الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8291 - 2025 / 3 / 24 - 11:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اندلعت العديد من الانتفاضات الجماهيرية في مناطق مختلفة من بقاع المغرب، إِثْر الإستقلال الشّكلي ( 1956) وأهمها انتفاضة منطقة "الريف"، شمال البلاد ( من السابع من تشرين الأول/اكتوبر 1958 إلى الثالث عشر من آذار/مارس1959 ) وهي نفس المنطقة التي أسّس بها عبد الكريم الخطابي ( 1882 - 1963 ) الجمهورية، بين سنتيْ 1921 و 1926 بعد أن ألحق الهزيمة بالجيش الإسباني الذي كان يقوده فرانكو، وكانت مطالب المنتفضين سنة 1958 ذات صبغة اجتماعية وسياسية، تُطالب بمشاركة المواطنين في إدارة شؤونهم وتعيين موظفين محليين، وبجلاء القوات الأجنبية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية ذات قاعدة شعبية عريضة، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ووضع حدّ لسياسة تهميش وإقصاء سكان العديد من المناطق، ومن بينها منطقة "الرّيف"، وجابه النظام المغربي ( الملك محمد الخامس 1909 - 1961) هذه المطالب بالقمع الوحشي المُسلّح واعتقال 8420 بينهم 110 امرأة، أطلق سراح 5431 بينهم 95 امرأة، وحكم على 323 فيما ظل الآخرون أي 2664 دون محاكمة ولا إطلاق سراح، وتم إبعاد 542 مواطنا إلى كل من إسبانيا وإيطاليا وألمانيا والجزائر، ثم فرض النظام المغربي حصارًا عسكريًّا واقتصاديًّا على المنطقة استمر عدة سنوات، وجرت انتفاضات أخرى في نفس المنطقة، أهمها سنة 1984 ثم 2016، وبقيت جمهورية الريف ( 1921 – 1926) وانتفاضة 1958 في ذاكرة سُكّان منطقة الريف والشعب المغربي عمومًا...
تُعتَبر انتفاضة 23 آذار/مارس 1965 من أهم الإنتفاضات الجماهيرية خلال الفترة التي تَلَت الإستقلال الشكلي ( 1956) بعد انتفاضة 1958، وأطلقها تلاميذ المدارس الثانوية من مدينة الدّار البيضاء – العاصمة الإقتصادية وأكبر مدينة مغربية – لتنتشر في أهم مُدن البلاد، احتجاجا على مذكرة وزارية أصْدَرَها وزير التعليم، يوم التّاسع عشر من شباط/فبراير 1965، تُقصي من بلغوا 15 سنة من السنة الأولى ومن بلغوا 16 سنة من السنة الثانية ومن بلغوا 17 سنة من السنة الثالثة إعدادي، أي من لم يتمكّنوا من الالتحاق بالتعليم الابتدائي أو الثانوي ( وكان التعليم الثانوي انتقائيًّا جدًّا) في السن المحدد لظروف ما، ليصبحوا مهددين بالطرد ومحرومين من اجتياز امتحان شهادة الباكالوريا ( الثانوية العامة التي لا يتجاوز عدد الحاصلين عليها 1500 تلميذ سنويا)، أي استبعاد نحو 60% من مجموع تلاميذ التعليم الثانوي، وبدأت الإحتجاجات يوم الثاني والعشرين من آذار/مارس بمشاركة ما بين خمسة آلاف وخمسة عشر ألف من تلاميذ المدارس الثانوية بالدّار البيضاء