أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر جواد السهلاني - دراسة في أسس النهضة اليابانية















المزيد.....



دراسة في أسس النهضة اليابانية


حيدر جواد السهلاني
كاتب وباحث من العراق


الحوار المتمدن-العدد: 8296 - 2025 / 3 / 29 - 22:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"يقولون أن السماء لا تخلق إنساناً أعلى أو أقل شأناً من إنسان آخر، وأي فروق نشاهدها بين الحكيم والغبي، الغني والفقير، إنما تعود إلى شيء واحد، وهو التعليم، فوكوزاوا يوكيتشي (1854_1901) مؤسس جامعة كييو".
المقدمة:
من منا لا يعرف اليابان، البلد الصناعي العملاق في قارة آسيا، وثاني بلد في العالم الصناعي، بلد التقنية ذات المستوى الراقي، بلد الأتمتة والإلكترونيات والآلات الحاسبة والسيارات والفن والدراجات وغيرها، بل من منا لا يملك في منزله جهازاً يابانية واحداً على الأقل، ومن منا ينسى قبل هذه النهضة العظيمة مأساة هيروشيما وناكازاكي، ومن لم يسمع بثورة الامبراطور ميجي التي نقلت اليابان إلى حقبة جديدة في تاريخها، ومن منا لا ينبهر بآداب وسلوك الشعب اليابانية باللباقة والنعومة وغاية الرقة، ولذلك تعد اليابان من اغنى التجارب التي يمكن الإشارة إليها اليوم، فالتجربة اليابانية بوصفها تمثل خبرة أمة من أنجح الأمم في زماننا هذا، فالخبرة اليابانية في الاعمار بعد الخراب الذي سببته الحرب العالمية الثانية تجربة تستحق الدراسة والتدبر واستخلاص الدروس النافعة والعبر المفيدة منها، فهي بلا شك تجربة إنسانية فريدة من نوعها، ومثل هذه الدراسة تكون أكثر فائدة للشعوب الناهضة التي تريد أن تبني لها ولأبنائها مستقبلاً واعداً، فالتجربة اليابانية مثال واضح على إمكانية البناء وتحقيق التقدم من دون أن يكون كل ذلك على حساب التضحية بالموروث، ويعتبر ما حدث في اليابان خلال القرن العشرين معجزة بكل المقاييس رغم أن اليابانيين يرفضون تعبير(المعجزة) ويعلل اليابانيون هذا النجاح بأنه نتيجة الولاء للوطن والكفاح والجدية والتضحية التي قدمها المواطن الياباني.(1)
سعينا في هذه الدراسة المختصرة هو بيان عوامل النهضة اليابانية، وقد تطرقنا بلمحات عن الشعب الياباني من خلال تقاليده ونظامه السياسي والديني، أما الهدف الابرز لنا هو معرفة أن اليابان الدولة الآسيوية الفقيرة بالموارد استطاعت وبمدة قياسية أن تصل في مصافى الدول المتقدمة، و جاء هذا من وحدتهم وحبهم لبلدهم، وصدقهم واخلاصهم، وهذه الصفات هي ما حث عليه الاسلام، وأوضحنا في هذه الدراسة أن النهضة اليابانية لاتشبه النهضة العربية، وهذا ما سنتطرق له في الصفحات القادمة، وأخيراً لعل هذه الدراسة المتواضعة يطلع عليها المجتمع العربي ويعرف جيداً أنه لا حل ولا حل إلا بوحدتنا، وخاصة ما يحصل في غزة ولبنان واليمن وسوريا خير دليل على ذلك، فالوحدة العربية هي ليست خيار، بل ضرورة حتمية، أذ نجاح الأمم هي بالوحدة، والمعرفة جيداً أن الدول المعادية هي المستفادة الأكبر من التفرقة التي تنخر الشعوب العربي، فالغريب لن يساعد في حل الأزمات وإن كان ظاهرياً هو يساعد، لكنه يضع قدماً له في بلادك ولن يساهم بتطويرها، بل يريد ثرواتك فقط، ولربما خير دليل على تطور الأمة من خلال الوحدة هي الشعب الياباني الذي اصيب بأزمات داخلية كثيرة، لكنه لم يستعين بالأجنبي لمعرفته أن الاجنبي لن يحل الأزمة بل يعقدها ويساهم بتخلفها، وها نحن اليوم على مفترق الطرق، أما نسلك طريقاً واحداً، أو نسلك عدة طرق وتؤدي هذه الطرق جميعها للقضاء علينا، واعني هنا المجتمع العربي والاسلامي.
اليابان الاسم والجغرافيا:
تسمى باللغة العربية اليابان وبالإنجليزية(Japan) وباللغة اليابانية( نيبون أو نيهون) والاسم مكون من مقطعين باللغة الصينية، وهما ني التي تعني الشمس وهون التي تعني مكاناً أو أرضاً، وهي بذلك تعني بلاد الشمس أو أرضها، واليابان هي دولة جزرية تقع في شرق آسيا عند مفترق الطرق بين المحيط الهادئ وبحر اليابان وبحر الصين الشرقي قبالة السواحل الشرقية لكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية والصين، وتتكون من أرخبيل من الجزر التي يفوق عددها الستة الآلف جزيرة، وهي بذلك منعزلة عن باقي دول الجوار ولا يوجد تواصل جغرافي بينها وبين ما حولها من دول، وهذه العزلة الجغرافية في المكان خلقت نوعاً من العزلة المعنوية، ونشأ حاجز نفسي بين اليابانيين وباقي شعوب العالم، خاصة وأن عبور البحار والمحيطات التي تعزل اليابان لم يكن بشيء السهل أو الهين في قديم الزمان قبل اختراع وسائل النقل والمواصلات الحديثة، واقرب البلاد إليها هي شبه الجزيرة الكورية والصين ثم في الشمال روسيا.
تقع اليابان في اقصى شرقي آسيا، وتتكون من أربع جزر رئيسية هي من الشمال إلى الجنوب( هوكايدو_ هونشو_ شيكوك_ كيوشو)، وتحتل المناطق الجبلية ما يزيد عن 70% من أرض اليابان، وتتركز المدن الكبرى في السهول المتبقية التي تشكل أقل من 30% من المساحة، وتبلغ مساحة اليابان 378000 كيلومتر مربع.(2) وتنقسم اليابان إلى 47 محافظة وهي( هوكايدو، آوموري، إيواتيه ، ميياغي، أكيتا، ياماغاتا ،فوكوشيما،إيباراكي، توتشيغي، غونما، سايتاما، تشيبا، طوكيو، كاناغاوا، نيئيغاتا، توياما، إيشيكاوا، فوكوئي، ياماناشي، ناغانو، غيفو، شيزوأوكا، آييتشي، ميئه، شيغا، كيوتو، أوساكا، هيوغو، نارا، واكاياما، توتوري، شيمانيه، أوكاياما، هيروشيما، ياماغوتشي، توكوشيما، كاغاوا، إهيميه، كوتشي، فوكوأوكا، ساغا، ناكازاكي، كوماموتو، أوئيتا، مييازاكي، كاغوشيما، أوكيناوا).
ملامح الشعب الياباني:
ينبهر العالم بما يراه من التقدم الهائل الحاصل في اليابان، إذ يعيش الشعب الياباني على استعمال أحدث الوسائل العلمية في الصناعة، ولا يملك الناظر إلى اليابان إلا أن يرد السؤال هو كيف واءمت اليابان بين الكيمونو التقليدي وبين الكمبيوتر، وكيف جمعت بين عنصري الأصالة والمعاصرة والتي عجزت عنها العرب، إذ حافظ المجتمع الياباني على تقاليده العريقة واخلاقياته الشرقية بما فيها من مثاليات البوذية ومذهب الشنتو، فما زال الياباني يجلس متواضعاً على حصير التاتامي، وقد جمع قدميه وساقيه تحته، ويتناول مشروبه الوطني المصنوع من الارز(الساليه) ويسعد وهو يشاهد مصارع السومو، لكل غرابتها وتقاليدها الدينية، ويستمتع بحضور مسرح الكابوكي الذي نشأ منذ أجيال وما زال بتقاليده، ثم يسير الفرد الياباني في الشارع وقد وضع كمامة بيضاء من القماش على أنفه حتى لا ينتقل عدوى الانفلونزا للأخرين، وينحني طوال يومه مرات عديدة لزملائه ورؤسائه، وفي نفس الوقت الياباني الذي يتبع هذه التقاليد، يستعمل في حياته اليومية كل ما انتجته التكنولوجيا من وسائل متقدمة. ومن تقاليد الشعب الياباني:
1_العامل النفسي الذي يسود المجتمع وهو الشعور بالعيب، فالطفل يربى من صغره على إلا يلقى بورقة في الشارع، وعلى أن لا يعبر الطريق إلا من المكان المخصص لذلك، ولا يختلس قطع الحلوى من المحل، ليس لأن هذه الافعال مخالفة للقانون، بل لأن الآتيان بها عيب، وسيجلب له ولأسرته الخجل والعار، ولذلك فالفرد الياباني العادي يتجنب طريقة الجريمة توخياً للعار الذي سيلحق به وبأسرته وليس فقط خوفاً من الجزاء، فالرجل الياباني معروف عنه بأنه رجل خجول وتحكمه ثقافة العيب، فكثير من الأمور تعتبر عيب بالنسبة للياباني، مثل الرسوب في الدراسة، أو الرجوع مبكراً عن العمل ، أو مغازلة النساء.
2_في اليابان يوقرون الاحترام كثيراً، فمثلاً الرجل الكبير له احترام كبير، ويكون السلام بينهم على شكل الانحناء وهذا تعبير عن احترام الآخر، ومن القواعد المرعية أن الاصغر سناً هو الذي يبدأ بتحية الأكبر، وصاحب المنصب الأقل يحي من هو أعلى منه منصباً، ولا يكتفي بأداء التحية مرة واحدة، بل لا بد من تكرارها، ويراعي أن الاصغر سناً أو الأقل درجة هو صاحب الانحناء الأخيرة، وهو الذي ينحني بزاوية أكبر ممن توجه له التحية، وتعتبر المناقشة بصوت مرتفع أو التلويح بالأيدي مما يجافى الذوق السليم، وكذلك اعطاء التصرف وصفه السليم المباشر، كالقول بأن الاقتراح شيء أو غير مقبول أو حتى غير متوازن، والأفضل الالتجاء للجمل الطويلة غير المباشرة التي توصل النفس المعنى، والفرد في اليابان يمتنع عن استعمال هاتفه النقال في القطارات والحافلات إلا للضرورة، كما يبقي على هاتفه في وضعية صامتة أثناء تجواله في الأسواق ومحطات القطارات والشوارع المزدحمة، ولا تعد رعاية الأخلاق وتنميتها في اليابان مسؤولية الحكومة فقط، بل مسؤولية كل المؤسسات والمستويات، من الأسرة التي تتسم بالتماسك واحترام التقاليد، إلى الشركات والمصانع في القطاعين العام والخاص، إلى الناس في الشوارع والأسواق، حيث يعتبر كل منهم مسؤولاً عن نظام دولته ونظافتها وصورتها في عيون العالم، ويذكر السفير العراقي غانم الجميلي، كنت أخرج في ساعات متأخرة من الليل وتصادفني اشارات مرورية، فألاحظ أن المشاة حتى في الساعات المتأخرة من الليل، وفي غياب السيارات لا يعبرون الشوارع إلا عندما تفتح الإشارة الضوئية، هذا ما يدل على أن الالتزام بالإشارات وقواعد السير يتم طوعياً وفي غياب الرقيب، وبذلك الالتزام بالنظم والقوانين ليس فئة دون أخرى ولا لصغار القوم دون كبارهم، فالنظام يسري على الجميع، وأي قرار أو سياسة تتخذ يتم الالتزام بها من الجميع دون تمييز.
