أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - خليل إبراهيم كاظم الحمداني - سقوط نظام صدام وتدوير ثقافته ‏ جمهورية التعذيب: العراق وثغرات العار الخمس في نظام حماية الإنسان















المزيد.....

سقوط نظام صدام وتدوير ثقافته ‏ جمهورية التعذيب: العراق وثغرات العار الخمس في نظام حماية الإنسان


خليل إبراهيم كاظم الحمداني

الحوار المتمدن-العدد: 8307 - 2025 / 4 / 9 - 13:29
المحور: حقوق الانسان
    


في العراق، لم يعد التعذيب فعلاً شاذاً أو انحرافاً مؤسساتياً نادراً. لقد تحول، كما تؤكد تقارير الأمم المتحدة، إلى سلوك ‏ممنهج وهيكلي يمارَس في السجون، يُغضّ الطرف عنه في المحاكم، وتخرس عنه المؤسسات الرقابية. إنه نظام متكامل ‏الصمت، والإفلات، والعقوبة الجماعية، تتداخل فيه إرادة الدولة مع تواطؤ مؤسساتها، ومع خوف المواطنين من أن يكونوا ‏الضحية القادمة‎.‎
‎9 ‎نيسان: الذكرى التي فضحت خيبة التغيير
في مثل هذا اليوم، ‏‎9 ‎نيسان/أبريل 2003، سقط النظام السابق، وسقط معه تمثاله في ساحة الفردوس، وسقطت ‏الوعود العريضة بمحو السجون السرية وزنازين التعذيب. لكن بعد أكثر من عشرين عامًا، اكتشف العراقيون أن الجدار ‏الذي تهدم قد أُعيد بناؤه... بالوجوه نفسها، والطرق نفسها، والألم نفسه‎.‎
لم يعد بالإمكان الحديث عن "بقايا الاستبداد"؛ نحن نعيش اليوم في ظل استبداد جديد، يرتدي قناع الدولة، ويرتكب ‏الانتهاكات باسم القانون‎.‎
من انتفاضة تشرين إلى ضرب المعلّمين: الجمهورية تضرب أبناءها
منذ انتفاضة تشرين 2019، ارتكب النظام الأمني سلسلة من الانتهاكات المروعة: قنص للمتظاهرين، اختطاف ناشطين، ‏تعذيب ممنهج، تهديدات صريحة، واغتيالات منظمة. واللجنة الأممية سجلت هذه الجرائم، لكن الحكومة لم تحاسب ‏أحداً من الجناة‎.‎
وفي 8‏‎ ‎نيسان/أبريل 2025، عشية اليوم الذي يفترض أن يُمثل رمزًا للتحرر من القمع، خرجت جموع المعلمين والمدرسين في ‏احتجاج سلمي للمطالبة بحقوقهم. فجاءهم الرد من الأجهزة الأمنية بالضرب والإهانة والسحل في الشوارع‎.
لقد اعتُدي على المعلّم كما يُعتدى على المجرم، وضُربت كرامة المدرسة العراقية كما ضُربت كرامة الوطن‎.‎
العار البنيوي: خمس ثغرات في جسد الدولة
تحليل توصيات لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة لعامي 2015 و2022 يكشف صورة مرعبة لحالة العراق بوجود ‏خمس ثغرات بنوية في نظام حقوق الانسان في العراق ‏
‏1)‏ انعدام الإرادة السياسية للمحاسبة : فالتحقيقات لا تُجرى إلا شكلياً، ولا تصل إلى القضاء، ولا تؤدي إلى ‏محاسبة. قضاة التحقيق يفتقرون للاستقلال، وغالبًا ما يُحبط الضحايا من التبليغ خشية الانتقام. حتى ‏المفوضية العليا لحقوق الإنسان، التي يُفترض بها أن تكون صوت الضحايا، لم تكن أكثر من هيئة باردة مشلولة‎.‎
‏2)‏ لا قانون يجرّم التعذيب كما تفرضه الاتفاقية : لا يزال العراق حتى اليوم يفتقر إلى قانون يُعرّف التعذيب وفقًا ‏للمادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب. مشاريع القوانين القائمة ضعيفة، تُغفل مسؤولية القادة، وتسمح ‏بالإفلات من العقوبة عن طريق العفو‎.‎
‏3)‏ الإفلات من العقاب داخل الأجهزة الأمنية : لا أحد يُفصل من منصبه خلال التحقيق. لا أسماء تُعلن. لا رتب ‏تُسقط. والتواطؤ المؤسسي يتكرس على أعلى المستويات. كل تقرير يضيف سطرًا جديدًا إلى سجل طويل من ‏الصمت المنظم‎.‎
‏4)‏ الضمانات الإجرائية منتهكة في الواقع : القانون ينص على محامٍ، وعلى فحص طبي، وعلى المثول أمام قاضٍ ‏خلال 24 ساعة. لكن في الواقع، لا يحدث شيء من ذلك‎.
المعتقل يُعذّب في الساعات الأولى، ثم يُعرض على قاضٍ بعد أن يكون "الاعتراف" قد صيغ تحت الضرب والتهديد‎.‎
