أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ضيا اسكندر - سوريا بعد مائة يوم: أي عهدٍ هذا؟














المزيد.....


سوريا بعد مائة يوم: أي عهدٍ هذا؟


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 8289 - 2025 / 3 / 22 - 14:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من المعروف أن أي حكومة جديدة، تُمنح مائة يوم قبل أن يبدأ التقييم الجاد لأدائها. مائة يوم ليست كافية لإنجاز المعجزات، لكنها كافية لمعرفة الاتجاه العام. واليوم، بعد أكثر من مائة وعشرة أيام، يمكننا القول بثقة إن العهد الجديد لم يقدّم إلا خيبة الأمل، وكأن السوريين انتقلوا من الاستبداد السياسي إلى استبدادٍ آخر أكثر تطرفاً وقسوة.

من سقوط إلى سقوط
عندما انتهت قبضة بشار الأسد وزمرته، تنفّس السوريون الصعداء، معتقدين أن صفحة جديدة ستُفتح، صفحة تليق بتضحياتهم، لكن ما حصل كان أشبه باستبدال سجّان بسجّان آخر.
فقد تولّت "هيئة تحرير الشام" زمام الحكم، ولم تلبث طويلاً حتى أظهرت وجهها الحقيقي: حكومة انتقالية على مقاسها، وزراء بطيف أيديولوجي واحد، وإقصاء كامل للمرأة، وكأن الزمن عاد إلى الوراء.
تحت الضغط الشعبي، اضطرت الهيئة لتعيين امرأة في منصب وزاري، لكن تصريحاتها لم تكن سوى صدى لزملائها الذكوريين: "مكان المرأة الطبيعي هو البيت والمطبخ"، وكأن المجتمع السوري لم يعرف نساءً قُدن الثورات وأضأنَ طريق النضال.

سلطة بلا قيود
لم تتوقف الهيئة عند تشكيل حكومة أحادية اللون، بل مضت أبعد من ذلك، فقوّضت المؤسسات المدنية، وحلّت مجلس الشعب، وجمّدت العمل بالدستور، وأوقفت رواتب الموظفين والمتقاعدين، وسرّحت مئات الآلاف من العاملين، عبر إعطائهم إجازات قسرية لثلاثة أشهر. وفجأة، أصبح السوريون بلا دخل، وبلا قانون، وبلا دولة.
المعلمون توقفوا عن التدريس؛ لأنهم لا يملكون أجرة الطريق، المؤسسات انهارت، القضاء في خبر كان. ودخلت البلاد مرحلة من الفوضى الخانقة.
وفي خطوة أعادت إلى الأذهان عصور الظلام، جابت شوارع حلب جماعات تأمر النساء بارتداء النقاب، وتفرض فصلاً بين الجنسين حتى في المصاعد.
ثم جاء العبث بالمناهج التعليمية، فتغيّرت لتتماشى مع رؤية الهيئة المتشددة، وصودرت الكتب التي لا تتناسب مع أيديولوجيتها، وكأن العقول السورية كانت بحاجة إلى مزيد من التجهيل بعد عقودٍ من الاستبداد.

التطرف يُعلن عن نفسه
لم تكن هذه الإجراءات سوى البداية، إذ سرعان ما تصاعدت الممارسات الطائفية: من إحراق شجرة عيد الميلاد في السقيلبية، إلى الاعتداء على معابد وأضرحة الطائفة العلوية في حلب، وكأن البلاد يجب أن تُصهر في رؤية واحدة بالقوة.
أما على الصعيد الخارجي، فبينما كانت "إسرائيل" تشن مئات الغارات الجوية وتدمّر كل مقدرات الجيش العسكرية التي بناها عبر عقود، وتحتل مئات الكيلومترات من الجنوب السوري، التزمت الهيئة صمتاً مريباً، وكأن الأمر لا يعنيها.
وحين وقف قائد الإدارة الجديدة أمام وزيرة الخارجية الألمانية، رفض مصافحتها، بحجة أن لمس النساء "يُثير الغرائز"، في مشهد يعكس عقليته الانعزالية.
ثم جاء مؤتمر الحوار الوطني، الذي كان أشبه بمسرحية هزلية: ستمئة شخصية، وست ساعات، بلا قرارات، بلا جدوى، بلا قيمة.

حربٌ لا تنتهي
في السادس من آذار، أرسلت الهيئة قوةً أمنية إلى قرية الدالية في ريف جبلة لاعتقال "فلول النظام"، فقوبلت بمواجهة دامية سقط فيها ثلاثة عشر من عناصرها. ردّاً على ذلك، ارتفعت أصوات الجوامع تدعو إلى "النفير العام"، فانطلقت جحافل المسلحين إلى الريف الساحلي لترتكب مجازر أودت بآلاف القتلى والمصابين من الطائفة العلوية، في مشهد دموي لم يتوقف حتى الآن.
ثم جاء الاتفاق في العاشر من آذار بين سلطة دمشق بقيادة أحمد الشرع وبين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بقيادة مظلوم عبدي. يقضي بانضمام قسد إلى وزارة الدفاع ودمج المؤسسات المدنية والعسكرية والاعتراف بالمكون الكردي وبحقوقه كاملة، ما يعني العمل على توحيد البلاد في مواجهة الانقسام الحاصل كأمر واقع. وقد لاقى الاتفاق استحسان الداخل والخارج.
بعد ثلاثة أيام فقط، جاء "الإعلان الدستوري" مخالفاً لما اتُفق عليه، ما أثار استياءً شعبياً واسعاً، وكأنه رسالة واضحة بأن لا شيء سيتغير سوى أسماء الطغاة.