3_عند وصول الضيف للمنزل الياباني، فإنه يستأذن لدخول المنزل بصوت مرتفع، وحينما يؤذن له بخلع حذاءه بحيث تكون مقدمة في اتجاه المنزل، لأنه من واجب الخادمة أو المضيف إعداد الحذاء بعد ذلك ليكون جاهزاً للضيف والمقدمة باتجاه الشارع، أما أذا كانت الزائرة سيدة، فالأرق أن تقوم هي بنفسها بهذه العملية حتى تعفي المضيفة من هذه المشقة، والحكمة من وراء خلع الحذاء هي الرغبة في الابقاء على المنزل من الداخل طاهراً بدون تلوث بما قد يحمله الحذاء من غبار أو مخلفات من آثار الطريق، وتقضي التقاليد اليابانية بأنه بعد التجمع لتناول الغذاء وقبل بدايته أن يقول كل فرد لجاره مستأذناً (إيتادا كيماسو) أي إنني أستأذنك في تناول الطعام، ويتبع هذه الجملة بانحناء بسيط، وإذا أردت طلب كمية أخرى فعليك أن تترك قليلاً من الأرز في طبقك، وستصل الرسالة إلى المضيف أو المضيفة، وسرعان ما تمنح كمية أخرى من الأرز، أما عند اكتفاءك بهذا القدر وعدم الحاجة لكمية أخرى، فعليك بالتهام كل الكمية، المقدمة لك مع عدم ترك أي حبات أرز بالطبق، ويعتبر من اللباقة للمرء أن يكمل صحنه حتى آخر حبة أرز ويحث الأطفال بصورة خاصة على القيام بذلك، ومن غير المهذب اختيار بعض أنواع الطعام وترك الباقي، وينبغي مضغ الطعام بفم مغلق، ويحاول المضيفون اليابانيون بشكل عام التظاهر بأنهم مشغولون حتى يستطيع الضيف الاسترخاء، وذلك لتوضيح الصورة أمام الضيف بأن جميع الأعمال تجري كالعادة دون أي إزعاج يتسبب به مجيء الضيف، وبهذا يستطيع الضيف الاسترخاء لمعرفته أنه لا يسبب الإزعاج للمضيف بوجوده في بيتها.
4_من عاداتهم هو حرص الياباني على عدم اظهار مشاعرهم العاطفية في مكان ما سواء للفرح أو الحزن، وأيضاً الاحضان التي يتبادلها الشرقيون غير مقبولة في المجتمع الياباني، أما تبادل القبلات بين الرجال فإنها خطيئة لا تغتفر لا خطأ فقط.
5_يتميز اليابانيون بالدقة والالتزام، فالياباني عندما يعمل لا يحتاج إلى مشرف يضبط العمل، فالمدير في اليابان هو للمساعدة، والياباني يشعر بالفخر عند انجاز مهامه فهو حرفي بامتياز، فعامل النظافة يفتخر بمهنته مثله مثل رئيس الوزراء، وأيضاً الياباني مفتون بقصص النجاح.
6_الشعب الياباني نهم القراءة، ويذكر السفير العراقي غانم الجميلي أن الياباني مولع بالقراءة، فهو يقرأ في كل لحظة أو فرصة، وأحياناً حتى عندما يكون واقفاً في القطار إذا ما وجد الفسحة من المكان لكي يرفع الكتاب بيده، والجدير بالذكر أن الصحيفة الأولى عالمياً من عدد النسخ المطبوعة هي صحيفة( اليوميوري) التي تطبع في اليوم أكثر من 14 مليون نسخة وهناك صحف أخرى تطبع بكميات كبيرة، وبذلك يصل عدد الصحف المطبوعة نحو 58 مليون نسخة يومياً.
7_المجتمع الياباني مجتمع تعبوي، وهذه الصفة نابعة من الطبيعة العسكرية للمعتقدات الكونفوشية، وخصوصاً مسألة الانقياد التام لسلطة الحاكم من دون نقاش ولا سؤال.
8_تشكل الرياضة جزءاً هاماً من الثقافة اليابانية، وتُحظى الرياضات التقليدية مثل السومو والفنون القتالية بشعبية كبيرة في البلاد، وتعتبر مصارعة السومو الرياضة الوطنية في اليابان.
9_تشكل ظاهرة الانتحار في اليابان ظاهرة خطيرة، وقد جاءت هذه الظاهرة في الاصل من الهاراكيري، وهي قيام الفرد بقطع احشائه بسيف صغير (خنجر)، وذلك بشق بطنه أفقي من الشمال إلى اليمين، ثم يواصل الشق رأسياً إلى اسفل البطن، ولأن هذه الطريقة لا تسبب الموت الفوري، بل يبقى المنتحر يعاني من الآلام رهيبة، فلا بد من وجود شخص يقوم بقطع رقبته على الفور حتى يريحه من هذه الآلام، وهذا الفعل كان معروفا لدى مقاتلي الساموراي الذين يؤمنون بضوابط قانون البوشيدو، وكانوا يلجئون له لتفادي الوقوع في أيدي العدو أو لمسح عار الهزيمة، وكانت تعتبر قيام الساموراي بهذا العمل يكفر عنه خطئه ودليلاً عن النبل والطاعة، وفي كثير من الأحيان كان الساموراي يعين أحد المقربين له ليقطع رأسه بضربة سيف بعد أن يقوم ببقر بطنه بنفسه، وبذلك يقدم الياباني على الانتحار بسبب الاحساس بالعار، وهذا ناتج أما عن الهزيمة أو ناتج عن عمل يخل بالشرف، وفي الحرب العالمية الثانية انتشرت ظاهرة الانتحار من خلال الطيارين، فتحولت الطائرة عبارة عن صاروخ، وذلك كله من أجل الحفاظ على الوطن، وتشكل ظاهرة الانتحار حالة خطيرة ومنتشرة في اليابان، إذ شكل عدد المنتحرين اليابانيين يزيد على الثلاثين ألف في عام 2006 إلى 32،155 شخص، أي بمعدل انتحار شخص كل 18 دقيقة، وهذه اعلى نسبة في العالم، وإذا ذكرنا عدد محاولات الانتحار التي يخفق منفذوها في التخلص من حياتهم فيها، فهي أكثر من حالات الانتحار نفسها.(3)
(تعقيب، بدأ المجتمع الياباني يخفض من التزامه الصارم ببعض القواعد التقليدية، إذ بدأت التقاليد اليابانية بالتآكل من أثر الحداثة والثورة التكنولوجية، وقد لاحظ علماء الاجتماع أن اليابانيين حالياً قد اصبحوا لا ينحنون للتحية بالمعدل الذي كان سائداً من قبل، ويلاحظ أن حركة الانحناء نفسها قد اصبحت تتسم بزاوية أقل من المعدل التقليدي وكذلك قل عدد مرات الانحناء لتحية الشخص الآخر عن ذي قبل).
اللغة:
اللغة اليابانية في اصلها لغة كانت منطوقة وليس لها حروف تكتب بها، وعندما احتاج اليابانيون إلى كتابة استعاروا من اللغة الصينية، ولكن اليابان طورت من هذه الرموز الصينية حروفاً هجائية، لتعبر عن صوتيات في اللغة اليابانية تستعمل في ربط بين الكلمات والجمل، وهذه الحروف نوعان هي(هيراغانا) لكتابة أدوات الربط و(كاتاكانا) لكتابة الكلمات الاجنبية، وبذلك اصبحت اليابانية تتكون من ثلاثة انواع من الحروف هي رموز الكانجي وحروف الهيراغانا وحروف الكاتاكانا، وبذلك اليابانية لا تكتب بلغة واحدة، بل بطرق عدة وفي آن واحد، وهذه الطرق هي :
1_الرموز الصينية أو(الكانجي)، وهذه الرموز قدمت إلى اليابان مع اللغة الصينية، ولكن مع تطور الزمن نشأت الحاجة إلى رموز جديدة استحدثها اليابانيون وغيروا في اسلوب نطق بعض الرموز، ومن هنا نجد أن الصيني قد يستطيع قراءة معظم ما يكتبه الياباني في الكانجي، ولكنهما لا يستطيعان التفاهم بالكلام، لأن طريقة النطق لكثير من الرموز تختلف بين اليابان والصين مع أن المعنى واحد.
2_الهيراغانا، بسبب كثرة عدد الرموز الصينية التي يحتاج إليها المرء للكتابة، فقد نشأت الحاجة إلى إيجاد طريقة موازية للكتابة باستعمال حروف الهجاء، وهذه الطريقة تستعمل(46) حرفاً من حروف الهجاء، مكونة من الاصوات الرئيسية والحركات، وان استعمال الهيراغانا أوجد حلولاً لكثير من المشكلات المرتبطة بالكتابة الصينية، ومن أهم هذه المشكلات تعليم الاطفال الكتابة، ويتم باستعمال هذه الحروف، وإذا اتقنوا الحروف ينتقلون تدريجياً إلى الكتابة بالرموز، أما الثانية فتتعلق باستحالة إيجاد آلة طابعة تستعمل الرموز الصينية لكثرتها ومن هنا جاء استعمال الهيراغانا على المفاتيح.
3_الكاتاكانا، هي طريقة كتابة الكلمات بحروف الهجاء شبيه بالهيراغانا من حيث تداخل الاصوات مع الحركات، والفرق الاساسي هو أن الكاتاكانا تستعمل حصرياً لكتابة الاسماء الاجنبية وكل ما هو اجنبي، لكون الاسماء الاجنبية لها معان مرادفة في لغة(الكانجي).(4)
النظام السياسي في اليابان:
النظام السياسي في اليابان إمبراطوري دستوري، والسلطات مقسمة بين البرلمان والحكومة، حيث يوجد مجلسان للبرلمان، الأول هو مجلس النواب وهو صاحب الدور الأقوى في تكوين الحكومة ويتكون من(480) عضواً ينتخبون انتخاباً مباشراً كل أربع سنوات، أو عندما يطلب رئيس الوزراء من الامبراطور حل المجلس والدعوة إلى انتخابات جديدة، ولا يوجد فصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث يحتفظ الوزراء بمقاعدهم في مجلس النواب إن كانوا من الاعضاء، والمجلس الثاني هو مجلس المستشارين ويتكون من (240) عضواً ينتخب نصفهم أي(120) كل ثلاث سنوات ولا يحق لرئيس الوزراء حل مجلس المستشارين، لأن دور المجلس هو ضمان نوع من الاستمرارية في العملية السياسية التي يمكن أن تتأثر بالتقلبات والتي تحصل في مجلس النواب، أما الصلاحيات التنفيذية فهي بيد رئيس الوزراء الذي هو رئيس الكتلة الأكبر في مجلس النواب، وتم احداث تغيرات جذرية في الهيكلية السياسية في اليابان، وكان من أهمها فصل الدين عن الدولة، وذلك بإلغاء العلاقة بين الديانة الشنتوية والدولة، وتم في ديسمبر 1945 إعطاء حق الانتخاب للنساء، وكذلك منح العمال حق تشكيل الاتحادات العمالية، والناظر إلى التاريخ الياباني سيجد وعي عميق لدى القادة اليابانيون بخطورة الاستنجاد بقوى خارجة لحسم الصراع بين قوى داخلية متنازعة، فالاستنجاد لا يكون إلا لمصلحة القوى الغازية دون سواها، وتتمتع اليابان بنظام برلماني للحكم يشبه أنظمة دولتي بريطانيا وكندا، وبخلاف الأمريكيين والفرنسيين لا يقوم اليابانيون بانتخاب رئيس الدولة بصورة مباشرة، فأعضاء المجلس التشريعي يقومون بانتخاب رئيس مجلس الوزراء فيما بينهم، وبناء على ذلك، يقوم رئيس الوزراء بتشكيل مجلس الوزراء ، ويكون مجلس الوزراء مسؤولاً أمام المجلس التشريعي في تأديته للسلطة التنفيذية.(5)
الامبراطور:
بعد الحرب العالمية الثانية اصبح الامبراطور رمزاً للدولة وله صلاحيات محدودة جداً والامبراطور الحالي هو نارو هيتو ولد عام 1960، ويعد رقم 126 بحسب التسلسل الإمبراطوري للعائلة الحاكمة، ويعد عيد ميلاد الإمبراطور هو اليوم الوطني لليابان، وقد نص الاحتلال الأمريكي لليابان بأن يكون الامبراطور بوصفه رمزاً لليابان ونقل صلاحياته، وأن يترك معالجة القضايا السياسية لرئيس الوزراء المنتخب، وكان أحدى العقبات أمام تنفيذ هذه الفقرة هي تصور الشعب الياباني بأن الإمبراطور سليل الآلهة، ولذلك كان لا بد من التمهيد لهذه الخطوة بإعلان الامبراطور نفسه في الأول من يناير 1946 أنه ليس مؤلهاً، ولذلك نصت الفقرة الأولى من الدستور على أن الإمبراطور يجب أن يكون رمزاً للدولة ووحدة الشعب، وهو يستمد من منصبه من إرادة الشعب الذي هو مصدر السلطات، وجميع المهام التي يقوم بها الإمبراطور هي مهام شكلية، وتتطلب استشاره الحكومة وموافقتها، وتنطبق على الإمبراطور كافة القوانين، فمثلاً الشعب الياباني يدفع الضرائب وتنطبق هذه الحالة على الإمبراطور، وحتى اشارة المرور لا يمكن تجاوزها.(6)
الساموراي:
الساموراي، هو اللقب الذي يطلق على المحاربين القدماء في اليابان، وتعني كلمة الساموراي في اللغة اليابانية الذي يضع نفسه في الخدمة، و الساموراي هم كانوا طبقة من المحاربين عرفته بقوتها وولائها وتعليمها، وكان لهذه الفئة المحاربة فضل كبير في نهضة اليابان، إذ كانت غالبية مستشاري الإمبراطور، بدءاً بالإمبراطور ميجي وخلفائه من بعده، من طبقة الساموراي وعرف هؤلاء كيف يخاطبون روح الفروسية لدى هذه الطبقة المحاربة، وذلك بالاستناد إلى المبادئ اليوشيد والتي تربو عليها، والتي تمجد الروح القومية اليابانية وتحض على التضحية في سبيل الأمة، وتندد بكل اشكال الانفصال والحكم الذاتي الذي يضعف الوحدة المركزية، ولقد شكل الساموراي النخبة المثقفة الأكثر عدداً في اليابان طوال القرون التي سبقت اصلاحات ميجي، وبسبب تقهقر الاوضاع الاقتصادية لعدد منهم قبيل فترة الاصلاحات كانت اعداد متزايدة من شريحة صغار الساموراي تمارس التدريس ولديها خبرة واسعة في هذا المجال، وقد تحمسوا لاحقاً لإصلاح التعليم في اليابان، كما تحمسوا لإرسال البعثات التربوية والصناعية إلى الدول الغربية حتى يعود المبعوثين إلى نشر التعليم العصري، ومن صفات الساموراي وهي:
1_العدل والحزم في إداء الواجب.