الذين توجّهوا نحو نيابة التعليم ( بتأطير من الإتحاد الوطني لطلبة المغرب)، فقمعتهم الأجهزة الأمنية بالهراوات قبل الوصول إلى النيابة واعتقلت الشرطة حوالي سبعمائة من المُتظاهرين، ومن الغد انضَمّ الأولياء وطلبة الجامعات إلى الإحتجاج يوم الثالث والعشرين من آذار/مارس 1965، احتجاجًا على القمع والعدد الكبير من الإعتقالات، وجابهتهم قوى الأمن بالقمع فتحول إضراب التلاميذ والمظاهرات إلى إضراب عام وانتفاضة شعبية، بمشاركة العمال والتجار الذين أغلقوا مَحَلّاتهم، واتّسعت دائرة الإحتجاج لتشملَ الفئات المحرومة من السكان في أهم المُدن المغربية، خلال 24 ساعة: الرباط وفاس وبني ملال وتازة وآسفي وسطات وخريبقة ومراكش، فضلا عن الدّار البيضاء، وتمادى النظام الحاكم ( الحسن الثاني والجنرال محمد أُوفْقِير 1920 - 1972 ) في استخدام القُوة وإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين في الشوارع وعلى المواطنين في الأحياء الشعبية، مما أدّى إلى ترديد شعارات مُعادية للملك ومُدِير الأمن الوطني آنذاك الجنرال محمد أُوفْقِير، قَتْل سبعة أشخاص ( ثم عشرة) وجرح 69 آخرين وفق بيان رسمي لوزارة الداخلية، فيما أعلن بيان الإتحاد الوطني لطلبة المغرب والصحف الأجنبية وبيان الإتحاد الوطني للقوى الشعبية ( حزب المهدي بن بركة) عن قَتْل أكثر من ألف قتيل، دفنوا ليلا في مقابر جماعية بأماكن مجهولة وتجاوز عدد الجرحى الآلاف، واعتقال أكثر من ألْفَيْن من المتظاهرين ومن المواطنين الذين تواجدوا خارج بيوتهم، واحتل الجيش بدبّاباته شوارع وساحات مدينة الدار البيضاء ليلة 23 آذار/مارس 1965، واستمر القمع عدّة أيام بعد مظاهرة 23 آذار/مارس 1965، بمشاركة الجيش وإطلاق الرصاص في شوارع المُدُن والأحياء الشعبية، واقتحمت قوات الأمن الأحياء الجامعية واعتقلت الآلاف من الطلبة، كما تم اعتقال العشرات من أولياء التلاميذ، وبعد حصيلة تراوحت بين 1500 و خمسة آلاف قتيل، تراجعت حدّة القمع السّافر في الظّاهر، واستمرت التضييقات وانتهاك الحُرّيات، وحَمَّلَ الملك الحسن الثاني ( 1929 – 1999) المُدرّسين والأولياء مسؤولية الأحداث، خلال خطاب 30 آذار/مارس 1965، واستفزّ أهالي الشهداء والمُعتقلين والمُصابين برصاص الجيش والشرطة وأكّد: إن المثقفين خطر على الدّولة، وكان من الأفضل أن لا نُعلّمكم ونترككم أُمِّيِّين، ثم تمادت السّلطة في تصعيد حملات القمع بإعلان حالة الطوارئ التي امتدّت لسنوات، بداية من يوم السابع من حزيران/يونيو 1965، قبل اختطاف وقَتْل المهدي بن بركة ( 1920 - 1965 ) الذي كان في المنفى في باريس ( 29 تشرين الأول/اكتوبر 1965) بدعم من المخابرات الفرنسية والصّهيونية، قَبْلَ مُشاركة المهدي بن بركة في مؤتمر القارات الثلاث...
