أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - ادم عربي - مسخ مفهوم الأكثرية!















المزيد.....

مسخ مفهوم الأكثرية!


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8307 - 2025 / 4 / 9 - 01:58
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


بقلم : د. ادم عربي



كان صدر الدين القبانجي، على ما أذكر، شخصية دينية مرموقة في العراق، ينتمي إلى التيار الشيعي، وكان له تأثير كبير في "المجلس الإسلامي العراقي الأعلى" الذي يقوده عبد العزيز الحكيم. وقد تولى القبانجي إمامة صلاة الجمعة في مدينة النجف، وهي من الأماكن الدينية الرفيعة والمهمة لدى الشيعة ، لكن تأثيره لمْ يقتصر على الجانب الديني فقط، بلْ كان له دوراً بارزاً في السياسة أيضاً. فقد جمع بين القيادة الدينية والسياسية، وكان يرى أنَّ الدين والسياسة يجب أنْ يُشكلا وحدة متكاملة دون فصل بينهما.



كان القبانجي يعتبر أنَّ نظام الحكم الديمقراطي لا يتعارض مع حكم الأكثرية الشيعية، وكان هذا الموقف يعكس التوجه السياسي والديني السائد آنذاك .



رفض أنْ ينطق باسمها ،أي الديموقراطية ، إذْ اعتبر الديمقراطية بمثابة "رجس من عمل الشيطان وصناعة غربية ". بدلاً من ذلك، اختار أنْ يتناول الموضوع بشكل غير مباشر، مُعيداً تسميته بما يتناسب مع رؤيته، فسمَّاها "النظام الدستوري في العراق الجديد" في تلك الفترة.



استند القبانجي إلى "منطق أرسطو" في تفسيره لفكرة الديمقراطية، مؤكداً وكأنه أحد رموز الفكر الديمقراطي العالمي، فحسب رؤيته، الديمقراطية (أو النظام الدستوري) تعني حكم الأكثرية، وكون الشيعة في العراق يشكلون الأكثرية، فقد استنتج أنَّ الحكم يجب أنْ يكون من نصيبهم وحدهم.



لا تقل له إنَّ الديمقراطية، في مفهومها الليبرالي، التي تلمع كما يلمع الذهب أوالفضة لكنَّها في الحقيقة ليست ذهباً ولا فضة، هي "حكم الشعب". فالرأي الذي يطرحه القبَّانجي، والذي يشبه "الصفة" أكثر من كونه اسماً، لا يفرق بين "الأكثرية الشعبية" و"الأكثرية الشيعية".



لو تحوّلت التركيبة الديمغرافية في العراق، لَتَغيّرت تعريفات الديمقراطية وفقاً لهوى الخطاب السياسي القبَّانجي السائد. فلو كانت الأكثرية من ذوي البشرة السوداء، لَصاغ القبَّانجي مفهوماً جديداً للديمقراطية يختزلها في "حكم الأكثرية الزنجية". ولو هيمن الفلاحون على المشهد السكاني، لَبرز تعريف آخر يربط الديمقراطية بـ"سيطرة الفلاحين". والأمر نفسه ينطبق لو كانت الأكثرية من النساء، أو الشباب، أو أي فئة أخرى ،فكلّ تغيير ديمغرافي قد يُنتج خطاباً سياسياً قابلاً للتأويل وفق مصالح النخب.



يُدرك صاحب هذا الخطاب ، كما أعتقد ، أن مفهوم "الأكثرية" في أي مجتمع يجب أنْ يكون شاملاً، يعكس التنوع الديمغرافي بكل ألوانه وأنواعه. لكنه، بدلاً من ذلك، يختزل هذا المفهوم الواسع ليُصبح حكراً على فئة واحدة فقط، هي "الأكثرية الشيعية"، التي يراها ، عبر منظور ضيق ، الوحيدةَ الجديرة بحكم العراق. فكيف له أنْ يرى هذا التنوع الهائل في المجتمع إلّا من خلال "عينه الثالثة"، تلك التي لا تُبصر إلّا ما يخدم رؤيته الأحادية؟



ويُبرر هذا الاختيار الاستثنائي بادعاء امتلاك هذه الأكثرية لـ"فضيلتين" مقدستين في نظره: الأولى هي "الأكثرية العددية"، والثانية هي ما يصفه بـ"الانتصار لآل البيت".



يُمثِّل القبانجي نموذجاً صارخاً لـ"الدين المُوظَّف" سياسياً، حيث تُختزل المقدسات لتصبح أدوات في خدمة الأجندات الزمنية. وتكشف تصريحاته عن رؤية تستبدل مبدأ التعددية بنموذج هيمنة فئوي، خاصة بعدما بلغه أنَّ رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي ، بوصفه ممثلاً للسلطة السياسية ، قد أعرب عن استيائه من نظام المحاصصة الطائفية وما ينتجه من اختلالات إدارية وفساد مُزمن.



لكن المفارقة تكمن في أنَّ الحل الذي يطرحه القبانجي ليس تصحيحاً للمسار الديمقراطي، بلْ استبدالاً لنظام المحاصصة بنموذج أكثر إقصاءًوهو "حكم الأكثرية القبانجية".



تحت شعارات "الأكثرية" البرّاقة تختبئ مفارقة خطيرة ، فما يُطرح على أنه تمثيل للأغلبية غالباً ما يكون مجرد قناع ترتديه أقلية نافذة لتحكم من خلاله. وهذا بالضبط ما تكشفه دعوة نوري المالكي المدعومة بـ"الشرعية القبانجية" والتي تظهر ظاهرياً كحركة ديمقراطية، بينما جوهرها عملية نقل لمقاليد السلطة من أيدي مجموعة النخب الحاكمة إلى الحساب الشخصي لرجل واحد.