2_الشجاعة والاقدام والتفاني في سبيل احقاق الحق.
3_الرحمة، ذلك أن الساموراي له الحق في تطبيق القانون، فهو القاضي والمدعي العام، و أن اقتضت الضرورة فهو الجلاد.
4_الأدب والألتزام بالسلوك العام، وهذه انعكاس للرحمة بالآخرين.
5_الصدق والاخلاص.
6_الشرف، أن الشعور بالشرف والنبل وقيمة الذات من أهم خصائص الساموراي.
7_الولاء، المصالح الشخصية والمادية تدمر العلاقات البشرية، ومن هنا كان ولا بد للساموراي ما أن يجعل ولاءه لسيده فوق كل شيء وأن يعيش حياة التقشف، وهذا الولاء إنما يكون لأسباب كثيراً التي تدل على ولاء الساموراي، وتعد قصة السبعة وأربعين ساموراي، خير دليل على وفائه( موجودة القصة في الكامل بمحرك البحث Google لمن يريد قراءتها).
8_احترام الآباء والاسلاف وطاعتهم.
9_الحكمة.
10_العناية بكبار السن والضعفاء.(7)
الاقتصاد الياباني:
اليابان ثالث أكبر اقتصاد في العالم اليوم , والرابع حسب تعادل القوة الشرائية , وثاني أكبر اقتصاد متقدم , وثاني أكبر دولة دائنة في العالم، وهي ثاني أكبر دولة حصلت على براءات اختراع بعد الولايات المتحدة، وتتمتع العلامات التجارية اليابانية مثل تويوتا وسوني وفوجي فيلم وباناسونيك بشهرة عالمية، ويعد التصنيع أحد ركائز القوة الاقتصادية اليابانية، ولكن مع ذلك، تمتلك اليابان القليل من الموارد الطبيعية، لذلك فإن أحد الأساليب التي تتبعها الشركات اليابانية تتمثل في استيراد المواد الخام وتحويلها لمنتجات تباع محلياً أو يتم تصديرها.
التكنولوجية اليابانية:
النهوض الياباني بعد الحرب العالمية الثانية، لم يقتصر على التعليم والاقتصاد بل شمل ثورة الكترونية هائلة جعلت اليابان اليوم من الدول المتقدمة تكنولوجياً، إذ اليابان دولة معروفة جيداً في صناعة الالكترونيات في جميع أنحاء العالم وتشكل المنتجات الإلكترونية اليابانية حصة كبيرة في السوق العالمية مقارنة مع غالبية البلدان الأخرى، وتعد واحدة من الدول الرائدة في مجالات البحث العلمي والتكنولوجيا والآلات والبحوث الطبية حيث لديها ثالث أكبر ميزانية في العالم للبحث والتطوير وتقدر بحوالي 130 مليار-$-، وقد تلقت اليابان معظم جوائز نوبل العلمية في آسيا، وأصبح استعمال تكنولوجيا التعليم في اليابان جزءاً أساسياً من التجربة التعليمية اليابانية، تلك التجربة الناجحة التي تجذب انتباه المهتمين بتطوير المنظومات التعليمية في كل مكان، إذ التقدم التكنولوجي هو أول ما يتبادر إلى الذهن عندما يذكر اسم اليابان، ولعل هذا ما يزيد الاهتمام بتجربة اليابان المميزة في تبني العديد من المستحدثات التكنولوجية بهدف تعزيز تجربة التدريس والتعلم، فقد أصبح دمج تكنولوجيا التعليم في المنظومة التعليمية قوة محورية في تشكيل مستقبل التعلم في اليابان، وهو من العناصر الأساسية التي تجعل نظام التعليم في اليابان من أكثر نظم التعليم تطوراً في العالم، وتجدر الإشارة أن اليابان تعتبر أول قوة تكنولوجية في العالم و يظهر ذلك من خلال احتلال اليابان للمراتب الاولى عالمياً في العديد من فروع الصناعات التكنولوجية، فتحتل المرتبة الاولى في صناعة الالكترونيات المنزلية ، والمرتبة الثانية في صناعة المعلومات الدقيقة، وفي المراتب العشرة الأولى في الذكاء الاصطناعي، واضافة إلى الصناعات العالية التكنولوجية تعتبر اليابان رائدة عالمية في مجموعة من الصناعات : كصناعة السفن والسيارات و الفولاذ وغيرها الكثير.
قام اليابانيون بتطوير الاختراعات لتسهيل حياة البشر، ومن اختراعاتهم، هو الإنسان الآلي (الروبوت)، الذي قامت شركة هوندا بصناعته وتسميته أسيمو (باليابانية أشيمو)، ويعتبر أسيمو من أهم المجالات التي تعد بنمو اقتصادي كبير مستقبلاً لليابان، وقامت شركة هوندا بتطويره ليصبح شبيهاً بالبشر بحيث ينطق لغتهم ويسير مثلهم على قدمين إلكترونيتين، كما أحدث اليابانيون تقنيات لرصد العواصف قبل حدوثها و الحد من آثار الكوارث الطبيعية مثل الزلازل التي يتعرضون لها باستمرار.
المرأة في اليابان:
المرأة في اليابان لها دورها اساسي في تقدم وطنها، فالمرأة في اليابان تحصل على نفس مستوى التعليم الذي يناله الشاب، وقد أولت حكومة ميجي تعليم البنات اهتماماً خاصاً، فأوفدت بعثة من خمس بنات إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كما تأسست أول مدرسة للبنات بطوكيو عام1872، لتعليم البنات اللاتي تتراوح اعمارهن بين 7 إلى 14 عاماً، بغض النظر عن اصولهن الاجتماعية، وبدأت أول مدرسة ثانوية للبنات نشاطها عام 1882، واسست أول كلية للبنات لتعليم اللغة الانجليزية، عام 1900 كما قامت يوشيو كايايوي، أول طبيبة يابانية بتأسيس كلية طب النساء في العام ذاته، وفي العام التالي 1901 تأسست كلية اليابان للبنات، ولكن الجامعات اليابانية لم تفتح أبوابها أمام البنات، إلا بعد انتهاء عصر ميجي، عندما قبلت جامعة توهوكو الإمبراطورية ثلاث طالبات على سبيل التجربة عام 1914.
المرأة هي القائد الأعلى بالنسبة للأسرة، فالزوج غائب معظم الوقت عن المنزل، ويقضي العرف بأن الزوج السليم يسلم الزوجة كل مرتبة، وهي التي تتولى ميزانية المنزل، والصرف على متطلبات الأسرة، وادخار بنسبة 20% لمواجهة المستقبل وتعطي زوجها مصروفه الشخصي المتواضع، فالزوجة تعتبر المسؤولة عن المهام الجسام في الاسرة، فهي المسؤولة عن تدبير نقود لشراء مسكن للأسرة أو سيارة أو الآلات المعمرة للمنزل، وهي المسؤولة عن اختيار مدارس الأولاد ومتابعة دراستهم والاتصال بالمدرسين، وحضور اجتماعات مجالس أولياء الأمور، والزوجة التي تمثل الاسرة في جمعية الحي وتشترك في المداولات والقرارات لتحسين مستوى الخدمات بالحي، وهي المسؤولة عن تعليم أولادها وحسن تحصيلهم ونتائجهم هي رسالتها الأولى في الحياة، ولذلك يطلق عليها المجتمع اصطلاح(الأم المعلمة) وهي المسؤولة عن اختيار المدرسة ومتابعة ومراقبة تحصيلهم، ويضاف إلى ذلك أن التلاميذ يواجهون امتحانات صعبة للقبول في المدارس المتميزة، أما امتحانات القبول في الجامعات المحترمة فهي نوع من المعاناة الصعبة التي لا يجتازها إلا الأكفاء فعلاً، كل ذلك تحت إشراف ومسؤولية الأم، أما الأب فيشغله عمله متابعة أولاده في مراحلهم التعليمية، بالإضافة إلى ذلك تقوم الزوجة اليابانية بخدمة زوجها، وتعطيه الحب والحنان، ولا تكف عن الانحناء والسجود له مع تنفيذ أوامره ونواهيه بلا مناقشة ولا تردد، فهو بالنسبة لها كما نظن الإله المعبود والسيد المطاع.(8)
الدين في اليابان:
يلعب الدين دوراً اساسياً في حياة الإنسان الياباني، ونظراً لأتباعه تعاليم ديانته، بصدق وتنفيذها بأمانة حتى في عمله فقد تمكن المجتمع الياباني من تحقيق التفوق الاقتصادي على كافة دول العالم، وتتكون الديانات السائدة في اليابان من مذهب الشنتو وهو الديانة المحلية اليابانية ثم البوذية، ويكفل الدستور الياباني حرية الأديان ولا يوجد دين رسمي للدولة، والطريف أن الياباني عندما يسأل عن دينه فإنه يرد بأنه لا ديني، ولا يكتب شيئاً في خانة الدين باعتبار أن مذهب الشنتو ما هو إلا عادات اجتماعية يابانية تقليدية ومتوارثة عبر الاجيال، وأن البوذية تعتبر فلسفة أكثر منها ديناً، والياباني يأخذ الأمور ببساطة، فهو يزور معبد الشنتو والمعبد البوذي وقد يزور الكنيسة المسيحية أيضاً كل ذلك في نفس الوقت، ويقدم لكل مكان منهم الاحترام والتقديس، وعلى الرغم من أن الشعائر التعبدية لا تشغل حيزاً واسعاً في حياة المواطن، فلا يذهب اليابانيون إلى المعابد للصلاة مثلما يفعل أصحاب الديانات الموحدة، لكنها مع ذلك كان لها دور في تنشئة المجتمع الياباني، وعلى الرغم من أن اليابان التي وصلت إلى قمة عالية في التكنولوجية والعلم الحديث، بل وقمة عالية من الأخلاق الحضارية الإنسانية في تعاملات البشر بعضهم مع بعض، مازالت دينياً في مرحلة الديانة البدائية، ديانة عبادة الأرواح والاسلاف وتعدد الآلهة .(9) ومن أهم الديانات في اليابان:
1_الشنتوية:
الشنتوية، هي الديانة اليابانية القديمة وكلمة (شنتو) باللغة اليابانية مكونة من رمزين من الرموز الصينية الأول( شن) ومعناه الإله أو المقدس والثاني( تو) ومعناه الطريق، وبذلك يكون معنى شنتو طريق الآلهة أو طريق المقدسات، ولأن الشنتوية هي الديانة الأصلية لليابانيين القدماء، فإن قادة التغيير في أيام (ميجي) جعلوا منها الديانة الرسمية في البلاد، وبقيت كذلك حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث اعترف الدستور الياباني الجديد الذي وضعته سلطة الاحتلال بحرية العبادة والفصل بين الدين والدولة، ولا تعرف بداية هذه الديانة ومصدرها، وهي تشكل مع البوذية المعتقد الديني لعامة المواطنين في اليابان.
