أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السيد عبد الله سالم - الشيخ نصر الدين - قصة قصيرة














المزيد.....


الشيخ نصر الدين - قصة قصيرة


السيد عبد الله سالم

الحوار المتمدن-العدد: 8291 - 2025 / 3 / 24 - 00:50
المحور: الادب والفن
    


الشيخ نصر الدين


أوشك الشيخ نصر الدين على الانتهاء من صلاة العصر، وإلى جوارهِ مصحفه المفتوح على سورة الروم، وبعد أن سلَّمَ من صلاته، اعتدل في جلستهِ، وراح يرتل سورة الروم، بصوتهِ الحسن البديع:

بسم الله الرحمن الرحيم
الم(1( غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ )3 (فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6)
صدق الله العظيم

وبينما هو سائحٌ في ملكوت تلاوتهِ، إذا بجلبة شديدة تصل إليه من خلال نافذة حجرتهِ، فصدَّق متجهًا ناحية النافذة؛ التي تطل على صحن الدار، وسمع صوت عليوة التمللي ؛ المكلف برعاية ماشية الشيخ نصر الدين، كان صوتهُ مكسورًا يكسوهُ الألمُ، يئن أنينًا ضعيفًا ، فتَّش الشيخُ بعينيهِ؛ فلمح عليوة واقفًا على باب الحظيرة، والدم يسيل من فخذه، من أثر طعنة من قرن العجل المحبوس في حظيرة المواشي، غادر الشيخ نصر الدين حجرته، وضمَّدَ جراح عليوة و غطاها بقطعة من القماش النظيف، واتجه نحو باب الحظيرة يريد الدخول، فجذبه عليوة من قفطانه بعنف وراح يصرخ فيه:
- لا يا شيخ نصر، لا تدخل، فالعجل قد يقتلك.

نظر الشيخ نصر الدين من فتحة الباب الضيقة، فإذا بالعجل قد راح يرفس كل ما كان قدَّامه، وينطحهُ برأسهِ، فسكب الماء على الأرض، وخلق في الجو عاصفةً من العلف والتبنِ، وهربت كل الماشية الموجودة في الحظيرة، وانزوت في ركنٍ بعيدٍ، كي تتجنب رفس العجل الهائج، وطعنات قرنيه المدببين.

لم يهتم الشيخ نصر الدين بتوسلات عليوة، ودلف سريعًا إلى داخل الحظيرة، ووقف خلف بابها المغلق؛ يواجه العجل الهائج بنظراته الحادة الطيبة، وعلى وجهه علامات الرضا والطمأنينة، ومن جبهته يقفز النور ليملأ الحظيرة، من أثر السجود، أمنًا وسلاما، فبادله العجل نظرةً بنظرةٍ، وتطاير الشرر من عيني العجل، وارتسمت علامات الغضب والشر على وجهه، فراح ينفخ الهواء زفيرًا حارًا من أنفهِ، وكأنه يحذر الشيخ نصر الدين من التدخل في شؤونهِ، تبسَّم الشيخ من نظرات العجل، وكأنه فهم مغزاها، و من عينيه فتح بابًا للرحمة والطيبةِ، همهم العجل، وحفر الأرض بقدميهِ، وطوَّح رأسه في الهواء عدة مراتٍ، فلمعت قرون العجل كلمعة الخنجر المسلول من غمده، فعاجله الشيخ نصر الدين قائلاً:
- خليك مؤدب.

نفث العجل بعض الزبد من فمه، ورغوة بيضاء من أنفه ناحية الشيخ نصر الدين، الذي أشار إلى رأس العجل محذرًا:
- أنا لا أريد إيذاءك.

ثم وارب باب الحظيرة، وأعطى ظهره للعجل واتجه حيث بقية الماشية، وكأنها كانت ترتعد من شدة الخوفِ، و في حنان الوالد، هشَّ الشيخ نصر الدين في وجهها، لتخرج من الحظيرة؛ لتتركه وحده مع العجل الهائج، وصوت عليوة من الخارج يصرخ بالناس؛ كي ينقذوا الشيخ نصر الدين من العجل الهائج، تحين العجل الفرصة وحاول أن يهاجم الشيخ من الخلف، فاستدار له الشيخ على غير خوفٍ ،وصوَّبَ سهام عينيه على العجل، معاتبًا ومحذرًا، وغاضبًا من خيانته، وطعن الغريم من الخلف.

وكأن العجل قد فهم الحوار، فوخز الشيخ في كتفه وخزًا خفيفًا، ولف ودار في الحظيرة أكثر من مرَّةٍ، ثم انتصب يواجه الشيخ وجهًا لوجه، أغلق الشيخ باب الحظيرة جيدًا من الداخل، وتأهب لصراعٍ مريرٍ مع العجل.

