أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مختار فاتح بيديلي - سوريا وأذربيجان .. بين الماضي المتجذر والمستقبل المحتمل















المزيد.....

سوريا وأذربيجان .. بين الماضي المتجذر والمستقبل المحتمل


مختار فاتح بيديلي
طبيب -باحث في الشأن التركي و أوراسيا

(Dr.mukhtar Beydili)


الحوار المتمدن-العدد: 8308 - 2025 / 4 / 10 - 02:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في تاريخ العلاقات الدولية، قلما تجتمع الرمزية الروحية بالاعتبارات الجيوسياسية كما اجتمعت في العلاقة المركبة بين أذربيجان وسوريا. فعلى ضفاف التاريخ، تقف شخصية عماد الدين النسيمي رمزًا للتراث المشترك بين الشعبين، بينما على مسرح السياسة تبرز التوترات التي رافقت موقف النظام السوري من حرب ناغورنو قره باغ. هذه العلاقة التي تشوبها المتناقضات، تتجدد اليوم عبر تصريحات الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، الذي دعا فيها دمشق لعدم تكرار خطايا الديكتاتور حافظ الاسد ومن ثم المجرم بشار الاسد.

في أبريل 2025، أطلق الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف تصريحًا لافتًا أثار اهتمام المراقبين الإقليميين، حيث عبّر عن أمل بلاده في أن تتبنى الحكومة السورية الجديدة موقفًا متوازنًا، لا يكون مواليًا للأرمن كما كان عليه الحال في عهد نظام الأسد. وأضاف: "نأمل ألا تمنح الحكومة السورية مجالاً لمثل هؤلاء المنافقين من جديد. نحن نؤيد حكومة سوريا".

تصريح علييف لم يكن معزولًا عن السياق، بل جاء في خضم مراجعة شاملة للسياسة الخارجية الأذربيجانية بعد الانتصار في حرب قره باغ الثانية، وفي ظل سعي باكو إلى تعزيز علاقاتها في العالمين العربي والإسلامي، خاصة مع دول المشرق التي تجاهلتها طويلاً أو تبنّت مواقف أقرب إلى العداء من الدعم خاصة في فترة احتلال الأرمني للأراضي الأذربيجانية في قره باغ.

لكن قبل التطرق إلى أفق العلاقات المستقبلية، لا بد من مراجعة الخلفية التاريخية والإنسانية التي جمعت الشعبين، السوري والأذربيجاني، على مدى قرون، رغم اختلاف الجغرافيا والمسافات.

الروابط الثقافية والروحية العميقة

رغم أن العلاقات الدبلوماسية بين سوريا وأذربيجان لم تكن دائمًا في أوجها، إلا أن الصلات الثقافية والدينية والإنسانية بين الشعبين تعود إلى قرون سابقة. ويبرز في هذا السياق ضريح الشاعر والفيلسوف الصوفي "عماد الدين النسيمي"، أحد أبرز أعلام الفكر الصوفي في العالم التركي والإسلامي، والذي يقع في مدينة حلب شمال سوريا.

وُلد عماد الدين النسيمي (1369م – 1417م) في مدينة شماخي الأذربيجانية ، وانتقل لاحقًا إلى حلب، حيث اعتُبر أحد أبرز شعراء الصوفية. وُصف بأنه "شهيد الفكر"، إذ قُتل بسبب آرائه الفلسفية الجريئة، ودُفن في مدينة حلب، التي احتضنت ضريحه كأحد أبرز المعالم الصوفية في المدينة.

النسيمي، بحسب الباحثة آن ماري شيمل في كتابها الأبعاد الصوفية في الإسلام، شكّل حلقة فكرية بين العالمين التركي والعربي، وكان فكره يدعو إلى تجاوز القوميات عبر وحدة الوجود والإنسان، وهو ما جعل من ضريحه رمزًا حقيقيًا لعلاقة تتجاوز الحدود السياسية.

ولطالما اعتبر الأذربيجانيون أن وجود ضريح أحد أعلامهم في سوريا دليل على عمق الانتماء الثقافي الممتد، وهو ما يجب أن يُستثمر اليوم في تعزيز العلاقات، لا تجاهلها.

تاريخيًا، تعرّضت المناطق الشمالية من سوريا، خاصة حلب وريفها، ومنطقة الجولان قبل احتلالها، لتدفقات بشرية من التركمان، بعضهم من أصول أذربيجانية، قادمين من القوقاز في فترات الحروب الروسية – العثمانية في القرنين 18 و19.

بحسب دراسة الباحث السوري محمد جمال باروت (التركمان في سوريا: دراسة ديموغرافية – مركز الدراسات الاستراتيجية، دمشق، 2007)، فإن هذه الجماعات استقرت في بيئات متجانسة، واحتفظت بلهجتها وتقاليدها، وشاركت في الحياة السياسية السورية.لم تكن هذه المجتمعات مجرد مهاجرين، بل مثلت حلقة تواصل ثقافي وتاريخي بين بلاد الشام وأذربيجان.

هؤلاء الأتراك الأذربيجانيون كانوا عبر عقود بمثابة جسر ثقافي وبشري غير رسمي بين سوريا وأذربيجان، وهو دور مرشح لأن يتعاظم مستقبلًا، خاصة في حال تحسنت العلاقات بين البلدين.

النظام السوري السابق وأذربيجان: دعم لأرمينيا في الخفاء

منذ تسعينيات القرن العشرين، ومع استقلال أذربيجان عن الاتحاد السوفيتي، دخلت باكو في صراع مفتوح مع أرمينيا على إقليم ناغورنو قره باغ، وهي معركة قومية ودينية حادة، شاركت فيها دول عديدة بشكل غير مباشر.

لكن المفاجئ – بالنسبة للأذربيجانيين– أن النظام السوري، بقيادة حافظ الأسد، ثم بشار الأسد لاحقًا، قد اتخذ موقفًا داعمًا لأرمينيا غير محدود ، لم يكن مجرد حياد، بل تعداه إلى دعم عسكري ولوجستي، بحسب تقارير متقاطعة في تسعينيات القرن الماضي.

وقد أشارت مصادر مختلفة إلى وجود شحنات أسلحة أُرسلت من سوريا إلى أرمينيا، فضلًا عن وجود تنسيق أمني بين البلدين، عززته العلاقات السورية – الإيرانية، نظرًا إلى أن إيران كانت تميل بدورها لدعم يريفان على حساب باكو في تلك المرحلة.

أذربيجان اعتبرت ذلك الموقف خيانة للتضامن الإسلامي، خاصة في ظل كونها دولة ذات غالبية مسلمة، تواجه احتلالًا لأراضيها، وبدلًا من الدعم أو الحياد، تلقت خناجر الطعن من نظام عربي كان من المفترض أن يكون صديقًا، أو على الأقل غير معادٍ.

آفاق المستقبل: صفحة جديدة ممكنة؟

تصريح علييف الأخير قد يكون فاتحة لمسار جديد في العلاقات الثنائية، خاصة وأن باكو باتت اليوم تملك أوراق قوة سياسية واقتصادية بعد انتصارها في حرب قره باغ 2020.

اليوم، وبعد المتغيرات العميقة التي طرأت على سوريا والمنطقة، ترى أذربيجان أن هناك فرصة حقيقية لإعادة بناء العلاقات مع دمشق، شرط أن تنأى الأخيرة بنفسها عن السياسات السابقة، خصوصًا تلك التي دعمت أرمينيا على حساب الحق الأذربيجاني.

تؤمن باكو بأن التاريخ والثقافة والجغرافيا يمكن أن تُوظّف لتأسيس مرحلة جديدة من العلاقات، خاصة في ظل تنامي الدور التركي في سوريا، الذي يتقاطع استراتيجيًا مع مصالح أذربيجان وتنامي علاقاتها مع قطر وبعض الدول العربية.. كذلك فإن وجود التركمان في سوريا ذات أصول أذربيجانية يمكن أن يكون عاملًا مساعدًا لتطوير هذا التفاهم الإقليمي.

ولعل دعم علييف الصريح لسوريا اليوم، رغم تحفظاته على الماضي، يُعد إشارة إيجابية إلى أن باب التواصل ما زال مفتوحًا، وأن أذربيجان لا تريد القطيعة، بل تحاول طي صفحة الماضي، إن وجدت إرادة مماثلة من الطرف الآخر.