‏5)‏ أماكن الاحتجاز السرية وظروف الإهانة : في مراكز الاحتجاز ، يعيش المعتقلون في جحيم من الاكتظاظ، وسوء ‏الغذاء، وانعدام الرعاية الطبية، والتحرش بالنساء، وغياب أي رقابة حقيقية‎.
والمؤسسات الرقابية، وعلى رأسها المفوضية العليا لحقوق الانسان ورغم ولايتها القانونية الواسعة ، لا تستطيع ‏دخول العديد من تلك المراكز ولا تجرؤ على المطالبة بإغلاقها‎.‎
بشير ليس استثناءً... بل عنواناً
ما جرى للمهندس بشير ليس حادثاً معزولاً. بل هو نموذج ممنهج لما يحدث يوميًا لمئات العراقيين. بشير اختُطف، ضُرب، ‏أُهين، ومات، بينما كانت الدولة تبتسم في مؤتمراتها الصحفية، وتعد بخطط وطنية لحقوق الإنسان‎.‎
إذا لم يحاسب قاتلو بشير، ولم تُعلن الدولة أسماءهم، ولم تُغلق المراكز التي جرى فيها تعذيبه، فكل مسؤول في هذه ‏الدولة شريك في الجريمة‎.‎
في ذكرى السقوط... سقطنا مجددًا
نحن لا نُحيي اليوم ذكرى سقوط النظام السابق، بل نُحصي سقطاتنا منذ ذلك اليوم: سقوط الوعود، وسقوط القانون، ‏وسقوط كرامة المواطن، وسقوط المؤسسات، وسقوط المعلم، وسقوط بشير‎.
السقوط لم يكن في نيسان 2003 فقط. بل يتكرر في كل 9 نيسان لا يحمل معه غير القمع والإهانة‎.‎
جمهورية التعذيب قائمة... والديمقراطية فيها مجرد خيال لغوي‎.‎
‎9 ‎نيسان: الذكرى التي فضحت خيبة التغيير
في مثل هذا اليوم، ‏‎9 ‎نيسان/أبريل 2003، سقط النظام السابق، وسقط تمثاله في ساحة الفردوس، وسقط معه وعد ‏القهر والتعذيب والسجون السرية... أو هكذا كنا نُمنّي أنفسنا‎.
لكن العراق بعد 2003 لم يتخلص من ثقافة التعذيب، بل أعاد تدويرها بوجوه ومؤسسات جديدة‎. ‎فالسجون ظلت ‏مظلمة. وأقبية الاعتراف ما زالت تشتغل. والدستور الجديد لم يمنع أيدي الأمن من أن تُعيد صناعة الألم، باسم محاربة ‏الإرهاب، أو "استقرار الدولة‎".‎
بعد أكثر من عقدين على سقوط الاستبداد، لا تزال تقارير الأمم المتحدة تروي ذات القصص التي كانت تُروى في عهد ‏البعث: تعذيب لانتزاع الاعتراف، مراكز احتجاز غير قانونية، انعدام للمحاسبة، غياب للشفافية، وموت تحت التعذيب‎.‎
أي خيانة للتاريخ هذه؟ وأي استهانة بدماء من ثاروا على الاستبداد، ليتحوّل الاستبداد إلى نظام دائم بواجهة "ديمقراطية"؟‏
من تشرين 2019 إلى نيسان 2025: الجمهورية تضرب أبناءها‏
منذ انطلاق انتفاضة تشرين 2019، كان الشارع العراقي يصرخ ضد الفساد والقمع والبطالة والموت المجاني. خرج الآلاف ‏من الشباب العُزّل، يطلبون كرامة وفرصة حياة. فكان الرد‎: ‎قنابل الغاز في العيون، والرصاص في الرؤوس، والخطف في ‏الظل‎.
التقارير الدولية وثّقت عشرات الحالات من القتل خارج القانون، والاختفاء القسري، والتعذيب الممنهج في مراكز غير ‏معلنة، دون أن يُحاسب أحد‎.‎
وفي تكرار فاضح لنفس المنطق، جاء الاعتداء على المعلمين والمدرسين المتظاهرين يوم 9 نيسان/أبريل 2025، وهو يوم ‏يُفترض أن يكون رمزًا للتحرر‎.
مدرسون وأكاديميون خرجوا يطالبون بحقوقهم المهنية والمعيشية، لا أكثر، فإذا بقوات الأمن تُهينهم وتعتدي عليهم ‏وتجرّهم كما يُجرّ اللصوص‎. ‎لا احترام لمكانتهم، ولا اعتبار لرمزية اليوم‎.
إنها جريمة إضافية تُسجّل في ملف الانتهاكات، وتُثبت أن الدولة التي تضرب معلميها، ليست دولة، بل آلة تتقن فقط ‏القمع والإهانة‎.‎
أية ذكرى؟ وأي سقوط؟
حين يُضرب المعلمون يوم 8 نيسان، ويُعذّب المواطنون في السجون ذاتها التي وُعدنا بإغلاقها، فإن السقوط الحقيقي ليس ‏في 2003، بل في كل مرة ننسى فيها أن الكرامة لا تُمنح بالدستور، بل تُحمى بالفعل‎.‎
تاريخ 9 نيسان بات ذكرى مؤلمة لمن حلموا بوطن جديد. وإذا كان سقوط التمثال قد بشّر بيوم آخر، فإن سقوط المهندس ‏بشير في السجن، وسقوط المعلمين في الشارع، وسقوط المتظاهرين في الساحات، كلها تسقط في سجل واحد: سجل ‏الدولة التي تتقن أن تعذّب أبناءها وتحمي جلّاديها‎.‎



