|
متابعات – العدد السّادس عشر بعد المائة بتاريخ الثّاني والعشرين من آذار/مارس 2025
الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8289 - 2025 / 3 / 22 - 12:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يتضمّن العدد السّادس عشر بعد المائة بتاريخ الثّاني والعشرين من آذار/مارس 2025 فقرة عن دور البترودولار ومحروقات صهاينة العرب في الخليج في استدامة الهيمنة الأمريكية دوليا وهيمنة الكيان الصهيوني إقليميا، وفقرة عن أهمية السوق الدّولية للإنتاج الموصوف بالحلال، بمناسبة شهر رمضان، وفقرة عن المعادن النادرة والثروات التي تريد الولايات المتحدة الإستحواذ عليها مقابل الدّعم العسكري والإقتصادي لأوكرانيا وفقرة عن الإقتصاد الأمريكي كنموذج لتحول اقتصاد الدّول الإمبريالية من الإقتصاد المبني على الصّناعة إلى اقتصاد ريعي وفقرة عن الفوارق على المستوى العالمي بين العُمال في عدد ساعات العمل والأُجور، وبين بلدان "الشمال" و "الجنوب" بسبب التبادل غير المتكافئ
في جبهة الأعداء: البترودولار وعرب النّفط كانت الولايات المتحدة أكبر منتصر بأقل قدر من الخسائر في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وخَطّطت منذ سنة 1944 للهيمنة على العالم من خلال إنشاء هيئة الأمم المتحدة، على أنقاض عُصْبَة الأمم، ونظام بريتون وودز (المؤسسات المالية الدّولية) الذي رَسَّخَ الدولار الأمريكي كعملة أساسية في العالم، مرتبطة بالذهب ( أوقية ذهب = 35 دولارا)، مما عزز الهيمنة الاقتصادية الأمريكية، ولكن وبعد حوالي 25 سنة، وبضعة حُروب ( من كوريا إلى فيتنام، مرورًا بالتّدخلات الأخرى في قارّات آسيا وإفريقيا وآمريكا الجنوبية) واجهت الولايات المتحدة عجزًا تجاريًا متزايدًا، مع انخفاض احتياطيات الذهب، لأن العديد من الدول أرادت استبدال الدولار الأمريكي بالذهب ( الذي لا تملكه الولايات المتحدة) مما أدى إلى اتخاذ الرئيس رتشارد نيكسون، سنة 1971، قرار فك ارتباط الدّولار بالذّهب، وإنهاء إمكانية تحويل الدولار إلى ذهب، وهدّد هذا القرار المكانة المُهيْمنة للدّولار، لولا شيوخ النفط العرب (آل سعود بشكل خاص) الذين أنقذوا الدّولار من خلال صفقة سنة 1974 التي ضمنت تسعير النفط السعودي بالدولار فقط، مقابل الحماية العسكرية الأمريكية والسماح ببيع الأسلحة الأمريكية إلى السعودية، وبذلك تبقى عائدات صادرات النفط السعودي في الولايات المتحدة، لدى شركات السلاح والسيارات الفاخرة والطّائرات الخاصة والمراكب السياحية، وكذلك من خلال شراء سندات الخزانة الأمريكية، وبذلك أنقذ نظام "البترودولار" العُملة الأمريكية والأقتصاد الأمريكي الذي كان متأزما بفعل ارتفاع وتيرة العدوان على شعوب فيتنام ولاوس وكمبوديا. كانت الولايات المتحدة أكبر مستفيد مما وُصِف ب" حرب النفط" بعد حرب 1973، أي حظر تصدير النفط لأصدقاء الكيان الصهيوني، الذي كان حظْرًا قصيرًا، ومناورة كبيرة أدّت إلى ارتفاع أسعار النفط أربعة أضعاف من حوالي ثلاث دولارات إلى 12 دولارًا لبرميل النّفط الخام، ونتجت عنه أزمة طاقة عالمية، غير إن مناورة ربط سعر النفط بالدولار ( بدْءًا من السعودية ثم دول أوبك)، زاد من القوة المالية الأمريكية، لتزيد هيمنتها على العالم، من خلال ضخ فائض البترودولار في المصارف والسندات الأمريكية، أي دعم عجز الموازنة الأمريكية وتمويل نفقات الحرب الباردة والحرب الساخنة، وتعززت مكانة الدّولار كعملة احتياطية دولية