أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي حسين يوسف - التأويل الجدلي للتوحيد: قراءة فلسفية في أفق العلاقة بين الواحد والكثرة














المزيد.....

التأويل الجدلي للتوحيد: قراءة فلسفية في أفق العلاقة بين الواحد والكثرة


علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)


الحوار المتمدن-العدد: 8305 - 2025 / 4 / 7 - 22:26
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في تأمل فكرة التوحيد بوصفها فكرة فلسفية، لا بوصفها شعارا دينيا أو مبدأ لاهوتي، تتجلى العلاقة بين الواحد والكثرة مثل عقدة مركزية في كل مشروع أنطولوجي يريد أن يتجاوز الثنائية دون أن يلغيها.
فهم التوحيد جدليا، لا يعني نفي التعدد، بل القول بانبثاقه من مصدر واحد، وعودته إلى ذلك بوصفه شرط معناه. ليس الواحد نقيضا للكثرة، بل أصلها، كما أن الكثرة ليست تشظّيا عن الواحد بل تجليه، تحققه، انكشافه في العالم.
ومن هنا يصبح التوحيد ليس اختزالا، بل تأويلاً للعالم بوصفه منظومة حية من العلاقات، تتجه كلها نحو مركز لا نهائي يحفظ لها معناها، دون أن يصادر حريتها.
الفكر الجدلي لا يكتفي بتقرير أن (الواحد هو الأصل)، بل يذهب إلى أن الكثرة هي الشكل الذي يُختبر فيه الواحد ويتعين، والوجود ليس وحدة ميتافيزيقية ساكنة، بل حركة دائمة من الانفصال والعودة، من التباين والتوحُّد، من التناقض الذي لا يُلغى بل يُستوعب في تركيب أعلى.
الكثرة ليست خطرا على التوحيد، بل دليله، مثلما أن الآخر ليس عدوا للذات، بل شرط وجودها. فالواحد الجدلي ليس قهرا للكثرة بل احتضان لها، يتجلى فيها ولا يضيع، يعبر عنها ولا يتشظى.
هكذا، فإن التوحيد لا يكون حقيقياً إلا إذا استوعب كل ما يُخالفه ظاهريا: الشر، التعدد، التناقض، الغيرية، كلها ليست نفيا له بل وجه من وجوهه، لحظة في جدل حضوره في العالم. فكما أن الهوية لا تتحقق إلا بغيرية، كذلك الواحد لا يصير واحدا حقا إلا حين يُنقَض ويُركّب في لحظة تتجاوز الانقسام دون أن تنفيه. وهذه الفكرة نجدها في صميم كل فلسفة حاولت أن تعبر من التجريد إلى الكينونة، من الذات المتعالية إلى الإنسان، من العلة الأولى إلى الحياة المعيشة.
إن هذا الفهم الجدلي للتوحيد يحرر الفكرة من اختزالها في عقيدة جامدة أو نظام معرفي مغلق، ويفتحها على أفق يصبح فيه الواحد مبدأً لا يُقصي، بل يَجمع. فالاختلاف ليس خروجًا عن الوحدة، بل شرط تفتّحها، والتعدد ليس تهديدا لها، بل المساحة التي تُفصح فيها عن غناها. ومن هنا يتجلى الفرق الجوهري بين التوحيد كسلطة شمولية تُخضع، وبين التوحيد كجدل حي يُثمّن الكثرة ويُعيد تأويلها داخل منظومة من المعنى المتحوّل.
فحين نقول (واحد)، لا نقصد وحدة رقمية تُقصي ما سواها، بل وحدة قادرة على احتواء غيرها، تنفتح عليه، وتتكامل معه، وتحفظ له فرادته دون أن تنفصل عنه. وكل وجود متعين هو لحظة في هذا الانفتاح، وكل فكر حر هو سعي نحو هذه الوحدة التي لا تكتمل أبدا، لأنها ليست هدفا، بل حركة. الواحد هنا ليس تماما مغلقا، بل أفق دائم، حضور لا نهائي يُغذي المعنى ويستدعي السؤال.
وإذا ما قارنا هذا التصور الجدلي للتوحيد بنماذج التوحيد السكوني التي تُنكر على الكثرة شرعيتها، نرى كيف أن الأولى تفتح الباب أمام تاريخ جديد للروح، يكون فيه اللقاء مع الآخر ضربا من الحوار، لا من القطيعة، ويصير فيه العقل أداة للإصغاء، لا للحكم، وللفهم، لا للإقصاء. فالواحد، في هذا الأفق، لا يتجلى في القهر، بل في الحرية، ولا في محو الكثرة، بل في احتضانها، لا في الإلغاء، بل في التأليف، حيث يصبح الإيمان فعلا تأويليًا، لا تكرارًا حرفيا.
ومن هنا فإن التوحيد، في صورته الجدلية، ليس ميتافيزيقا فوقية، بل إمكانا أنطولوجيا وأخلاقيا، يجعل من كل تعدد فرصة لاقتراب جديد من الواحد، ومن كل تناقض دعوة إلى تركيب أرقى، ومن كل فصل لحظة انتظار للوصل. وفي هذا، يتجاوز التوحيد الديني حدود العقيدة ليمتد إلى السياسة، إلى الفن، إلى اللغة، إلى كل بنية تجعل من التوتر طريقًا نحو العمق، ومن التعارض سبيلا إلى معنى أكثر اتساعا.
كل كثرة تنكر الواحد تغترب، وكل واحد ينكر الكثرة يستبد، والفكر الحق هو الذي يسكن بينهما، لا على حافة، بل في صلب العلاقة، في جمرها. والوجود ليس فقط (ما هو)، بل ما يتصارع ليصير، وما يتألم ليظهر، وما يتكرر ليُفهم. وهكذا، يصبح التوحيد مشروعا مفتوحا، لا نهاية له، لأنه لا ينشد السيطرة، بل الفهم، ولا يطلب التماثل، بل المعنى، ولا يريد تطابقا قاتلا، بل تناغما حيا، حيث تُصبح كل كثرة دعوة للرجوع، لا إلى نقطة أولى، بل إلى مركز لا يُحد، لأن الواحد الحق ليس عددًا، بل علاقة.



