عفيف رحمة
باحث
الحوار المتمدن-العدد: 8292 - 2025 / 3 / 25 - 02:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ربما من المبكر الحديث عن الاستحقاق الرئاسي في سوريا الذي حدد بعد خمس سنوات، في وقت تشهد فيه البلاد حالة من الفوضى والعبث السياسي الممزوج بأحداث طائفية دموية مع انفلات أمني وعسكري تمارسه فصائل مسلحة لا سيطرة ولا سلطة عليها.
جزء من أسباب هذا العبث يعود لعدد من إشكاليات تاريخية متراكمة تتعلق بهوية المجتمع المؤسس على مفهوم الأكثرية والأقلية وما أنتجته من اتهامات بالمظالم المتبادلة بين المجموعات الدينية المختلفة. هذه المفاهيم إن عبرت عن شيء إنما تعبر عن أزمة معرفية ووطنية وإرث تاريخي لم ننجح بتجاوزه منذ الاستقلال السياسي؛ ولأن القضية إشكالية ارتأيت ضرورة تباحثها متخذاً من هوية رئيس البلاد نافذة لمناقشتها وإن أعطيت في خواتيمها شكلاً فكاهياً ولربما هزلياً يعبر عن هذا الضياع المعرفي.
حول موضوع هوية رئيس البلاد، ينقسم الرأي العام إلى تيارات ولعل أبرزها تيار يتبناه العقلاء الذين يرون أن القضية ليست بذي أهمية من الناحية المدنية والحضارية فليحكم من يحكم شرط أن يحكم بالعدل والقانون، وتيار آخر يرى أن الإجابة على هذه القضية محكومة بالبداهة ولا حاجة لتداولها أو مناقشتها فحسب علم الاحتمالات لن يكون الرئيس إلا من الجماعة الدينية الأكثر عدداً، أما التيار الثالث فهو يدعو لترجيح كفاءة الهوية الدينية، ورغم ضيق أفق هذا الرأي إلا أنه سيصب بالضرورة في خانة أحد الرأيين السابقين.
لكن لماذا نناقش مثل هذا الموضوع طالما تتقارب الآراء لتصب في ذات المصب. المشكلة أن مصطلح الأكثرية والأقلية يؤخذ به من منظور إقصائي ديني، طائفي، اثني، ومثل هذا التصنيف لا يتماشى مع مقتضيات العصر ومشروع سوريا الحديثة، إضافة إلى أن توظيف مصطلح في غير مكانه يضر بالقضية ولا ينفعها.
على خلاف ما عرفناه في الأدبيات السياسية الحديثة من تعريف لمفهوم الأقلية والأكثرية، حيث اقترن كمصدر لغوي بخبر يحدد بعد ومعنى هذا المصطلح، حيث بصيغ متعددة كأكثرية نيابية، أكثرية شعبية، أكثرية حاكمة، الأكثرية الثورية... تاريخياً، لم يرد لمصطلح الأكثرية أو الأقلية ذكر في الأدبيات الإسلامية التي نحتكم إليها دائماً في مجتمعنا بفعل الموروث التاريخي والقوانين والتشريعات السائدة، وهو غريب عنها بعض الشيء، فالمسلمون إخوة في الإسلام ولا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى...، مفاهيم سمحت لغير العربي أن يحكم المجتمع العربي مراراً وتكراراً ولفترات طويلة في مرحلة ما قبل الاستعمار الحديث.
إن عدم وجود هذا المفهوم أو المصطلح في الماضي له مبرراته الموضوعية، فلم يكن ممكناً، في عصر ما قبل الاستعمار الحديث، تشكل أقلية وأكثرية بالمعنى السياسي، لأن الإنسان لم يعرف العمل السياسي الذي بدوره لم يُعَرف كحالة حقوقية أو مدنية، ومفهوم الوطن والمواطنة لم يكونا من مفاهيم الدولة، فالمواطن تابع أو رعية، هو تابع لحاكم يستمد سلطانه من عند الله، وعلى الحاكم أن يحقق العدل والحماية، وما على الفرد إلا أن يلتزم بالطاعة والعرفان لهذا الحاكم.
من هذا الواقع جاءت تعاريف للرعية بحسب خصوصياتها فعرف الكرد بالكرد والفرس بالفرس، وعومل بعض أتباع العقائد الدينية خطأ كحالة إثنية...، أما أبناء الديانات الكتابية من العرب فعرفوا بأهل كتاب أو أهل ذمة، لهم كرعية ما للرعية المسلمة وعليهم ما عليها وإن بأشكال متفاوتة، كالتعامل بالذكاة للمسلم وبالجزية لغير المسلم....هي حالة من العدالة والمساواة الطبقية بين سواد الشعب الرعية، عدالة بين الرعية والتابعة الضعفاء، عدالة من مصلحة صاحب السلطة أو السلطان أن يلتزم بها لأنها الضامن لديمومة سلطانه.
