|
نيتشة.. الانسان السوبرمان
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 8282 - 2025 / 3 / 15 - 16:47
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أوصى شقيقته، قبل أن يموت، ويصبح جثة هامدة، بأن لا يقفوا على جنازته (ممن كانوا خصومه، بل اشد اعداءه، وهم رجال الكنيسة)، وأن لا يقرأون عليه ما اسماه بـ "الترهات". وقال: إنّه ساعتها لم يستطع الرد عليهم. وبعد أن أصيب بالمرض الذي شلَّ حركته، وفقد على اثرها لبه تماما، بحيث ظل على فراش الموت فترة ليست بالقصيرة، حتى لفض انفاسه الاخيرة، ونام نومته الابدية. وكان من الاخلاق بمكان أن تنفذ شقيقته الوصية التي القاها على عاتقها، لكن بكل اسف، لم يحصل ذلك، وحضر جنازته خصومه، وقرأوا على الجنازة ما كان قد حذر منه، مثلما توقع. وتوفي في وايمر في 25 آب/ أغسطس عام 1900. وما يزال السبب وراء جنون فردريك نيتشة غير معروف، على الرغم من أن من الكتاب قد عزوه لأسبابٍ مختلفة كالسفلس ومرض عقلي موروث و ورم والإفراط في تناول العقاقير المهدئة. لكن لم نعرف - على وجه الدقة واليقين - السبب الحقيقي وراء ذلك. فلسفة نيتشة أثارت الجدل خصوصًا بالنسبة للأديان؛ حيث طرح القوة أو "إرادة القوة" على حساب إرادة الإله والأديان والأخلاق والقيم، القوة في مختلف جوانبها سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو جسدية أو سياسية، ولكنه ركز بالأساس على القوة التي يرتكز عليها الإنسان لكي يؤسس القيم التي يتبعها في حياته. القوة لدى الإنسان يجب إن تظهر في الإبداع والاستقلال والتحكم في النفس ومغالبة الظروف وقهر الصعاب كي یبقى الإنسان سید نفسه لا تتحكم به التأثيرات الخارجية. نيتشة هو فيلسوف وشاعر وكاتب وناقد ثقافي فلسفي، يعتبر من أبرز فلاسفة الغرب، والذي كانت لأفكاره وكتاباته الأثر العميق في الفكر الحديث. وعلاوة على الفلسفة وحبه العميق لها، إلا أنه كان يعشق الموسيقى، وتولعه بموسيقى فاغنر، حتى صار صديقه، ثم بالأخير وقعت الخصومة بينهما. وعاش نيتشة في عصر تشارلز دارون- نهاية القرن التاسع عشر- صاحب نظرية التطور في كتابه "أصل الأنواع" حيث أثبت أن الإنسان ما هو إلا حيوان تطور من أجل البقاء حتى وجد نفسه واعيا عاقلا. تلك النظرية التي لا تزال الى يومنها هذا محل جدال. وكانت الجرأة التي يمتلكها نيتشة لم يمتلكها غيره، حتى أنه اعلن عن موت الاله، ويقصد اضمحلال القيم الحقيقية والاخلاق النبيلة، أو أنه قصد به - وهو ما نرجحه - موت اله رجل الكنيسة، اولئك الذين كانوا متنفذين وبيدهم زمان كل شيء، وكانوا كذلك يتحكمون بمصير الناس وبمستقبلهم، ويحصلون على الاتاوات بدون حق، فعدهم نيتشة أنهم لا يمتلكون اخلاقا صحيحة، لأنه الههم الذي يفترض أن يوجههم ويعطيهم الاوامر الصحيحة غير المزيفة قد مات. وبالمقابل طالب نيتشة بانبثاق الانسان الاعلى، ولا يتحقق ذلك الإنسان