نزار فجر بعريني
الحوار المتمدن-العدد: 8292 - 2025 / 3 / 25 - 15:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
محاولة، في إطار فهم طبيعة الصراع على الساحل السوري.
المعارضة الوطنية لأي سلطة، خاصة في هذه المرحلة التاريخية من الصراع على سوريا، هي واجب وطني وإنساني، بل وأخلاقي، ولكن لايجب أن يرى المعارض علاقته بالسلطة بعين واحدة..
إذا كان في وعي وممارسات السلطة الانتقالية كلّ مبررات الرفض على أرضية القيم الوطنية والإنسانية، فليس من الموضوعية أن يتجاهل المعارض الوطني ضرورة كشف طبيعة مشروع خصومها وأعدائها، ويصمت عن مخاطره... ناهيكم عن المشاركة في تحقيق أهدافه!! الوطنية، كلّ لا يتجزّأ!
في التفاصيل:
إذا كان العامل الرئيسي الحاسم في تحديد مآلات الصراع على سوريا وشكل نظامها السياسي يتمثّل في طبيعة مصالح وسياسات الولايات المتّحدة،
فمن السذاجة السياسية تصديق ما تسوّقه مراكز القرار الأمريكي، وتروّجه أبواق النخب السياسيّة والثقافيّة السورية المرتبطة، التي تدّعي أنّ "التوافق الوحيد بين جميع أركان إدارة ترامب حول سوريا هي ضرورة رؤية تغيير حقيقي في سوريا في طبيعة السلطة الجديدة، لا يكرر سلوك النظام السابق بمركزية السلطة واستخدام العنف ويشرك باقي الأطراف السورية في العملية السياسية "!
شخصيا، أعتقد أنّ في أولويات سياسات إدارة البيت الأبيض تجاه " الملف السوري" تأتي مهمّة التوفيق بين سياسات وزارتي الخارجية والدفاع تجاه قضايا الصراع على سوريا، خاصة شكل السلطة الجديدة. فما هي حقيقة المصالح والسياسات التي تسعى إليهما الوزارتان، وما يرتبط بهما من رأي عام أمريكي في الكونغرس ومجلس الشيوخ؟
في حين تعمل وزارة الخارجية على إنضاج رؤية كاملة حول طبيعة العلاقات الاستراتيجية بين النظام السوري الجديد و "إسرائيل" في سياق تسوية سياسية شاملة (كان مقدّرا لها أن تحصل في أعقاب حرب تشرين "التحريكيّة" منتصف سبعينات القرن الماضي، وكان لنجاح جهودها أن يوفّر على سوريا أثماناً باهظة، دفعتها وما تزال في مسارات الصراع اللاحقة، خاصة في مواجهة مخاض الربيع العربي!)، تركّز وزارة الدفاع على توفير شروط "انسحاب" ضامن من "إقليم شمال وشرق سوريا" وما يتطلّبه من ضرورات الوصول إلى تسوية سياسية وعسكرية في المفاوضات الجارية بين السلطة وقيادة قسد، تضمن للأخيرة توفير شروط الأمان الاستراتيجي، بما يُمكّن الإقليم القسدي بعوامل الشرعية السورية التي تعزز أسباب بقائه كقاعدة ارتكاز وتحكّم استراتيجية دائمة.
في خطابها مع القيادة الجديدة، تؤكّد دوائر مركز القرار في واشنطن على أنّ درجة "تطوّر العلاقات" الأمريكية- السورية"، خاصة بما يرتبط بملف "العقوبات" يرتبط طرديّا بدرجات نجاح السلطة في التعامل مع هذين الملفين، بما لا يتعارض مع مصالح شركاء الولايات المتّحدة- قسد وحكومة العدو...هما القضيتان الرئيسيتان اللتان تحددان طبيعة ومآلات الصراع على سوريا، كنظام وككيان جيوسياسي، وتكشفان هوية قوى الصراع السورية والإقليمية، وطبيعة المصالح التي تتصارع عليها، وما تستخدمه من وسائل و سياسات لتحقيقها.
في ضوء عوامل السياق الأمريكية، وفي هذه المرحلة التاريخية التي أعقبت إسقاط سلطة الأسد، يذهب الصراع على سوريا (شكل النظام والكيان الجيوسياسي، وهو ترابط استثنائي في المآلات والمصير، يكشف طبيعة مصيريّة اللحظة التاريخية!)، على مسارين رئيسيين، يرتبطان بعلاقات جدلية، و تأثير متبادل، وتشكّل السلطة الجديدة مركز الصراع وأداته الرئيسية.
١ في هويّة قوى الصراع السورية.
