مصطفى القرة داغي
الحوار المتمدن-العدد: 8292 - 2025 / 3 / 25 - 14:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل تَجد سوريا السَلام بَعد سَنوات الحَرب الأهلية؟ سؤال يَبدو بأنه سَيبقى عالقاً لفترة مِن الزمن لتُجيبَ عَنه الأحداث. ففي غُضون الأيام القليلة الماضية، وقع حَدَثان مُهِمّان أعطَيا إجابات مُتناقضة لهذا السؤال، وجَرّا البلاد، مَرّة نَحو المَجهول، ومَرّة نَحو الإستقرار. الأول هو مَجازر مليشيات مُتطرفة مَحسوبة على قوى الأمن السورية التابعة لحُكومة الشَرع في مُدن الساحِل التي يَقطُنها العلويون، والثاني هو الإتفاق بَين حُكومة الشَرع وقوّات سوريا الديمقراطية الكردية.
مُنذ تَغيير نظام بَشّار الأسَد، وفرارِه إلى روسيا، وقَعَت هَجَمات فرديّة على الأقليات، سَيطَرَت عَليها حُكومة الشَرع عِبر حَظر التجوال. بقِيَ الأمر على هذا الحالة حَتى6 مارس عِندما هاجَمَ مُسَلحون موالون للأسَد قوات الأمن بمُحافظة اللاذقية ومَواقع أخرى في عَملية مُخطّط لها طالت مَدَنيّين أيضاً، لِتَرُد المليشيات بمَجازر ذهَب ضَحيّتها نحو1400 شَخص خِلال72 ساعة، طالت بالمَقام الأول الأقلية العَلَوية، تبَيّن أن المَسؤول عَنها فَصيلين مُسلّحين، هُما نَظرياً تَحت سُلطة الحكومة لكنّهُما عَمَلياً لا يَخضَعان لسَيطرتها، مِمّا يُظهِر هَشاشة سُلطة الشَرع، رَغم إدِّعائها الحَزم ونِيّتَها تَجاوز جِراح الماضي. كذلك بَيّنَت الأحداث أنه لا يَنبغي الاستِهانة بأزلام الأسَد، خُصوصاً وأنّهُم لا زالوا يَتلقّون الدَعم مِن حُلفائهِم في العراق.
هذه الأحداث أثارَت هاجِساً لطالما أقلق الأقليات:"هل سَيَكون بَديل الأسَد دكتاتورية سُنيّة!"، والذي إعتاش مِنه نِظام الأسَد سنوات لتَوحيد صُفوفه ضِد المُعارضة، ويَبدو أن بقاياه تَسعى لتَحقيقه عِبر إدامة العُنف. رَغم وعود الشَرع بحِماية الدَولة للأقليات، إضافة الى تعَهّده بمُحاسَبة المَسؤولين، إلا أن المَجازر أظهَرَت عَجزَهُ عن تَحقيقها، كما أثارَت حَفيظة الخارِج، الذي تَسعى حُكومَته لإثبات حُسن نِيّتَها له لإنهاء العُقوبات وإعادة الإعمار. لذا على حُكومته ألنَئي بنَفسِها عَن هذه الأعمال ومليشيات بقايا داعش التي تنفذها، وأن تعمَل على تَجريدِها مِن قوّتها، ولن يَكون ذلك سَهلاً لأنها مُنتشِرة بأرجاء البلاد. نظرياً تَم حَل المليشيات ودَمجَها في الجيش، لكن سَيَستغرق هذا الأمر وقتاً لتَحقيقه على الأرض. الإستِقرار لا يَتَعَلق فقط بثبات الحُكُم في دمشق، فبَين الجَماعات الإسلامية أو بَقايا الأسَد إنتهازيون وقَتَلة مَشحونون آديولوجياً، بالنِسبة لهُم يَتَعَلّق الأمر ببَقاء أعمالهِم ومَناطق نفوذِهِم حَيث المَوارد تَحت السَيطَرة، وهو ما قاموا به لسَنوات تَحت عَباءة الحَرب الأهلية.
