|
مصر السيسي ونمط الإنتاج الكولونيالي
ناجح شاهين
الحوار المتمدن-العدد: 8290 - 2025 / 3 / 23 - 14:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة: )محال أن نتوقع دوراً إيجابياً لمصر فيما يتصل بشعبها نفسه أو فلسطين أو الأمة العربية أو الصراع الكوني لأسباب بنيوية لا يمكن تعديلها إلا بثورة شعبية جذرية) يمتاز نمط الإنتاج الرأسمالي الكونيالي بولادته قسراً على يد الاستعمار العالمي في إطار توسعه منذ القرن التاسع عشر مشكلاً "محيطاً" يخدم البلد المستعمر المتوسع وحاجته إلى الأسواق والمواد الخام. ولذلك ولد ذلك النظام في المستعمرات في حالة تبعية للرأسمال العالمي، وأعيد إنتاجه ليخدم القابلة التي جاءت به إلى الحياة، وليتكيف باستمرار مع الشروط المتطورة في نمو الاقتصاد الرأسمالي العالمي. وحتى عندما شهد العالم الدولة التنموية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، اتضح في حدود العالم 1975 بحسب تقدير سمير أمين أن تلك التنمية لم تكن إلا جزءاً من ضرورة دمج الاقتصادات "النامية" بالسوق الامبريالية العالمية، فكان أن تفكك النظام التنموي في كل مكان، بما في ذلك مصر، وانفتح الباب على مصراعيه أمام النهب الخارجي. بداهة أن ما يعتقده رأسماليو البلاد "النامية" عن أنفسهم في وهمهم بإمكانية التماهي مع الرأسمال العالمي، أو ما يخدعه بهم صندوق النقد من معسول الكلام هو مجرد أيديولوجيا لتخدير الجماهير المسحوقة في البلاد المنهوبة. أولاً: تاريخ الرأسمالية المصرية تمثل مصر حالة نموذجية للوصف النظري المبتسر أعلاه. فقد دخلت مصر العصر الحديث نتيجة فعل استعماري لاشية فيه: اقتحم نابليون المشهد الراكد منذ 1516 وقلب الدنيا رأساً على عقب. أصيب الناس في المشرق كله، ومصر على وجه الخصوص، بالصدمة حد الذهول والانشداه، وانطلقت على نطاق لا مثيل له أقاويل "إننا نعيش في آخر الزمان" أو إن "الساعة على وشك أن تدق معلنة يوم القيامة"؛ كان انهيار جيوش السلطان العثماني والمماليك مريعاً على نحو لا يمكن وصفه. من المعروف أن جزءاً من الفلاحين ظلوا إلى وقت قريب ينتجون في أريافهم ما يسد حاجاتهم اليومية، وكانوا يعيشون عالماً مختلفاً عن عالم "مصر" أم الدنيا القاهري العجائبي بروحه الاستهلاكية الخفيفة. لكنهم عرفوا الطريق إلى الخليج ليتحولوا هناك إلى عمال من درجة متدنية يجمعون بعض المال ويعودون به ليمارسوا عادات الاستهلاك المكتسبة في قطر والإمارات والسعودية. أما أرضهم الزراعية البالغة ثمانية ملايين فداناً، صنعها النيل على امتداد 13 ألف سنة، فقد اختفى ربعها تماماً بسبب زحف البناء وتدهور صحة النيل نفسه. وهكذا بدأ الريف يغادر تريفه ويلتحق بالتمدن الاستهلاكي والوظيفة الأقل تعباً حتى لو كانت لا تنتج شيئاً وتقود إلى جوع أم الدنيا في نهاية المطاف. لكن القصة الأساس تبدأ بالطبع قبل ذلك بكثير. القصة تعود كما قلنا أعلاه إلى نابليون الذي فتح الباب لولادة محمد علي ليشرع الأخير مفتوناً بالرأسمالية الفرنسية في تطوير الإنتاج الموجه للسوق، وخصوصاً السوق العالمي، عوضاً عن الإنتاج الهادف إلى سد احتياجات الناس اليومية الفعلية. وهكذا بدأت فكرة التبادل تسيطر على الرؤوس متجسدة بسلوك إنتاج المحاصيل السلعية، وخصوصاً القطن التي "نبيعها" ونشتري بثمنها كل شيء. لكن ذلك قاد تدريجياً إلى تحول الفلاح إلى عامل زراعي يخدم الاقتصاد الجديد بكل طواعية وأمانة. هنا يجب أن نلاحظ البدايات: لقد ولد الاقتصاد الجديد في سياق احتلال نابليون لمصر، وترعرع في سياق محمد علي الساعي إلى رسملة الدولة وتحديثها. طبعاً علينا أن نقر للرجل بطموحه المخلص لتحويل مصر إلى دولة رأسمالية صناعية حقيقية. لكن ذلك ما لم يتحقق بالضبط، لأن القوى الاستعمارية العاملة على تقويض الاقتصاد الزراعي التقليدي، نجحت في إجهاض مشروع محمد علي للتصنيع وبناء القوة العسكرية الحديثة، مغلقة الباب في وجه منافس جديد في عالم الضواري المتصارعة حد إراقة الدماء من أجل نهب العالم الأقل قوة وتطوراً. تلخص نظرية كرومر القائلة أن الله قد خلق مصر لتكون مزرعة للقطن اللازم للمصانع البريطانية جوهر "الحداثة" المصرية المتواصلة منذ 1880 حتى 1956 والعائدة بقوة في العام 1976. ليس لمصر أن تكون بلداً صناعياً أبداً. ودورها لا بد أن يكون في سياق الاقتصاد الرأسمالي العالمي توريد المواد الخام، وعلى رأسها منتجات الزراعة خدمة لاحتياجات مراكز الصناعة، أما عملية التصنيع التي بدأها ناصر فتم إجهاضها بسهولة بعد وفاته، بعد أن قامت بدورها في تعديل الاقتصاد بما يجعله "متطوراً" بما يكفي ليلتحق على أفضل وجه بالاقتصاد العالمي من موقع التبعية. ويتجلى ما نقول في الكسب الهائل والسريع المتحقق لقطط الكومبرادور الساداتي الذين ما زالوا يقبضون على مقاليد الأمور حتى اللحظة. للأسف لا مناص من الإقرار بأن تاريخ مصر على مدى القرنين الماضيين هو تاريخ العمل الدؤوب للقوى الرأسمالية في شمال العالم لتشكيل الاقتصاد المصري وفقًا لمتطلباتها. لقد قاومت الجماهير المصرية تلك المطامع دون شك، بيد أن الرأسمالية المحلية الموجهة من قبل مركز العالم استطاعت التغلب بشكل عام على هذه المقاومة. حقا كان تطور الاقتصاد المصري يتوفر على العديد من السمات الفريدة، إلا أنه يتكشف مع هذا عن نمطٍ عام. يشبه هذا النمط، إلى حد كبير، النمط الذي يمكن رؤيته في أمريكا اللاتينية وعلى وجه أخص في إفريقيا أو آسيا: مرحلة من تصدير المواد الخام مقرونة باستيراد السلع المصنعة ينتشر خلالها إنتاج السلع غير الصناعية؛ تليها مرحلة التصنيع البديل للواردات بمساعدة الاستثمار الأجنبي. إن قابلية هذا النمط العام للتطبيق الواسع تعزز الفكرة الأساس: إن التغيرات في الاقتصاد المصري كانت دائماً نتيجة ضرورات فرضها الرأسمال العالمي، وليس نتيجة تطوراتٍ خاصة بمصر. لذا، يتوجب علينا رسم مخطط لطموحات عملية التصنيع قبل الانتقال إلى الزمن الراهن. قلنا إن عالم التنمية في إطار "باندونغ" قد انتهى منتصف السبعينات في كل مكان على وجه التقريب. ونقل السادات مصر إلى ما أسماه الانفتاح. وكان السادات يأمل على ما يبدو أن تنجذب الشركات الغربية إلى فكرة استغلال