سمحت للولايات المتحدة بالحفاظ على التفوق الاقتصادي والعسكري، ولا تزال نسبة 80% من معاملات النفط الدّولية تتم بالدولار الأمريكي، سنة 2024، ولا تزال الولايات المتحدة تَبْتَزُّ السّعودية حيث اعلن دونالد ترامب بعد تنصيبه رسميا ( 20 كانون الثاني/يناير 2025)، ثم كرّر يوم السابع من آذار/مارس 2025: سأذهب إلى السعودية التي ضخّت خلال فترة رئاستي الأولى 450 مليار دولارا في الإقتصاد الأمريكي، وبما إنهم ازدادوا ثراء سآمرهم بضخ تريليون دولار للشركات الأمريكية على مدى أربع سنوات، ووافقوا على ذلك، وسينفقون أموالًا طائلة لشراء معدات عسكرية وغير عسكرية من الشركات الأمريكية... رسّخ نظام البترودولار الهيمنة النقدية العالمية للدولار الأمريكي، مما سمح للولايات المتحدة بممارسة نفوذ هائل على مجمل دول العالم التي تضطر إلى الإحتفاظ بكميات كبيرة من الدّولارات لشراء المواد الأولية والمحروقات، وتستثمر فائض الدّولارات في الأصول الأمريكية (سندات الخزانة) فتُساهم بذلك كل الدّول في تمويل عجز الموازنة الأمريكية وفي المحافظة على مسوى منخفض لأسعار الفائدة الأمريكية، وتُعدّ الولايات المتحدة الدّولة الوحيدة القادرة على طباعة النقود – دون رقيب - لتمويل الإنفاق الحكومي على الأسلحة والبنية التحتية وغزو الفضاء الخ، دون التسبب في ارتفاع كبير لنسبة التضخم، لأن التجارة الدّولية تمتص الكميات الفائضة من الدّولارات المطبوعة دون أن يُقابلها إنتاج حقيقي... ربطت صفقة البترودولار الأمريكية – السعودية، قبل خمسة عُقُود، النظام النقدي العالمي بالوقود الأحفوري والقوة العسكرية الأمريكية، وأدّت إلى تزايد النفوذ الأمريكي والتدخلات العسكرية الإمبريالية، غير إن العقوبات المالية الأمريكية جعلت الصين وروسيا وإيران وبعض الدّول الأخرى تُحاول تداول المحروقات بعملات أخرى (غير الدّولار)، وأصبح موضوع استبدال الدّولار بعملات أخرى مطروحًا في مؤتمرات مجموعة بريكس وبعض المؤتمرات الإقليمية، ويتطلب إنجاز القطيعة مع صفقة البترودولار عُقُودًا وعزيمة سياسية وتعاونًا بين العديد من البلدان، لأن البترودولار ركيزة أساسية لنظام عالمي كامل من الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي ومنظومة التحويلات النّقدية، ولذلك تمت الإطاحة بالنظام العراقي واحتلال البلاد الغنية بالنفط بعد قرار الحكومة – سنة 2000 - بَيْع النّفط باليورو، بدل الدّولار، وتمت الإطاحة بالنظام الليبي واحتلال البلاد – الغنية بالنفط - وتقسيمها بعد اقتراح معمر القذافي إصدارعملة أفريقية مدعومة بالذهب. من جهة أخرى تدعم الإمبريالية الأمريكية الكيان الصهيوني، حليفها الرئيس في الوطن العربي، سياسيا وعسكريا واقتصاديا بفضل البترودولار ( حوالي 250 مليار دولارا بين 1959 و 2022) ودعم عسكري ضخم واستثنائي، منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، وبذلك يكون البترودولار (والمحروقات الخليجية ) قد عزّزَ نفوذ الولايات المتحدة والتفوق العسكري الصهيوني، ومَوَّل البترودولار الحرب في أوكرانيا، عبر الأسلحة التي يُرسلها المُجمّع الصناعي العسكري الأمريكي، ولولا مكانة الدولار كاحتياطي وقدرة الاحتياطي الفيدرالي على خلق أموالٍ يمتصها العالم، لما تمكّنت الإمبريالية الأمريكية من الحفاظ على هيمنتها ومن الإعتداء (مُباشرة أو بالوكالة) على شُعُوب وبلدان العالم، ولما تمكنت من الإحتفاض بأكثر من ثمانمائة قاعدة عسكرية حول العالم...