جرت انتفاضة 23 آذار/مارس 1965 في مناخ تميّز بتزوير انتخابات سنة 1963 ( أصبح الحسن الثاني ملكا سنة 1961 بعد وفاة والده محمد الخامس) بانتشار البطالة والفقر والظُّلْم ونهب الثروات بشكل مكشوف، مما أدّى إلى انهيار اقتصاد المغرب، وسُرعان ما خاب أمل المواطنين بعد سنوات قليلة من تاريخ الإستقلال، وامتدّ التشاؤم ليشمل تلاميذ المدارس الثانوية الذين أرادت الدولة التخلص منهم، فضلا عن عدم اهتمام الدّولة بالتعليم، واعتبار المتعلمين خصومًا للعائلة المالكة، ورفض جهاز الدّولة إنشاء لجنة تقصي الحقائق أو تحقيق أو مُساءلة المسؤولين عن القتل، بل أصبح الجنرال محمد أُوفْقِير – مُهندس القمع – الرّجل الثاني في الدّولة بعد الملك الحسن الثاني، وتجاهلت وسائل الإعلام – التي كانت خاضعة لرقابة السّلطة – أحداث القمع والإعتقال والتّعذيب والقتل والإختطاف والمقابر الجماعية...
على المستوى الشعبي لم تتحقق وعود الإستقلال فلم يسترجع صغار الفلاحين الأراضي التي استولى عليها المُستعمِرُون الفرنسيون ونَزَحَ نحو 36 ألف من صغار الفلاحين سنويا نحو المُدُن فضلا عن الآلاف من المهاجرين نحو أوروبا، وجَمّدت السلطة أُجُور العُمال والموظفين رغم ارتفاع الأسعار، خصوصًا خلال سنتَيْ 1963 و 1964، وإقرار سياسة التّقشف ( كانون الأول/ديسمبر 1964) ، رغم ارتفاع أسعار المواد الأساسية بمعدّل 42%، وكانت هذه الظُّرُوف الإقتصادية والسياسية والإجتماعية من العوامل التي ساهمت في تراكم الغضب الذي انفَجَرَ يوم 23 آذار/مارس 1965، وفي انتقال حركة الإحتجاج من المدارس الثانوية إلى الأحياء الشعبية ومن تلاميذ التعليم الثانوي إلى العمّال والفُقراء والمُهَمَّشِين، لتتحول احتجاجات التلاميذ إلى انتفاضة شعبية عَمّت البلاد خلال أقل من 48 ساعة، رغم القمع الشّديد...
كان اختطاف واغتيال المهدي بن بركة يوم 29 تشرين الأول/أكتوبر 1965، حلقة من حلقات اشتداد القمع ومصادرة الحريات العامة وإيذانًا ببداية "سنوات الرصاص"، التي تم تدشينها بإعلان "حالة الاستثناء" ( تعطيل الدّستور والقوانين ) التي أرْبَكت اتحاد نقابات الأُجَراء ( الإتحاد المغربي للشُّغْل) وأحزاب المعارضة وأدّت إلى ظُهور حركة ثقافية جديدة ( أنفاس سنة 1970) ومنظمات سياسية اشتراكية أو ما سُمِّيَ "اليسار الجديد" ( 23 مارس و إلى الأمام...) الذي أعلن النّضال ضد الدّكتاتورية، ومن أجل العدالة الإجتماعية والمُساواة، وفق الشعارات التي كان هؤلاء الشباب يكتبونها على الجدران أو يُضمّنونها في مناشيرهم السّرّيّة ومن بينها وثيقة بعنوان "رُبَّ شرارة أَحْرَقَتْ سَهْلاً" ( 1968)، وساهم "اليسار الجديد" في تأسيس النقابة الوطنية للتلاميذ خلال السنة الدّراسية 1971 ـ 1972 وتعزيز الإتحاد الوطني لطلبة المغرب، وبدأت عمليات الحوار والتنسيق ( منذ بداية سنة 1969) بين مجموعات عديدة من بينها مجموعة "النّجم الأحمر" و "حلقة فاس" ومجموعات أخرى تهدف جميعها تأسيس تنظيم مستقل عن الأحزاب التقليدية القائمة، من أجل تحقيق "الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية في إطار نظام ديمقراطي يشكل فيه الشعب مصدر السلطة والسيادة" وفق الوثائق الأولى للنقاشات...
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