القوى العاملة المصرية الكبيرة لإنشاء مصانع تُنتج للتصدير، وهو حلم لم يتحقق حتى الآن ليدفع من لا يعيش الأحلام إلى استخلاص الدورس في الفارق بين أوهام البرجوازية الكولونيالية في إمكانية التماهي مع البرجوازية الامبريالية، وبين واقعها الفعلي التبعي الذي يجعلها وكيل/تابع لا أكثر. ثانياً: زمن السيسي ورث السياسي اقتصاداً كانت مساهمة الزراعة والصناعة الموجهة لسد احتياجات الناس قد تقلصت فيه إلى درجة خطيرة. وللتدليل على ذلك نذكر أن مصر تستورد 40 مما تأكل، وقد أشعل التدهور الحاد في حياة الناس فتيل ثورة 2011 للإطاحة بحكم مبارك ليصل السيسي إلى حكم بلد منهك تماماً ما لبث أن غرق في أزمات اقتصادية خانقة. أجج التضخم الحاد النابع من عوامل داخلية وخارجية أسعار المواد الغذائية وغير الغذائية على السواء. ولم يستثن التضخم مكوناً واحداً من سلة الغذاء في مصر من الخضروات والفواكه إلى اللحوم والدواجن ومنتجات الجبن والألبان وصولاً إلى السكر الذي تضاعفت أسعاره على نحو جنوني على الرغم من كون مصر دولة منتجة للسكر إذ يصل حجم استهلاك مصر من السكر سنويًا إلى نحو 3.2 مليون طن، فيما يتراوح حجم الإنتاج من 2.7 إلى 2.8 مليون طن سنويًا. نستطيع أن ننفق صفحات كثيرة في وصف انفجار الأسعار في السنوات القليلة الماضية لتشمل السجائر واللحوم والأجبان والألبان والملابس والمحروقات بما جعل الأسرة المصرية غير قادرة على تلبية احتياجاتها اليومية، ودفع بملايين جديدة من المصريين إلى الهبوط تحت خطوط الفقر المختلفة. يبلغ الحد الأدنى للأجور في مصر 3500 جنيهاً تعادل 50 دولاراً لا غير. ولا بد أن انخفاض قيمة الجنيه على نحو هذا النحو الهائل قد ساهم بقوة في تدهور القدرة الشرائية للمواطنين. ويعزو البعض ذلك الانخفاض إلى أزمتي "كورونا والحرب الروسية الأوكرانية" حيث تعرض الاقتصاد المصري لضغوط عدة كان على رأسها خروج أكثر من 22 مليار دولار من أدوات الدين الحكومية ما تسبب في نقص حاد في النقد الأجنبي، لكن الواقع أن بنية الاقتصاد ذاتها المتجهة للخارج هي التي تجعل ذلك الاقتصاد عرضة للانهيار كلما ألم طارئ بالاقتصاد الكوني. من ناحية أخرى افتقر ذلك الاقتصاد التبعي أساساً إلى التخطيط على نحو كامل منذ تولي السيسي مقاليد الأمور. اشتهر عبد الفتاح السيسي منذ بداية عهده بأنه لا يهتم بدراسات الجدوى: "لو هنتتظر دراسات الجدوى مش هنعمل حاجة". وعندما قرر عقد مؤتمر اقتصادي لبحث المشاكل وجاء بالخبراء والاساتذة والاكاديميين ليجتمعوا لبحث الحلول، سخر منهم واعتبر كلامهم لا يحمل جديداً بالنسبة لرجل لديه علم فطري لخصه بقوله: "ففهمناها سليمان" مشيراً إلى أنه قد أوتي الحكمة إلى حد أن يتواصل معه قادة العالم ليستشيروه ويتعلموا منه. عندما ترشح رجل الجيش للرئاسة للمرة الأولى في أيار 2014 التقى وفداً من الفنانين بينهم محمد صبحي الذي طالبه بالإفصاح عن برنامجه الانتخابي: "أنت تظهر في الفترة الأخيرة كثيراً دون أن تتحدث عن برنامجك الانتخابي". فرد السيسي منفعلاً بأنه منشغل ببناء القوات المسلحة، وأنه