الا هو بتخلصه من الأفكار الدينية القديمة، فلا يوجد إله حينذاك، بل يصبح الإنسان الأعلى هو الإله وهو ممثل القيم العُليا، التي القيم التي ترتقي به نحو السمو. أراد نيتشة للإنسان أن يعتمد على نفسه، ومن هنا أتت دعوته صريحة لتحطيم الأخلاق المسيحية التي أطلق عليها "أخلاق العبيد". في المقابل كان يدعو ﻟ «أخلاق السادة» المعتمدة على مبدأ القوة، والمستمدة من الحضارة الرومانية. فنيتشة هو أحد رواد الفلسفة الوجودية وما بعد الحداثة، معظم أعماله عن الإنسان الحديث، في عالم غاب فيه الإله، اختلف في تفسير أعماله النقاد. ويرى احد الكتاب "إنّ هنالك كثيراً من الالتباس وسوء الفهم يحيط بأعمال هذا الفيلسوف، الذي تورط بمواقف وأفكار تمثل خلاصة فكر النخبة الأوروبية الأرستقراطية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي تعكس نزعاتها الموغلة بالترفع والاستعلاء والتمييز العنصري والجندري والديني. فهو كان شديد العداء لما يمكن أن نسميه اليوم الديمقراطية الليبرالية، بل وأي نظام يساوي بين فئات المجتمع بوصفه خطراً داهماً على الثقافة الرفيعة فيه، واعتبر دائماً أن أفكار التنوير التي تفشت في الفكر الأوروبي بداية من أعمال الفرنسي جان جاك روسو لم تتسبب فحسب في قيام الثورة الفرنسية - التي أقصت الأرستقراطية الرفيعة لمصلحة البرجوازيين محدثي النعمة، بل وأطلقت سموم الأفكار إنسانية الطابع في الفضاء الأوروبي، وهي الأفكار التي كان يراها تليق بمجتمعات العبيد المهادنة". الانسان الذي اراده هو الانسان السوبرمان. ولد فريدريك نيتشة في ١٥ أكتوبر ١٨٤٤م ببلدة "روكن" الألمانية، لوالدة "بولونية" الأصل، وكان والده قسيسًا بإحدى الكنائس البروتستانتية، وكان أيضًا مربيًا للعديد من أبناء الأسرة المالكة في "بروسيا". وقد سماه "فريدريك" لأنه وُلد في نفس يوم ميلاد ملك بروسيا "فريدريك الكبير". وقد توفى والده حين كان عمر فريدريك اربع أعوام. تخرجه عام 1864، والتحق بجامعة بون لفصلين. ثم انتقل إلى جامعة ليبزينغ، حيث درس علم فقه اللغة، ومجموعة من الآداب، واللسانيات والتاريخ. كان طالبا نابغة عين مدرسا للأدب اليوناني القديم في جامعة بازيل في ألمانيا، وهو في سن الرابعة والعشرين ورث منذ طفولته مرضا مزمنا جعله يتعاطى الكورال كمخدر لتخفيف آلامه. ركزت كتاباته على النفعية والمادية والمثالية والرومانسية الألمانية والحداثة وغيرها. ومن الامور التي آلت الى نيتشة، واثرت تأثيرا مباشرا على نفسيته، هي أنه استقالته من منصبه في جامعة باسيل عام 1879. وفي معظم أوقات ثمانينيات القرن التاسع عشر، عاش عزلة، وانتقل من سويسرا إلى فرنسا ومن ثم إيطاليا، وهكذا. عندما أكمل نيتشة سن الثالثة والعشرين التحق بالجيش، بالرغم من أنه كان يعاني من قصر في نظره، وحساسية عالية بالعينين حتى أنه لم يكن يستطع أن ينظر تحت اشعة الشمس أكثر من ساعة ونصف في