العلاقات السورية – الأذربيجانية تشبه جسورًا مهدها التاريخ، وثقّفها التصوف، ومرّضتها السياسة، لكنها قابلة للترميم. بين ضريح النسيمي في حلب إلى دموع الأذربيجانيين في قره باغ، ومن الحارات التركمانية في حلب والجولان إلى ساحات السياسة الدولية، تمتد علاقة سوريا وأذربيجان في مفارقة لافتة بين القرب الثقافي والبعد السياسي. اليوم، يبدو أن الفرصة متاحة لإعادة تعريف هذه العلاقة على أسس من التاريخ المشترك والمصلحة المستقبلية، إن توافرت الإرادة لدى الطرفين.

المراجع:

1. Anne-Marie Schimmel, *Mystical Dimensions of Islam*, University of North Carolina Press, 1975.
2. محمد جمال باروت، *التركمان في سوريا: دراسة ديموغرافية واجتماعية*، مركز الدراسات الاستراتيجية، دمشق، 2007.
3. Foreign Policy Magazine, *The New Caucasus Axis*, Issue 108, Fall 1997.
4. معهد البحوث القوقازية، تقرير "التدخلات الخارجية في صراع قره باغ"، باكو، 2005.
5. وكالة ترند الأذرية الرسمية، تصريحات الرئيس إلهام علييف، أبريل 2025.

#سوريا
#أذربيجان
#الهام_علييف
#احمد_الشرع



#مختار_فاتح_بيديلي (هاشتاغ)       Dr.mukhtar__Beydili#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -سوريتي فوق كل الاعتبارات- هذه ليست مجرد عبارة، بل هي وعد وع ...
- الخلافات الفصائلية في الشمال السوري تفرز أنماطاً متقلبة من ا ...
- اهذا الوطن يستحق سرقته يا من تدعون الوطنية والوطنية منكم بري ...
- تركمان سوريا في في ظل الانتداب الفرنسي
- الزعيم التركماني السوري حاج نعسان آغا بن كال محمد مصطفى باشا
- التركمان في العراق وسوريا يفتقرون إلى الكتاب
- الوضع التركماني في الدول التي يعيش فيها التركمان، يمر بمأزق
- 20 سبتمبر - يوم السيادة لجمهورية أذربيجان على كامل ترابه
- -حرب باردة- في العلاقات الروسية الإيرانية في ظل التناقض الأي ...
- الجمهورية السورية ..لكل السوريين
- التركمان -(عرب التركمان) والأعراق المختلفة الأخرى في شرق الم ...
- من المستفيد الأكبر من فوز أردوغان في الإنتخابات الرئاسية.
- أردوغان -الزعيم الوطني القوي الذي لا يقهر-
- من ذاكرة التاريخ ... مراسم دفن الغازي مصطفى كمال أتاتورك مؤس ...
- أصول قبيلة الرشوان أو ريشفان حسب تقارير القبائل (في الأرشيف ...
- ملحمة أرغينيكون -نوروز -عيد نسائم الربيع
- نحن التركمان سوريون أولا وثانيا وثالثا وعاشرا.. وتركمانيتنا ...
- حراس ثغور الاقصى …تركمان فلسطين .!
- الدور القادم وكأنه على جمهورية أوزبكستان الأن بعد كازاخستان. ...
- الوحدة...هي الطريق الوحيد لنجاة أتراك في جمهوريات أسيا الوسط ...


المزيد.....




- ترامب: روسيا عرضت تنازلا كبيرا عبر عدم احتلال أوكرانيا بأكمل ...
- هل يتحرك نتنياهو بمفرده عسكريا ضد إيران؟
- هل يكون زلزال إسطنبول الأخير مقدمة للزلزال الأكبر المنتظر؟
- الجيش الإسرائيلي: مقتل قائد دبابة بنيران قناص في معارك شمال ...
- إطلاق نار على الحدود اللبنانية السورية ودمشق تتهم -حزب الله- ...
- وزيرا الطاقة الروسي والنفط الإيراني يضعان إكليلا من الزهور ع ...
- واقع مرير خلَّفته الحرب في كهرباء السودان
- طفل مصاب يستغيث وسط ركام الموت في غزة
- -مقاومة كشمير-.. فصيل مسلح ولد بعد إلغاء الحكم الذاتي
- ترامب يهاجم جامعة هارفارد ويتهمها بالتطرف


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مختار فاتح بيديلي - سوريا وأذربيجان .. بين الماضي المتجذر والمستقبل المحتمل