حملت الدول الإستعمارية معها مفاهيمها السياسية والثقافية وأرادت أن تتعامل في إدارة بلادنا بذات المحاكمة السياسية وذات المصطلح، ولما لم يكن قد تبلور بعد في مجتمعنا مفهوم الأقلية والأكثرية بالمعنى السياسي والطبقي، إرتأت هذه القوى الإستعمارية إسقاط مفهوم الأكثرية والأقلية السياسية بإستخدام معاير قائمة ومتداولة، فاستبدلت المعيار الطبقي والسياسي بالمعيار الديني والاثني، فظهر في الأدبيات السياسية مصطلح الأقلية الدينية والأقلية العرقية رغم أن هذه الأقلية (الدينية أوالإثنية) هي أكثرية في مكانها وأرضها وهي أقدم وأكثر رسوخاً بالأرض من السلطة الوافدة، وباللاشعور تسلل هذا الإسقاط المشوه في وعينا وثقافتنا حتى اصبح ركناً من أركان منهجنا في إدارة بلادنا ومجتمعاتنا، وحل التقييم الديني والإثني مكان المعيار الوطني، والطبقي، والسياسي وأصبح محوراً من محاور نزاعاتنا الداخلية السياسية والوطنية.
من له الحق بأن يحكم سوريا؟
إذا كنا لا نملك بعد المعيار السياسي أو الطبقي كدليل مرشد في تحديد الأقلية والأكثرية، فلنبحث إذاً عن أقلية وأكثرية يكون لها مدلول وطني لإدارة شؤوننا الوطنية.
في أي بحث علمي نحدد أولويات البحث ومحاوره التي نريد معالجتها، ولما كنا نتكلم عن "أقلية واكثرية" ونظراً لكثرة مفردات الهوية فإنه لا بد من أن ندرس الموضوع وفق بناء إحصائي هرمي تسلسلي، وبناء على ذلك بنيت أولوياتي في البحث والتحري وفق عوامل أراها اشد أهمية من وجهة نظر علمية، وعليه جاءت المعايير وفق ما يلي: الجنس، الحالة المادية والانتماء الطبقي، العمر، المستوى الثقافي والوضع التعليمي ... إلخ.
من خلال التقصي والإستدلال من ما هو متوفر لدينا من إحصائيات (لعام 2010) وجدت أن نسبة الإناث في سوريا أعلى من نسبة الذكور (51%-49%) وهو أعلى بكثير بعد خسارة سوريا لعدد كبير من شبابها، وعليه فيجب أن يكون الرئيس رئيسة اي أنثى لأنهن أكثرية. ولما كانت نسبة الفقراء أعلى بكثير من نسبة الأغنياء أو متوسطي الحال فمن المحتم أن تكون الرئيسة من الطبقة الفقيرة ويجب أن تكون شابة لأن نسبة الشباب تحت الخامسة والعشرون تشكل 70 % من عدد السكان، ثم ولكون مجتمعاتنا مجتمعات زراعية فيجب أن يكون خيارنا منصباً على إمرأة شابة تحت الخامسة والعشرون فقيرة من بيئة فلاحية أو زراعية أو اصول فلاحية، وبما أن المنصب يحتم إلماماً بالقراءة والكتابة وعلى إعتبار أن نسبة الحاصلين على الشهادة الإعدادية أكثر من الحاصلين على الشهادات العليا، فمن العدل أن تكون فرصة الحاصلة على الإعدادية أوفر حظاً بالمعنى الإحصائي من باقي المتعلمين.
في واقع الأمر اجتمعت بالمصادفة مع بائعة على الرصيف متزوجة تدعى أم راكان فقيرة الحال لم تتجاوز الخامسة والعشرين نشأت في بيئة زراعية ولم يتوفر لها الحظ بمتابعة دراستها الثانوية، ومن خلال حديثها مع جارتها على الرصيف واستشهادها ببعض الأمثال والأبيات الشعرية وبراعتها بتصفح هاتفها الجوال وامتلاكها الحجة في المناقشة بدت لي أنها محبة للعلم والثقافة والفنون، ووفق من استشهدت بهم من صحابة وخلفاء عرفت بالفراسة انتمائها الديني والمذهبي. تأملت قليلاً وفكرت بمفردات هويتها الاجتماعية ووجدت أنها تتوافق مع مفهوم الأكثرية، وأجد أنها الأنسب لتمثيل الاكثرية من الشعب السوري، وأعتقد أنها قادرة على فهم وإتقان قواعد اللعبة السياسية، فمن جاء في الماضي وتعرفنا عليه في الحاضر لم يكن أكثر ذكاءً وفصاحة منها. وأمام هذا الاستئناس الوطني، كل أملي أن يكتب لأم راكان فرصة النجاح في الانتخابات الرئاسية القادمة والتوفيق بحكم سوريا للمدة التي يحددها الدستور الذي سيكتب في قادم الأيام، وأرجو منكم مستقبلاً دعمها في الانتخابات لأنها تمثل أكثرية الأكثرية من الشعب السوري؛ مع فهمي لمن يرى في هذا التحليل بعض من السذاجة، إلا أنه كاف لإرضاء من يطالب بتولي السلطة في سوريا من أكثرية ما زالت تعيش مع نصوص تحتاج للمصداقية، وتظن أنها أكثرية.
#عفيف_رحمة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