أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ادم عربي - إمبريالية على الطريقة الأفلاطونية!














المزيد.....

إمبريالية على الطريقة الأفلاطونية!


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8293 - 2025 / 3 / 26 - 18:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إمبريالية على الطريقة الأفلاطونية!
بقلم : د . ادم عربي
كم مرة ترددت على مسامعنا تلك العبارة الأفلاطونية المثالية "القيم والمبادئ والمُثُل" من أفواه رؤساء الولايات المتحدة أو مرشحيها؟ كيف يلوّنونها بمفردات متعددة مثل "الديمقراطية (أي القيم الديمقراطية)" أو "الأخلاقية" أو "الإنسانية" أو "الحضارية"؟ تلك القوة العظمى ذات الجوهر الإمبريالي بمعناه اللينيني والكاوتسكي تزعم أنها "تقود" العالم لا "تحكمه"، وتدعي أن هذه القيادة تتم عبر "المُثل العليا" و"قوة المُثل" الديمقراطية والأخلاقية والإنسانية والحضارية.

بزعمها هذا، تُقدم الولايات المتحدة نفسها كدليل إضافي على أنَّ "الفكر (الوعي، الروح)" هو وحده من يحكم العالم. وفي انزياح واضح نحو "المثالية" المفرطة، وإهمال صارخ لـ"المادية" (التي يصورونها دنيئة وخسيسة)، يصرح قادة هذه الدولة التي يعتقدون أنَّ التاريخ بلغ نهايته السعيدة فيها وبها، مُحَيِّياً فوكوياما، ومن قَبله هيجل بأنَّ سياستهم الخارجية لا تقف إلّا مع من يشاركهم نفس القيم والمبادئ. وبالتالي، فهم يقفون ضد كل من لا يتشابه معهم في قيمهم ومثلهم.

هذه هي "الدِّيانة الرابعة" التي تجاوزت كل الديانات السماوية والأرضية السابقة؛ فـ"المصالح" خاصةً المادية منها كالمصالح الاقتصادية رغم أهمّيتها التي لا يُنكرها عاقلان في عالم السياسة "الواقعي"، ليست المحرّك الأوحد لسياستها الخارجية، ولا العامل الحاسم فيها. فكيف كان للولايات المتحدة أنْ تُعلن نهاية "التاريخ" لولا سيادة قيمها ومبادئها السامية التي تفوق سموّ السماء ذاتها على أرض السياسة؟ إنَّها تُهذّب هذه المصالح وتُعقلنها، وتُضفي عليها طابعاً إنسانياً وروحياً، حتى يصبح صراع المصالح شيئاً نقياً ومقبولاً.

أليست هذه صورةً لعالمٍ جميلٍ بهيج، تصنعه الولايات المتحدة لنا بفضل "قيادتها المثالية" للبشرية جمعاء؟

تلك هي "المهمة التاريخية الكونية" العظيمة التي أوكلها التاريخ إلى "روما الجديدة" قبيل أنْ يلفظ أنفاسه الأخيرة بين يديها المباركتين، مهمةٌ ثقيلة لو وُضعت على الجبال لهدَّتها. ولكنها، رغم ضخامتها، ستُنجز حتماً على يد الولايات المتحدة. فهذه الدولة التي تفوق العالم كله عِظَماً، حتى ضاق بها التاريخ من سَعَة حضورها الروحي، تتبنى مقولة آينشتاكن الساخرة "إذا تعارض الواقع مع فكرتك، فليس عليك سوى تغييره!"

لقد جرّبت الولايات المتحدة بتلك المفارقة العجيبة بين ادعاء الانفتاح وضيق الرؤية "التجربة الآينشتاينية" على طريقتها الخاصة. إنَّ إيمانها الراسخ بأنَّ قيمها ومبادئها ومثلها العليا لا تُجارى ولا تُعلى عليها، واقتناعها بأنَّ "الفكر" هو سيد العالم، دفعها لمحاولة إخضاع كل واقع يرفض الانحناء أمام أفكارها. ففي منطقها، أي واقع يعصي فكرها أو يقاومه يفقد شرعيته وصوابه، إذ أنَّ "الميزان الذهبي" لأفكارها هو المعيار الوحيد لقياس "واقعية" أي "واقع"!

بينما يضطر الماديون إلى تعديل أفكارهم لتتوافق مع الواقع، نجد أنَّ "القوة المثالية العظمى" (في العالم بل وفي التاريخ كله) تسير في الاتجاه المعاكس تماماً. إنَّ مثاليتها المتعالية تفرض عليها أنْ تعيد تشكيل الواقع نفسه ليتماشى مع تصوراتها، تلك الأفكار الغامضة التي لم تُفصح عن أصلها المقدس (وربما لن تفعل ذلك أبداً)، والتي لا شك في أنَّها من وحي السماء!