#خليل_إبراهيم_كاظم_الحمداني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحماية الاقتصادية والقيم السائلة قراءة في أثر سياسات ترامب ...
- العدالة في مواجهة السياسة: تداعيات الانسحاب المجري المحتمل م ...
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ...
- حقوق الإنسان كنتاج تاريخي دور الدولة القومية في صياغة مفاهيم ...
- -الجلادون الجدد: كيف يصنع اللااكتراث مجتمعاتٍ مريضة؟-
- الخوف من الحرية: بين التاريخ والفلسفة وعلم النفس والأدب
- التنافر المعرفي وتبرير انتهاكات حقوق الإنسان: صراع القيم وبر ...
- الانحيازات المعرفية وتأثيرها على القبول المجتمعي لانتهاكات ح ...
- الخيانة المقننة: كيف تستخدم الحكومات قوانين العمالة للأجنبي ...
- تعيين مستشار للمفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق : أزمة ...
- السيداو و التوصية 40: هل تجرؤ الحكومات على إعادة تشكيل -خرائ ...
- العراق في مواجهة التقييم الدولي توصيات الاستعراض الدوري الشا ...
- عشقٌ مشروط، ووداعٌ محسوب: أمريكا ومجلس حقوق الإنسان
- العراق في الاستعراض الدوري الشامل تحت الأضواء مجددًا.. اختبا ...
- -أن تكون مثقفًا في بلاد تحاول أن لا تموت على مهل-
- -الكرامة الغاضبة: كيف يولد الغضب الثورات ويعيد تشكيل العالم- ...
- إعادة إنتاج الاضطهاد: قراءة مادية تاريخية للعنف ضد المرأة
- الفضاء الرقمي كساحة جديدة للعنف ضد النساء قراءة تحليلية في ا ...
- الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية جدلية العلاقة وتحديات الت ...
- الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية جدلية العلاقة وتحديات الت ...


المزيد.....




- 7 آلاف إسرائيلي يوقعون عريضة تطالب باستعادة الأسرى بوقف الحر ...
- غزة تواجه المجاعة مجددا.. الأونروا تعلن نفاد مخزونات الغذاء ...
- أبو عبيدة: -تقديراتنا أن جيش الاحتلال يحاول عمداً التخلص من ...
- القسام لعائلات الأسرى الإسرائيليين: سيعود أبناؤكم في توابيت ...
- لتسريبه وثائق سرية.. اعتقال عميل في -الشاباك- الإسرائيلي
- أمنستي ورايتس ووتش تنتقدان استخدام القضاء اللبناني أداة للتر ...
- تركيا تعلن اعتقال 234 من -كبار قادة المنظمات الإجرامية- وتصا ...
- إصابة شاب برصاص الاحتلال واعتقال آخر شرق نابلس
- السعودية.. الداخلية تعلن إعدام 3 أشخاص -تعزيرا- وتكشف عن جري ...
- الأونروا: مخازننا فارغة والمجاعة تفتك بسكان غزة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - خليل إبراهيم كاظم الحمداني - سقوط نظام صدام وتدوير ثقافته ‏ جمهورية التعذيب: العراق وثغرات العار الخمس في نظام حماية الإنسان