أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محيي الدين ابراهيم - لماذا تنهار الأمم ؟















المزيد.....

لماذا تنهار الأمم ؟


محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8291 - 2025 / 3 / 24 - 01:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


التفاوت الاجتماعي وانهيار الهوية الوطنية كأدوات للانحدار:
منذ فجر التاريخ، كانت الأمم العظيمة تواجه مصيرًا مشتركًا يتمثل في الصعود إلى قمة الهيمنة ثم السقوط المدوي. لطالما حاول المؤرخون والمفكرون فهم العوامل التي تقود إلى انهيار الحضارات، من سقوط روما إلى تفكك الإمبراطوريات الكبرى، ومن انحسار الهيمنة الأوروبية إلى التحديات التي تواجه القوى العظمى الحديثة.
تُشير الدراسات الحديثة إلى أن انهيار الأمم لا يحدث فجأة أو نتيجة صدمة مفاجئة، بل هو عملية تراكمية تنبع من عوامل داخلية تقوض وحدة المجتمع وقدرته على مواجهة الأزمات. يذهب الاقتصادي توماس بيكيتي إلى أن التفاوت الطبقي هو المحرك الرئيسي لانهيار المجتمعات، فيما يرى بول كينيدي أن الإفراط في الإنفاق العسكري على حساب التنمية يسرّع التراجع، ويجادل جوزيف تينتر بأن التعقيدات البيروقراطية تخلق أنظمة غير قادرة على التكيف مع الأزمات، بينما يعتقد أوسوالد شبنغلر أن الحضارات تمر بدورة طبيعية من الصعود والانحدار بسبب التحلل الثقافي وفقدان الإبداع.
إذا كان انهيار الأمم نتيجة أخطاء متكررة، فلماذا تستمر الدول في تكرار هذه الأخطاء؟ والأهم، كيف يمكن للأمم التي لم تصل بعد إلى نقطة اللاعودة أن تتجنب السقوط؟
أولًا: التفاوت الطبقي والفقر – الجذور الاقتصادية للانهيار
1. كيف يؤدي التفاوت الطبقي إلى تفكيك المجتمعات؟
في أي أمة قوية، تشكل الطبقة الوسطى العمود الفقري للاستقرار السياسي والاقتصادي. عندما تتسع الفجوة بين نخب تسيطر على الثروة والسلطة وجماهير تعاني من البطالة والفقر، يبدأ المجتمع في الانقسام إلى مجموعات متناحرة. يرى بيكيتي أن هذا التفاوت يؤدي إلى شعور الفقراء بأنهم خارج المنظومة الاقتصادية، مما يولد مشاعر الغضب وعدم الولاء للدولة.
2. الفقر كوقود للاضطرابات والثورات
في لحظات الأزمة، يصبح الفقراء أكثر عرضة لتأييد الحركات المتطرفة أو الثورات العنيفة، كما حدث في العديد من المراحل التاريخية. يؤدي الحرمان الاقتصادي إلى تصاعد الشعور بالظلم، مما يدفع الجماهير إلى البحث عن بدائل للدولة القائمة، سواء عبر الثورات أو التحالف مع قوى خارجية أو حتى اللجوء إلى الهويات البديلة (الطائفية، القبلية، العرقية).
3. هل الفقر وحده سبب الانهيار؟
قد تجتاز بعض الدول أزمات اقتصادية دون أن تنهار إذا كان لديها هوية وطنية متماسكة ونظام سياسي قادر على الإصلاح. لكن عندما يترافق الفقر مع ضعف الدولة وانتشار الفساد وغياب العدالة الاجتماعية، يصبح الانهيار مسألة وقت فقط.
ثانيًا: انعدام الهوية الوطنية – موت الدولة قبل سقوطها
1. الهوية الوطنية كحصن للأمم
تاريخيًا، لم تكن القوة العسكرية أو الاقتصادية وحدها كافية لحماية الدول العظمى من السقوط. كانت الهوية الوطنية الجامعة تلعب الدور الأهم في حماية المجتمعات من التشرذم الداخلي.
2. كيف تضعف الهوية الوطنية؟
يُشير أوسوالد شبنغلر في كتابه "انحدار الغرب" إلى أن الحضارات تنهار عندما تفقد روحها الثقافية، ويتحول المجتمع إلى حالة من اللامبالاة السياسية والبحث عن الترف الفردي على حساب المسؤولية الجماعية. يحدث هذا عندما:
تصبح الدولة مجرد أداة لتحقيق المنافع الشخصية للنخب الحاكمة.
يتم التلاعب بالخطاب الإعلامي والثقافي لتغييب الوعي الوطني.
تفقد المؤسسات التعليمية والإعلامية دورها في بناء حس الانتماء.
3. أثر فقدان الهوية على الولاء الوطني