يَبدو أن ماضي الشَرع يُلاحِقَه، رَغم سَعيه للتَبرؤ منه. فمَجموعته لها جُذورها في تنظيم داعش والقاعدة، ومِن الواضِح أن بَعضها لم تَتَخل عَن آديولوجيا الجِهاد المُتطَرّفة الى اليَوم، ولتَوحيد البلاد سَيكون ضَرورياً التَخَلّص مِنها. وقد أثبَت الشَرع سابقاً بأنه قادر على فعل ذلك، وحَتى في الحاضِر، كان إتِّفاقَه مؤخراً مَع قُوّات سوريا الديمُقراطية، ودَمج أفرادِها بالقُوّات المُسَلّحة السورية، إنجازاً يُحسَب له، بمُقابل ضَمانِه للأكراد السوريين حُقوقهم الكامِلة كمواطِنين. وبَعد عُقود مِن التَمييز في عَهد الأسد، يُعَد هذا تَصويتاً بالثقة للحُكومة الجَديدة، كما يُمكِن لهذه القُوّات أن تُشَكِّل ثُقلاً مُقابِلاً للمُقاتِلين الإسلاميين الذين تَم دَمجهُم في القُوّات المُسَلّحة. بالتَوازي مَع هذا الأمر، تعمَل لجنة خُبَراء عَيّنَها الشَرع لصِياغة دُستور مؤقت، لكن يَنبغي عَدم الإفراط في التَفاؤل، فقد أظهَرَت الأحداث الأخيرة هَشاشة البُنية السورية، وأهَمِّية الحِفاظ على تَماسُكِها. يَحتاج هذا الأمر الى حِوار جِدّي بَين جَميع السوريين حَول كيفية تعايُشِهِم مَعاً في بَلَد واحِد، وهكذا عَقد إجتِماعي يَجِب أن يُحسَم قبل الدخول في الصِياغة الدِستورية. ويُمكن لإتفاق البنود الثَمان بَين الشَرع والأكراد أن يَكون حَجَر أساس له لأنه يُحافِظ على الوِحدة الاجتِماعية للبَلَد بأكمَله، ويُكَرِّس مُشارَكة الجَميع بغَض النَظر عَن خَلفيّتهم الدينية أو العِرقية.
إن ما جَرى من إبادة بحَق مِئات الضَحايا الأبرياء من العلويين على يَد مَجاميع مُسَلحة تَدّعي إنتِسابها للأجهزة الأمنِيّة، في بَلَد لا تَزال أجزاء كبيرة مِنه خارجة عَن سُلطة المَركز، بِحُجة أنّهم مِن فلول الأسَد، هو نَفس ما يَقوم به أتباع إيران بحَق سُنة العراق من2003 الى اليوم، بحجة أنّهُم فلول صَدام. العَلويون وأهالي اللاذقية لا عِلاقة لهُم بما قام به الأسَد، كما أن السُنة وأهالي تكريت لا عِلاقة لهُم بما فعَلَه صَدام، عِلماً أن أغلب بَعثِيّو سوريا وضُباط مُخابَراتِه كانوا سُنّة، كما أن أغلب بَعثِيّو العراق وضُباط مُخابراته كانوا شيعة. وكما لم يَكُن المَذهب السُنّي مَصدَراً لقوانين الدَولة العِراقية، لَم تَكُن الشَريعة العَلَوية مَصدراً لقوانين الدولة السورية. وكما لم تكن مناهج النظام التعليمي العِراقي مُستمَدة على المَذهب السُنّي، لم تكن مَناهج النظام التعليمي السوري مُستَمَدة مِن الدين العَلوي، وكان بَشّار وأبيه يُصَلّيان مُتكَتٍّفين بالمَسجد الأموي، ولم يُمارسا طقوساً دينية عَلَوية في بَيت الَجَمع. لذا ما قام به شَبّيحة الأسَد مِن إبادة بحَق السُنة، لا يُبَرّر جَرائِم أتباع الشَرع في مُدن الساحِل بحَق العَلَويين. وتبَرّؤ الشَرع مِنهم لن يُعفيه مِن المَسؤولية، كما أن تَبَرّؤ الأسَد مِن جَرائم شَبّيحَته لم ولن يُعفيه مِن المُسؤولية. وأستمرار إستِعانة الشَرع ببَقايا داعش مِن أفغان وشيشان وتُرك وإيغور، وإستِقوائِه بِهِم على أبناء شَعبه، لا يَختلِف عن إستِعانة الأسد بالحَشد وحِزب الله مِن عراقيين واللبنانيين، وإستِقوائه بهم على شَعبه.