تعد ديانة الشنتو واحدة من الديانات الأكثر ممارسة في اليابان والتي تعد بدورها الديانة الأصلية لليابان وتعد أيضاً فريدة من نوعها في تلك البلد، وتلك الديانة كانت الديانة الوحيدة في اليابان قبل وصول البوذية إليها وتأثيرها الملحوظ في الأساطير اليابانية، وليس لديانة الشنتو تعاليم محددة، لذلك فإنها تعد الأكثر انتشاراً في البلاد، كما تعد أيضاً واحدة من أكثر الديانات انفتاحاً على الديانات الأخرى دون التأثير عليها، وذلك لعدم احتوائها على تعاليم محددة، و أيضاً ديانة الشنتو لا يعرف لها مؤسس محدد، وقد وجدت هذه الديانة قبل دخول البوذية التي قدمت اليابان من الهند عن طريق الصين وكوريا وعاش المذهبان حتى الآن من دون أي تعارض، فالياباني يستطيع أن يكون بوذياً بالنسبة للعالم الآخر، ولكنه في نفس الوقت من المعتقدين بمبادئ الشنتو وتقاليدها ومواقفها بالنسبة للحياة والطبيعة والسلوكيات اليومية، وتهتم الشنتو بالحياة أكثر من اهتمامها بعد الموت.(10)
2_البوذية:
البوذية اسسها سدهارت جوتاما، الملقب ببوذا( 563ق.م_483ق.م) في قرية على حدود النيبال، ومعنى بوذا (الحكيم أو المستنير)، والبوذية هي فلسفة تناقش الخلود في حياة لا نهائية من تناسخ الارواح وتتسم هذه الحياة بالآلام والمتاعب التي يمكن التغلب عليها بواسطة اتباع تعاليم بوذا، حتى يصل الإنسان بعد تدريب شاق إلى مرحلة النرفانا أي التوحد مع القوة العظمى، في حالة من الرضاء والسكينة والسعادة، ولا تعترف البوذية بوجود إله، وإنما على الإنسان أن يجاهد نفسه ليصل إلى السكينة، أو كما قال بوذا المعلم:" لسنا جميعاً إلا قطرات ماء تنساب في محيط السلام ، وعلينا أن نسعى جاهدين للوصول إلى هذا السلام". وقد وصلت البوذية إلى اليابان عن طريق كوريا والصين، ومع مرور الزمن بدأ الحكام معالجة المشكلات الاجتماعية عن طريق البوذية، وذلك لقناعتهم بأهمية هذه المعتقدات في إحداث النظام الاجتماعي، فأخذت البوذية تنتشر، وبدأت حركة واسعة لبناء المعابد الكبيرة، ووصلت الديانة البوذية إلى أوج نفوذها السياسي في حكم الاقطاع( توكوغاوا) حيث عدت الطبقة الحاكمة البوذية الديانة الرسمية للدولة، ولعبت البوذية من حيث كانت الديانة المهيمنة على اليابان طوال قرون طويلة، دوراً ملحوظاً في توحيد الجوانب الروحية لدى اليابان.(11)
3_ الكونفوشية:
الكونفوشية، هي ديانة أهل الصين، وترجع إلى الفيلسوف الصيني كونفوشيوس(551ق.م_479ق.م)،والذي سعى إلى تحقيق المدينة الفاضلة عن طريق مجموعة من المعتقدات والمبادئ تتمحور في مجملها حول الأخلاق والآداب وطريقة الحكم والعلاقات الاجتماعية، ولقد كانت تعاليمه وفلسفته ذات تأثير عميق في الفكر والحياة الصينية والكورية واليابانية والتايوانية والفيتنامية.
دخلت الكونفوشية اليابان من الصين في القرن السادس الميلادي، وسرعان ما ظهر أثرها، ولكنها بقيت حبيسة المعابد البوذية، وكذلك أدت الكونفوشية بسبب تركيزها القوي على طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم وصفات الحاكم الصالح، دوراً مهماً في جميع مراحل الاضطرابات الصعبة، كالحروب الأهلية التي مرت بها الصين واليابان، وكانت الأفكار الكونفوشية بمنزلة الايديولوجية التي يلتفت الناس حولها في زمن الازمات، لذلك فمعظم الذين اعتنقوا الكونفوشية هم من طبقة المحاربين، ومن الواضح أن تطبيق الكونفوشية في اليابان أكثر صرامة منه في الصين وكوريا، ولذلك استطاعت أن تساعد بشكل كبير على إيجاد نظام اجتماعي صارم وآمن في الوقت نفسه مدة طويلة، وتركز الكونفوشية على الأخلاق من خلال تطوير الوازع الداخلي لدى الفرد، وتركز الاخلاق على الأمور التالية:
1_الطاعة وخصوصاً طاعة الوالد والخضوع له وطاعة الحاكم والانقياد لأمره، وهذه من أهم ميزات النظام الاجتماعي في اليابان الذي يتميز بالطاعة الكاملة لكل مسؤول مهما علت منزلته أو دنت.
2_أهمية إدراك الشخص لموقعه وعدم تجاوزه لمنزلته، وهذا تفسر اهتمام اليابانيين بترتيب المجلس بحسب المكانة الاجتماعية.
3_احترام الموروث وعدم تجاوزه، لأن الموروث عندهم جزء لا يتجزأ من الشخصية اليابانية، ولا يمكن لغير الياباني أن يكون يابانياً إلا إذا تقمص الشخصية اليابانية التي اساسها احترام الموروث.
4_الاعتراف بالفروق الطبقية واحترامها مع جواز أن ينتقل الإنسان الذي يمتلك الإمكانيات من طبقة إلى طبقة اعلى منها، وهذا يفسر غياب الحسد والتنافس بين اليابانيين، فالإنسان هناك لا يحاول انتزاع ما عند الأخرين، وإنما يبذل قصارى جهده للحاق بهم وتحقيق ذلك من خلال بذل الجهد.
5_اهمية الانسجام في الحياة التي تنعكس في كثير من الأمور في الحياة اليومية في اليابان.(12)
4_المسيحية:
جاءت المسيحية إلى اليابان مع قدوم المبشرين من البرتغال، وحيث لا قت جهود البرتغاليين قدراً لا بأس به من النجاح في جزيرة كيوشو وخصوصاً في مدينة(تازاكي) التي كانت محطتهم الأولى، ولكن مع حلول النصف الثاني من القرن السادس عشر اصدر هيوشي تويومي(1537_1598) قراراً بمنع التبشير بالمسيحية واعدم 26 مبشراً، واستمر منع التبشير حتى جاءات اصلاحات ميجي 1873 التي فتحت اليابان أمام أوربا، وضمنت حرية التدين للجميع، حيث ازداد اهتمام اليابانيين بالمسيحية ليس فقط عن طريق التبشير، وإنما عن طريق الطلبة اليابانيين الذين ارسلوا للدراسة وطلب العلم في دول أوربا وامريكا.(13)
5_الاسلام:
تأخر الاسلام في الوصول إلى اليابان مع أن صلة اليابان بالعالم الاسلامي ربما تعود إلى العصر العباسي بواسطة طريق الحرير الذي ربط العالم الاسلامي بشرق آسيا، وتعد البداية الحقيقية الموثوقة للإسلام مع وصول الرحالة المسلم عبدالرشيد إبراهيم الذي وصل اليابان عام 1907، ومكث فيها شهوراً يحدث الناس عن الاسلام، وقد اسلم على يديه بعض اليابانيين واسسوا مركزاً عن الاسلام في طوكيو، وفي عام 1905، اصطحب الجيش الياباني خلال الحرب الروسية اليابانية عدداً لكبير من الاسرى المسلمين من أواسط آسيا، حيث قام اليابانيون بعزل الاسرى المسلمين، فكان لحسن سلوكهم وابتعادهم عن الجرائم والتزامهم بالعبادات والعادات الاسلامية أثر كبير في اليابانيين، هذا وسكن بعضهم بالقرب من أوساكا، وقاموا ببناء أول مسجد ومقبرة اسلامية في اليابان.(14)
التعليم في اليابان:
أدرك القادة اليابانيون الجدد أهمية التعليم بوصفه جزءاً مهماً ومكملاً لبناء الدولة الحديثة، فسارعوا إلى أنشاء وزارة التعليم عام 1871 التي اتخذت لنفسها برنامجاً طموحاً لنشر التعليم لعامة الناس، وجعلت مسؤولية التعليم من مهمات الدولة، فأنهت الدراسة الدينية وحلت محلها المدارس الحكومية، وإن كان في البداية حكراً على الذكور دون الإناث، فأنشئت جامعة طوكيو عام 1877 وجامعة واسيدا عام 1882وتم تحويل كييو من مدرسة خاصة إلى جامعة في عام 1890، ولقد كان قرار حكومة ميجي جعل التعليم في اليابان حكراً على الدولة عاملاً مهماً في ابعاد كثير من المؤشرات الخارجية السلبية وخصوصاً المؤسسة الدينية والارستقراطية، كما كانت عليه الحال في أوربا، فاصبح النظام التعليمي في اليابان أكثر حرية وتقدماً من مثيلاته، وفي هذه المرحلة اعتمدت النهضة العلمية على ثلاث اسس رئيسية:
1_الاستعانة بالعلماء والمعلمين الأوربيون، ودعوة الخبراء الفنيين من كل الدول المتقدمة.
2_ترجمة الكتب إلى اللغة اليابانية، وإنشاء مدارس حديثة.
3_إرسال بعثات إلى الدول الأوربية المتقدمة من أجل العلوم الحديثة.
شهد النظام التعليمي الياباني، اصلاحات واسعة بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية في عام 1945، إذ إعادة توجيه المناهج والمقررات والكتب الدراسية، وبخاصة تلك المقررات التي تؤدي إلى أثارة النزعات الحزبية والطائفية ، لتكون بشكل أقل من النعرة القومية والنزعة العسكرية، التي كانت عليها قبل الحرب العالمية الثانية، وينقسم السلم التعليمي في اليابان إلى مرحلة رياض الأطفال: من سن ثلاث سنوات إلى خمس, وتهدف إلى تهيئة الأطفال للمدرسة ومساعدتهم على النمو العقلي والجسمي السليمين من خلال تنمية قدراتهم على التفكير والسلوك، والقدرة على التعبير، وتقديم الأنشطة التي يحتاجها الأطفال. أما في المرحلة الابتدائية والتي تبدأ من ستة سنوات، يتعلم الاطفال فيها المواد الاساسية الضرورية للحياة اليومية في المجتمع، مثل اللغة اليابانية القومية والحساب والعلوم والمواد الاجتماعية والتربية البدنية والتدبير المنزلي، وفي المرحلة المتوسطة يتلقون تعليمهم ليكونوا مؤسسين وفاعلين في المجتمع والدولة، فيتم تهيئتهم ليختاروا طريقهم في المستقبل حيث يتعلمون المهارات والمعارف الاساسية ليتمكنوا من إدراك واستيعاب الاعمال والوظائف المختلفة الضرورية في المجتمع، أما بالنسبة للمرحلة الثانوية يتعلم الطلاب المهارات والمواد الدراسية والمعلومات المختلفة التي تمكنهم من خدمة المجتمع وتأدية الدور والرسالة التي يجب تقديمها للمجتمع والدولة، مثل المقررات الدراسية في الزراعة والتجارة والانتاج الحيواني وصيد الاسماك والصناعة التي ينقسم بدورها إلى مواد دراسية أخرى مثل الآلات والهندسة والكهربائية والكيمياء والهندسة المدنية والعمارة وعلم المعادن إلى آخره، أما بالنسبة إلى الجامعات فيتقدم إليها خريجو الثانوية بعد اجتياز اختبارات القبول للجامعة التي يريد الطالب الالتحاق بها وليس على اساس نتيجة الثانوية العامة، وقبل الدخول إلى الجامعة تكون هناك اختبارات يجتازها الطالب قبل دخول للقسم أو الكلية التي يرغب الطالب فيه، وتكون صعبة جداً وخاصة دخول الجامعات العريقة مثل جامعة طوكيو وكيوتو التي تضمن للطلبة المتخرجين منها أرقى المناصب في الدولة ودوائر الاعمال، وتقوم الجامعات بتطوير قدرات الطلاب التطبيقية والمعارف والتربية الاخلاقية، حيث يتلقى الطلاب المعارف المختلفة ويقومون أيضاً بالأبحاث المتنوعة، لأن الجامعة هيئة ابحاث وليست هيئة تعليمية فقط، ومن اهم ملامح وخصائص نظام التعليم في اليابان:
1_المركزية واللامركزية في التعليم، إذ تتميز اليابان بشكل عام بمركزية التعليم، أو أن نظامها يغلب عليه المركزية، ومن إيجابيات هذا المبدأ توفير المساواة في التعليم ونوعيته لمختلف فئات الشعب على مستوى الدولة بغض النظر عن المقاطعة أو المحافظة التي ولد فيها التلميذ أو الطالب، وهناك قسط أيضاً من اللامركزية حيث يوجد في كل مقاطعة من مقاطعات اليابان مجلس تعليم خاص بها، ولكن هذا المجلس أيضا ينبع ويستحصل الموافقات من وزارة التعليم.