حينئذ وصل الكثيرون من أهل البلدة، ومن أهل الشيخ نصر الدين، يدعونه أن يترك العجل الهائج ويخرج، وعلا الصراخ والعويل، وتنادى الأهل أن يحطموا باب الحظيرة، وحاولوا ذلك بالفعل، دون جدوى، فراحوا يبحثون عن الشقوق في باب الحظيرة كي يراقبوا من خلالها ما يحدث في داخل الحظيرة، فزحف عليوة على بطنه حتى أصبح أسفل باب الحظيرة، يرى من تحته ما يجري في الداخل.

هجم العجل على الشيخ نصر الدين بكل ما أوتي من قوة، والشيخ في مكانهِ لا يتحرك، أدخل العجل قرنيه في صدر الشيخ، الذي رفع يديه وأمسك بقرني العجل، وهو يتمتم:
بسم الله الرحمن الرحيم
الم(1( غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ )3 (فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6)
صدق الله العظيم

حفر العجل الأرض مرات ومراتٍ، وراح يدفع قرنيه في صدر الشيخ نصر الدين، والشيخ يدفع قرني العجل بكلتا يديه، فنفث العجل مرَّةً أخرى لعابه في وجه الشيخ، فضحك ضحكة قصيرة وهمس في أذن العجل:
- كده!، ماشي!.

وراح الشيخ نصر الدين يدفع العجل للخلف من قرنيه، والعجل يقاوم بكل ما أُوتي من عزم، حتى خارت قواه، وسقطت قدماه الخلفيتان على الأرض، والشيخ يدفعه ويحركه إلى الخلف حتى ألصق مؤخرته بجدار الحظيرة.

فقد العجل القدرة على المقاومة، فطأطأ رأسه إلى الأرض، مخذولا وحزينًا، ولمعت عيناه وطفر منهما الدمع على الأرض.

نظر الشيخ نصر الدين إلى عيني العجل، وقال له:
- لقد حذرتك، فلم تسمع الكلام!.

وراح يمسح على رقبة العجل، ورأسه بيديه، ويقول:
- لا تحزن،هيَّا ، قُمْ.

فنهض العجل من على الأرض، وسلَّمَ رقبته للشيخ نصر الدين، فاحتضنها، وخرجا معًا كصديقين في نزهةٍ خلويَّة.



المنوفية – مصر
9 أغسطس 2015



#السيد_عبد_الله_سالم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من ديوان الومضات - ومضات شعرية - 27
- من ديوان الومضات - ومضات شعرية - 26
- من ديوان الومضات - ومضات شعرية - 25
- من ديوان الومضات - ومضات شعرية 24
- أحزان البيت
- الحلم يدلي بشهادته الأخيرة
- إتبعيني - شعر
- همس البراري
- الخواجة لامبو - قصة قصيرة
- الفارس الذي لا يأتي
- الخيل نذور - شعر
- من ديوان الومضات - ومضات شعرية 23
- من ديوان الومضات - ومضات شعرية 22
- من ديوان الومضات - ومضات شعرية 21
- من ديوان الومضات - ومضات شعرية 20
- من ديوان الومضات - ومضات شعرية 19
- من ديوان الومضات - ومضات شعرية 18
- من ديوان الومضات - ومضات شعرية 17
- من ديوان الومضات - ومضات شعرية 16
- من ديوان الومضات - ومضات شعرية 15


المزيد.....




- -طمس الرواية الفلسطينية-.. خطة الجيش الإسرائيلي لمخيمات الضف ...
- مشاهد -جريئة- في مسلسل -رحمة- تثير حفيظة الجمهور المغربي
- جديد التعليم الجامعي للطلاب الأجانب والمنح الدراسية بماليزيا ...
- تحليل.. ماذا قالت أمانبور عن ضرورة -حماية- المخرج الفلسطيني ...
- حبكة عبقرية وسرد ممتع.. -المعلم ومارغاريتا- يفوز بجائزة Nika ...
- الباحثة المعمارية سارة فؤاد: مدينة الإسكندرية معرضة للغرق بس ...
- إطلاق سراح المخرج الفلسطيني الحائز الأوسكار بعد تعرضه للاعتد ...
- تركي آل الشيخ يصدم -سعفان- بقرار مخرج بريطاني (فيديو)
- الجيش الإسرائيلي يعتقل مخرج فيلم -لا أرض أخرى- عقب تعرضه للض ...
- تركيا تلفت أنظار صناع السينما العالمية بفضل صادرات الدراما


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السيد عبد الله سالم - الشيخ نصر الدين - قصة قصيرة