لم يكن أصلاً يريد الترشح لولا ضغط الناس، واستطرد "لإفحام" صبحي: "وانتوا الفنانين كنتوا جزء من الناس اللي ضغطوا عليا، ودلوقتي جايين تطالبوني ببرنامج، أنا معنديش برنامج". بداهة أن الرئيس الملهم لا يمكن أن يتحمل مسؤولة تدهور الاقتصاد ولذلك قام وأركان حكمه بتحميل المسؤولية لكورونا وأوكرانيا، وذلك قابل للتصديق بطبيعة الحال لولا أن معطيات البنك المركزي المصري تظهر أن رصيد العملات الأجنبية السالب ومخاطر الديون قد ظهرت منذ نهاية 2021 أي قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بأشهر عديدة. ومن ناحية أخرى حصلت مصر في زمن كورونا على قروض تناهز 8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لمواجهة آثار الجائحة، إضافة إلى تصريح أكثر من مسؤول مصري آنذاك بأن البلاد لم تتأثر بأزمة " كورونا" بالقدر الذي تأثرت به دول أخرى، لأن الله "حفظ مصر" وفقا لتعبير السيسي. وهذه الطريقة في تدخل عالم الغيب لإنقاذ عالم الشهادة لا تقتصر على بلد دون آخر وقد لمسنا منذ يومين نظيراً لها في زعم أمير موسوي أن ترامب يخاف من الإمام خاميني بسبب اتصالاته الربانية. بمنأى عن تلك الطرق الحكومية "المشرقية" في مقاربة الأمور نجد رأياً منتشراً يردد أن أساس المشكلة يعود إلى الإنفاق الحكومي على المشروعات غير المجدية مثل توسيع قناة السويس، والعاصمة الإدارية الجديدة والنهر الصناعي، إضافة إلى انتشار الهوس بتحقيق "الأعظم" في المشاريع "القومية" من قبيل "أطول" برج في افريقيا، و"أكبر" جامع و"أضخم" كنيسة، و"أرفع" سارية عَلَم ، و"أسرع" قطار كهربائي، وطائرة الرئيس "ملكة السماء"،...الخ. والنتيجة اللازمة هي إنفاق مئات المليارات على مشروعات تعود بالنفع على نسبة بسيطة جداً من السكان، مع إهمال التعليم والصحة وعدم تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وإهمال قطاع الصناعة. وهكذا انخفضت الصادرات وزادت الواردات مما أدى إلى "اضطرار" الحكومة إلى زيادة الضرائب والرسوم على المواطنين، ورفع معدلات الاقتراض من الخارج وبيع أصول الدولة المصرية. بداهة أن الدولة المصرية يمكن، حتى في بنيتها الحالية أن تفعل "نظرياً" بعض الأشياء المفيدة من قبيل رفع يد المؤسسة العسكرية عن الاقتصاد، وإعادة ملكية الشركات والأراضي المملوكة للمؤسسة العسكرية والجهات الأمنية و"السيادية" في مصر إلى الموازنة العامة للدولة، بما في ذلك الصناديق السيادية مثل "تحيا مصر" و"صندوق مصر السيادي". ولا بد كذلك من التوقف عن بيع الأصول المصرية "المربحة" ذات العوائد الدولارية للأجانب، وعدم التوسع في الاقتراض الخارجي بلا حساب أو دراسة، عبر الإنفاق على مشروعات غير تنموية، أغلبها استعراضي وغير مجد اقتصادياً. ومن الممكن أيضاً توفير الأموال المهدورة في زيادة الرواتب بنسب كبيرة جداً في المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية والإعلامية، بينما يدفع المواطنون الفقراء فاتورة ذلك، ويعانون ويلات التضخم والغلاء الفاحش. وأخيراً يمكن لصانع القرار ترشيد الاستهلاك الحكومي المعلن