في خضم الصراعات السياسية والمصالح الضيقة، غالباً ما نفقد القدرة على إدراك الحقيقة الجوهرية للنظام الديمقراطي. فالديمقراطية بلا شك هي "حكم الأكثرية"، ولكنَّها ليست مجرد حكم أي أكثرية عابرة. الأكثرية المؤهلة للحكم في النظام الديمقراطي هي تلك التي تتشكل وفقاً لمبادئه وقيمه الأساسية، لا تلك التي تفرض نفسها بقوة الأعداد .



هنا تكمن المفارقة العميقة ، فبينما كلّ نظام ديمقراطي هو حكم للأكثرية، لكن ، ليس كلّ حكم أكثرية نظاماً ديمقراطياً. هذه العلاقة أشبه بمنطق القضية المنطقية التي تقول: إذا كانت كلّ الكلاب حيوانات، فليس صحيحاً أنْ تكون كلّ الحيوانات كلاباً. فالكم وحده لا يصنع الديمقراطية.



في معرض حديثنا عن النظام الديمقراطي، نجد أنفسنا أمام إشكالية جوهرية تتعلق بمفهوم "الأكثرية" التي يفترض أنْ تكون أساس الحكم الديمقراطي. فالأكثرية المنشودة في النظام الديمقراطي الحقيقي ليست مجرد ناتج جمع كمي للطوائف والقبائل والعشائر، بلْ هي "الأكثرية الشعبية" الحقيقية التي لمْ نتمكن بعد من إنتاجها في واقعنا السياسي.



والسبب في هذا العجز يعود إلى حقيقة أنَّنا لم نتملك بعد الآلية الأساسية لإنتاج هذه الأكثرية الحقيقية، وهي الديمقراطية نفسها بكل مقوماتها وأركانها. فالديمقراطية ليست مجرد آلية انتخابية شكلية، بلْ هي نظام متكامل ينتج إرادة شعبية حقيقية تتجاوز الانتماءات الفرعية.



تتميز الأكثرية في النظام الديمقراطي بكونها شاملة ومفتوحة، حيث تتجاوز الحدود التقليدية للجماعات القومية أو الطائفية. فهي تضمُّ الشيعة، ولكنها ليست شيعية، تضمُّ السنَّة، ولكنها ليست سنِّية، تضمُّ المسيحيين، ولكنها ليست مسيحية، وتضمُّ أبناء القبائل، ولكنها ليست قبلية. هذه الأكثرية تشبه الماء، الذي يتكون من الأوكسجين والهيدروجين، لكنه ليس الأوكسجين ولا الهيدروجين .

إنَّ تصوير النظام الديمقراطي على أنَّه حكم طائفة معينة، سواء كانت الشيعة باعتبارهم الأكثرية العددية أو السنَّة، هو تدليس صارخ. فـ "الأكثرية" التي يُشكل عليها نظام الحكم الديمقراطي لا تتعلق بالعدد وحده، بلْ هي أقرب إلى مفاهيم الكيمياء منها إلى الأرقام والحسابات الرياضية. إنَّ النظام الديمقراطي في بلادنا لنْ يُثبت وجوده أو يستمر إلّا إذا أوجد الأكثرية التي تتناسب معه في جوهرها وأخلاقها. وهذا التحدي، لو تأملنا فيه، هو من أعظم الأعمال التي يمكن تحقيقها أوْ إنّه لأمرٍ عظيم وهذا هو التحدي الأكبر الذي يجب أنْ نسعى لتحقيقه.



#ادم_عربي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أربعة أعداء للديمقراطية!
- الاعتذار!
- في التربية!
- وحدة الفلسفة والعلم أمر ممكن!
- إمبريالية على الطريقة الأفلاطونية!
- نساء ٣
- الفلسفة والعلم والحقيقة -جدلياَ-!
- متى نتعلَّم صناعة الأسئلة؟!
- ثدي الموت!
- الرأسمالية الأوروبية سلاحها العنصرية!
- حكايتي معك!
- تناقضات في قوة الاقتصاد الأمريكي!
- ما زالت المرأة العربية عبدة للعبيد !
- الحتمية ماركسياً ودينياً!
- متى تأخذ الطبقة العاملة مصيرها بيدها؟!
- تطوير الآلة وتأثيرها على المجتمعات!
- عبث الظلال!
- الترامبية وهم عابر أم إستراتيجية دائمة؟
- ماركس يتحدى نقاده في الاقتصاد!
- شبحُ ماركس يعود مع كل أزمة!


المزيد.....




- اليمن: الحوثيون يعلنون مقتل ستة وإصابة العشرات في ضربة أمريك ...
- محمد بن زايد يستقبل الشرع ويؤكد دعم الإمارات لإعادة بناء سور ...
- السلطات الروسية تتلقى عشرات الطلبات من أقارب الجنود الأوكران ...
- -أكسيوس-: الجولة الثانية من المفاوضات الأمريكية الإيرانية قد ...
- يواجه -خطرا كبيرا-.. نتنياهو مفصول عن الواقع وينفذ -استراتيج ...
- -لوفيغارو-: الجزائر تطرد 12 موظفا من السفارة الفرنسية في قرا ...
- المغرب.. وفاة معلمة متأثرة باعتداء طالب عليها وسط غضب كبير ( ...
- مستشار ترامب ينفي وجود أي توترات في علاقته مع ماسك
- طفرة كبرى.. فك الشفرة الوراثية الكاملة لستة أنواع من القردة ...
- الإكوادور.. الرئيس الحالي دانييل نوبوا يتقدم في انتخابات الر ...


المزيد.....

- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - ادم عربي - مسخ مفهوم الأكثرية!