لا تَزال لدى الشَرع فُرصة للسَيطرة على الوَضع، حتى إن إستعان بالمُجتمَع الدولي الذي يَقِف اليوم سانِداً ومُراقِباً له، كما حَدَث بمؤتمَر المانِحين في بروكسِل، الذي تعَهّد بتقديم الدَعم لإعادة إعمار سوريا، رَغم إستِنكاره للأحداث الأخيرة. لهذا عليه عَدَم تضييع الفُرصة لأجل إلتزامات سابقة مَع رُعاع خارج التأريخ الذي يَسعى لدُخوله، لن تَجلب له ولنِظامه الفَتي الذي يُحاول تَسويقه على أنه مُسالم يَحترم حُرية المُعتقد وحُقوق المَرأة والأقليات، سِوى العار وسوء الصيت. لذا لا مُبَرّر لإبقاء هؤلاء ودَمجِهِم بأجهزة الأمن، كما أن لا مُبَرّر لوجود الحَشد ودَمجِه بأجهزة الأمن العراقية. فهُم حُثالة مُجتمعاتِهِم، ولا يُمكن إعادة تأهيلهم، لأنهُم مَسكونون بالعُنف والتطَرّف، ولا يُمكنُهُم العَيش دون قتل الناس وإنتهاك حُرماتَهُم.
لقد شاهَدَ السوريون كيف جَرَت أحداث سيناريو العراق، وماذا جَرّت على العراقيين مِن وَيلات الى اليَوم. دولة لا تَنطبِق عليها أي مواصَفات للدَولة، وشَعب مُمَزّق ومُستقطَب طائفياً ودينياً لأحزاب فاسِدة تَنشُر التَطَرّف وتَسرُق المال العام دون حَسيب أو رَقيب، ومليشيات مُرتَزقة تُنفِّذ أجندات خارجية وتسرُق وتقتُل على الهَوية! هَل هذا هو السيناريو الذي يُريدونه لدَولتهم؟ أو النَموذج الذي يَتَمَنّون أن تَنتَهي إليه؟ هَل يُريدون أن يَأتي يَوم يترَحّم فيه السوريون على بَشار، كما باتَ الكثير من العراقيين يَتَرحّمون على صَدام؟ أسئلة مَصيرية على السوريين قيادة وشَعباً أن يُجيبوا عليها فِعلاً لا قَولاً بِشِعارات لا تُطَبّق على أرض الواقع. فمُعارَضة صَدام رَفَعَت شِعارات أكثر بَريقاً مِن شِعارات الشَرع، ولكننا رَأينا عَكسَها الذي كان أسوَء مِمّا فَعَله صَدام! أو رُبّما يُفَضِّلون نَموذج أفغانستان الأكثر تطرفاً، فقد شاهَدنا في الأيام الماضية ما يُسَمّى بسَيارات الدَعوة المُجَهّزة بمُكبّرات صَوت تَبُث أناشيداً وخُطَباً دينية تَدعو الناس لإعتِناق الإسلام وتَطبيق الشَريعة الإسلامية، والتي بَدَأت تَجوب بَعض أحياء العاصِمة دمشق، وتَحديداً ذات الغالبية المَسيحية! فإلى أين يُريدون المُضي ببلادِهِم؟
لذا أمام الشَرع اليَوم خَيارين.. الأول أن يَمضي بهذه الفَوضى التي نُشاهِدها اليوم حَتى تَصِل به وببلاده الى الهاوية ليَلعَنَه التاريخ، كما سَيَلعَن سَلَفَه بشار، وكما سَيَلعَن حكام العِراق.. والثاني أن يُثبِت ما قاله في اللقاء المُتلفَز الذي أجراه مَع قناة CNN العَرَبية قبل دُخوله دمَشق، بأنه شاب إنجَرَف الى التَطَرّف، ثُم عاد الى رُشدِه بَعد أن أعاد حِساباته وفَهِمَ بأن الدول لا تُحكَم بالعُنف، وأن الشُعوب لا تُقاد بالإرهاب، ويَسعى اليَوم لبناء دَولة جامِعة لكل السوريين.
#مصطفى_القرة_داغي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