سوق الغذاء "الحلال" تُنظّم تركيا – عضو حلف شمال الأطلسي والشريك التّجاري والعسكري المُميّز للكيان الصّهيوني - معرض "إكسبو حلال" في إسطنبول منذ سنة 2015، وكان آخر معرض بنهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2024 بمشاركة حوالي خمسمائة شركة من خمسين دولة، وانعقدت بالمناسبة القمة العالمية العاشرة للإنتاج الحلال، الذي ازدادت أهميته، حيث بلغت قيمة تجارة المنتجات الموصوفة "حلال" نحو تريليون دولارا سنة 2015، وارتفعت لتُقَدَّرَ قيمتها بنحو ثماني تريليونات دولارا سنة 2024، ويُتوقّع أن تصل إلى نحو 12 تريليون دولار بحلول سنة 2030، ويشمل "سوق الحلال" القطاع المالي (التمويل المُسمّى "إسلامي")، وقطاعات الغذاء والأزياء والملابس الجاهزة والإعلام والسياحة ( الفنادق والمطاعم) وتوسعت دائرة "سوق الحلال" العالمية وخصوصًا تجارة الغذاء في دول لا يُشكل سُكّانها المُسلمون سوى أقلية مثل الولايات المتحدة التي بلغت القيمة التقديرية لسوق الأغذية الحلال بها 59,4 مليار دولار سنة 2022، وقد تبلغ قيمتها 90 مليار دولارا سنة 2026، وفق منصة "ألايد ماركت ريسيرتش" التي قدّرت القيمة الإجمالية لإيرادات سوق الأغذية "الحلال" بنحو 2,3 تريليون دولارا سنة 2023، وتتوقّع نُمُوَّها بمعدل 10,5% سنويًّا بين سنتَيْ 2024 و 2030، لتبلغ قيمة تجارة الغذاء "الحلال" حوالي 5,3 تريليونات دولارا بحلول عام 2030... يطغى الغذاء على الإنتاج الموصوف بالحلال، وأحد أسرع القطاعات الغذائية نُمُوًّا في العالم، ليصبح منافسا جِدِّيًّا للأغذية العضوية والمستدامة، التي يزداد نموها بشكل منتظم. يمكن تعريف "الغذاء الحلال" بالأطعمة التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية، وتشمل سوق الغذاء "الحلال" اللحوم والدواجن المذبوحة وفق الشريعة الإسلامية والمأكولات التي تحتوي زيوتًا وتوابل ومواد أخرى إضافية مُطَهَّرَة من أي مُحرّمات (مثل شحم الخنزير أو بقايا اللحوم غير "الحلال" أو الكحول وما إلى ذلك) ويزداد الإقبال على هذه الأغذية خلال شهر رمضان، وقَدّرت شركات مختصّة حجم سوق الأغذية الحلال بنحو 2,71 تريليون دولار سنة 2024 وتتوقع أن يصل إلى قرابة ست تريليونات دولارا بعد عشر سنوات ( سنة 2033) بزيادة سنوية نسبتها 8,92% بين سنتَيْ 2025 و 2033، أميركي في عام 2024، ومن المتوقع أن ينمو ليصل إلى 5.91 تريليونات دولار بحلول 2033، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 8.92% من عام 2025 إلى 2033. وهذا يجعل سوق الحلال منافسا قويا لقطاعات أخرى ناشئة، مثل الأغذية العضوية والمستدامة، التي تشهد طلبا متزايدًا أيضًا. تضُمّ قارّة آسيا العدد الأكبر من المسلمين، ولذلك استحوذت منطقة آسيا والمحيط الهادي على 48,5% من سوق "الحلال" سنة 2024 في عام 2024، لكن