والمستتر الذي يتبلع النسبة الأكبر من الموازنات المصرية. لكن ذلك كله كلام نظري لا علاقة له بالواقع المدهش الذي يسجله "الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء" في مصر من حيث ارتفاع قيمة الديون من 45.2 مليار دولار عند تولي السيسي الحكم إلى 164.5 مليار دولار في العام الماضي. والغريب أن ذلك قد حصل في ظل ارتفاع تكلفة بعض السلع الأساسية بنسب تصل إلى آلاف في المئة بما يشمل الكهرباء والغاز وزيت القلي...الخ . على الرغم من اللوحة السوداء المرسومة أعلاه، يبدو أن مصر تتعافى، مثلما يتباهى الرئيس، الذي يصر على أنه منقذ مصر ومخلصها في وقت احتدام الأزمات، وأنه لولا حكمته لانهارت البلاد على نحو كامل. فكيف تأتى للقائد "الملهم" تحقيق ذلك بما يبشر بحسب صندوق النقد سيء السمعة، بأن اقتصاد مصر سيشهد في السنوات المقبلة قفزات في الدخل القومي لا مثيل لها من قبل؟ وقعت مصر أكبر اتفاقية استثمار في تاريخها استحوذ بموجبها صندوق أبوظبي السيادي على حقوق تطوير مشروع "رأس الحكمة" مقابل 24 مليار دولار، بالإضافة إلى تحويل 11 مليار دولار من الودائع لاستثمارات في مشاريع رئيسة في مصر. تبع ذلك الإعلان عن الاتفاق بين مصر وصندوق النقد على زيادة قيمة القرض من 3 إلى 8 مليارات دولار. مع إمكانية الحصول على حزمة تمويلات تتخطى 20 مليار دولار من مؤسسات دولية. منها 6 مليارات دولار من البنك الدولي. و تعهد الاتحاد الأوروبي أيضاً بتقديم حزمة مساعدات بقيمة 8 مليارات دولار. لكن الأهم من ذلك في رأينا هو سرقة جيوب المواطنين في وضح النهار عن طريق الانخفاض المتواصل في سعر صرف الجنيه الذي تدهور من سبعة جنيهات للدولار إلى خمسين جنيهاً بما يعني أن المواطن الذي نام وفي جيبه ألف دولار صحا ليجد أنه قد فقد تسعماية منها لتذهب إلى جيوب المؤسسات الأجنبية ومؤسسات الجيش والكمبروادور المحلي. وهكذا "اكتشف" الصندوق الدولي وخبراء الاقتصاد الرأسمالي أن "تحرير" الاقتصاد تماماً قد أتى أكله وأن مصر وضعت قدمها على طريق النمو السريع في الأعوام المقبلة. غني عن البيان أن هذا الوهم سينجم عنه المزيد من البؤس المحتاج لتعزيز القبضة الأمنية، كما أن دورة الاقتصاد ستعود إلى الهبوط على نحو أشنع بعد خمس سنوات على أبعد تقدير. بداهة أن الولايات المتحدة، ودول الخليج ستواصل دعم الاقتصاد المصري لضمان عدم انهيار النظام الضروري لاحتياجات إسرائيل ودول الخليج والدول الغربية. ذلك الدعم يسهم في منع فقدان النظام لركيزة قوته الأساس المتمثلة في ولاء قوى الأمن والجيش ذات الدور الحاسم في ضبط عشرات الملايين من الجياع. وتقوم هذه القوى بدورها على أكمل وجه، فتعتقل في السنوات القليلة الماضية ستين ألف مواطن، تقتل المئات منهم في عمليات الاستجواب الوحشي التي تنتهك المعايير الإنسانية كلها متنافسة مع جارتها إسرائيل في مستوى القمع الذي تمارسه بحق الشعب الفلسطيني. خلاصة: لا يمكن "منطقياً" مطالبة السيسي بفعل شيء أكثر مما فعله عبد الناصر باني التنمية الأهم في القرن العشرين. ويستطيع الرجل على الرغم