2_روح الجماعة والعمل الجماعي والنظام والمسؤولية: ويركز النظام الياباني للتعليم على تنمية الشعور بالجماعة والمسؤولية لدى التلاميذ والطلاب تجاه المجتمع بادئاً بالبيئة المدرسية المحيطة بهم، مثل المحافظة على المباني الدراسية والأدوات التعليمية والأثاث المدرسية وغير ذلك، لذلك في المدارس اليابانية لا عامل نظافة، فالتلاميذ مع المعلمين يقومون بهذه المهمة ويأخذون على عاتقهم تنظيف المدرسة وتجميل مظهرها الداخلي والخارجي، بل يمتد هذا النشاط إلى البيئة المحيطة بالمدرسة.
3_الجهد والاجتهاد أهم من الموهبة والذكاء، يركز اليابانيون على مبدأ الجهد والاجتهاد أهم من الموهبة والذكاء الفطري، وهو على عكس ما معروف في كثير من الدول، ويتضح ذلك أيضاً من كثرة استعمالها لكثير من الكلمات التي تدل على الاجتهاد والمثابرة باللغة اليابانية مثل كلمة سأبذل قصارى جهدي، وسأعمل بكل جدية، فالطلاب اليابانيون يؤمنون بنصح مدرسيهم وآبائهم بأن النجاح بل والتفوق يمكن أن يتحقق بالاجتهاد وبذل الجهد وليس بالذكاء فقط، فالجميع سواسية وخلقوا بقدر من الذكاء يكفيهم، فكل شخص يستطيع استيعاب ودراسة أي شيء وفي أي مجال وتحقيق قدر كبير من النجاح فيه من خلال بذل الجهد، ولذلك يستطيع الطالب أن يدرس مقرر دراسي، حتى ولو كان لا يتناسب مع ميوله طالما توفرت العزيمة على بذل الجهد والمثابرة، فالنجاح والتفوق لا يتحددان باختلاف الموهبة والذكاء، ولكن بالاختلاف في بذل الجهد، ويؤكد ذلك المقولة اليابانية الشهيرة( أربع ساعات نجاح وخمس ساعات رسوب) أي أربع ساعات نوم تعني النجاح، بينما خمس ساعات نوم تعني الرسوب، أي لتحقيق النجاح لا ينبغي النوم أكثر من أربع ساعات في اليوم.
4_الكم المعرفي وثقل العبئ الدراسي، من المعروف أن نظام السنة الدراسية اليابانية يختلف عن معظم دول العالم، حيث تبدأ الدراسة في أول شهر أبريل وتنتهي في الخامس والعشرين من شهر مارس، ويعتبر عدد الايام الدراسية وعدد الساعات في السنة أطول عدداً مقارنة بأي دولة، حيث يبدأ اليوم الدراسي عادة من الساعة الثامنة صباحاً حتى الساعة الرابعة مساءاً، بالإضافة إلى ذلك تقل عدد العطلات التي تنقسم إلى عطلة الربيع والتي لا تزيد على عشرة أيام، وكذلك نفس المدة لعطلة رأس السنة الميلادية، والعطلة الصيفية لا تزيد عن أربعين يوماً، وعلاوة على ذلك يقوم الطلاب بالذهاب إلى المدارس أثناء العطلة الصيفية تبعاً لبرنامج محدد مسبقاً، بالإضافة إلى تكليفهم بالقيام بالواجبات ومشروعات تتطلب منهم جهداً، كما يمارسون طوال العطلة نشاطات رياضية مثل السباحة وغيرها بالمدرسة بشكل منتظم حسب برنامج العطلة المحدد مسبقاً من قبل المدرسة.
5_الحماس الشديد من الطلاب وأولياء الأمور للتعليم وارتفاع المكانة المرموقة للعلم، من أين أتى هذا الحماس الشديد لليابانيين تجاه التعلم، هذا الحماس له عوامل كثيرة مثل طبيعة الشخصية اليابانية الفضولية التي تبحث عن الجديد دائماً، وهذا الحث على التعلم ما هو إلا نتاج الفلسفة الكونفوشية، وتركز هذه الفلسفة على نظام اجتماعي على اساس قواعد اخلاقية يحكمه حكام ذوو علم ومعرفة وخلق كريم، كما تؤكد هذه الفلسفة النظام العقلاني للطبيعة وأهمية العلم والمعرفة والجد في طلبها والعمل الشاق، وبهذا الحماس تجاه التعليم تمكنت اليابان من تحقيق التحديث وانتقال اليابان من دولة اقطاعية متخلفة إلى دولة حديثة من خلال اعلان اللحاق بالغرب وتقصي المعرفة في أي مكان في العالم.
المعلم له دوراً كبيراً في نهضة اليابان ، حيث أن هذا الدور يعكس اهتمام اليابانيين بالتعليم وحماسهم له، ومدى تقديرهم للمعلمين، فالمعلمون يحظون باحترام وتقدير ومكانة اجتماعية مرموقة، وكذلك المرتبات المغرية التي توفر لهم حياة مستقرة وكريمة، ويتضح ذلك من خلال التهافت على شغل هذه الوظيفة المرموقة في المجتمع، ومعظم هؤلاء المعلمين هم من خريجي الجامعات، ولكنهم لا يحصلون على هذه الوظيفة إلا بعد اجتياز اختبارات قبول شاقة تحريرية وشفوية، والمعلم يعكس صورة الالتزام وروح الجماعة والتفاني في العمل عند اليابانيين، فهم إلى جانب عملهم في المدرسة وقيامهم بتدريبات ودراسات لرفع مستوياتهم العلمية، فهم يهتمون بدقائق الأمور الخاصة بتلاميذهم، كما يقومون بزيارات دورية إلى منازل التلاميذ للاطمئنان على المناخ العام لاستذكار التلاميذ من ناحية، ومن ناحية أخرى يؤكدون التواصل مع الأسرة وأهمية دور الأسرة المتكاملة مع المدرسة، ويؤكدون المقولة العربية" قم للمعلم وبه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا". وعندما سئل الامبراطور الياباني أكيهيتو(1933_؟) عن أهم اسباب تقدم دولته في هذا الوقت القصير قال: "بدأنا من حيث أنتهى الآخرون وتعلمنا من أخطائهم، واعطينا المعلم حصانة دبلوماسية وراتب وزير".
تؤكد كافة الدراسات اليابانية والاجنبية أن التعليم هو العنصر الاساسي في كل ما حفظته اليابان من تفوق، فالأمية في اليابان تكاد تنعدم، وأثبتت الدراسات أن الطفل الياباني متفوق في معلوماته عن أقرانه من الأمريكيين والأوربيين، ولعل ذلك يرجع إلى أيام الدراسة، فالياباني يذهب إلى المدرسة 240 يوماً في السنة، ومن خلال المدرسة تتم تربية التلميذ الياباني لكي يكون جزءاً من المجتمع المشارك فيه بفاعلية، ثم من خلال التعليم العالي يتم تأهيل بما هو أهل له حتى يفيد نفسه وبلده، ولذا تنجح اليابان في تخطي كل الأزمات التي تواجهها سواء كانت كوارث طبيعية أو حروباً أو احتلالاً أو غيرها من الأزمات.
التعليم في اليابان جاد وحازم ومتنوع الرغبات، ويسهم في اكتساب المهارات، فالطالب يتخرج محباً للمعرفة راغباً في المزيد، مؤسساً على العمل واحترام القيم، لهذا تنتج دور النشر اليابانية يومياً أكثر من عشرين ألف عنوان جديداً، وعلى رغم كل الملهيات والتقنيات في المجتمع الياباني، فإن قراءة الكتب تبقى أولوية رجل الشارع قبل المثقف، وإلى جانب ذلك، يتوجه المثقفون اليابانيون نحو الترجمة، فينقلون أهم الإنتاجات الأدبية والعلمية إلى اللغة اليابانية، ويهتمون بشكل خاص بعلوم الرياضيات والفلك والخرائط، وغيرها من العلوم الحديثة، وفي هذا السياق من الملاحظ أن اليابانيين لم يغلقوا عبر تاريخهم أبوابهم في وجه أي ثقافة، ولم يعزلوا أنفسهم عما توصلت إليه العقول البشرية من إبداع علمي، بل حكموا العلم وانتصروا للعقل والمعرفة، فكانوا سباقين إلى الكثير من الاختراعات، التي غيرت ملامح العالم في مختلف المجالات، خاصة في مجال الروبوت والذكاء الاصطناعي وغيرها، ويصاحب الاهتمام بالعلم أيا كان مصدره، التركيز على دراسة مادة الأخلاق في مدارس اليابان، وتتضمن مادة الأخلاق التركيز على تعليم الأطفال أدق التفاصيل، مثل طريقة المشي، ومستوى الصوت، ودرجة الانحناء عند التحية التي تزداد وفقاً للمكانة الاجتماعية للشخص الآخر، وصولاً إلى الكلمات التي يجب اختيارها عند مخاطبة الآخرين، كل حسب عمره، كما أنه من المعروف أن الطلبة في اليابان ينظفون مدارسهم ويعدون طعام الغداء بأنفسهم وبالشراكة مع معلميهم، وتظهر آثار تدريس مادة الأخلاق في المدارس في عدة مشاهد لافتة لكل من يزور اليابان ويعيش فيها، وقد صدر في آذار (1947) قانونان, الأول قانون التربية المدرسية الذي تضمن مبادئ عامة لنظام التربية والتعليم ومبادئ تفصيلية تخص كل مرحلة ونوع تعليمي بما فيها إنشاء وإلغاء أقسام معينة في الجامعات, ووضع شروط تشغيل مديري المدارس والمعلمين منها، وأن يمتلك شهادة إكمال الدراسة في مؤسسات إعداد المعلمين, وألا يكون من ذوي الشخصيات الاجتماعية الهزيلة, وسمح لهم باستعمال العقوبات تجاه التلاميذ لكنها محددة بضوابط معينة وحرم العقاب الجسدي, أما القانون الثاني, هو تحديد أهداف التربية، منها النمو الكامل لشخصية الفرد من أجل رفعة وتقدم الأفراد وتنمية حب الحقيقة والعدالة وتقدير قيمة الآخرين واحترام العمل وتعميق شعور تحمل المسؤولية والاعتماد على النفس والاستقلال, وكذلك تنمية الثقافة من خلال الاحترام المتبادل والتعاون واحترام الحرية الأكاديمية والحياة الواقعية، وأكد أيضا على إعطاء فرص متساوية للجميع من أجل الحصول على التعليم, والدولة سوف تعطي مساعدات مالية للذين لا يستطيعون الاستمرار في نوع التعليم الذي يلائمهم لأسباب مالية، والقانون أرغم أولياء أمور الأطفال على إرسال أبنائهم للمدارس يكملون (9) سنوات التعليم الأساسي، وأكد القانون على أن الأهداف الدينية ومكانة الدين في الحياة الاجتماعية سوف تحترم في الأنشطة التربوية, غير أن المدارس بحكم القانون تحجم أية تربية دينية لدين معين.
من أهم مقومات النظام التعليم في اليابان:
1_يستمد النظام التربوي الياباني أهم مقوماته من طبيعة مجتمعه وروح أمته واحتياجات وطنه، ولا يأتي انعكاساً لنماذج تربوية خارجية.
2_يستمد النظام الياباني نهضته الحديثة من جذوره ومؤسساته وتقاليده المتأصلة والقائمة بالفعل ولم يدمرها أو يهملها بدعوى قدمها وتقليديتها.
3_يعد التعليم في اليابان خدمة وطنية عامة وواجباً قومياً يتجاوز أي جهد فردي أو فئوي خاص, وأنه في مناهجه ومقرراته وتوجيهاته يمثل عامل التوحيد الأهم لعقل الأمة وضميرها منذ مراحل التعليم الإلزامية الأولى, إذ لا يسمح فيه بتعددية المناهج والفلسفات التربوية.
4_ لم تأخذ اليابان بالنزعات الليبرالية والسيكولوجية الغربية، بل بقيت متمسكة بقيم الانضباط الموحد في الفكر والسلوك رغم الضغط المعاكس من الاحتلال الأمريكي ورغم النقد الغربي لها.