على الصعيد السوري، تتصارع على شكل السلطة والكيان الجيوسياسي في حقبة ما بعد الأسد نفس سلطتي الأمر الواقع السابقتين، هيئة تحرير الشام (وحكومة الإنقاذ في إدلب) "هتش"، وقوات سوريا الديمقراطية، "قسد"- التي كانت وما تزال تسيطر على "إقليم شمال وشرق سوريا".
٢ في طبيعة تناقض المصالح وتقاطعها.
على مسار علاقات الصراع بين سلطة الهيئة وقسد، أحاول توضيح مواقع تقاطع المصالح والسياسات، ومواقع الصراع في العلاقات بين السلطتين اللتين تشكّلان المرتكزين الرئيسيين للنظام السوري الراهن، كما كانتا تشكّلان القاعدتين الرئيسيتين لمشروع التقسيم ونظامه الأسدي السوري.
في حين تسعى قيادة الهيئة وحكومة الإنقاذ التابعة لها على المدى القريب والمتوسطة إلى بناء هياكل و أسس نظام سياسي سوري مركزي، يضمن لقواها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والميليشاوية اليد العليا في جميع قضايا الحَوكمة المحلية ومواقع القرار السيادي، متغطية بإيديولوجية إسلامية وسطية ووطنية، تروّج لأفكار السعي لإعادة توحيد الجغرافيا وبناء مؤسسات دولة القانون و مؤسساتها الدستورية التي تضع السوريين على مسافة واحدة من السلطة بغض النظر عن أيّة اعتبارات أخرى، كما أكّدت أطروحات البرنامج السياسي الذي قدّمه الرئيس أحمد الشرع (وتجاهلت أهمّها مواد الإعلان الدستوري)، تعمل قسد على الصعد التكتيكية والاستراتيجية من أجل الحفاظ على مرتكزات وامتيازات السلطة العسكرية والأمنية والإدارية التي بنتها بعد ٢٠١٩ في مواجهة الأحزاب السياسية القومية الكردية، وعلى ما بات "إقليم شمال وشرق سوريا الديمقراطية".
أ- على الصعيد التكتيكي :
بداية من المفيد توضيح أبرز حقائق العلاقات الجدلية بين قسد والسلطة:
من حيث الشكل، يبدو الصراع بين قسد وهتش ينحصر على صعيد المستوى الديمقراطي، ويأخذ شكل التناقض بين أطروحات ونهج ومشروع قسد "الديمقراطية" مع نهج وممارسات سيطرة سلطة "هتش" الاستبدادية – الإقصائية .
في المضمون، العلاقات تكاملية! كيف؟
كلّما كان سلوك سلطة الهيئة إقصائي، كلما حصلت قسد على مبررات رفض الانخراط الفاعل والحقيقي في العملية العسكرية والسياسية.
بمعنى، كل خطوة فشل لمسارات الانتقال السياسي والتحوّل الديمقراطي، وكلّ انتهاك لشروط السلم الأهلي، تستغل قسد عواقبه السياسية والاجتماعية والأمنية لتبرير عدم انخراطها بمسارات العملية السياسية، وبالتالي تعزيز شروط احتفاظها بالسلطة والامتيازات، كما تحصل على المزيد من الفرص لتجييش أوسع رأي عام، على الصعيدين الكردي الخاص والسوري العام، مناصر لها، ومعاد للسلطة ..
ضمن هذا المنظور، يصبح من مصلحة قسد دعم التوجّه الإقصائي، الاستبدادي في وعي وممارسات السلطة، ووضع كلّ أشكال العراقيل أمام تقدّم مسارات انتقال سياسي وطني ديمقراطي.
ب- على الصعيد الاستراتيجي :
إذا أخذنا بعين الأعتبار أنّ قسد كانت أبرز سلطات الأمر الواقع التي تبلورت خلال ٢٠١٩ في سياقات حروب تقاسم سوريا بعد ٢٠١٥، وأنّ بناء سلطاتها العسكرية والأمنية والإدارية في ما بات "إقليم شمال وشرق سوريا الديمقراطية" حتى عشية هجوم رد العدوان في ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٤ قد تحققت في سياقات إجراءات تأهيل سلطات الأمر الواقع الأخرى على الصعيد السوري العام وتحويلها إلى حكومات محلية تشكّل مرتكزات التقسيم، ندرك أنّ عامل الحماية الاستراتيجي الذي يضمن بقاء إقليم شمال وشرق سوريا وسلطته المهيمنة قسد هو في ذهاب الصراع الراهن على مسارات تعزيز شروط تقسيم سوريا، ليس فقط بالشراكة مع سلطة إقصائية ضعيفة في دمشق، بل وبدعم جهود قيام "سلطات أمر واقع" جديدة!!