عندما يشعر المواطنون بأن دولتهم لم تعد تعبر عنهم أو توفر لهم حياة كريمة، يبدأ الولاء الوطني في التآكل، وتصبح النزعات القبلية أو الطائفية أو العرقية أقوى من الانتماء القومي. في هذه المرحلة، يصبح الانقسام الداخلي أكثر خطورة من أي تهديد خارجي.
ثالثًا: الدروس التاريخية – كيف تسقط الأمم العظيمة؟
1. سقوط الإمبراطورية الرومانية
رغم قوتها العسكرية، انهارت روما بسبب التفاوت الطبقي، والفساد السياسي، وانعدام الإحساس بالمواطنة، مما جعل المواطنين غير مستعدين للدفاع عن الإمبراطورية ضد الغزوات الخارجية.
2. تفكك الاتحاد السوفيتي
لم يكن انهيار السوفييت بسبب هزيمة عسكرية، بل بسبب نظام اقتصادي غير عادل، وغياب الحريات، وفقدان المواطنين للثقة في دولتهم، مما أدى إلى تفكك الاتحاد في نهاية المطاف.
3. دروس من العالم العربي
في العديد من الدول العربية، أدت الاحتكارات الاقتصادية، وغياب العدالة الاجتماعية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة إلى تفجر الاضطرابات السياسية. كلما ضعفت الطبقة الوسطى، زاد احتمال اندلاع احتجاجات أو صراعات داخلية.
رابعًا: كيف تتجنب الأمم العظيمة السقوط؟
1. إعادة توزيع الثروة بعدالة
فرض ضرائب تصاعدية على الثروات الكبرى.
دعم المشاريع الصغيرة وخلق فرص اقتصادية للفئات المهمشة.
2. تعزيز الثقافة الوطنية والهوية القومية
إصلاح التعليم ليشمل مواد تعزز الانتماء والهوية.
محاربة الخطابات الإعلامية التي تعزز الانقسام.
3. إصلاح المؤسسات السياسية والاقتصادية
تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد.
بناء أنظمة حكم تشاركية تسمح للجميع بالمشاركة في صنع القرار.
4. التوازن بين الأمن والحرية
تجنب القمع الأمني الذي قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي.
احترام الحريات السياسية مع ضمان الاستقرار.
وخلاصة الأمر، هل يمكن للأمم أن تختار عدم الانهيار؟
يرى روبرت كاغان أن الانحدار ليس قدرًا محتومًا، بل هو قرار تتخذه الأمم من خلال سياساتها الداخلية. يمكن للدول العظمى أن تستمر في الصعود إذا أدركت أن قوتها لا تكمن فقط في الجيوش والأسواق، بل في العدالة الاجتماعية، والهوية الوطنية، والقدرة على التكيف مع التغيرات.
إذا كانت هناك رسالة تحذيرية يمكن استخلاصها من التاريخ، فهي أن الدول التي تفشل في ردم الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتقوية الهوية الوطنية، وتحديث أنظمتها السياسية، تصبح عرضة للسقوط حتى لو بدت قوية اليوم.
التاريخ يعيد نفسه، لكن الخيار لا يزال في يد الأمم العظيمة: هل تختار الإصلاح، أم تستسلم للسقوط؟
المصادر:
1. بروس ثورنتون – مقال "لماذا تنهار الأمم العظمى؟" (Why Do Great Powers Decline?)
2. بول كينيدي – كتاب "صعود وسقوط القوى العظمى" (The Rise and Fall of the Great Powers)، 1987
3. جوزيف تينتر – كتاب "انهيار المجتمعات المعقدة" (The Collapse of Complex Societies)، 1988
4. أوسوالد شبنغلر – كتاب "انحدار الغرب" (The Decline of the West)، 1918
5. إيمانويل والرشتاين – كتاب "النظام العالمي الحديث" (The Modern World-System)
6. زبغنيو بريجنسكي – كتاب "رقعة الشطرنج الكبرى" (The Grand Chessboard)، 1997
7. توماس بيكيتي – كتاب "رأس المال في القرن الحادي والعشرين" (Capital in the Twenty-First Century)، 2013
8. جوزيف شومبيتر – مفهوم "التدمير الخلاق" (Creative Destruction) في كتابه "الرأسمالية، الاشتراكية والديمقراطية" (Capitalism, Socialism and Democracy)، 1942
9. جيه إيه هوبسون – كتاب "الإمبريالية: دراسة" (Imperialism: A Study)، 1902
10. روبرت كاغان – كتاب "العالم الذي صنعته أمريكا" (The World America Made)
11. أبراهام لنكولن – خطابه حول "آخر أمل ممكن على الأرض" خلال الحرب الأهلية الأمريكية
12. ونستون تشرشل – خطاباته حول ضرورة الحفاظ على الروح الوطنية والقدرة العسكرية