اليوم، وأعجب نيتشة بالضبط والربط، والطاعة، وتحمل المهام الشاقة، ولكن بعد خمسة أشهر سقط من على جواده فأصيب في صدره وجنبه الأيسر، وتم تسريحه والاستغناء عنه، وأمضى الفترة من 1869-1879م أستاذًا مساعدًا. للفيلولوجيا بجامعة باذل، وفي سنة 1870م عندما نشبت الحرب بين بلاده الألمانية وفرنسا، عاد وتقدم للجيش مرة اخرى، ولكن بسبب اعتلال صحته وضعف بصره لم يقوَ على المشاركة في القتال، فعمل في صف التمريض في فرانكفورت تحديدا سنة 1780م، وعندما رأى كوكبة من الفرسان اهتز وجدانه، ولمعت في ذهنه فكرة "السوبرمان" فصارت أبرز فكرة في فلسفته التي تسعى للقوة، فراح ينظر لها في معظم كتاباته، وخصوص في كتابه "ارادة القوة". نعم أن الصدفة تلعب دورا، هذا ما حصل بالفعل لنيتشة، فعن طريق الصدفة وقع بيد نيتشة كتاب "العالم ارادة وتمثلا" للفيلسوف ارثر شوبنهاور، فراح يعتكف على قراءة هذا الكتاب بشغل، حتى شعر بمتعة، كأنه وجد فيه ضالته، فغدى يواصل القراءة في الكتاب، حتى اعادها اكثر من مرة، وقال فيه مقولته الشهيرة، بأن هذا الكتاب هو انجيله، حتى ملك عليه فؤاده، ولم يستطع أن ينفك عن هذا الكتاب الا بعد عشرون عاما كما صرح هو بنفسه، حيث ظهر تأثيره الواضح بفلسفة شوبنهاور، فكتب فيه كتابا هو "شوبنهاور مربيا" تعرض فيه الى عظمة شوبنهاور من وجهة نظره. وكان تأثير شوبنهاور واضحا على نيتشة حتى أن نظرته للمرأة كان هي نفسها تلك النظرة التي تبناها شوبنهاور، حيث كان شوبنهاور مات ولم يرتبط بأي امرأة، ففعل نيتشة هو كذلك. وقد كتب في كتابه "هكذا تكلم زرادشت" يقول: "إذا ذهبت إلى امرأة فلا تنسى أن تأخذ معك سوطك" بل قد صرح بأكثر من ذلك في نفس كتابه هذا بأن المرأة خلقت لمتعة الرجل، هي هذه رسالتها وغير هذه لا تصلح لشيء، وهذه نظرة عنصرية غير صحيحة، بل أن المرأة هي الشريك الحقيقي للرجل، والرجل لا يمكن أن يستغني عنها، فالمرأة هي ليست جنس وفراش وتربية اطفال، وعامل خدمة في بيت الرجل، وأن كان هذا العمل لا يقلل من منزلتها الاجتماعية. وفي مقال نشر لنا تحت عنوان "نيتشة يفتي بجهاد النكاح" ذكرنا فيه أن نيتشة قال في قصيدة "الساحرة" في ديوانه الشعري: "الحقيقة انها امرأة، ولا شيء أفضل. في حياتها ماكرة، ما تحبه أفضل-لا تريد معرفته-بأصابعها تخفيه-الى ماذا تخضع؟ فقط للقوة-اعتمدوا القوة، كونوا أشداء، أنتم يا أكثر الناس حكمة، وجب عليكم إرغامها - الحقيقة المحتشمة- لسعادتها لا بد من إرغامها- إنها امرأة - لا شيء أفضل...". المصادر 1- برتراند راسل، تاريخ الفلسفة الغربية، ثلاثة اجزاء، ط، الهيئة المصرية، تاريخ الطبع 2010، ترجمة زكي نجيب محمود، ومراجعة أحمد أمين. 2- برتراند رسل، حكمة الغرب جزأين، طبعة الكويت ترجمة فؤاد زكريا، سنة الطبع 2009، سلسلة عالم المعرفة بالرقم (364). 3 - قصة الفلسفة الحديثة- زكي نجيب محمود، القاهرة سنة الطبع 1963. 