حتى رغباته مُشَكَّلة مسبقًا، مما يجعل هذه الحرية نسبية
إذا كان ألفرد مجرد دمى تتحكم بها خيوط السببية، فكيف نحاسبه على جرائمه؟ بعض الفلاسفة يقترحون أن النظام القانوني يجب أن يتحول من العقاب إلى الوقاية، كإصلاح الظروف التي تنتج المجرمين
إن نجاح ألفرد في عمله أو فشله ليس دليلًا على تفوقه الأخلاقي، بل نتيجة شبكة معقدة من الفرص والدعم. دراسة لـ جامعة هارفارد تُظهر أن 70% من النجاح المهني مرتبط بالبيئة (الأسرة، التعليم، المعارف)
تُذكر بعض الأنظمة الحتمية لكنها غير قابلة للتنبؤ بسبب حساسيتها للشروط الأولية. فقرارات ألفرد حتمية، لكن لا يمكن توقعها عمليًا، مما يخلق وهم حرية الإرادة
قصة ألفرد تدفعنا لإعادة النظر في مفهوم "الذات". إذا كنا جميعًا محصلة عوامل خارجة عن سيطرتنا، فربما تكون الرحمة مع أنفسنا والآخرين هي الدرس الأعمق. كما قال ألبرت آينشتاين
"الإنسان كيان محدود... يدرك أن كل ما يعيشه هو هبة، وليس حقًا مكتسبًا"

السؤال الأهم ليس هل نستطيع الاختيار، بل كيف نعيش في عالم تُقرر فيه خياراتنا، بينما نتمسك بفكرة أننا رغم كل شيء أبطال قصصنا الخاصة رغم كوننا ابطال روايات خيالية كتبها أله لم يجد مايلهيه.



#ثائر_ابو_رغيف (هاشتاغ)       Arthur_Burgif#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذكاء الاصطناعي وتعزيز اغتراب العمال: منظور ماركسي
- الوطنية والقومية بين الأصالة والأداء
- اللامنتمي والانعتاق من القطيع: بحثٌ في هُشاشة الانتماء وصراع ...
- جمهورية أفلاطون ومدينة ألفارابي الفاضلة
- إمكانية إستعادة البلدان المُسَمَّاة بأسماء رموز إمݒريال ...
- قصيدة -الرجال الجوف- لتي.أس. إليوت
- -في انتظار گودو- مرحلة مفصلية لإبداع صاموئيل بيكت
- التفكيكية تتحدى سلطة اللغة كوسيلة وحيدة أو ثابتة لفهم العالم
- صاموئيل ݒيكت طفرة لما بعد ألحداثوية
- صورة الفنان في شبابه - A Portrait of the Artist as a Young M ...
- جيمس جويس وآيرلند: ألولد ألعاق والأم الأبدية
- ألتداعيات الاستراتيجية لإصرار ترمݒ على ضم گرينلاند
- احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014
- إيلون ماسك هو روݒرت مردوك الجديد
- نصيحة لمحافظي البصرة ممن سيأتي
- ألتضرر ألروسي من حرب أوكرانيا
- الشاعر أوڤيد ومورفيوس: إله الأحلام في -ألتحولات-
- مجازية ألكهف لأفلاطون: رحلة من الوهم إلى الحقيقة
- ڤلاديمير زيلينسكي: الكوميديان الذي أصبح قائدًا، والقائ ...
- هاينريش هاينه والماركسية: رؤية لشاعر مزقه حب ألفن وحق ألمتعب ...


المزيد.....




- شاهد ما حدث عندما تم اختراق إشارات مرور في شوارع واشنطن
- طالب لـCNN عن منفذ إطلاق النار بجامعة فلوريدا: طُلب منه مغاد ...
- السعودية: فيديو القبض على 4 يمنيين في مكة والأمن العام يكشف ...
- ماذا يعني منح جائزة DW لحرية الرأي والتعبير لأرملة نافلني؟
- دراسة: الأطعمة فائقة المعالجة تترك بصمتها في دماغك!
- روسيا تسجن صحفيين سابقين في DW بسبب المعارض الراحل نافالني ...
- تهديدات ترامب ورسائل إيران المتضاربة تربك جولة المباحثات الث ...
- المكسيك تسجل أول إصابة بشرية بـ-داء الدودة الحلزونية-
- تونس.. أحكام بالسجن تصل إلى 66 عاما في -قضية التآمر على أمن ...
- شبه جزيرة القرم تحتفل اليوم بانضمامها إلى روسيا


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ثائر ابو رغيف - قرارات ألإنسان بين حتمية العوامل وقيد السببية