5_نقطة القوة الأساسية في النظام التربوي الياباني ليست جامعاته, إنما معاهده التقنية المتوسطة التي تمثل عموده الفقري, والممارسة العملية التدريبية هي أهم وأبرز واجبات الياباني منذ طفولته عندما يقوم بتنظيف صفه ومدرسته إلى ما بعد تخرجه عندما يبدأ من جديد التدريب الوظيفي في برامج إجبارية قبل أي منصب ثابت, أما الفتاة اليابانية فإن أهم وظيفة لها هي نجاحها في أسرتها فيقدم لها برامج تربوية عملية ضمن النظام التربوي الرسمي تعلمها كيف تصبح زوجة ناجحة.
6_استطاعت اليابان أن تجمع بين شعبية التعليم, بمعنى أن التعليم أتيح للجميع في قاعدة الهرم التربوي لتزويد الأمة بالأيدي العاملة المتعلمة، لكنه اقتصر في مستوى القمة على القلة الممتازة عقلياً والمتفوقة في مواهبها لتخريج النخبة القيادية والقادرة على مواجهة التحديات.
7_لم تأخذ اليابان ولم تنبهر باللغات الأجنبية المتقدمة, وحسمت معركة اللغة تعليمياً وحياتياً منذ البداية، فمن المعروف أنه لا يمكن لأمة أن تبدع علمياً إلا بلغتها الأم, ولا يستمع العالم لأمة تتحدث بلغة غيرها.
8_تعد مهنة التدريس من المهن المربحة اقتصادياً, فمن بين خمسة يابانيين يتقدمون لمهنة التدريس يفوز واحد منهم فقط بشرف المهنة وامتيازاتها المعيشية، وقد أدى ذلك إلى الحفاظ على مستوى نوعي متفوق للتعليم الياباني, أدى بدوره إلى تنمية نوعية العملية التربوية بأسرها.
9_في اليابان تدرس مادة من أولى ابتدائي إلى سادسة ابتدائي اسمها "طريق إلى الأخلاق" يتعلم فيها التلاميذ الأخلاق والتعامل مع الناس.
10_لا يوجد رسوب من أولى ابتدائي إلى ثالث متوسط، لأن الهدف هو التربية وغرس المفاهيم وبناء الشخصية، وليس فقط التعليم والتلقين.
العمل في المجتمع الياباني:
يعد العمل في اليابان من أهم اسباب التقدم والتطور، فالشعب الياباني من أكثر الشعوب عملاً، فالياباني يقدس العمل ويقضي فيه أوقاتاً إضافية حتى دون الحصول على أجر أضافي، فالإنسان في المجتمع الياباني هو الاساس في التطور الاقتصادي فمهما صغر حجمه ومركزه فهو صاحب رسالة يؤديها بإخلاص لتحقيق الانتصار الاقتصادي لمؤسسته ومن ثم لوطنه، ويلاحظ أن الصناعة في اليابان لا تعتمد على المواد الأولية الموجود بها، فاليابان فقيرة في المواد الخام، وتستورد أغلبها من الخارج، ولكن التفوق الاقتصادي يعتمد على قوة عاملة كبيرة تعمل بجدية وتعتنق مبدأ عبادة العمل، وقد أبدى زائر أمريكي ملاحظة طريفة بقوله:" إن المصنع الأمريكي يبدو كثكنة عسكرية مسلحة، ينظر فيها المراقبون للعمال بشك وريبة، ويبادلهم العمال نفس الكراهية، أما في اليابان فيبدو أن العامل الياباني يعمل من تلقاء نفسه دون حاجة لمشرف يراقبه، ولا تشعر أن العامل حاقد على رئيسه، بل تحس أن الطرفين يعملان لنجاح المؤسسة". ويعتبر العامل الياباني أقل العمال في الدولة الصناعية المتقدمة من حيث نسبة الغياب عن عمله، ومن حيث الاضراب عن العمل وهو يقوم عادة بعمل إضافي في مؤسسته تطوعاً لمجرد رغبته في أنهاء المهمة التي بدأها، ومن العجائب أن الإدارة اليابانية في المؤسسات تحاول إجبار العمال على الحصول على كل اجازاتهم الرسمية التي يفضلون التنازل عن جزء كبير منها بلا مقابل لمجرد الخجل من إلقاء عبئ العمل كله على الزملاء الذين لم يأخذوا إجازة.
تراعي الشركات الظروف النفسية والعلاقات الإنسانية، فكل شركة لها ملابسها الرسمية الموحدة، و تقوم المؤسسة بتشجيع أفرادها على قضاء وقت فراغها سوياً، وتقيم لهم الملاعب الرياضية، وحمامات السباحة وإمكانات المصايف الجماعية، وبذلك تضمن المؤسسة أن أفرادها عندما يقضون وقتهم سوياً يتحقق الهدف، وتسود روح الجماعة بين العاملين، وقد عبر رئيس شركة سوني عن هذه الرابطة الجماعية بقوله:" أن العمال اليابانيين يعملون، ويكافحون معاً بإصرار لإحساسهم أنهم ركاب سفينة واحدة، ويجمعهم معاً وحدة الهدف والمصير".
يتم اختيار العاملين فور تخرجهم وفق احتياجات المؤسسة، وتقوم المؤسسات بتدريبهم على العمل الذي يتولونه بغض النظر عن نوعية الدراسة، ويواصل العامل تكرار الدورات التدريبية له حتى يبلغ سن التقاعد وهو ما بين 55_60 سنة، ولا يفصل العامل إلا لأسباب جوهرية للغاية مما يجعله حريصاً على أداء عمله بكفاءة تسمح باستمراره وتمتعه بكل الميزات التي تمنحها المؤسسة، ورغم أن العامل يعرف أن استمراره في العمل مضمون حتى سن المعاش، إلا أنه لا يستكين إلى التراخي والتكاسل و الإهمال، بل يعطي مؤسسته دائماً من وقته وجهده أكثر من القدر المطلوب منه، وذلك التزاماً بالتقاليد العريقة التي يؤمن بها والتي تؤكد أن العمل عبادة، ونظراً لأن العامل الياباني يرتبط بشركته مدى الحياة، فالمتبع أن تكون الترقية مبنية على عنصري مدة الخدمة وعمر العامل، وذلك بمفهوم أن طول المدة يعني خبرة أفضل، كما أن احترام السن هو جزء اساسي من التقاليد اليابانية، وأن الاساس في إدارة المؤسسات في اليابان هو صالح العاملين وليس صالح المساهمين الذين قد يتعجلون الربح.
العامل الياباني يعمل في كل مكان ويعتبر القضية شخصية، فبالتصنيع مثلاً يعتبر الجهاز والسيارة هي له شخصياً، فلذلك نجد الصناعة اليابانية هي صناعة رائدة، والعامل الياباني يقدس عمله، فيذكر السفير العراقي في اليابان غانم الجميلي أنه جاءه وفد كبير لزيارة أحدى المصانع اليابانية، وعندما خرج الوفد سأل رئيس الوفد السفير غانم الجميلي ويقول له رأيت أنه عندما دخلنا المصنع وكان الوفد كبير لم يلتفت عامل واحد لنا، فقال له السفير لو جاء والد العامل لرؤية أبنه بساعات العمل لن يخرج له، بل يخرج له في وقت الاستراحة، وبذلك الياباني يقدس العمل، واليابانيون يحترمون المهنة بغض النظر عن طبيعتها، فالذين يقومون بجمع القمامة في اليابان رجال يلبسون الزي الرسمي الذي هو في غاية النظافة، ويرتدون القفازات البيضاء النظيفة، ويحملون لقب(مهندس النظافة) فالشخص الذي يجمع القمامة أو شرطي المرور أو المدير أو الرئيس، كل يبذل قصارى جهده في إتقان عمله، ولا يتدخل إنسان في عمل غيره، ولا ينظر أحد نظرة استعلاء على عمل الآخر، لأن العمل مهم ومقدس مهما كان.(16)
بدايات النهضة اليابانية:
شهد تاريخ اليابان الحديث بين عامي 1637_1945، مرحلتين بارزتين كان لهما أثر كبير في تعزيز دورها على الصعيدين الاسيوي والعالمي، المرحلة الأولى تمتد من عام 1637 إلى عام 1853، وفيها طبقت اليابان استراتيجية العزلة الطوعية غير الكاملة عن العالم الخارجي، أما المرحلة الثانية فتمتد من عام 1853 إلى عام 1945 وفيها اتبعت استراتيجية الرد على تحدي الغرب بتحولها إلى دولة استعمارية.
كانت مرحلة العزلة الطوعية قد تركت أثاراً سلبية في المجتمع الياباني واسهمت في تخلفه عن منجزات التطور التقني الذي شهده الغرب، لكن بالمقابل اعطيت اليابان نوعاً من الحصانة الداخلية في مواجهة المؤثرات الخارجية التي عصفت بجميع دول المنطقة، وأدت إلى سقوطها تباعاً في قبضة الاستعمار، وقد تميزت تلك الفترة في نمو النزعة القومية اليابانية وقيام نظام سياسي ذو سلطة مركزية صارمة ، لتنتعش خلالها الروح العسكرية اليابانية التي أدت لظهور الطبقة العسكرية اليابانية يقودها الشوغون وقد توارثت أسرة توكوغاوا منصب الشوغون لمدة تزيد عن القرنين ونصف القرن وتكونت الطبقة الأرستقراطية من المقاتلين النبلاء (الساموراي)، وهذا النظام يرتكز على ثلاثة قيم هي :الحكمة ، اليقظة، والشجاعة، و رأس نظام حكم اطلق عليه نظام بوشيدو المبني على مبادئ الديانة الكونفوشيوسية.( يرى الدكتور مسعود ضاهر أن اليابان لم تعزل بشكل تام عن العالم الخارجي كما يعتقد بعض الباحثين، وإنما تمت عزلتها الطوعية بناء على قرار سياسي ياباني قضى بتجنب اليابان الضغوط الخارجية المتزايدة والانصراف لحل مشكلاتها السياسية والاقتصادية، فسمحت لها تلك العزلة بتطوير قواها الذاتية، وتصليب وحدتها القومية، وتنمية ثقافتها الخاصة، وتطوير بناها الاقتصادية والاجتماعية، بمعزل عن المؤثرات الغربية، وتضخيم التراكم المالي النقدي عن غياب الاستنزاف المالي الخارجي عبر التبادل التجاري غير المتكافئ.)
في شهر يوليو من عام 1853 وصل الكومودور ماثيو بيري مع أربع سفن تابعة للبحرية الأمريكية إلى ميناء (أدو) ووجه المدافع العملاقة لسفنه الراسية تجاه المدينة، وطلب من اليابان إنهاء سياسة العزلة وفتح الموانئ أمام السفن الأمريكية، إذا كانت تريد أمريكا من وراء ذلك استفادة من الموانئ اليابانية لسفنها الذاهبة في طريقها إلى الصين وبقية آسيا، وكانت ترغب في فتح الاسواق اليابانية أمام بضائعها، وقد هزت هذه الحملة أركان النظام السياسي المتمثل في حكم إقطاعية (توكوغاوا) التي لم يكن أمامها خيار سوى الاستجابة، إذ أن أي مقاومة لن تكون إلا بمنزلة نوع من الانتحار أمام التفوق العسكري للبحرية الأمريكية، ولأن سياسة العزلة حرمت اليابان من فرصة بناء قوات بحرية كان يمكن أن تمنحها الفرصة للدفاع عن نفسها، وقعت اليابان عدة اتفاقيات، وكان اخطر تلك الاتفاقيات البند الذي ينص على رفض الاجانب للمثول أمام المحاكم اليابانية واصرارهم على أن تتسم محاكمتهم أمام قناصل دولهم أو بالاستناد فقط إلى قوانين الدول التي ينتمون إليها، وقد اعتبر اليابانيون هذا انتقاصاً لسيادتهم، وقد احدثت الاتفاقيات المجحفة التي فرضت على اليابان من قبل الدول الغربية حالة من التململ عند كثير من النبلاء وطبقة الساموراي من اصحاب المشاعر الوطنية الذين التفوا حول الامبراطور بوصفه رمزاً للوطنية اليابانية، وأخذوا يحملون حكومة توكوغاوا المسؤولية المباشرة عما آلت إليه الأمور من أجل ذلك تعالت صيحاتهم بضرورة توحيد البلاد تحت سلطة الامبراطور، وبناء مؤسسات الدولة، لكونه السبيل الوحيد الذي من شأنه أن يمكن اليابان من التصدي لمحاولات الدول الغربية فرض هيمنتها على البلاد، وأما الضعف الواضح لحكومة توكوغاوا، وأمام مواجهة التحديات لم يجد كثير من الاقطاع سوى التنازل عن صلاحياتهم ووضع إماراتهم وإمكانيتهم تحت أمرة الإمبراطور، وهذه الحالة وضعت أمام الإمبراطور الشاب ميجي فقام بإصدار الأوامر بإلغاء حكم توكوغاوا. (ولد الإمبراطور موتسو هيتو الملقب ب ميجي أو "مايجي" عام 1852 وتوفي في عام 1912، و تعني كلمة "ميجي" في اللغة اليابانية، الحكومة المستنير تلميحا للحكومة الجديد التي تولت شؤون البلاد ، ويعد الإمبراطور ميجي ذو الترتيب 122، وفقاً لترتيب الحكم التقليدي، وحكم من عام 1867 حتى وفاته.)