الطّلبَ على هذه السّلع ارتفع كذلك في أوروبا وأمريكا، بفعل إقبال المُسلمين وغير المُسلمين – من الفئات متوسّطة الدّخل - على الغذاء "الحلال" باعتباره "يحترم معايير الصحة والجودة التي توفرها المنتجات الحلال" وفق وثيقة الإشهار التي نشرها معرض "إكسبو حلال" العاشر في إسطنبول يوم 29 الثاني/نوفمبر 2024، وتُخصّص شبكات تجارة التجزئة الكبرى أقسامًا للأغذية الحلال، كما تُوفر شبكات المطاعم الكُبرى أطباق من الغذاء "الحلال"، واتّسع ادّعاء توفير المنتجات "الحلال" إلى قطاع السّياحة، للإستواذ على السياحة العائلية للمسلمين من الأثرياء ومتوسّطي الدّخل، وتم هذا التّوسُّع في غياب المَعايِير والرّقابة المُوحّدة، مما زاد من ممارسة الإحتيال على المُؤمنين ( وغير المُؤمنين) ويتمثل الإحتيال في تزوير شهادات الحلال – بفعل عدم توحيد المعايير - أو تقديم منتجات غير مطابقة للمعايير على أنها حلال... أدّى توسُّع سوق المنتجات "الحلال" إلى اهتمام الشّركات العابرة للقارات التي أسّس بعضها فُروعًا في ماليزيا والإمارات، حيث تسود النيوليبرالية منذ عُقُود، كما تُصدّر البرازيل كميات كبيرة من اللحوم ومن الأغذية الأخرى المُصنّفة "حلال"، إضافة إلى شركات ضخمة مثل نستليه وثلاث شركات أمريكية وأخرى بريطانية، وتحتل هذه الشركات المراكز العشر الأولى لإيرادات تجارة "الحلال" في العالم...
أوكرانيا – المعادن النادرة التي تستهدفها الولايات المتحدة: نشر موقع “أكسيوس” نسخة من المشروع الأمريكي لاتفاقية استغلال معادن أوكرانيا، مقابل الأسلحة والقُروض و "المُساعدات" الأمريكية التي تم تقديمها خلال ثلاث سنوات من الحرب الأطلسية الرّوسية على أرض أوكرانيا، وَيَنُصُّ مشروع الإتفاق على إنشاء صندوق استثمار لإعادة الإعمار واجتذاب الإستثمارات لاستغلال البُنية التحتية والمعادن والنّفط والغاز والموانئ، وتحقيق التنمية، تديره حكومتا الولايات المتحدة وأوكرانيا بشكل مشترك بهدف "تحقيق السلام الدائم في أوكرانيا"، وتُسدّد أوكرانيا نصف عائداتها من جميع الموارد القابلة للاستخراج إلى الصندوق حتى تصل إلى مبلغ 500 مليار دولار، وتُساهم أوكرانيا في الصندوق بمبلغ يعادل ضعف المبلغ الذي تقدمه الولايات المتحدة لأوكرانيا، لكي تسترد الولايات المتحدة ما استثمرته في الحرب وفي إعادة إعمار أوكرانيا وبناء اقتصادها ليتعافى حتى يعودَ إلى مستوى ما قبل الحرب، وأعلنت حكومة الولايات المتحدة اعتزامها "تقديم الدّعم المالي لتنمية أوكرانيا حتى تُصبح مستقرة ومزدهرة اقتصاديًا" تُقدّر قيمة المعادن النّادرة - الضرورية لصناعة المغناطيسات عالية القوة المستخدمة في التكنولوجيا المتقدمة - بنحو عَشْر تريليونات دولار، غير إن معظمها من المنتجات الثانوية لاستخراج الفوسفات، مما يزيد من الشُّكُوك التي تحوم حول جَدْواها