#علي_حسين_يوسف (هاشتاغ)       Ali_Huseein_Yousif#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعر الجاهلي بين مطرقة العقل وسندان الوجدان: تأملات في شكوك ...
- الديستوبيا: تجليات الخراب في الوعي والمجتمع
- جدل الهوية والانتماء في الرواية العراقية بعد ٢٠& ...
- العرفان بين التجربة الروحية والفكر الفلسفي: نظرة في المفاهيم ...
- المرجعيات الفلسفية للبنيوية
- فلسفة الأصل: المادة أم الوعي
- الخير والجمال بين الذاتية والموضوعية
- العدالة بين الفلسفة والسياسة: رحلة أفلاطون نحو المدينة الفاض ...
- الشعر بين الإدراك الخفي والتعلّم الضمني: كيف استوعب العرب ال ...
- مطالع المعلقات العشر، تأملات في الزمان والإنسان
- المنطق الروائي: فن بناء العوالم المتماسكة
- فلسفة التجربة الشخصية
- المسكوت عنه في التاريخ العَربيّ، سيرةٌ فجائعيّةٌ
- جماليّاتُ البِنيةِ الزّمانيّةِ بينَ الرّوايةِ والسّيرةِ الذّ ...
- سيمياءُ الأَهواءِ، أَو كيفَ تَكونُ العاطفةُ رمزاً
- سيمياءُ الأَهواءِ، أَو كيفَ تَكونُ العاطفةُ رمزاً؟
- مِن إِشْكَاليَّاتِ الخِطَابِ النَّقْدِيِّ العَرَبِيِّ المُعَ ...
- التَّعارُضُ بَيْنَ المَناهِجِ النَّقْدِيَّةِ المُعاصِرَةِ وَ ...
- فلسفة الخلق في النص القرآني
- الجملة الثقافية، المفهوم والدلالة


المزيد.....




- رد إيراني واضح على إعلان ترامب المفاجىء عن وجود مفاوضات مباش ...
- يوم الصحة العالمي لهذا العام مخصص للأمهات: تفاوت في الفرص بس ...
- مصادر طبية: مقتل 54 مواطنا منذ فجر الاثنين في غارات إسرائيلي ...
- ترامب ونتنياهو بين حرب غزة ومواجهة إيران
- ترامب يشكو من معاملة الاتحاد الأوروبي السيئة لبلاده
- شاهد.. قطار يسحق شاحنة حبوب في الولايات المتحدة
- ترامب يحذر: إما أن نبرم صفقات جيدة مع كل دولة أو لا شيء
- القوات الروسية تسيطر على بلدة استراتيجية
- هل سمع نتنياهو من ترامب أشياء لا يريدها؟
- العمال يدفعون فاتورة أزمة الاتحاد في ظل استشراس أعداء العمال ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي حسين يوسف - التأويل الجدلي للتوحيد: قراءة فلسفية في أفق العلاقة بين الواحد والكثرة