اجتمع عقلاء اليابان ورؤساء الاقطاعيات، وقرروا أن الرد على التحدي الأمريكي هو بوحدة اليابان تحت حكم الإمبراطور ميجي وأن يتنازل حكام الاقطاعيات عن أملاكهم وصلاحياتهم إلى الإمبراطور، وأن تقوم اليابان بانتهاج برنامج نهضة شاملة قائم على دراسة تجربة الدول الغربية والاستفادة منها قدر الإمكان، ولذلك اختار الإمبراطور مجموعة من خيرة الشباب اليابانيين المتشعبين بالثقافة اليابانية والفلسفة الصينية وإرسالهم إلى خيرة الجامعات الأوربية، وكذلك قام باستقدام العلماء والمهندسين الأوربيين ووزعهم على المحافظات لإقامة مركز تعليم وإبداع صناعي باليابان، وكان على الإمبراطور أن يوقف حركة التجزئة الداخلية التي ترافقها حروب أهلية، وكان أغلب مستشاري الإمبراطور من طبقة الساموراي، وكان لهذه الطبقة دور كبير في نجاح الاصلاحات التي نادى بها الإمبراطور وكانت تحتاج إلى دعم من هذه الطبقة لإنجاحها، وكانت أول فائدة لوجود الساموراي كمستشارين هو انحيازهم المطلق إلى جانب الإمبراطور حين دعى إلى محاربة التدخل الاجنبي في شؤون اليابان وإلى وحدة اليابانيين صفاً واحداً، ورفض الاتفاقيات الغربية المذلة التي فرضت على اليابان، فضلاً عن أن من تولى الدفاع عن النظام الإمبراطوري هم قادة من كبار الساموراي.
تميزت فترة حكمه ميجي بإصلاحات تاريخية مهمة طبعت تاريخ اليابان الحديث وتاريخها المعاصر، وقد بينت سياسة الاصلاح على قاعدة مبدأ ثابت يقول أن اليابان ذات خصوصية فريدة في التاريخ، لأنها تضم شعباً متجانس يقيم على أرض مقدسة ترعاها الآلهة ومادام الإمبراطور نفسه من سلالة الآلهة فقد عد بمثابة أب روحي لجميع اليابانيين، فهم يشكلون عائلة واحدة، والدولة تعد جميع اليابانيين ابناء لها متساوون في الحقوق والواجبات من دون الأخذ في الحسبان أي انقسامات طبقية أو لغوية أو دينية، فالجميع عائلة واحدة في دولة مركزية واحدة أب واحد هو الإمبراطور، وقد وجد الإمبراطور ميجي ضرورة انفتاح اليابان تماماً على العالم الخارجي رغم المعارضة، لذلك صدر المرسوم الإمبراطوري في عام 14مارس 1868 ،وعرف باسم ميثاق العهد ذو المبادئ الخمسة، فنص على:
1_كل القرارات أو التدابير يجب أن تتخذ بعد نقاش جماعي للدفاع عن المصلحة العامة.
2_من حيث المبدأ، لا فرق بين أعلى وأدنى في اليابان، بل الجميع واحد مع الحفاظ بدقة على التراتبية الاجتماعية.
3_من الضروري أن تتوحد السلطتان العسكرية والمدنية في يد واحدة بهدف حماية حقوق كل الطبقات والمصلحة القومية العليا معاً.
4_يجب التخلي عن التقاليد الشكلية القديمة والعمل على أن تظهر مساواة طبيعية بين الجمع دون تمييز.
5_السعي لاكتساب الثقافة والتعليم العصري في أي مكان في العالم واستعمالها في بناء ركائز الإمبراطورية اليابانية.
بدأ الإمبراطور ميجي التخطيط الطويل الأمد للتخلص من الاتفاقيات الظالمة المبرمة في اعوام الفترة1854_1858، وقد عرفت الفترة الممتدة من عام1868_1894، بمنزلة فترة انتقالية في تاريخ اليابان الحديث، لأنها جمعت بين استمرار هيمنة الظلم التقليدية أولاً، واستيعاب النظم الغربية الحديثة للعمل على توظيفها في خدمة ايديولوجيا التحديث الياباني ثانياً، وكان من ابرز شعراتها( جيش قوي لدولة غنية) وجاءت الاستعدادات العسكرية للجيش الياباني لتؤكد ولادة نزعة قومية يابانية قوية ضد كل اشكال التدخل الاجنبي في اليابان، ولقد نجحت اليابان في بناء حداثة حقيقية يعترف بها جميع دول العالم، على حين لم تشهد مجتمعات أخرى حداثة راسخة، بل اقتباساً قاد إلى مزيد من التبعية والتغريب، فالحداثة الحقيقية هي نتاج نضج لبنى الداخلية أولاً، كما تميزت حركة التحديث الأولى بتوجيه لتحديث لمصلحة العسكر فحولت اليابان إلى احدى اقوى الدول الاستعمارية في العالم، ولقد عرف اليابانيون كيف يؤسسون لبناء دولة مركزية عصرية على اسس سليمة من دون أن يقيموا تعارض بين الحداثة والاصالة ورفعوا شعارات اصلاحية واضحة ضمن ثلاث محاور اساسية:
1_بناء جيش عصري على اسس وطنية جديدة.
2_احداث تغيير جذري في مستوى القوى المنتجة ودورها في تعظيم الانتاج وتحويل اليابانيين إلى شعب مثقف ومنتج إلى الحدود القصوى.
3_المحافظة على اصالة الشخصية القومية اليابانية المتميزة من اقدم العصور.
لم تمض مدة طويلة حتى أخذت إصلاحات ميجي تؤتي بعض ثمارها، فعام 1899 نتيجة الاعتراف الدول الغربية بالوضع الجديد في اليابان، فقد تم إعادة النظر في الاتفاقيات التي فرضت على اليابان من طرف واحد، ونتيجة الوضع الجديد بدأت اليابان تتحول تدريجياً إلى مصاف الدول المستعمرة وكانت أولى الخطوات هي الحرب اليابانية_ الصينية 1894_1895، وهزمت اليابان الصين، ونقطة التحول في هذه المرحلة هي الحرب اليابانية الروسية عامي 1902_1905، التي هزمت اليابان فيها روسيا، ثم بعد ذلك حروب عالمية، فخاضت الحرب العالمية الاولى وكانت من محور المنتصرين، وخاضت الحرب العالمية الثانية منفردة وإن كانت في تحالف شكلي مع المانيا وايطاليا، إلا أنها فعلياً حاربت بمفردها ضد قوات الحلفاء في شرق اسيا والمحيط الهادئ، فنالت هزيمة فاجعة مدمرة انتهت بسقوط قنبلتين ذريتين عليها لأول مرة في التاريخ الإنساني، وتنهار فيها كل مقومات المدنية والحضارة، وقد عرف الشعب معنى الرعب ومفهوم الابادة والخراب الشاملة، وفي هذه اللحظة ظهر الإمبراطور هيروهيتو ليختار التسليم ليحفظ شعبه من الفناء ويتحدث الإمبراطور عن طريق الأذاعة اليابانية وهو يطلب منهم التسليم والقبول بالأمر الواقع ويقول:" من الحكمة أن نتحمل ما لا يمكن احتماله فإن ذلك أفضل من سفك الدماء". لكن بعد هذه الهزيمة يبرز الإصرار على الحياة وعلى التفوق من براثن الهزيمة بعد فترة قصيرة، ويردد اليابانيون لن تكرر أي لن تتكرر الهزيمة، وفعلاً يعمل الجميع بروح واحدة وبفدائية، ويحققون بعد ذلك بالصناعة والاقتصاد مالم يستطيعون تحقيقه بالوسائل الحربية.
خرجت اليابان من الحرب العالمية الثانية بجراحات أقل ما توصف بأنها قاتلة، فلقد كانت جميع الاسباب التي تدعوا اليابانيين إلى اليأس، لكنهم بدلاً عن النزوع إلى اليأس والقنوط، وبدلاً عن اللجوء إلى الهيجان واتهام الآخرين، أو اتهام قوى خارجية بالآمر على اليابان، قام الشعب الياباني بما يقوم به أي شعب متحضر يمر بأزمة قاسية وظروف صعبة، فقاموا بأمرين مهيمن، وهما تضميد الجراح ومراجعة النفس، وبذلك تعود اليابان إلى القمة، وتتم عملية إعادة الاعمار بسرعة هائلة تقترب من المعجزات، حيث نهضت اليابان من الصفر، لا بل تحت الصفر، فبعد هذا الدمار الشامل فاجئ اليابان العالم بمعجزة كبرى، ففي خلال عقدين تحولت إلى دولة صناعية كبرى وثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة.
أهم الاسباب التي تشكل الدافع الرئيسي للنهضة اليابانية:
1_المزج بين الاصالة والمعاصرة، عرفت اليابان كيف تمزج بين تقاليدها العريقة ومتطلبات النهضة الصناعية العصرية، فأخذت من القديم روح الولاء والانتماء للوطن وللمجتمع وللأسرة ومؤسسة العمل، والتوازن الرائع بين حق الجماعة وواجب الفرد بالإضافة لكل مستحدث في العلم والصناعة.
2_الشعور بالانتماء للوطن وللمؤسسة، يؤمن المواطن الياباني بأن حسن أدائه لعمله، مهما كانت بساطته، إنما هو مساهمة منه لرفع بلده، ومن المبهر مراقبة عامل النظافة وهو يؤدي عمله في الشارع بحماس ودقة كما لو كان مستقبل اليابان كله متوقفاً على حسن أدائه لعمله.
3_السلام الاجتماعي، يوصف المجتمع بأنه مجتمع الطبقة المتوسطة ويسوده السلام الاجتماعي، فلا تصادم ولا مجابهة بين طبقات المجتمع، ويسود المجتمع الكثير من مظاهر التعاطف والارتباط العائلي والوظيفي، ويغذي هذه العلاقات من المودة والتراحم تعاليم دينية بوذية أو من الشنتو.
4_الإحساس بالتجانس، يشعر اليابانيون أنهم شعب واحد متجانس شعب فرض عليه أن يعيش في عدة جزر محاصرة بالمياه من كل جانب مما اعطاهم الاحساس بضرورة الكفاح للبقاء، وقد قرر حكام اليابان في القرن السادس عشر عزل اليابانيين بمنع دخول الاجانب أو خروج اليابانيين من جزرهم، وترتب على هذه العزلة أن انصهر الجميع في بوتقة حضارية واحدة لها نفس التقاليد والاخلاق واللغة، فأصبح لديهم الشعور بأنهم جماعة واحد، يتكاتفون ويتعاونون وشعارهم لا بد من التعاون للبقاء، بالإضافة إلى المقولة(نحن وهم) أي اليابانيون كطرف والعالم الخارجي طرف آخر.
5_اتباع التعليمات الدينية، يتبع اليابانيون تعليمات الديانة البوذية ومذهب الشنتو اتباعاً فعلياً، ويطبقون هذه القواعد بما فيها من حث على مكارم الأخلاق، واحترام كبار السن، وأن العمل عبادة، ولعل من أهم المفاهيم السائدة في المجتمع نظرية(العيب) أي أن يخشى الفرد الجزاء الذي سيلقاه من المجتمع قبل أن يخشى تطبيق مواد القانون.
6_أسلوب العمل الجماعي، يسود العمل الجماعي كل المجالات وهو قائم على النظام التقليدي المتوارث في إدارة مزارع الأرز في العهد القديم، إذ كانت المجموعة تعمل كلها، ويوزع عليها بالعدالة ناتج عملهم، ولعل خير ما يشرح هذه الفلسفة هو ما صرح به رئيس شركة سوني بقوله:" إن اليابانيون يعملون ويكافحون معاً بإصرار لإحساسهم بأنهم ركاب سفينة واحدة، ويجمعهم معاً وحدة الهدف والمصير".