4- الفجر- فردريك نيتشة، ترجمة محمد الناجي، افريقيا الشرق. 2013، الدار البيضاء. 5- يوسف كرم تاريخ الفلسفة الحديثة، دار القلم – بيروت بدون ذكر تاريخ الطبع. 6- وول ديورانت، قصة الفلسفة منشورات المكتبة الفلسفية، العراق – بغداد، ترجمة فتح الله محمد المشعشع، الطبعة الأولى لسنة 2017. 7- فردريك نيتشة، هكذا تكلم زرادشت، ترجمة فليكس فارس، مراجعة عيسى الحسن، دار الاهلية سنة الطبع 2009. 8- فردريك نيتشة، إرادة القوة، ترجمة وتقديم محمد الناجي، منشورات أفريقيا الشرق، لسنة 2011. 9- مختصر تاريخ الفلسفة، نايجل واربرتون، ترجمة محمد مفضل، تقديم علي حسين، دار الكتب العلمية بغداد، الطبعة الأولى لسنة 2019. 10- تاريخ الفلسفة، من قبل سقراط إلى ما بعد الحداثة، إبراهيم الزيني، منشورات كنوز، الطبعة الرابعة، القاهرة بدون ذكر سنة الطبع.
#داود_السلمان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القلق الإنصياعي في نص(زيف حلم) ل جابر السوداني
-
عدنان الفضلي الشاعر الذي أغوته الساعات
-
المنحى الصوفي في قصيدة (خمرةُ اليقين) للشاعر كريم القيسي
-
ذاتية المعنى.. قراءة في مجموعة (أأقيم على حافة هاوية) للشاعر
...
-
زمكانية النص الشعري.. قراءة في (منذُ زمنِ الانتظار) لـ عبد ا
...
-
الشعر بوصفه لعبة الابداع قراءة في نص (كَسَاحِرٍ يُرَوِّضُ عَ
...
-
الخيال في (أحزانٌ بلا مراكب) للشاعر حسين السياب
-
تعويذة الشجن في نص (وداعا) للشاعرة ميسون المتولي
-
اغتصاب الجدال
-
انتصار الفكر الحُرّ على التاريخ في سردية (القبر الأبيض المتو
...
-
سياحة قصيرة في (كفُّ تلوَّح لكلماتٍ في الدّخان) لأمير الحلاج
-
حكايات من بحر السراب
-
لها.. وهيَّ على فراش الغياب
-
أدب الرسائل ‘الى (.....) الرسالة الثالثة والأخيرة 17 تموز
-
وحيد شلال شاعر الجمال والحماسة والوطنية
-
في نصّها (منافي الرماد) عطاياالله ترسم جدارية للبوح
-
لها فحسب
-
المتعة أو الزواج المنقطع
-
اللاهوتيون وعلي والوردي
-
العمامة والغناء
المزيد.....
-
حفلة تتحول لكارثة.. كاميرا ترصد لحظة انهيار شرفة تحمل أشخاصً
...
-
سلطات كورسك تشرع بالعمل على تطوير استراتيجية لإعاد إعمار الأ
...
-
ترامب يكشف أسباب شن الجيش الأمريكي عملية عسكرية -حاسمة- ضد ا
...
-
نكهةٌ بين الحموضة والحلاوة، ما سرّ وصفة طاجين اللحم بالبرقوق
...
-
وفد درزي سوري يزور مقام النبي شعيب في إسرائيل
-
-في رسالة تحد وصمود-.. أهالي مخيم النصيرات ينظمون إفطارا جما
...
-
تظاهرة احتجاجية في برلين ضد زيادة الإنفاق الدفاعي
-
مستشفيات نيوجيرسي الأمريكية تطلب من الأهل تقرير جنس المولود
...
-
جنوب إفريقيا ترد على قرار الولايات المتحدة بطرد سفيرها من وا
...
-
تونس.. وزارة الفلاحة تصدر بيانا بشأن دخول الجراد الصحراوي إل
...
المزيد.....
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|