الإقتصادية، فيما تقع بعض مواقع هذه المعادن تحت السَّيْطرة الرّوسية، ومع ذلك تبقى أوكرانيا في صدارة الدّول الأوروبية في مجال المعادن النادرة، لأن أراضيها تضم 22 معدنا نادرا من أصل 30 معدنا تستخدمها دول أوروبا، و50 معدنا تصنفها الولايات المتحدة على أنها ذات “أهمية بالغة”، بقيمة إجمالية تبلغ نحو 15 تريليون دولار، كما تحتل أوكرانيا المركز الخامس عالميا في حجم احتياطيات المعادن النّادرة - إلى جانب الهند والبرازيل وفيتنام - بعد الصين (68%) وأميركا (12%) و أستراليا ( 5%) وتضم أراضي هذه البلدان الثلاث 85 % من حجم احتياطي المعادن النادرة عالميا، وتمتلك أوكرانيا نحو 10% من احتياطات العالم (وأكبر احتياطات أوروبا) من معدن الليثيوم المستخدم في إنتاج البطاريات، بحجم يقدر بنحو 500 ألف طن، ونحو 90 طنا من الزركونيوم المستخدم في المحركات النفاثة، وهي من أهم عشر دول غنية بمعدن التيتانيوم المستخدم في إنتاج الصواريخ والطائرات والسفن، بحجم يبلغ 2,3 ألف طن، كما تضم أراضي أوكرانيا 660 طنا من الفاناديوم و90 طنا من الزركونيوم و50 طنا من النيوبيوم و50 طنا من الكادميوم و15 طنا من التنتالوم و5 أطنان من الغاليوم و1,8 طن من السيريوم و 1,5 طن من الإنديوم، وطنا من السيلينيوم، وطنا من البريليوم، و0,8 طن من الإيتريوم، فضلا عن نصف طن لكل من التيلوريوم والسكانديوم والغرمانيوم والهافنيوم على حدة وفق موقع "أكسيوس" ووكالة بلومبرغ بتاريخ 25 شباط/فبراير 2025 .
محاولة تبسيط مفاهيم الإقتصاد السياسي الولايات المتحدة – فوارق يتصدّر الإقتصاد الأمريكي ترتيب الدّول من حيث الناتج المحلي الإجمالي مما يجعل الإمبريالية الأمريكية تفرض إرادتها على العالم، غير إن هذا الإقتصاد يعتمد على بعض القطاعات الإستراتيجية (كالإتصالات والتكنولوجيا المتقدّمة والصناعات العسكرية) وعلى المُضارَبة التي عَمَّقَت الفجْوَة الطّبَقِية المتزايدة وزادت من تركيز السُّلْطة المالية ( وبالتالي السياسية) في أيدي عدد أقل من الناس، وأصبح اقتصاداً منفصلاً بشكل متزايد عن الواقع... تم بناء الاقتصاد الأمريكي لخدمة الأثرياء الذين جمعوا ثرواتهم من نمو الأصول في سوق الأوراق المالية، أي لم تَنْمُ هذه الثروات في الاقتصاد الحقيقي، وقد تُسجّل سوق الأوراق المالية أرقاما قياسية مُرتفعة في حين يعجز الملايين من الأميركيين عن تلبية احتياجاتهم الأساسية، ويُواجهون أزمة الدّيُون الإستهلاكية، بينما يُنفق أغنى الأميركيين أموالهم على السلع والخدمات الفاخرة، حيث تشكل نسبة العشرة في المائة الأعلى دخلاً حوالي نصف الإنفاق الاستهلاكي، وهو استهلاك نخبوي يَعكس تركيز الثروة لدى أقلية تُهدّد الإستقرار الاقتصادي، لأن هذه الثروة ناتجة عن اقتصاد ريعي مبني على تضخم الأصول بفضل المكاسب التي حققتها سوق الأسهم