7_تحديد نسبة الأنفاق العسكري، نص الدستور الياباني الذي فرضه الأمريكيون بعد احتلال اليابان عام 1945 على تحديد الانفاق العسكري بحيث لا يزيد عن 1% من الدخل القومي، وتمسكت اليابان بهذا النص، وبذلك تمكنت من التركيز على النهوض بصناعتها دون تحميل ميزانيتها مصروفات التسليح المتزايدة.
8_القرارات المدروسة والتخطيط المتقن، ترسم الحكومة استراتيجية المستقبل بعد دراسات مكثفة على كافة المستويات مع الخبراء والمسؤولين والمستفيدين، وتضع التخطيط المتقن للأهداف القريبة والبعيدة المدى، ثم تقوم بتوجيه سياسة الدولة والقطاع الخاص لتحقيق هذه الأهداف ولديها الآليات الكفيلة بالنجاح، القروض، الاعفاءات، المعلومات، قوة القوانين.
9_تفوق النظام التعليم الياباني، إذ نجح النظام التعليمي في إمداد المؤسسات بطبقة متعلمة لديها العلم والخبرة الكفيلان بالسيطرة على الآلة الحديثة.
10_اهتمام اليابان بالإنسان وبناء الإنسان وتأهيله ثقافياً وتعليمياً هو ما جعلها قادرة على استعادة زمام الأمور بعد كل كارثة طبيعية أو هزيمة حربية، فالمجتمع الياباني هو مجتمع يهتم بالأخلاق لدرجة عالية ويهتم بتدريس الأخلاق والاحترام، فبناء الإنسان هي الخطوة الأولى لبناء المجتمع السليم.
11_شخصية الفرد الياباني، فالكثير من جذوره في العمل والالتزام، إنما هي انعكاس لطبيعة الأرض الوعرة الصخرية المحدودة، التي فرضت على الياباني أن يتكيف مع وعورة الأرض وصعوبتها، وإن قلة الأرض الصالحة للزراعة جعلت الياباني يعيش حياة التقشف والزهد في الكماليات، وأن يتوجه نحو التصنيع بوصفه مصدراً للمعاش.(17)
كثيراً ما يقارن النهضة اليابانية بالنهضة العربية، وذلك لأن الاثنان بدأ في القرن التاسع عشر، وأرى أن هذا ظلم كبير بحق العرب، لكن أن كان الكلام فيه نوع من التحفيز فلا بأس في ذلك، لأن اليابان بعد الحرب العالمية الثانية وبمدة قصيرة استطاعت أن تكون في مقدمة الدول المتطورة على كل المجالات، لكن على سبيل المقارنة فأن اليابان تشكل أرخبيل من الجزر في المحيط الهادئ وتعتبر منطقة معزولة عن العالم وقليلة الموارد، وبذلك لم تكن اليابان مطمع الاستعمار وذلك لبعدها وقلة الموارد الموجودة فيها والأهم في ذلك هي تحيطها البحار من كل الجوانب، وذلك يؤدي إلى تكلفة باهضه للوصول لها عن طريق السفن، وبذلك هي لم تخضع للمستعمر الذي يفتك بالشعوب، أما العرب فكانوا تحت وطأة العثمانيون الذين أرجعوا الوطن العربي عدة قرون من التخلف والظلام، وبعدها جاء المستعمرون الاوربيون، ومن أبرزهم البريطانيون والذين زرعوا التفرقة بين الشعب الواحد وإلى يومنا هذا نجر ويلات الطائفية جراء فعل الاستعمار الذي زرع التفرقة، فالبريطانيون هم من زرع التفرقة بين الهندوس والمسلمين في الهند وهم من زرع التفرقة بين المسلمين، أما الفرنسيون فلم يتصرفوا مع العرب كشعوب تريد الحياة والعيش فخير مثال ما فعلوا مع الشعب الجزائري، الذي وضعوا الجزائريون كحقل تجارب فربطوا ما يقارب 150 سجين جزائري قرب التفجير النووي، وذلك لدراسة الآثار عليهم من خلال الاشعاعات النووية، والأسوأ من كل ذلك هو وضع سرطان داخلي في قلب العرب وفي فلسطين وهو الكيان الصهيوني الذي كان وما زال آلة تدمير للعرب، لأن الوطن العربي غني وثري بالموارد الطبيعية ومحور مهم في ربط القارات، فموقعه وأيضاً ثرواته دعت الغرب إلى التفنن في تدمير الشعوب العربية، فلم يكتفوا بالآلة العسكرية، بل تدخلوا في كل ثقافتهم وسلوكهم وغيرها، فبدأت دوافعهم واضحة للتفرقة، فالأساس في فشل النهضة العربية هو الاستعمار الذي لحد الآن يسيطر على كثير من قرارات الدول العربية، أضف إلى ذلك العرب لم يتعاملوا مع الغرب بعقل مسلم وعربي ورفض كل اشكال التفرقة التي زرعها المستعمر وتمسك بالإسلام أولاً وعروبته ثانياً.
الهوامش:
1_ينظر السفير عبدالفتاح محمد شبانة: اليابان العادات والتقاليد وإدمان التفوق، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1996، ص81. وينظر أيضاً غانم علوان جواد الجميلي: جذور نهضة اليابان، مكتبة العبيكان، الرياض، ط1، 2014، ص7_8. وينظر أيضاً يوري كوزلوفسكي: الفلسفة اليابانية المعاصرة، ترجمة خلف محمد الجراد، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 1995، ص5.
2_ينظر ميسرة عفيفي: اليابان( وجهة نظر شخصية، مقالات في الأدب والسياسة والثقافة والمجتمع الياباني)، مؤسسة هنداوي، القاهرة، 2022 ص87. وينظر أيضاً رؤوف عباس حامد: النهضة اليابانية الحديثة، مؤسسة هنداوي، القاهرة، 2006، ص6. وينظر أيضاً غانم علوان جواد الجميلي: جذور نهضة اليابان، ص31_32.
3_ ينظر السفير عبدالفتاح محمد شبانة: اليابان العادات والتقاليد وإدمان التفوق، ص7_45_88_89_91_92_93_123_124. وينظر أيضاً ميسرة عفيفي: اليابان( وجهة نظر شخصية)، ص35_36. وينظر أيضاً غانم علوان جواد الجميلي: جذور نهضة اليابان، ص22_23.
4_ ينظر ميسرة عفيفي: اليابان( وجهة نظر شخصية)، ص48. وينظر أيضاً غانم علوان جواد الجميلي: جذور نهضة اليابان، ص67_68_69.
5_ينظر غانم علوان جواد الجميلي: جذور نهضة اليابان، ص74_75_76_175. وينظر أيضاً مسعود ضاهر: النهضة العربية والنهضة اليابانية( تشابه المقدمات واختلاف النتائج)، عالم المعرفة(252)، الكويت، ص146.
6_ ينظر ميسرة عفيفي: اليابان( وجهة نظر شخصية)، ص25. وينظر أيضاً غانم علوان جواد الجميلي: جذور نهضة اليابان، ص176.
7_ ينظر غانم علوان جواد الجميلي: جذور نهضة اليابان، ص91_92_93. وينظر أيضاً مسعود ضاهر: النهضة اليابانية المعاصرة(الدروس المستفادة عربياً)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2002، ص72.
8_ ينظر السفير عبدالفتاح محمد شبانة: اليابان العادات والتقاليد وإدمان التفوق، ص21_23_24_42. وينظر أيضاً رؤوف عباس حامد: النهضة اليابانية الحديثة، ص24.
9_ ينظر السفير عبدالفتاح محمد شبانة: اليابان العادات والتقاليد وإدمان التفوق، ص9_35.و ينظر أيضاً ميسرة عفيفي: اليابان( وجهة نظر شخصية)، ص50. وينظر أيضاً غانم علوان جواد الجميلي: جذور نهضة اليابان، ص46.
10_ ينظر السفير عبدالفتاح محمد شبانة: اليابان العادات والتقاليد وإدمان التفوق، ص10. وينظر أيضاً غانم علوان جواد الجميلي: جذور نهضة اليابان، ص46_47. وينظر أيضاً مسعود ضاهر: النهضة اليابانية المعاصرة، ص58.
11_ ينظر السفير عبدالفتاح محمد شبانة: اليابان العادات والتقاليد وإدمان التفوق، ص14. وينظر أيضاً غانم علوان جواد الجميلي: جذور نهضة اليابان، ص49_50.
12_ ينظر غانم علوان جواد الجميلي: جذور نهضة اليابان، ص53_54_55_56. وينظر أيضاً مسعود ضاهر: النهضة اليابانية المعاصرة، ص57.
13_ ينظر غانم علوان جواد الجميلي: جذور نهضة اليابان، ص61_62_63.
14_ ينظر غانم علوان جواد الجميلي: جذور نهضة اليابان، ص64_65.
15_ ينظر السفير عبدالفتاح محمد شبانة: اليابان العادات والتقاليد وإدمان التفوق، ص41_42_43. و ينظر أيضاً ميسرة عفيفي: اليابان( وجهة نظر شخصية)، ص31. وينظر أيضاً سلمان بونعمان: التجربة اليابانية( دراسة في اسس النموذج النهضوي)، مركز نماء للبحوث والدراسات، بيروت، 2012، ص9. وينظر أيضاً غانم علوان جواد الجميلي: جذور نهضة اليابان، ص115_116.
16_ ينظر السفير عبدالفتاح محمد شبانة: اليابان العادات والتقاليد وإدمان التفوق، 24_69_70_71_79_80. وينظر أيضاً غانم علوان جواد الجميلي: جذور نهضة اليابان، ص20.
17_ ينظر السفير عبدالفتاح محمد شبانة: اليابان العادات والتقاليد وإدمان التفوق، ص17_18_82_83_84_85_121_122. و ينظر أيضاً ميسرة عفيفي: اليابان( وجهة نظر شخصية)، ص29_30_31. وينظر أيضاً رؤوف عباس حامد: النهضة اليابانية الحديثة، ص17. وينظر أيضاً غانم علوان جواد الجميلي: جذور نهضة اليابان، ص26_27_97_100_101_103_104_105_108_165_166_202_2023_204. وينظر أيضاً مسعود ضاهر: النهضة اليابانية المعاصرة، ص15_23_48_58_59_66_67_76. وينظر أيضاً مسعود ضاهر: النهضة العربية والنهضة اليابانية، ص47_219.



#حيدر_جواد_السهلاني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحكم المدني في فلسفة جون لوك
- رائد الفيزياء الحديثة العبقري أينشتاين
- عراب النضال السلمي غاندي
- سقراط الجديد جبريل مارسيل
- الرجل الثاني في الإسلام وصوت العدالة الإنسانية، أمير المؤمني ...
- مفهوم الميتافيزيقا
- الظاهرة العبثية الإلحاد
- الاقتصاد في فلسفة الإمام الشهيد محمد باقر الصدر
- النظام الاجتماعي في فلسفة الإمام الشهيد محمد باقر الصدر
- العالم الذي قهر الإعاقة ستيفن هوكينج
- مفهوم الهوية في فكر عبدالجبار الرفاعي
- فرسان العراق في حرب 6أكتوبر
- مفهوم الولاء في فلسفة جوزايا رويس الأخلاقية
- المعوقات الاجتماعية لمشاركة المرأة العربية في صنع القرار الإ ...
- الدين والتدين في فكر عبدالجبار الرفاعي
- موقف عبدالجبار الرفاعي من التربية
- موقف عبدالجبار الرفاعي من الاستبداد
- الدولة في فكر عبدالجبار الرفاعي
- عبدالجبار الرفاعي سيرة وفكر
- البرلمان في فلسفة جون ستيوارت مل السياسية


المزيد.....




- انسداد بالشرايين ونوبة قلبية وسط زلزال مفاجئ.. رحلة رجل إلى ...
- حليف أردوغان: المعارضة تحاول إثارة الفوضى في تركيا
- ماسك يتهم -معهد السلام الأمريكي- بحذف بيانات مالية لإخفاء جر ...
- الدفاع الروسية: قوات كييف هاجمت محطتي كهرباء في بيلغورود واب ...
- هل تضرب طهران تل أبيب؟ إسرائيل تتوقع حدوث هجوم استباقي بسبب ...
- كذبة نيسان: تعرف على أبرز خمس أكاذيب أُطلقت بالمناسبة
- ترامب: واثق من -تنفيذ- بوتين نصيبه من الاتفاق بشأن أوكرانيا ...
- مستشار خامنئي: إذا ارتكبت أمريكا خطأ فإن إيران ستضطر للتحرك ...
- إقامة الأجانب الحاصلين على تأشيرة إلكترونية في روسيا تمدد إل ...
- مصدر: الجيش الروسي وجه ضربة استباقية لقوات أوكرانية حاولت اج ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر جواد السهلاني - دراسة في أسس النهضة اليابانية