أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جيلاني الهمامي - أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحول (الجزء الثاني)















المزيد.....


أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحول (الجزء الثاني)


جيلاني الهمامي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8289 - 2025 / 3 / 22 - 02:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أمريكا وأوروبا:
ملامح علاقات جديدة في عالم متحول
(الجزء الثاني)

تابع العديد من قادة البلدان الأوروبية الانتخابات الأمريكية وهم يمنّون النّفس بصعود ممثّلة الحزب الديمقراطي خوفا من عودة ترامب إلى البيت الأبيض وما كان يردده في حملته الانتخابية وما سبق أن وضعه موضع تنفيذ من الإجراءات الحمائية. بينما كان الشعبويون واليمينيون المتطرفون من أمثال أوربان (Urban) المجر وميلوني (Meloni) إيطاليا وخيرط فيلدرز (Geert (Wilders زعيم حزب اليمين المتطرف (وتحالف اليمين) في هولندا وغيرهم يأملون صعود ترامب الذي يرون فيه دفعا لتوسع انتصارات "الأممية اليمينية المتطرفة" في العالم. وكان لهم ما انتظروه ولكن لا أحد منهم تقريبا توقّع أن يقطع ترامب في وقت قياسي كل هذه المسافة في الموقف من أوروبا وعلاقة أمريكا بها من الآن فصاعدا.
الردود الأوروبية: وحدة ظاهرة وانقسامات خفية
لقد أصاب الذهول العديد من قادة البلدان الأوروبية حيال ما أعلنه ترامب تباعا في إطلالاته الإعلامية إبان دخوله البيت الأبيض، فيما ظل البعض الآخر مترددا في انتظار أن تتوضح الصورة أكثر. ولم ينتظروا كثيرا حتى يتبيّنوا أنّ الولايات المتحدة الأمريكية ذاهبة باتجاه فكّ الارتباط والانصراف عن أوروبا إلى فضاءات جيو-استراتيجية تكتسي أهمية أكبر في أجندة الامبريالية الأمريكية.
وكان لتصريحات وزير الدفاع بيت هيجسيث في مؤتمر صحفي في بروكسيل بأنّ "الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد الضامن الأساسي للأمن الأوروبي" مفعول الصدمة في كل العواصم الأوروبية التي أيقنت أنه ولأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية يطرح على أوروبا بتمام الصراحة والوضوح أن تتحمل مسؤولية أمنها بنفسها. وحيال ذلك تحرك المسؤولون الأوروبيون في اتجاهات متعددة للرد على هذه "المفاجأة غير السارة"، معبّرين عن حجم الشكوك والمخاوف التي كانت في الحقيقة تراودهم منذ سنة 2014 وتحوّلت اليوم إلى واقع. وللتذكير فإنه في سياق تلك المخاوف صادق الاتحاد الأوروبي سنة 2016 على “الاستراتيجية الأوروبية الشاملة” لتطوير الجاهزية العسكرية الأوروبية وانبثقت عنها "خطة العمل الأوروبية في مجال الدفاع" التي اعتمدتها المفوضية الأوروبية وهي "تتضمن صندوقا دفاعيا أوروبيا وخطوات أخرى لمساعدة الدول الأعضاء على تعزيز البحث والإنفاق بفاعلية أكبر على القدرات الدفاعية المشتركة، وتاليا تحفيز قاعدة صناعية دفاعية تنافسية ومبتكرة والمساهمة في تعزيز أمن المواطنين الأوروبيين". وفي نفس السياق جاءت "مبادرة الدفاع الأوروبية" التي ضمت عشرة بلدان أوروبية "تتمتع بقدرات عسكرية وإرادة سياسية لأداء دورها على الساحة الدولية، وهي ألمانيا وبلجيكا والدانمرك وإسبانيا وإستونيا وفنلندا وفرنسا وهولندا والبرتغال والمملكة المتحدة، وذلك بغية تعزيز قدرة الأوروبيّين على تنفيذ عمليات ومهام عسكرية في إطار متعدد الأطراف (الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي ومنظمة الأمم المتحدة) أو متخصص لهذا الغرض، على صعيد جميع الأزمات التي قد تضرّ بأمن القارة الأوروبية". وما هذه الخطوات غير جزء قليل من خطوات قطعتها أوروبا خلال العشر السنوات الماضية مدفوعة بهواجس تأمين المستقبل وضمان القدرة على الدفاع الذاتي وتحقيق الأمن من جهة ومدفوعة بمطامح توسّعية في الجوار وعلى نطاق عالمي من جهة أخرى.
غير أنّ كل هذا النسق المتسارع لم يبلغ درجة الحسم في تبعية أوروبا لأمريكا من الناحية العسكرية وتعويلها الكامل على "مظلة الدفاع الأطلسي" بل ظلت، أي أوروبا، طوال هذه المدة مترددة بين السعي إلى الاستقلال الأمني والدفاعي التام عن واشنطن وبين التسليم بقدر الاحتماء بها. لذلك وكردّ فعل على تصريحات ترامب ووزرائه لم يكن الموقف الأوروبي في عمقه موحدا. فما جاء في التصريحات الرسمية للمؤسسات الأوروبية (الاتحاد الأوروبي والمفوضية الخ...) كان يمثل الحد الأدنى المتفق عليه والذي تستوجبه مقتضيات الديبلوماسية وضرورات المصالح المشتركة، لكن الحسابات "الضيقة" لكل دولة تخفي حقائق أخرى. وتعود الخلافات التي لم تنكشف بشكل كامل في مواقف الدول الأوروبية من أمريكا/ترامب إلى أسباب كثيرة منها التقارب الأيديولوجي والاشتراك في جملة من "قيم" المشروع الشعبوي الفاشستي بالنسبة إلى البعض أو الحسابات النفعية المباشرة أو المطامح الخاصة لدى بعض الدول وخاصة الامبرياليات القديمة (فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا).
