حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 8291 - 2025 / 3 / 24 - 13:33
المحور:
الادب والفن
فيما كان الرجل العجوز يقلِّم أشجار حديقته صبيحة ذاك اليوم، تناهى إلى مسامعه صوت عميق حزين يصدر من سمّاعة سيّارة وهو ينادي:
- موزموزموز! موزموزموز! موزموزموز!
لم يكن الرجل العجوز قد سمع من قبل صوت بائع الموز هذا، وتعجّب من تكراره لنحته الثلاثي لكلمة "موز" بمقطع واحد كما لو كانت كلمة واحدة. ولولعه بالمزاح بمناسبة وبدون مناسبة، فقد قرر مناكفة هذا البائع الجديد على سبيل الدُعابة. وضع مِقَص التقليم جانباً، ثم فتحَ باب داره، وخرج يتلفَّت يميناً وشمالاً، فطالعته من يساره سيّارة بائع الموز وهي تتحرك ببطء متجهة نحوه، وسماعتها تنحب بنداء:
- موزموزموز!
أشَّر العجوز بذراعه لصاحب سيّارة بيع الموز بالوقوف، فأوقف السائق سيّارته، وأطفأ سماعته والمحرك، ثم ترجَّل إليه شاب معتمر بالغترة البيضاء والعقال الأسود الرفيع لأهل الغربية، وهو يقول:
- صباح الخير، حجّي!
- صباح الأنوار، سيّد- الإسم الكريم؟
- عبد الرحمن!
- يا صباح الخير والبركة، سيّد عبد الرحمن. عاشت الأسامي! أنت من أهل الغربية؟
- تعيش إنت، حجّينا الوردّ! محسوبك من قضاء الرحمانية بالموصل! شردنا من ذبح داعش، وجينا هني قبل أسبوع!
- يا أهلاً وسهلاً بإبن العم الكريم. وينه الموزموزموز؟
- هذا التشوفة بعينك، حجّي! موز أبو النقطة: عسلي وجديد! استفتاح خير منك، إن شاء الله، بهذا الصباح المبارك!
- تقصد هذا؟
- إي، نعم، حجّي: هذا!
- ولكن هذا موز!
- إي، نعم! موز!
- ولكن آنا ما أريد موز!
- لعد شتريد، حجّي؟
- أريد موزموزموز! أنت تدري بأن الموز هو شيء، والموزموزموز الذي تنادي به هو شيء آخر تماماً!
- هاهاها! والله، يا حجّي ما طلبت غير الحق. الموز بالفين، والموزموزموز بستة! ماشي!
- ماشي!
- ها أنا أفتح صندوقاً جديداً مخصوصاً لجنابكم الغالي. إنه الصندوق الخاص بالموزموزموز!
ضحك الرجل العجوز، وهو يلعن في سرّه مزاحه السقيم مع هذا البائع المسكين. راقَبَ البائع الشاب وهو يخرج عذقاً ضخماً من الموز، ويضعه في كيس نايلون، ثم يوزنه، ومن بعدها يزيده موزتان، ويقدِّمه له، قائلاً:
- تفضل حجّي: هذا هو الموزموزموز الذي طلبت! ثلاثة كيلوات، وفوقهن زيادة موزتين! غالي والطلب رخيص!
- ولكن هذا كثير جداً! نحن نفران فقط بالبيت!
- ألا تربّون الأرانب أو الحَمام أو البلابل في بيتكم؟
- لا!
- طيّب، هذه النخلة العالية جداً لكم؟
- نعم!
- خلص! مبروك علي طيورها الموزموزموز المنتاز هذا! شوف عيني حجّي، أنت فقط إصعد هذه النخلة وأطعم الطيور عليها من هذا الموزموزموز وستسمعها تغني لك في كل صباح أحلى أغاني بنت الريف وحمدية صالح وساجدة عبيد دفعة واحدة!
- والله، فكرة! تفضل الستة آلاف، سيّد عبد الرحمن الورد!
- جزيل الشكر، حجّي! ها، نسيت أن أقول لك: هذا الموزموزموز غير صالح للاستهلاك البشري!
- صحيح؟
- إي، نعم!
- ولماذا؟
- لكونه ثخين جداً! ولكن يمكن للبشر استهلاكه فقط في حالة واحدة!
- وما هي؟
- سوّيه مرقة!
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