ضمن هذا السياق، نفهم دوافع سلطة قسد ليس فقط لتفشيل مسار العملية السياسية الجارية، بل وتعزيز شروط قيام كانتونات إدارات ذاتية جديدة على نموذج "إقليم شمال وشرق سوريا" في ساحل سوريا وجنوبها..!
في أعقاب ما حصل في الثامن من ديسمبر من تغيّرات دراماتيكية، أسقطت سلطة الأسد، ووضعت هيئة تحرير الشام على مسارات التحوّل إلى سلطة دولة بالتنسيق مع تركيا والتوافق مع فصائل "الجيش الوطني" والحكومة المؤقّتة، سقطت منظومة التقسيم التي تمّ ترسيخ سلطاتها بعد ٢٠٢٠، و بات "إقليم شمال شرق سوريا" الإنفصالي وحيدا، في مواجهة صيرورة إعادة توحيد سوريا. هكذا تكاملت دوافع قسد في دفع الصراع على مسارات تفشيل السلطة وتقسيم الكيان، وترابطت السياسات التكتيكية والاستراتيجية في خوض الصراع على أكثر من جبهة، ومستوى(١):
من جهة أولى، أطلقت جهود هجوم مضاد على جبهة الساحل سعيا لتوفير شروط "الإدارة الذاتية"، وقد تزامنت مع خطوات وإجراءات وضع العراقيل أمام جهود تقدّم العملية السياسية عبر شروط مظلوم عبدي الغير قابلة للتنفيذ في سياقات بناء مؤسسة عسكرية وطنية، و مع حملات تحريض وتجييش طائفي، استغلّت ما تواجهه السلطة الجديدة من تحدّيات، وينتج عن سياساتها الإدارية والأمنية من عواقب خطيرة على معيشة الناس وأمنهم، خاصة جرائم القتل الطائفي التي حصلت في إطار حملات التفتيش عن السلاح أو ملاحقة بعض المطلوبين، وحالات انتقام عشوائية، وقد استهدفت حملات التحريض والتجييش أبناء الساحل بشكل عام، والعلويين، بشكل خاص، لإقناعهم بأنّهم مستهدفون طائفيا، وليس أمامهم سوى رفض الاعتراف بشرعية السلطة الجديدة، وطلب الحماية الخارجية!
من جهة ثانية، أعلنت إلهام أحمد أنّ قسد ومسد يتطلّعان إلى ضمانات إسرائيلية من أجل "نجاح العملية السياسية"! .أمّا طبيعة "الضمان" الذي يمكن أن تقدمه إسرائيل، ويتوافق مع مصالح مشروع سيطرتها على سوريا والإقليم، ويتقاطع مع مصالح مسد وقسد، فهو مصلحة إسرائيل وسعيها إلى منع سوريا من استعادة وحدتها و استقرارها وقوّتها، وتثبيت عوامل التفشيل والتقسيم، وذلك من خلال استخدام الدروز في الجنوب، والعلويين في الساحل، والأكراد في الشمال كأوراق وأذرع، إضافة إلى مواجهة تحسّن العلاقات بين سوريا وتركيا، الدولة الجارة التي ترتبط عوامل أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية بتوفير شروط وحدة سوريا، واستقرارها.
(١)-على صعيد "النضال السياسي الديمقراطي" شكّل أحدث إنجازات "حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني) السور ، المعروف بPYD""الذي أسسته السلطات السورية عام ٢٠٠٤، في أعقاب ثورة كردية شعبية واسعة، ومن أجل "ضبط" ساحات الحراك الثوري والديمقراطي الكردية في مناطق الكثافة السكانية، محافظتي الحسكة وحلب، والذي يقود تحالف "جبهة ديمقراطية سورية"، على غرار العلاقة بين حزب البعث القائد، و أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية "، تحت اسم "مجلس سوريا الديمقراطية") إعلان تأسيس "جسم سياسي ديمقراطي" جديد، يُضاف إلى طائفة "سوريا الديمقراطية" الكريمة، وتمّ تسويقه لدى الرأي العام باسم "تماسك"، ولم يأت بجديد إلى خطاب "سوريا الديمقراطية"، وكان ملفتا طول قائمة " القوى المنضوية" والإخراج الإعلامي، وقد نُقل حفل التدشين، وإطلاق "البيان التأسيسي" على الهواء مباشرة، بمظاهر من "الأوبّهة" تعكس سخاء السيد المخرج!!
#نزار_فجر_بعريني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