من المرجح نظريا أن يدفع الشعبويون في إيطاليا والمجر وسلوفاكيا وبولونيا إلى مزيد تمتين العلاقة مع الإدارة الأمريكية الحالية والسعي إلى نيل بعض المكاسب السياسية والاقتصادية بالنظر إلى التقارب الايديولوجي وتقاسم الكثير من القيم اليمينية المحافظة مع ترامب. هذه المجموعة يمكن أن تكون من عناصر الشد إلى الوراء وفرملة أيّ سعي نحو "قطع شعرة معاوية" مع أمريكا. على النقيض من ذلك تعمل فرنسا على استغلال هذه الفرصة التاريخية لدفع أوروبا نحو الاقتناع بضرورة بناء نموذجها الأوروبي الخاص في مجالات السياسة والاقتصاد والعلاقات التجارية، نموذجا يدشّن "عصرا أوروبيا جديدا" يضمن للقارة العجوز الاستقلال الاستراتيجي والأمن والرخاء الاقتصادي والنجاح التجاري ويبوّئها مكانة أكثر وزنا في السياسة الدولية. وتلقى فرنسا في هذا المضمار منافسة جدية من طرف بريطانيا. وتضع هاتان الامبرياليتان القديمتان قدراتهما العسكرية والنووية في الميزان لاقتلاع موقع الريادة في المرحلة الجديدة مرحلة "ما بعد أمريكا".
وما بين هؤلاء وأولئك تقف مجموعة أخرى من أعضاء الاتحاد الأوروبي موقف المساند على الملأ للقرارات الأمريكية وضمن هذه المجموعة بولونيا وبلدان البلطيق وكذلك بلدان إسكندينافيا التي سارعت بالإعلان عن تأييدها مطلب ترامب بالترفيع في نفقات التسلح إلى 5% من الناتج الإجمالي المحلي. فهذه المجموعة تعتبر أنّ الدور الأميركي حيوي ولا يمكن الاستغناء عنه أو استبداله في وجه التهديدات الروسية ولذلك لا ترى مانعا في الاستجابة إلى الشروط الأمريكية مهما كانت قساوتها.
إنّ هذه التباينات في مقاربات أعضاء الاتحاد الأوروبي لكيفية التعاطي مع الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لم يمنع لا محالة من أن تعبّر مؤسسات الاتحاد الأوروبي عن انتقادها – وبشدة أحيانا - لتصريحات ترامب ووزرائه (نائب الرئيس ووزير الدفاع ووزير "الدوج" DOGE إيلون ماسك الخ...). وقد أمكن في هذه المرحلة الحفاظ على وحدة الصف الأوروبي في جملة من القضايا والملفات، من ذلك الاتفاق على الاستمرار في دعم أوكرانيا والاستعداد للتكفل بما يترتب عن ذلك عسكريا. فقد قدّم الاتحاد الأوروبي مساعدات عسكرية واقتصادية بقيمة 138 مليار دولار وأعلنت بريطانيا إثر المشادة بين ترامب وزيلنسكي عن تقديم مساعدة عسكرية لأوكرانيا تتمثل في خمسة آلاف صاروخ دفاعي أرض – جو. وأصبح الحماس الذي يحدو الأوروبيين لمزيد التسلح سياسة رسمية للاتحاد الأوروبي ليس من موقع الاستجابة لطلب ترامب وإنما في إطار رغبة أوروبية خالصة لتطوير قدرات الاتحاد الدفاعية بعيدا عن المظلة الأمريكية. وفي هذا الإطار يعتزم خوض مسارات مستقلة في مجالات المعلومات الاستخبارية العسكرية والمراقبة الفضائية وتنويع التنسيق والتعاون في مجال الصناعات العسكرية مع قوى من خارج الناتو. وقد تقرر أيضا العودة إلى العمل بالتجنيد الإجباري في عموم الاتحاد والزيادة في حجم الجيوش في كل من فرنسا وبريطانيا وبولونيا وألمانيا.
وإلى ذلك حصل الاتفاق على تخصيص نحو 800 مليار يورو لتعزيز الدفاعات الأوروبية وتمويل مبادرة درع السماء الأوروبية الذي اقترحت ألمانيا وانضمت إليه زهاء 20 دولة التي تتطلب تطوير أنظمة الدفاع الجوي متعدد المديات (الطويلة والمتوسطة القصيرة). وقد اقترح الرئيس الفرنسي ماكرون بغاية استباق احتمال تفكك حلف الناتو وردا على قرار إقامة "القبة الحديدية الأمريكية" التي أعلن عنها ترامب وتحسبا لانسحاب 100 ألف جندي أمريكي من أوروبا، إقامة درع نووي لكامل أوروبا اعتمادا على المظلة النووية الفرنسية وقد لاقى هذا الاقتراح ترحيب بعض الدول مثل بريطانيا وألمانيا (المستشار الجديد).
بصرف النظر عن هذه التفاصيل وغيرها كثير فإنّ الثابت هو أنّ تحولات عميقة بصدد الحدوث على التكتل الامبريالي الغربي الذي صمد لحوالي ثمانية عقود. وبقدر ما يبدو ترامب الذي بات يمثل الاحتكارات العظمى في العالم في مجال التكنولوجيا الحديثة مصمما على إعادة هندسة مشهد العلاقات بين القوى الكبرى مازال من غير الواضح إلام سيتجه القرار الأوروبي. ما يعني مسار التحولات سيحتاج لبعض الوقت لتتشكل معالم المشهد الجديد ونوعية الصراع الذي سينظم علاقات مكوناته الأساسية، الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا ولكن أيضا الاتحاد الأوروبي ربما في حلة جديدة.



