دماء الحَمَلْ) مسرحية تعرض نظرة قاتمة وساخرة، عن حالة المرأة التي تواجهها مرة أخرى في الولايات المتحدة.

سمير حنا خمورو
(Samir Khamarou)

الحوار المتمدن-العدد: 8292 - 2025 / 3 / 25 - 16:05
المحور: الادب والفن
    

تأخذنا المسرحية الثانية "دم الحَمَل" Blood of theLamb للكاتبة المسرحية أرلين هاتون Arlene Hutton، الى اجواء مختلفة تماما عن مسرحية (بلد الأب) التي كتبتُ عنها في الحوار المتمدن في العدد 8156، والتي عرضت خارج برودواي . تدور أحداث مسرحية المثيرة في مطار دالاس، حيث تجد امرأة حامل تدعى نيسا نفسها محتجزة، وفي موقف حرج وتواجه خصمًا غير متوقع: محامية شقراء في الخمسينيات من عمرها، وهي أم لخمسة أطفال، المعينة من قبل المحكمة والمكلفة بتمثيل جنين نيسا الميت الذي لم يولد بعد.

إن الدراما التي كتبتها (أرلين هاتون) Arlene Hutton عن حقوق المراة في الإجهاض بعنوان "دم الحَمَل" تأتي في وقت غير عادي. ففي الأيام القليلة الماضية، أفادت شبكة "إن بي سي نيوز" أن وفيات الأمهات في تكساس زادت بنسبة 56% بين عامي 2019 و2022، وهي الفترة التي تشمل حظر رعاية النساء الراغبات في الإجهاض بالولاية بحسب القانون الذي صدر في عام 2021. فالقصة الأساسية تبدو حقيقية بشكل مثير للقلق.
وعلى الرغم من أن المخرجة "ماركوت بورديلون" تقول في البرنامج الذي وزع على الجمهور إن المسرحية بدأت كعمل من "الخيال الروائي التخميني"، speculative fiction ولكن الصدفة خدمتها. كما جاء في البرنامج الملاحظة التالية : الوقت والمكان: الأسبوع المقبل. غرفة في دالاس، تكساس.

تدور أحداث المسرحية في مكان منعزل، يقع تحت الارض في قاع المطار، والذي لا يمكن الهروب منه ، امرأتان في غرفة إجتماعات كئيبة بلا نوافذ (أو ربما هي غرفة تستخدم للاستجواب).

تستيقظ الشابة نيسا (ميريديث كاريتسون) الحامل من التخدير ، مشوشة، وتحاول ان تعرف اين هي وماذا حدث لها، وتنتبه الى وجود أساور بلاستيكية في معصمها، كما يحدث للمرضى في المستشفيات والتي تظهر من تحت أكمام سترتها، يتم العناية بها من قبل السيدة فال (كيلي ماكاندرو)، التي تبدو متغطرسة للغاية لدرجة أننا قد نستنتج على الفور أنها محامية بسبب أسلوبها في الاستجواب والعبارات القانونية التي تستخدمها.

كانت وجهة رحلة السيدة الشابة "نيسا" من مطار لوس أنجلوس الدولي متجهة مباشرة إلى مطار جون إف كينيدي الدولي، والتي انهارت على متن الطائرة، وفقدت الوعي، مما اضطر الأطباء إلى تحويل مسارها إلى مطار دافاو الدولي في دالاس، بسبب حالة نيسا الطبية الطارئة. حيث اكتشف الأطباء أن الجنين الذي تحمله قد مات. ولكن المسؤولين في ولاية تكساس، يبدو أنهم وضعوا وشرعوا قوانين جديدة مصممة لتناسب توجهاتهم السياسية ومفاهيمهم الدينية ـ وتطالب الولاية بجثة الجنين الميت كمواطن من مواطني ولاية تكساس وتقرر أنه لا يمكن إخراجه من الرحم حتى تدخل الأم في المخاض ؟!. بغض النظر عما إذا كانت نيسا ستعيش خلال هذه العملية أم لا.

في حين تؤجل المحامية فال الإجابة على الأسئلة التي تطرحها نيسا لأنها غارقة في الأوراق التي أمامها على المنضدة. وعندما تعرف نيسا ما حدث لها، تواجه صعوبة في التعامل مع فقدان جنينها. وتريد نيسا الاستمرار في الطيران إلى نيويورك، لكن هذا لا يبدو ممكنا، كما تخبرها المراة ..

نيسا: أحتاج إلى العودة إلى المنزل لأذهب إلى طبيبي في أسرع وقت ممكن (صمت)...،إذن ماذا نفعل، ماذا علي أن أفعل، لتحقيق ذلك؟
فال: يجب أن يكون لدينا غرفة لك قريبًا.
نيسا: اعتقدت أنك طبيبة.
فال: أنا محامية .

على الرغم من أن نيسا تستمر في الحديث عن السفر إلى نيويورك، وعن ترك حقيبتها التي تحتوي على كل المستندات الشخصية وهاتفها المحمول على متن الطائرة ومن غير المرجح أن تكون شركة الطيران قد جمعت كل متعلقاتها الشخصية عندما تركتها وراءها، فإن الأمر يستغرق بعض الوقت قبل أن تدرك نيس الموقف القاسي الذي تواجهه في تكساس.

تقول المحامية فال لنيسا : " انت حرة ، يمكنك المغادرة. ولكن جنينك لا يستطيع. فالجثة محتجزة لدى الدولة". ويجب ان تبقى في تكساس حتى تلد، وتحذرها : اذا غادرت مع المواطن المذكور بنية إنهاء الحمل،
وحاولت إجهاض الجنين الميت في رحمها، فإن تقطيع أوصال الجنين المصاحب للعملية سوف يعرضها لخطر توجيه اتهامات جنائية إليها بتهمة "إساءة معاملة جثة" (وهذا على الأرجح هو الجزء التخيلي من القصة).