والعقارات، وليس مَبْنِيًّا على خَلْق الثروات من خلال الإستثمار في الإنتاج، ونما دخل أعلى 10% من أصحاب الدخول ليشكل ما يقرب من نصف إنفاق المستهلك الأميركي ــ بزيادة نحو أربعة عشر نقطة مائوية على مدى السنوات الثلاثين الماضية، وتتمتع هذه الأسر بدخول سنوية تبلغ 250 ألف دولار أو أكثر، وهي قادرة على التّأثير في الإقتصاد من خلال خفض الإنفاق وإلحاق الضّرَر بحياة نسبة 80% من السّكّان، وفق موقع صحيفة وول ستريت جورنال ( 23 شباط/فبراير 2025). يتمثل اندماج التام بين أثرى الأثرياء ومؤسّسات الدّولة الرأسمالية عمومًا والأمريكية خصوصًا في إلغاء السّلطات التشريعية والتنفيذية القُيُود التّنظيمية، وإقرار قوانين التخفيضات الضّريبية للأثرياء، والأموال الرخيصة التي يمنحها لهم المصرف المركزي – خصوصًا خلال فترات الأزمة التي يُسبّبها هؤلاء الأثرياء المُضارِبُون – مما يُغذّي التّفاوت المُتزايد في الثّروة، فقد تمكّن الأثرياء، خلال السنوات التي أعقبت الأزمة المالية ( 2008/2009) من زيادة عائداتهم بفعل استثمار الأموال التي حصلوا عليها بسعر فائدة منخفض جدًّا، بينما لجأ الكادحون والفقراء إلى الدّيون الإستهلاكية التي زادت قيمتها بنحو تريليون دولارا، وارتفعت قيمة هذه الدّيون عندما قرّر الإحتياطي الأمريكي زيادة أسعار الفائدة واستفاد الأثرياء من خفض سعر الفائدة فحصلوا على مبالغ طائلة استثمروها في شراء الأُصُول ( لأن الإقتصاد الأمريكي أصبح مبنيا على القطاع المالي وليس على القطاع الصناعي) ثم استفادو من ارتفاع أسعار الفائدة حيث حققوا عوائد على استثمار الأموال الرّخيصة في اقتصاد الرّيع، لأن سُرعة نمو الثروة لم تعد تحصل من خلال الإقتصاد الحقيقي، بل من خلال امتلاك واستغلال الأصول. يُمثّل دونالد ترامب فئة العشرة بالمائة الأكثر ثراءً في الولايات المتحدة بفضل الإقتصاد الرّيعي، ويمثّل فئة المُضاربين في قطاع العقارات والأصول والأوراق المالية، وتُشكل تهديداته برفع الرسوم الجمركية بارتفاع الأسعار وفقدان الوظائف وضُعْف شبكة الأمان الإقتصادي والإجتماعي، مما يجعل العاملين والفُقراء يتحمّلون العبء الأكبر لنتائج هذه السياسات التي يدّعي دونالد ترامب إنها تُمكّن من "تصنيع السلع داخل الأراضي الأمريكية وتأمين سلاسل التوريد وتعزيز أجور العمال والازدهار" لكن الحرب التجارية تُشكّل نقيضًا للإقتصاد الليبرالي الكلاسيكي وإذا ما حَصَل انتعاش فإنه سوف يكون تحت سيطرة الأوليغارشيين الذين اعتادوا انتهاك حقوق العمال وخفض الأُجُور والإعتماد على العمالة الهشة، وقد بدأت إدارة دونالد ترامب قَضْم ما تَبقّى من حقوق العمال – وهي أصلاً مُهتَرئة في الولايات المتحدة – من خلال قرارات تقويض مجلس العلاقات العمالية وإلغاء حقوق النقابات، والتّضحية بمصالح العُمّال مقابل انتعاش افتراضي...
فوارق على الصعيد العالمي: أطلقت الصين، قبل حوالي ثلاثة عقود مخططات تنمية جعلت منها "ورشة العالم"، فأصبحت تنتج نحو 30% من السلع المصنعة في العالم، وفق مجلة ( Nature – July 2024 Jason Hickel -) واستثمرت الشركات العابرة للقارات في الصين بسبب ارتفاع عدد ساعات العمل وانخفاض الرواتب، فيما يُقبل المُستهلكون في الدّول الغنية على الإنتاج الصيني – من المنسوجات والملابس إلى التكنولوجيا والحواسيب والهواتف والسيارات الكهربائية - لأنه أقل ثمنًا من الإنتاج المحلي، أي إن شركات ومواطني الدّول الغنية تستفيد – بشكل جماعي - من ظروف عمل العُمّال الصينيين – وغيرهم - ومن ارتفاع عدد ساعات العمل وانخفاض الرّواتب، وترفض الشركات العابرة للقارات الإستجابة لمطالب زيادة الرواتب وتحسين ظروف العمل التي تُطالب بها عاملات النسيج – على سبيل المثال – في بنغلادش وكمبوديا وغيرها، فيما تتجاهل نقابات عُمال أوروبا وأمريكا الشمالية نضالات عُمال البلدان الواقعة تحت الهيمنة الذين يواجهون القمع والإعتقال والموت... قدّر فريق من الأكاديميين البريطانيين أن الأجور في بلدان "الجنوب" ( الأطراف) أقل بنسبة تتراوح بين 87% و95% في من الأجور في الشمال مقابل العمل الذي يتطلب نفس مستويات المهارة، في نفس القطاعات، خلال الفترة من سنة 1995 إلى سنة 2021، ويساهم عمال "الجنوب" بنسبة 90% من العمل الذي يغذي الاقتصاد العالمي، ولكنهم لا يحصلون سوى على 21% من الدخل العالمي، مما يُوَسِّعُ الفجوة في الدّخل ومستوى العيش ومما يزيد من عدم تكافؤ العلاقات لصالح الدول الغنية، ولا يعودى عدم التكافؤ إلى "وجود العمالة الماهرة وذات المهارة العالية في الشمال والعمالة الكثيفة وغير الماهرة في الجنوب" كما تدّعي الدّعاية الرأسمالية، بل إلى الإستغلال الفاحش للموارد وللطبقة العاملة... استنتج مُعِدُّو الدّراسة إن اقتصادات الدّول الغنية استحوذت – سنة 2021 - على 826 مليار ساعة عمل من بلدان الجنوب، في جميع مستويات المهارة والقطاعات مجتمعة، أي إن الشركات العابرة للقارات غنمت ما يُعادل 17 مليار يورو من فوارق الرواتب، فيما لم تستفد البلدان الفقيرة من هذه الساعات من العمل فلم تتمكن من استخدامها لتلبية الاحتياجات البشرية والتنمية المحلية... أظْهرت "مدرسة التّبَعِيّة" اعتماد الدّول الإمبريالية في تنمية اقتصادها على استغلال موارد وعمال البلدان الفقيرة، مما عمّق الفجوة بين الطَّرَفَيْن ومما يجعل من المستحيل على الدول الفقيرة أن "تلحق" بالدول الغنية باتباع نفس نمط التنمية، ولا بُدّ من القَطْع مع المنظومة الرأسمالية العالمية وخلف ميزان قوى بين الدّول الفقيرة، ويقترح مُعِدّو الدّراسة التي نشرتها مجلة - Nature - حلاًّ "إصلاحيًّا" وَسَطِيًّا، يتمثل في "مسار معقول للحد من التفاوت العالمي، يتضمن مجموعةً من التدابير، من بينها إقرار الحد الأدنى للأجور على المستوى الدولي، وتحديد أسعار أساسية للموارد، بهدف الحد من التفاوت في الأسعار والحد من عمليات نقل القيمة من الجنوب إلى الشمال..." تُمثل الدّيون وشُرُوطها مثل برامج "الإصلاح الهيكلي" عاملاً مُساعدًا على تعميق هُوّة التفاوت بين البلدان الفقيرة والغنية، وتفرض الدّول الغنية، بزعامة الولايات المتحدة، هذه البرامج عبر المُؤسسات المالية التي تُسيطر عليها وتُمثّل مصالحها ( صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية...)، ولا توجد مؤسسات مُوازية للدّفاع عن مصالح البلدان والشعوب الفقيرة ولتوفير شُروط التنمية السيادية...