من كل شيء أن "يتباهى" بوهم الازدهار المقبل الناجم حرفياً عن سرقة ما بأيدي الناس من قيمة نقدية، وفيض من المال الخليجي المستند إلى الرشوات السياسية وشراء الأصول المصرية وقروض صندوق النقد وعالم الشمال ذات السمعة السيئة. وفي مقابل حالة البؤس التي تعيشها الجماهير على نحو أسوأ من أي وقت مضى وصولا إلى حاجة 71 مليوناً من الناس الى الخبز السيء المدعوم، فإن السيسسي يحافظ على نظامه على نحو لا مثيل له في أي مكان تقريباً عن طريق تسليم جزء كبير من الاقتصاد للجيش بما يعني تكوين شريحة برجوازية قوامها العسكر داخل الطبقة البرجوازية الأم التي تثري مثملما هو الحال في الدول "النامية" الأخرى عن طريق الفساد والتجارة مع الخارج. بداهة أن ذلك لا يهدف إلى التنمية أو الفعالية الاقتصادية أو أي شيء من ذلك القبيل، وإنما إلى ضمان ولاء الجيش لقائده وقائد هذه الطبقة الغريبة التي لا مثيل لها في التاريخ. ربما أن ويتكوف على حق في تخوفه من إمكانية انهيار النظام المصري بثورة شعبية تصل بالبلاد إلى حالة الفوضى والدولة الفاشلة، خصوصاً بعد أن تحول الجيش إلى طبقة لا بد للفقراء من الصراع معها مباشرة عوضاً عن كونه أداة للسيطرة الطبقية في يد البرجوازية الكونيالية كما كان الحال في عهد السادات ومبارك الذي نجم عنه ثورة شعبية تم الالتفاف عليها "مؤقتاً" بتربع الجيش المباشر على عرش الأنشطة الاقتصادية المربحة.
#ناجح_شاهين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ترامب والدولة العميقة
-
نقد مغامرة حماس
-
ترامب والاستراتيجية الأمريكية الجديدة في مواجهة الصين
-
الديمقرطية بين أمريكا وسوريا
-
هل انتصرت غزة؟
-
في انتظار دونالد ترامب
-
دون كيشوت وآلام فراق النزام
-
تحرير سوريا على يد الجولاني
-
الاحتلال السهل لسوريا
-
المقاومة وحدود الممكن التاريخي
-
لو كنت نتانياهو
-
استطلاع اللحظة الراهنة
-
الشيطان/المخلص والفراغ الذي حل بنا
-
الرد الإيراني اللبناني
-
اليوم التالي ومعضلة وقف إطلاق النار
-
غزة بين الكلبية وعقيدة الضاحية
-
قراءة في زمن ما بعد 7 تشرين
-
إسرائيل تفقد قيمتها وتتجه نحو اليسار
-
إدارة التوحش
-
غزة في الحسابات الدولية والإقليمية
المزيد.....
-
سرايا القدس تعلن إطلاق رشقة صاروخية على مستوطنات غلاف غزة
-
مشادات كلامية بين نتنياهو ونواب المعارضة أثناء كلمته في الكن
...
-
روسيا تطور درونات لتدمير المروحيات العسكرية والطائرات المسيّ
...
-
لأول مرة، عيادة بريطانية تستخدم الذكاء الاصطناعي لمعاينة الم
...
-
إسرائيل تطلق سراح مخرج فلسطيني حائز على جائزة أوسكار
-
رئيس وزراء كوسوفو يقع في فخ مخادعين روسيين ويفضح ما يحضره ال
...
-
مجلة -وايرد-: إدارة ترامب تتجه لإقالة مجموعة من العلماء في م
...
-
مكتب نتنياهو ينفي تلقية أي تحذير بشأن -الأموال القطرية-
-
موسكو تعلق على توقيف مولدوفا لرئيسة غاغاوزيا
-
-تجربة أولية-.. قناة إسرائيلية تتحدث عن ذهاب دفعة من الغزيين
...
المزيد.....
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
المزيد.....
|