عمر حمش
الحوار المتمدن-العدد: 8291 - 2025 / 3 / 24 - 13:33
المحور:
الادب والفن
ها هي الحرب عادت في رمضان، وأتانا النفّارُ؛ ليوقظنا للسحور، والبيوت تهتزّ، وتتأرجح بنا، وهو قادمٌ، ويقطّع الطبلُ صوته.
وأقولُ:
مجنون .. والله هيذي وَحَدة.
كما لفظتها بدويةً، عبرت حارتنا، ذات ليلٍ قديم ، يوم هرول حمع السلاخية .. جمعنا.
[هكذا كان يسمينا كبار الحارة]
في عتمة الأزقة بحثنا عن مصدر الصيحة الممتدّة:
والله هيذي وحدَة.
كانت مرّت، وسألت عن موقع منزل قصدته، من بعد أن توهتها أزقتنا الأفاعي.
وفورا أجابها السلاخي عثمان:
تعالي.
وخطا بها، وهو يغامزنا، وخطت معه.
في العتمة ميّزنا جسدا، وصوت أنثى، وهمهمنا، وكتمنا ضحكنا، وهما يتواريان، وسرعان ما جاءت الصيحة.
لم يتوقع عثمان أنّ من غافلها؛ عجوز عجفاء، وأنّه في الزاويةِ سيهاجم هيكلا، وسيقبض على عظمٍ ..
والله هيذي وَحَدة.
وسقطت جاثيةً، لتحمي بقايا بقاياها،
وصرخت تندب سوء ختامها، وفزع هو من هول صيحةٍ لم يفهمها:
وصلناهما؛ لكن لنهرب كالجراء، وتناثرنا عبر الأزقة، وجباهنا تصادم الجدران..
وكم من الأيام قضاها عثمان، لا يخرج، ولا حتى يُطلّ من نافذتهم الواطئة خشية قبيلةٍ حتما ستأتي على الخيول، وترفع الدروع، لتهاجم كوخ أمّه العمياء بالرماحِ، وبالسيوف.
***
أما يومُ سيري من جنوب القطاع إلى شماله، فكان أغرب، هكذا عدت مشيا، وعزما، كأنني لم أزل في زمن السلاخية، وأنا فوق السبعين، ووسط زحامٍ شبهته صديقة عراقية بيوم عرفة.
كانت ذراعي حملَت من خلف ظهري أختها، ومضيت معهما على ساقين ثملتين، ومع عينين محدقتين .
عشرات الكيلومترات خطوتها، مع غضاريف ظهري المتسوسة، هائما مع الهائمين ، يسابقني حفيدي عمر ولد الخامسة الذي كان يخطو بلا كللٍ، وبلا شكوى ويضرب على الحصى، ويلتفت دوما ليرانا.
عشر ساعاتٍ كاملاتٍ، حتى وصلنا عتبة بيتنا المهدّم؛ لأسقط، فلا أقوم؛ وليرفعني من إبطيّ اثنان.
كنت جثةً تسبح تحت جلدها جيوشُ نمل، لكن تعاودها الروح، جثةً عجوزا تصحو، وتتذكر كم مشيت، فتطلق حنجرةً، ولسانا؛ يمدّ الألف من بعد واو القسم، ومع نبرة البدويّة المحملة بالعتب:
والله هيذي وَحدَة.
#عمر_حمش (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