تشهد "التجربة" العملية للسياسة الخارجية الأمريكية بكل وضوح على التناقض الصارخ بين مصالح هذه القوة العظمى وبين القيم والمبادئ التي ترفع شعارها وتدعو الآخرين إلى تبنيها، مقابل منحهم بركاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية. ونحن في العالم العربي لنا شهادة حية على هذه المفارقة فالأعداء الألداء لقيم الولايات المتحدة ، تلك القيم التي يفترض أنها تعبر عن تطلعات البشرية جمعاء هم أنفسهم الذين تمنحهم الدعم وتقوي نفوذهم وتوفر لهم الحماية. وكأنها تقول بلغة مادية صريحة هذه المرة إنَّها تقف مع كل من يخدم مصالحها الإمبريالية، حتى لو كان أعدى أعداء مبادئها "الديمقراطية والأخلاقية والإنسانية" المزعومة.

عندما انطلق الشعب السوري في ثورته سعياً نحو الحرية وتجسيداً للمبادئ الديمقراطية فيما مضى وانقضى، "تدخلت" الولايات المتحدة لصالحه بطريقة غريبة ، فقد حذرت بشار الأسد فقط من استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية لقمع المحتجين. وكأنَّها بذلك تقول" لسنا ضد القتل والتدمير بحد ذاتهما، بل ضد نوعية الأسلحة المستخدمة في تنفيذهما فقط!"
لقد "دافعت" الولايات المتحدة عن بعض الشعوب بادعاء التوافق مع قيمها ومبادئها المعلنة، لكن هذا الموقف لم يكن سوى واجهة تخفي تحته توافقاً مؤقتاً وشكلياً مع مصالحها الإمبريالية. وعندما تصطدم هذه المصالح بقيمها المزعومة، تسقط الأقنعة بسرعة لتنحاز بوضوح لمصالحها. فالتجربة تثبت أنَّها تقيس كل مبادئها بمقياس واحد فقط وهو مدى توافقها مع مصالحها الإمبراطورية.

بالنسبة للفلسطينيين، لن يتمكنوا من مشاركة الولايات المتحدة قيمها ومبادئها المزعومة إلّا إذا قبلوا "الديمقراطية" بالمعنى الأمريكي التي يُفترض بهم تبنيها على أنَّها تعني في صميمها الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية خالصة للشعب اليهودي ، بحيث يكون "الشعب اليهودي" وحده صاحب الحق في تلك الأرض!
أو بصيغة أخرى ، لن ينال الفلسطينيون اعتراف الولايات المتحدة بمشاركتهم لقيمها إلّا إذا فسروا "الديمقراطية" التي يُطالبون باعتناقها على أنَّها تعني بالضرورة اعترافهم بإسرائيل كدولة يهودية صرفة، تخص اليهود وحدهم دون سواهم!.



#ادم_عربي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نساء ٣
- الفلسفة والعلم والحقيقة -جدلياَ-!
- متى نتعلَّم صناعة الأسئلة؟!
- ثدي الموت!
- الرأسمالية الأوروبية سلاحها العنصرية!
- حكايتي معك!
- تناقضات في قوة الاقتصاد الأمريكي!
- ما زالت المرأة العربية عبدة للعبيد !
- الحتمية ماركسياً ودينياً!
- متى تأخذ الطبقة العاملة مصيرها بيدها؟!
- تطوير الآلة وتأثيرها على المجتمعات!
- عبث الظلال!
- الترامبية وهم عابر أم إستراتيجية دائمة؟
- ماركس يتحدى نقاده في الاقتصاد!
- شبحُ ماركس يعود مع كل أزمة!
- أَكَادُ أَتَفَجَّرُ!
- في حرية التعبير!
- الزمن!
- البراءة والخطيئة!
- يجب الارتقاء بصناعة الإنسان في مجتمعاتنا!


المزيد.....




- الأشخاص الأكثر عرضة للجلطات أثناء السفر بالطائرات
- Acer تتحدى آبل بحاسب مميز
- جيمس ويب يرصد ضوءا -مستحيلا- من فجر التاريخ
- تحديد خلايا جديدة في العين قد تفتح آفاقا لعلاج العمى
- تحديات جوهرية تواجه تطور الذكاء الاصطناعي
- في غضون عامين يمكن لترامب أن يدير ظهره لروسيا
- الجيش الأوكراني يستعد لعدوان
- اكتشاف علاقة بين أمراض القلب والتغيرات الدماغية
- بدء مفاوضات بين روسيا وأميركا بشأن -المعادن النادرة-
- ما الأضرار التي تسببها منتجات التنظيف؟ وهل يمكن استبدالها؟


المزيد.....

- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ادم عربي - إمبريالية على الطريقة الأفلاطونية!