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السُّجُون الأمريكية - قطاع اقتصادي مُرْبِح
-
عرض شريط -فتْيان النِّيكل- ( Nickel Boys ) للمخرج -راميل روس
...
-
ملامح الإقتصاد الأمريكي سنة 2025
-
ذكرى وفاة كارل ماركس ( وُلد يوم الخامس من أيار 1818 وتوفي يو
...
-
متابعات – العدد الخامس عشر بعد المائة بتاريخ الخامس عشر من آ
...
-
تونس بين خطاب -الإستقلالية- واستمرار واقع التّبَعِيّة
-
الحركات النسوية ومسألة الإنتماء الطبقي
-
متابعات – العدد الرّابع عشر بعد المائة بتاريخ الثامن من آذار
...
-
حرب اقتصادية تَقُودُها الدّولة
-
بعض مفاهيم الإقتصاد السياسي
-
موقع الهند في منظومة الهيمنة الأمريكية – الجزء الثاني
-
موقع الهند في منظومة الهيمنة الأمريكية – الجزء الأول
-
متابعات – العدد الثّالث عشر بعد المائة بتاريخ الأول من آذار/
...
-
ثقافة تقدّمية: هاياو ميازاكي، مُبدع الرُّسُوم المُتحركة
-
تبديد أوهام القروض الصغيرة للفُقراء
-
بانوراما الإنتخابات في ألمانيا
-
فلسطين - تواطؤ أمريكي مُباشر
-
متابعات – العدد الثّاني عشر بعد المائة بتاريخ الثّاني والعشر
...
-
فخ الدُّيُون الخارجية- نموذج سريلانكا في ظلِّ سُلْطة -اليسار
...
-
الإستعمار الإستيطاني، من الجزائر إلى فلسطين
المزيد.....
-
إسرائيل: قرار بتوسيع مستوطنات الضفة الغربية وتسهيل الهجرة -ا
...
-
-يبلها ويشرب ميتها-.. هجوم مصري على ويتكوف بسبب تصريحاته عن
...
-
اجتماع عربي إسلامي بالقاهرة بشأن غزة
-
رئيس الوزراء الكندي يدعو لإجراء انتخابات مبكرة في 28 أبريل
-
لماذا يشيب شعرنا؟
-
خان يونس تُشيّع أبناءها: جنازات تلو الأخرى وسط حرب مستعرة
-
ثلاثة أمور تتسبب في أغلب الخلافات مع شريك الحياة
-
كيف يتحدى الحوثيون الضربات الأمريكية؟
-
مراسل RT: غارات جوية تستهدف العاصمة اليمنية صنعاء
-
الجزائر تباشر أولى خطوات سن قانون تجريم الاستعمار
المزيد.....
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
المزيد.....
|