حقيقة لا يمكن إنكارها
الهيئة تدّعي أنها تحارب "فلول النظام"، لكنها لم تلمس الفاسدين والمجرمين الحقيقيين، بل ركّزت على إذلال المدنيين وإرهاب المجتمعات التي لا تتفق مع رؤيتها. تسليم السلاح لم يعد خياراً منطقياً لمن بقي بلا حماية، خاصةً بعد أن حُلَّت الشرطة والجيش وأُغلقت المؤسسات الأمنية.
العدالة الانتقالية التي تروّج لها الهيئة ما هي إلا عدالة انتقائية، إذ لا تزال سجونها تعجُّ بآلاف المعتقلين العسكريين، بينما القتلة الحقيقيون يتجولون بحرية؛ سواء من طرف الجماعات المسلحة ذات التاريخ الإرهابي الفظيع، أو من رجالات النظام الساقط والذي أجرى البعض منهم "تسوية" وبقي معززاً مكرماً يسرح ويمرح وكأنه مسح عن سجله كل آثامه التي ارتكبها في ظل العهد البائد.

إلى أين؟
من غير الممكن إقامة نظام حكم مستقر في سوريا دون توافق دولي فعّال، حيث إن القرار 2254 يظل السبيل الوحيد للخروج من هذا النفق المظلم.
إن الفوضى المديدة ستظل البديل المحتمل، كما يتضح من الأزمات المستمرة في ليبيا واليمن والسودان، حيث أدّى غياب التوافق الدولي إلى تفشّي الفوضى وانهيار المؤسسات. لذا، فإن تحقيق السلام يتطلب جهوداً منسقة من جميع الأطراف المعنية، وفي مقدمتها التوافق الداخلي بين القوى الوطنية الديمقراطية لضمان مستقبل آمن ومستقر للشعب السوري.
المطلوب واضح:
- إلغاء الإعلان الدستوري.
- إعادة تشكيل الجيش، مع استبعاد الملطخة أيديهم بالدم.
- إعادة الشرطة إلى عملها.
- التراجع عن القرارات التعسفية التي شردت مئات الآلاف من العمال.
- تشكيل لجنة تحقيق مستقلة لمحاسبة مرتكبي المجازر في الساحل.
- عقد مؤتمر وطني حقيقي، لا مسرحية عبثية، يُفضي إلى حكومة وحدة وطنية وفق القرار 2254، وإطلاق عملية دستورية حقيقية تمهيداً لانتخابات ديمقراطية.
أما دون ذلك، فإن سوريا ستبقى تتأرجح بين السلطات المتعاقبة، بين الاستبداد المغلف بالوطنية والاستبداد المغلف بالدين، بينما يبقى المواطن السوري وحده يدفع الثمن.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أردوغان وتطلعاته للسلطة الدائمة: تحليل لاستراتيجياته السياسي ...
- بين مطرقة الخوف وسندان الوطنية.. زيارة الدروز إلى إسرائيل
- اتفاق عبدي والشرع.. توقيع في الزمن الحرج
- الإعلان الدستوري: نسخة محسّنة من الاستبداد القديم!
- الطائفية.. حين يصبح الانتماء تهمةً تستوجب القتل
- هل أصبح مصير المفقودين في الأزمة السورية طيَّ النسيان؟
- قراءة أولية في اتفاق -قسد- مع دمشق
- جراح الروح: بين غريزة الانتقام وضرورة النضال السلمي
- هل أهدرت هيئة تحرير الشام لحظة التحول في سوريا؟
- سوريا الجديدة: فلول النظام وإرهابيو المعارضة المسلحة.. عدالة ...
- من السلاح إلى السلام.. تحولات النضال الكردي في تركيا
- الليرة المحبوسة.. جوعٌ مُنظّم وسوقٌ بلا روح
- عذراً نيوتن.. الجاذبية ليست وحدها التي تسحبنا للأسفل!
- فراغ أمني وبطالة متفشية.. سوريا إلى أين؟
- كيف تصنع حرباً أهلية في ستة أيام؟ (دليل الطغاة والمغامرين!)
- تداعيات رسالة أوجلان: فرصة سلام أم بداية صراع جديد؟
- مؤتمر الحوار.. اجتماع 🚀 سريع لحلول مسبقة الصنع
- السرديات المتضاربة في المشهد السوري: استباق التقسيم أم سقوط ...
- شاوِروهم وخالِفوهم: الحوار الوطني السوري بين الوهم والحقيقة
- الإيزيديون في سوريا: تاريخهم ومعتقداتهم ومعاناتهم من الاضطها ...


المزيد.....




- قيمة صادمة لفاتورة الكهرباء الشهرية للحرم المكي.. تقرير يكشف ...
- كابل: واشنطن ألغت مكافأة الـ10 ملايين دولار مقابل رأس قائد ب ...
- رحلة فضائية وزفاف فاخر.. لورين سانشيز تعيش حلمها مع ثاني أغن ...
- مستشار رئيس الأرجنتين: مشكلة الأرجنتين تكمن في الأرجنتينيين ...
- بسبب مبيد حشرات.. شركة ألمانية تواجه حكما قضائيا أمريكيا بدف ...
- مراسلنا: مقتل نحو 25 شخصا في قصف إسرائيلي استهدف جنوب قطاع غ ...
- الحكومة الإسرائيلية تعترف بـ13 مستوطنة بالضفة وتنشئ إدارة لل ...
- الدفاع الجوي الروسي يدمر 59 مسيرة جوية معادية فوق مناطق مختل ...
- كييف تتعرض لهجوم بمسيرات انتحارية قبيل محادثات السعودية
- -هل يشعر الميت بقبره بالزمن؟-.. فيديو رد أستاذ فيزياء كونية ...


المزيد.....

- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ضيا اسكندر - سوريا بعد مائة يوم: أي عهدٍ هذا؟