#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دراما رمضان وصراع الهوية الوطنية بين -مصر الكومباوندات- و-مص ...
- قراءة في أشهر رباعية للشاعر صلاح جاهين كادت أنت تسجنه:
- قراءة في- قصيدة الناس في بلادي- للشاعر صلاح عبد الصبور
- الشاعر صلاح عبد الصبور .. حكاية أسطورة قتلها التنمر !
- مأساة الحلاج ونقد أحد أشهر أشعاره
- سيلفيا بلاث: حكاية اسطورة الشعر التي احترقت في فرن التنمر ال ...
- بابلو نيرودا: الكلمة التي حملت سرّ النار
- بين الفلسفة والتصوف والعلم: هل آن الأوان للثورة الفكرية الجد ...
- محمود ياسين صوت مصر ونجمها الذي أحبته
- -مسرح رمسيس- وقيمة الفنان في الشرق
- مسرحية لحظة حب على قاعة صلاح جاهين بمسرح البالون في مصر
- نظرة على تاريخ المسرح العربي في مصر
- نساء في حياة سيد درويش
- ثورة الفلاحين في قرية -بهوت- هي من صنعت صلاح جاهين !
- فولتير يعلن تفاؤله على خشبة المسرح القومي بمصر
- مهرجان المسرح التجريبي 2020 الدورة السابعة والعشرون - تغطية ...
- هل سيكون ( لقاح ) كورونا وسيلة لإختراق دماغ البشر والتحكم بأ ...
- قراءة قصيرة في كتاب -مسرح الشعب- للدكتور -علي الراعي-
- الإنسانية .. العدالة .. الحرية ( من القصص السياسي )
- بهائم العمدة .. ( من القصص السياسي )


المزيد.....




- -إطلاق صاروخين من لبنان-، ووزير الدفاع الإسرائيلي يهدد: الهد ...
- وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية تزور سجنا مشدد الحراسة في السل ...
- منافس جديد في عالم الهواتف المميزة من Xiaomi (فيديو)
- الدفاعات الروسية تسقط 78 مسيرة أوكرانية جنوب غربي البلاد
- ماذا سيحدث خلال كسوف الشمس يوم السبت؟
- سوني تعلن عن سماعات لاسلكية مميزة
- مشروع طبي ثوري.. أجسام بشرية صناعية لإنقاذ الأرواح
- بعد 30 عاما من البحث.. علماء يتوصلون إلى حل ثوري لأخطر أزمة ...
- الصين.. طريقة لمنع تطور قصر النظر لدى تلاميذ المدارس
- حين تعرضت الولايات التحدة لخطر نووي ورئيسها لهجوم أرنب بري! ...


المزيد.....

- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محيي الدين ابراهيم - لماذا تنهار الأمم ؟