#جيلاني_الهمامي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل - الجزء ال ...
- ألمانيا تربط مع تاريخها النازي
- أزمة ... فهدنة وتبقى دار لقمان على حالها
- يا عمال العالم، اتحدوا شاخ البيان ولكنه ما زال راهنا وحيويا
- فشل سياسة -التهميش الاجتماعي- وعودة الحركة الاضرابية
- الخلافات الرئيسية داخل اليسار هي حول قيس سعيد
- إعادة كتابة الجغرافيا
- المتلازمة التونسية Le syndrome tunisien
- حكومة ترامب الجديدة حكومة أغنى أغنياء أمريكا
- في ذكرى تأسيس الاتحاد: مرّة أخرى في الأزمة النقابية وشروط تج ...
- الأزمة الراهنة للرأسمالية العالمية: صعود قوى اليمين المتطرّف ...
- الأزمة الراهنة للرأسمالية العالمية: صعود قوى اليمين المتطرّف ...
- ترامب على خطى أسلافه: جنون العظمة ونزعات الغطرسة والتوسّع وت ...
- الأزمة الراهنة للرأسمالية العالمية: صعود قوى اليمين المتطرف ...
- أزمة الاتحاد: المخاطر واضحة والطريق إلى الحلّ أوضح
- مرة أخرى حول الموقف من تطورات الوضع في سوريا
- حول التقرير السنوي للرابطة التونسية لحقوق الانسان
- منعرج جديد وخطير في حياة الاتحاد
- سقوط نظام الأسد في سوريا: في ميزان الربح والخسارة
- 3 ديسمبر : تاريخ خالد وأزمة خانقة


المزيد.....




- إسرائيل: قرار بتوسيع مستوطنات الضفة الغربية وتسهيل الهجرة -ا ...
- -يبلها ويشرب ميتها-.. هجوم مصري على ويتكوف بسبب تصريحاته عن ...
- اجتماع عربي إسلامي بالقاهرة بشأن غزة
- رئيس الوزراء الكندي يدعو لإجراء انتخابات مبكرة في 28 أبريل
- لماذا يشيب شعرنا؟
- خان يونس تُشيّع أبناءها: جنازات تلو الأخرى وسط حرب مستعرة
- ثلاثة أمور تتسبب في أغلب الخلافات مع شريك الحياة
- كيف يتحدى الحوثيون الضربات الأمريكية؟
- مراسل RT: غارات جوية تستهدف العاصمة اليمنية صنعاء
- الجزائر تباشر أولى خطوات سن قانون تجريم الاستعمار


المزيد.....

- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جيلاني الهمامي - أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحول (الجزء الثاني)