نلاحظ تمكن الكاتبة من التلاعب في بناء الحوار، بحيث تتجنب كلا الشخصيتين الرد على الأسئلة ؛ بالانحراف عن الموضوع عمدا والابتعاد عن الإجابة بوضوح ، وهذا مثال اخر؛ تتجنب نيسا الرد على سؤال شخصي، بإجابة غير ذي صلة.
فال: هل تعلمين ما إذا كان زوجك قد تم إبلاغه؟
نيسا: هاتفي المحمول كان في حقيبتي
فال: سوف نحتاج إلى إخطار زوجك.
نيسا: شريكي على متن سفينة قبالة ساحل القارة القطبية الجنوبية في الوقت الحالي، صدقي أو لا تصدقي، بعيدًا عن متناول اليد. انه في مهمة استكشاف علمي.

وعندما تتوقف فال عن هذا الاستجواب القاسي، تسارع الى هاتفها المحمول للرد على المكالمات الهاتفية اللطيفة، من أطفالها وزوجها (الذين يتبين بالطبع أنهم مزعجون لتأخرها). وكذلك هو الحال مع اللحظات التي تضطر فيها لإعادة شحن الكمبيوتر المحمول الخاص بها ثم إعادة شحن هاتفها أيضاً بشكل كوميدي.

تشكل المسيحية الأصولية التي تنتمي إليها فال وتتبناها نقطة مهمة في الحبكة ، كما يشير العنوان. وعلى الرغم من أن فال تبدو أنها توصلت إلى قيمها المسيحية بصدق ، فان هناك قصة اشكالية إلى حد ما عاشتها في الماضي حيث تعترف بأنها أجهضت بنفسها عندما كانت مراهقة، مما يجعل موقفها منافقًا بطبيعته، وبالتالي لا يمكن الدفاع عنه، وهو ما يوفر تبايناً مع موقفها الحالي ولكنه يقترب من ما يمكن اعتباره "الذهنية الدرماتورجية".

إن حوار الكاتبة المسرحية غالبًا ما تدفع المنطق إلى أقصى حدوده.
لكن في بعض الأحيان، يمكن أن يكون حوار هوتون الكافكاوي فعالاً:
نيسا: ماذا تكتبين؟ ...
فال: أنا أكتب وصفًا دقيقًا للأحداث.
نيسا: من وجهة نظر من؟ وجهة نظري أم وجهة نظرك؟
فال: من وجهة نظر الطفل.

هذا العرض مقنع، جاء في الوقت المناسب، (اي بعد وصول ترامب للرئاسة) ...النص مكتوب بشكل رائع، وببراعة قدمت هاتان الممثلتان أداءً جيداً، طيلة مدة المسرحية كان الصراع والشد والتجاهل بينهما مثيرا للاهتمام . ورغم بساطة الأدوات، اهتمت المخرجة بإدارة ممثلتين قديرتين، حيث لا احد معهم على خشبة المسرح، الديكور في المشهد عبارة عن قاعة بمساحة واسعة ذات جدران خالية وبلا نوافذ، هناك طاولة للكتابة عليها ملفات واوراق قليلة وكومبيوتر وكرسيين، واضاءة ساطعة .

مسرحية دم الحَمَل صرخة مكثفة وقوية... دعوة واعية لاثارة غضب المشاهدين للمطالبة بتغير القوانين التي تخص النساء في بعض الولايات الاميركية المحافظة. فالنص المثير للحجج التي يقدمها والمواقف الذكية ذو صلة مباشرة بالواقع، مع شيء من السخرية والفكاهة لكسر الجو القاتم .

تغذي المؤلفة هاتون الحبكة بإحساس رائع في التحكم بالتوقيت ... إنه نص قوي يلامس العقل والقلب بشكل مؤلم."، والعرض المسرحي مصمم بشكل ممتاز من قبل المخرجة . إنها مسرحية رائعة تسخر بشكل فعال ولاذع من منع النساء من حق الإجهاض، والإنجاب والحريات التي يحاول اليمين الاميركي الحد منها.

قدمت كل من الممثلة ميريديث كاريتسون في دور المسافرة نيسا أداءً قويًا، حيث عبرت عن سلوك هادئ ومتزن نسبيًا حتى اللحظة التي بدأت تدرك الفخ الذي فرضته عليها الدولة والذي كانت محاصرة داخله، ولم تعبر إلا تدريجيًا عن يأسها من هذا الوضع. والتكامل في الاداء يأتي ايضا من الممثلة كيلي ماكاندرو في دور المحامية فال .

مسرحية "دماء الحَمَلْ" تعرض نظرة قاتمة وساخرة، وتتحدث عن حقوق الإجهاض والاستقلال الجسدي والقوانين التقييدية التي يمكن أن تعرض حياة النساء الحوامل للخطر عندما يتعرضن للإجهاض أو يحتاجن إلى مساعدة طبية.

كاتبة المسرحية أرلين هوتون Arlene Hutton، اخراج ماركوت بورديلون Margot Bordelon، تمثيل ميريديث كاريتسون Meredith Garretson وكيلي ماكاندرو Kelly McAndre، تصميم الإضاءة أميث تشاندرا شاكر، تصميم الديكور أندرو بويس، تصميم الأزياء ساريتا فيلوز. مدة العرض 80 دقيقة على مسرح (59E59, Theater A).

#سمير_حنا_خمورو (هاشتاغ)       Samir_Khamarou#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات