|
الْعِلْم وَالْأَخْلَاق : تَجَاوُزَات الْأَيْدُيُولُوجِيَّا
حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8282 - 2025 / 3 / 15 - 15:51
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
_ مَدْخَل نَظَرِيّ : تَعْرِيفِ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق و الْأَيْدُيُولُوجِيَّا
الْأَيْدُيُولُوجِيَّا (ideology) عِبَارَةٌ عَنْ مَنْظُومَة مِنْ الْأَفْكَارِ وَ الْمُعْتَقَدَات الَّتِي تَسْعَى إِلَى تَفْسِيرٍ الْوَاقِع وَالْحَيَاةُ مِنْ مَنْظُورٍ مُحَدَّد، وَغَالِبًا مَا تَكُونُ مُرْتَبِطَة بِمَصَالِح جَمَاعَات إجْتِمَاعِيَّة مُعَيَّنَة. وَتَخْتَلِف الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا وَالْعِلْمِ وَالْأَخْلَاقِ بِإخْتِلَاف الرُّؤَى الْفَلْسَفِيَّة وَالنَّظَرِيَّات الْمُخْتَلِفَة. مِنْ وَجْهَّة نَظَرِ الْمَارْكِسِيَّةِ، تَرَى الْأَيْدُيُولُوجِيَّا الْبُرْجُوَازِيَّة أَنَّ الْعِلْمَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ خَادِمًا لِمَصَالِحِهَا وَأَهْدَافَهَا السِّيَاسِيَّةِ وَالإجْتِمَاعِيَّةِ. فَالْعُلَمَاء وَالْبَاحِثُون يَعْمَلُونَ فِي إِطَارِ هَذِه الْأَيْدُيُولُوجِيَّا وَ يُؤْظَّفُون لِخِدْمَةِ أَجْنَدَتُهَا، مِمَّا يُؤَثِّرُ عَلَى مَوْضُوعِيَّة الْعِلْم وَ حِيادَّيَتُه. أَمَّا مِنْ مَنْظُور الْفِكْرِ الْإِسْلَامِيِّ، فَالْعِلْمُ فِي الْأَصْلِ يَسْعَى إلَى إكْتِشَافِ الْحَقَائِقِ الْكَوْنِيَّةِ وَالطَّبِيعِيَّة، وَهُوَ إذْنُ وَسِيلَة لِفَهْم الْخَلْقِ الْإِلَهِيِّ. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا الْإِسْلَامِيَّة تَنْظُرَ إلَى الْعِلْمِ بِإعْتِبَارِه أَدَّاة لِخِدْمَة هَذَا الْهَدَفِ الأسْمَّى، دُونَ أَنْ تَتَعَارَضَ مَعَ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ وَالرُّوحِيَّة. مِنْ مَنْظُورٍ الْمَارْكِسِيَّة، تُعْتَبَر الْأَخْلَاق جُزْءًا مِنْ الْبِنَاءِ الْأَيْدُيُولُوجِيّ لِلطَّبَقَةِ الْحَاكِمَة، وَهِيَ بِالتَّالِي وَسِيلَة لِتَبْرِير هَيْمَنَة هَذِهِ الطَّبَقَةِ وَحِمَايَة مَصَالِحِهَا. وَيَرَى مَارْكِسُ أَنْ الْأَخْلَاق الْبُرْجُوَازِيَّة هِي أَخْلَاق زَائِفَة تَحْجُب الصِّرَاعُ الطَّبَقِيُّ وَ الِإسْتِغْلَال. فِي الْمُقَابِلِ، تَنْظُر الْأَيْدُيُولُوجِيَّات الدِّينِيَّةِ إِلَى الْأَخْلَاقِ بِإعْتِبَارِهَا مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْقِيَمِ وَالْمَبَادِئِ الْمُطْلَقَةِ الَّتِي تَأْتِي مِنْ مَصْدَرِ إِلَهِي. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَيْدُيُولُوجِيَّات تَسْعَى إِلَى تَأْسِيسِ نِظَام أَخْلَاقِيّ كَوْنِي يَحْكَم سُلُوك الْأَفْرَادِ وَ الْجَمَاعَاتِ. عَلَى الرَّغْمِ مِنْ هَذِهِ الِإخْتِلَافَاتِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا وَالْعِلْمِ وَالْأَخْلَاقِ مِنْ خِلَالِ إعْتِمَاد مَنْهَجٍ عِلْمِيٍّ مَوْضُوعَيْ يَلْتَزِمْ بِالْقِيَم الْأَخْلَاقِيَّة. فَالْعِلْمُ لَيْسَ خَالِيًا مِنْ الْقَيِّمِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَّسِقًا مَع مَبَادِئَ أَخْلَاقِيَّةٍ رَاسِخَة تَحَكُّم مُمَارَسَتِه وَتَوَجُّهُه نَحْو خِدْمَةِ الْبَشَرِيَّةِ. كَمَا أَنَّ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا نَفْسِهَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مُوَجَّهَةً بِالْقِيَم الْأَخْلَاقِيَّة، بِحَيْث تَسْعَى إِلَى تَحْقِيقِ الْعَدَالَةِ وَالْمُسَاوَاةِ وَالرِّفَاه لِلْجَمِيعِ، دُونَ تَمْيِيزٍ أَوْ إسْتِغْلَالٍ. وَفِي هَذَا الْإِطَارِ، يُمْكِن لِلْأَيْدِيولُوجْيَا إنْ تَكُونَ دَاعِمَة لِلْعِلْم وَتُوَّظِفُهُ فِي سَبِيلِ تَحْقِيق أَهْدَافَهَا الْإِنْسَانِيَّة. فِي النِّهَايَةِ، فَإِنْ التَّوَازُنِ وَالتَّكَامُلِ بَيْن الْأَيْدُيُولُوجِيَّا وَالْعِلْمِ وَالْأَخْلَاقِ هُوَ الأَسَاسَ لِتَحْقِيق تَنْمِيَة شَامِلَة وَمُسْتَدَامَة لِلْمُجْتَمَعَات. وَهَذَا يَتَطَلَّب جُهُودًا مُسْتَمِرَّةٌ مِنْ قِبَلِ الْمُفَكِّرِين وَالْبَاحِثِين وَالمُؤَسَّسَات التَّرْبَوِيَّة وَالثَّقَافِيَّة لِإرْساء هَذَا التَّوَازُنِ.
_ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق و الْأَيْدُيُولُوجِيَّا : مُحْدِدات مَفَاهِيمِيَّة
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق وَالْإِيدَيُولُوجْيَا هِيَ مَفَاهِيمَ أَسَاسِيَّةٍ فِي الْعُلُومِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالِإجْتِمَاعِيَّة، وَلِكُلٍّ مِنْهَا تَعْرِيفَات وَخَصَائِص مُتَمَيِّزَة. نَسْتَعرض هَذِهِ الْمَفَاهِيمِ بِشَكْل مَفَصَل. الْعِلْمُ هُوَ نِظَامٌ مُنَظَّم مِنْ الْمَعْرِفَةِ يَنْشَأُ مِنْ الْمُلَاحَظَةِ وَالتَّجْرِبَةِ وَالْقِيَاس وَ الِإسْتِقْرَاء وَالِإسْتِنْتَاج. هَدَف الْعِلْمِ هُوَ الْوُصُولُ إلَى مَعْرِفَةِ مَوْضُوعِيَّة عَنْ الْوَاقِعِ الْخَارِجِيّ وَإسْتِكْشَاف قَوَانِينِ الطَّبِيعَةِ وَتَفْسِيرُهَا. وَيَتَمَيَّز الْعِلْم بِالمَوْضُوعِيَّة وَالْحَيَاديَّة وَالتّرَاكُمِيَّة وَ يَخْضَعُ لِمَنْهَجِيَّة بَحْثَيَّة مُحَدَّدَة. أَمَّا الْأَخْلَاق فَهِي مَجْمُوعَةُ الْمَبَادِئِ وَالْقِيَمِ وَالْمُثُلِ الْعُلْيَا الَّتِي تُحَدِّدُ السُّلُوكِ الصَّحِيحِ وَ الْخَاطِئ وَالْحَسَنُ وَالْقَبِيحُ فِي الْمُجْتَمَعِ. وَتَسْتَنِد الْأَخْلَاقِ إِلَى الْفِطْرَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالدَّيْن وَالْعُرْف وَالْقَانُون. تَهْدِف الْأَخْلَاقِ إِلَى ضَبْطِ السُّلُوكِ الْإِنْسَانِيِّ وَتَنْظِيم الْعَلَاقَاتِ الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَ تَحْقِيق الْخَيْرِ وَالْفَضِيلَةِ. فِيمَا يَخُصُّ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا، تُعْرَف الْأَيْدُيُولُوجِيَّا بِأَنَّهَا "النَّسَق الْكُلِّيّ لِلْأَفْكَار وَالْمُعْتَقَدَات وَ الِإتِّجَاهَات الْعَامَّة الْكَامِنَةِ فِي أَنْمَاط السُّلُوك". وَهِي نِظَام فِكْرِي وَعَاطفي شَامِلٌ يُعَبِّرُ عَنْ مَوَاقِفِ الْأَفْرَادِ وَالْجَمَاعَاتِ تُجَاه الْمُجْتَمَع وَالسِّيَاسَة وَالدَّيْن وَالِإقْتِصَاد وَغَيْرِهَا. تَتَمَيَّز الْأَيْدُيُولُوجِيَّا بِالتَّحِيَّز وَالِإنْحِيَاز وَتَمِيلُ إلَى تَبْرِير الْوَاقِع الْقَائِمِ أَوْ تَغْيِيرِهِ. وَيُمْكِنُ تَلْخِيصُ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَفَاهِيمِ الثَّلَاثَةِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي: الْعِلْمِ هُوَ الْمَعْرِفَةُ الْمَوْضُوعِيَّة عَنْ الْعَالِمِ الْخَارِجِيّ، بَيْنَمَا الْأَخْلَاق هِي الْمَعَايِير وَالْقِيَمِ الَّتِي تُنَظِّمُ السُّلُوكِ الْإِنْسَانِيِّ. وَ الْإِيدَيُولُوجْيَا هِيَ النِّظَام الْفِكْرِيّ وَ العَاطِفِيّ الَّذِي يُشْكِلُ رُؤْيَة الْأَفْرَادِ وَالْجَمَاعَاتِ لِلْمُجْتَمَع وَ الْعَالِم. يَخْتَلِفُ الْعِلْمُ عَنْ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا فِي أَنَّ الْعِلْمَ يَسْعَى إلَى الْمَوْضُوعِيَّة وَ الْحَيَاد، بَيْنَمَا الْأَيْدُيُولُوجِيَّا تَنْطَوِي عَلَى قَدْرِ مَنْ التَّحَيُّز وَ الِإنْحِيَاز، وَتَخْتَلِف الْأَخْلَاقِ عَنْ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا، فِي أَنَّ الْأَخْلَاقَ تَسْتَنِدُ إلَى الْفِطْرَة وَالدَّيْن وَالْعُرْف، بَيْنَمَا الْأَيْدُيُولُوجِيَّا تَنْبُعُ مِنْ أَهْدَافِ وَغَايَات سِياسِيَّةٌ وَإجْتِماعِيَّةٌ مُحَدَّدَة. وَ رَغْم التَّمْيِيزِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَفَاهِيمِ، إلَّا أَنَّهَا مُتَدَاخِلَة وَ مُتَشَابِكَة إلَى دَرَجَةِ كَبِيرَة. فَالْإِيدَيُولُوجْيَا غَالِبًا مَا تَسْتَنِدُ إلَى أُسِّس أَخْلَاقِيَّة لِتَبْرِير أَفْكَارُهَا وَمُمَارَسَاتِهَا، كَمَا أَنَّ الْأَخْلَاقَ قَدْ تَتَأَثَّر بِالْأَيْدُيُولُوجِيَّات السَّائِدَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ. وَفِي الْمُقَابِلِ، فَإِنْ الْعِلْم يَخْضَع لِتَأْثِير الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ وَالْأَطْر الْأَيْدُيُولُوجِيَّة. بِالِإخْتِصَار، فَإِنَّ الْعِلْمَ هُوَ نِظَامٌ مَعْرِفِيّ مَوْضُوعَيْ، وَالْأَخْلَاقُ هِيَ مَجْمُوعَةٌ الْقَيِّم وَالْمَعَايِير السُّلُوكِيَّة، وَالْإِيدَيُولُوجْيَا هِيَ النِّظَام الْفِكْرِيّ وَالعَاطِفِيّ الشَّامِلِ الَّذِي يُؤطَر رُؤْيَةُ الْأَفْرَادِ وَ الْجَمَاعَاتِ. وَتَتَدَاخَل هَذِهِ الْمَفَاهِيمِ الثَّلَاثَةِ بِشَكْل وَثِيق، إلَّا أَنْ لِكُلٍّ مِنْهَا خَصَائِصِه الْمُمَيِّزَة.
_ الْمَنْظُورُ الْأَيْدُيُولُوجِيَّ لِلْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق
تَنْظُرُ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا إلَى الْعِلْمِ بِطَرِيقَتَيْن مُتَبَايِنَتَيْن إلَى حَدِّ مَا، مِنْ نَاحِيَةِ، تَرَى الْأَيْدُيُولُوجِيَّات أَنَّ الْعِلْمَ هُوَ أَدَاةٌ أَسَاسِيَّة لِتَعْزِيز مَصَالِحِهَا وَتَبْرِير مَوَاقِفِهَا. فَالْعِلْمُ عِنْدَمَا يَقْتَرِنْ بِالْأَيْدُيُولُوجْيَا يَفْقِد حَيًّاده وَمَوْضُوعُيته وَيُصْبِحُ مُسَخَّرًا لِخِدْمَةِ أَهْدَاف وَمَصَالِح الْأَيْدُيُولُوجِيَّات الْمُخْتَلِفَة. وَيُمْكِن مُلَاحَظَةِ ذَلِكَ جَلِيَّا عِنْدَمَا يَقْتَرِنْ مُصْطَلَحَ "الْعِلْمِ" بِدِينِ مُعَيَّنٍ أَوْ بِالْعِلْمِانِيَّة، فَذَلِكَ يَكْشِفُ عَنْ وُجُودِ أَيْدُيُولُوجِيَّة مُعَيَّنَة تَحْكُّمُ الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ وَتَوَجُّهُه وَفَقَأ لِأَجْنَدْتُهَا. مِنْ نَاحِيَةِ أُخْرَى، تَرَى بَعْضَ الْأَيْدُيُولُوجِيَّات أَنَّ الْعِلْمَ هُوَ أَدَاةٌ لِتَفْسِير الْوَاقِع وَ الْوُصُولُ إلَى الْحَقِيقَةِ. فَالْإِيدَيُولُوجْيَا تَدَّعِي أَنَّهَا تَعْتَمِدُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ الْعِلْمِيَّة لِبِنَاء تَصَوُّرَاتِهَا عَنْ الْعَالِمِ وَالْإِنْسَان وَالْمُجْتَمَع. وَهُنَا تُحَاوِل الْأَيْدُيُولُوجِيَّا إِضْفَاء الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَوَاقِفِهَا مِنْ خِلَالِ إسْتِخْدَامِ اللُّغَة الْعِلْمِيَّة وَالْمِنْهَجِيَّة الْعِلْمِيَّةِ. أَمَّا عَنْ الْأَخْلَاقِ، تَتَشَابك عَلَاقَةُ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا بِالْأَخْلَاق بِشَكْل وَثِيق وَ تَتَمَيَّز بِالتَّعَقُّيد أَيْضًا. فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، تَسْعَى الْأَيْدُيُولُوجِيَّات إلَى تَبْرِير سَلُوكياتها وَمُمَارَسَاتِهَا بِشَكْلٍ أَخْلَاقِيّ. فَهِيَ تَدَّعِي أَنَّ لَدَيْهَا أُسُسًا أَخْلَاقِيَّة تَسْتَنِد إلَيْهَا وَ تَسْتَخْدَمُهَا لِإِضْفَاءِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَوَاقِفِهَا وَ أَفْعَالِهَا. وَهُنَا تَتَحَوَّل الْأَخْلَاقِ إِلَى أَدَّاة فِي خِدْمَةِ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا. فِي الْمُقَابِلِ، يَرَى البَعْضُ أَنَّ الْأَيْدُيُولُوجِيَّات الصَّارِمَة قَدْ تَكُونُ فِي تَعَارُضِ مَعَ الْأَخْلَاقِ، بِحَيْثُ تُضَحِّي الْأَخْلَاق بِالْمَصَالِح الْأَيْدُيُولُوجِيَّة. فَالْإِيدَيُولُوجْيَا تَسْعَى إِلَى السَّيْطَرَةِ وَالتَّحَكُّمِ فِي سُلُوكِ الْأَفْرَاد وَتَوْجِيهِهِمْ نَحْو أَهْدَافَهَا، وَهَذَا قَدْ يَتَعَارَضُ مَعَ الْمَبَادِئ الْأَخْلَاقِيَّة. هُنَاكَ مَنْ يَرَى أَنَّ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا وَ الأَخْلَاقُ هُمَا فِي عَلَاقَةِ تَكَامُلِيٍّة، بِحَيْثُ تُسْهِم الْأَيْدُيُولُوجِيَّا فِي تَشْكِيلِ الْمَنْظُومَة الْأَخْلَاقِيَّة لِلْمُجْتَمَع وَتَعْمَلُ عَلَى تَرْسِيخِهِا. فَالْإِيدَيُولُوجْيَا تَمَثَّلَ النَّسَق الْفِكْرِيّ وَالْمُعْتَقَدِي الَّذِي يُنَظَّمُ الْأُسُس الْأَخْلَاقِيَّة لِلْفِعْل الِإجْتِمَاعِيّ وَالسِّيَاسِيّ. بِشَكْلٍ عَامٍّ، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا وَالْعِلْمِ وَ الْأَخْلَاقِ هِيَ عَلَاقَةٌ مُتَشَابِكَة وَمُتَنَاقِضَة فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ. فَالْإِيدَيُولُوجْيَا تُحَاوِلُ أَنْ تَسْتَخْدَمَ الْعِلْم لِتَعْزِيز مَوَاقِفِهَا وَ تَبْرِير مُمَارَسَاتِهَا، كَمَا أَنَّهَا قَدْ تَتَعَارَضُ مَعَ الْأَخْلَاقِ فِي سَعْيِهَا لِتَحْقِيق أَهْدَافَهَا. وَ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ، هُنَاكَ مِنْ يَرَى أَنَّ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا هِيَ الَّتِي تُشَكِّلُ الْمَنْظُومَة الْأَخْلَاقِيَّة لِلْمُجْتَمَع. وَ بِالتَّالِي، فَإِنَّ فَهْمَ هَذِهِ الْعَلَاقَاتِ الْمُعَقَّدَة يَتَطَلَّب دِرَاسَة مُتَعَمِّقَة وَ نَقَدَ مَوْضُوعَيْ لِلْأَيْدِيولُوجِيَّات وَدَوْرُهَا فِي الْمُجْتَمَعِ.
_ تَأْثِيرِ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا عَلَى الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق
عَلَاقَة الْأَيْدُيُولُوجِيَّا بِالْعِلْم وَالْأَخْلَاقُ هِيَ عَلَاقَةٌ مُعَقَّدَة وَ مُتَشَابِكَة، حَيْثُ إنَّ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا تُؤَثِّر بِشَكْلٍ كَبِيرٍ عَلَى نَظْرَتُنَا لِلْعِلْم وَالْأَخْلَاق وَإتِّجَاهَاتِنَا نَحْوِهِمَا. مِنْ حَيْثُ الْعِلْمُ، فَإِنْ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا تَسْعَى إِلَى تَفْسِيرٍ الظَّوَاهِر وَ الْقَضَايَا الْمُخْتَلِفَة وَفَقَأ لِإِطْر فَكَرْيَّة وَقِيميَّة مُحَدَّدَة، بِمَا يَخْدُم الْمَصَالِح وَ الْإِهْدَاف السِّيَاسِيَّةِ وَالإجْتِمَاعِيَّةِ لِلْجَمَاعَات الَّتِي تَنْتَمِي إلَيْهَا. وَ بِالتَّالِي، قَدْ تُؤَثِّرُ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي يُنْظَرُ بِهَا الْأَفْرَادُ إلَى الْعِلْمِ، فَتَجْعَلُهُمْ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ مِنْ زَاوِيَةٍ مُحَدَّدَة تَتَنَاسَبُ مَعَ تَوَجُّهَاتِهِمْ الْأَيْدُيُولُوجِيَّة، وَ قَدْ تُؤَدَّي إِلَى تَحْرِيفِ أَوْ تَشْوِيهِ الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة لِتَتَنَاسَب مَعَ هَذِهِ التَّوَجُّهِات. وَفِي مَجَالِ الْأَخْلَاقِ، فَإِنْ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا تُؤَثِّر بِشَكْلٍ كَبِيرٍ عَلَى رُؤْيَتِنَا لِلْقَيِّم وَالْمَبَادِئ الْأَخْلَاقِيَّة، حَيْث تَسْعَى إِلَى تَأْطُير هَذِهِ الْقِيَمِ وَالْمَبَادِئِ وَفقَاً لِمَصَالِح وَأَهْدَاف جَمَاعِيَّة مُحَدَّدَة. وَ بِالتَّالِي، قَدْ تُؤَدِّي الْأَيْدُيُولُوجِيَّا إِلَى تَحْرِيفِ الْمَفَاهِيم الْأَخْلَاقِيَّة وَتَبْرِير السُّلُوكِيات اللَّاأخلَاقِيَّةِ بِمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ تَوَجُّهَاتِهَا السِّيَاسِيَّةِ وَالإجْتِمَاعِيَّةِ. وَ فِي هَذَا السِّيَاقِ، يَرَى الْبَعْضُ أَنَّ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا تَمَثَّل نَوْعًا مِنْ "الْوَعْيِ الْكَاذِبِ" الَّذِي يَحْجُبُ الْحَقِيقَة وَيُخْدَع النَّاس بِأَفْكَار وَ مُعْتَقَدُات زَائِفَة، بِمَا فِي ذَلِكَ فِي مَجَالِ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق. وَيَرَى آخَرُونَ أَنْ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا هِيَ نِتَاجُ لِظُرُوف إجْتِمَاعِيَّةٍ وَ إقْتِصَادِيَّةٍ مُعَيَّنَة، وَأَنَّهَا تَعْكِس مَصَالِح وَتَوَجَّهَات الْجَمَاعَاتُ السِّيَاسِيَّةِ وَ الإجْتِمَاعِيَّةِ المُهَيْمِنَة. وَ مَعَ ذَلِكَ، هُنَاكَ مِنْ يَرَى أَنَّ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا لَيْسَتْ بِالضَّرُورَة سَلْبِيَّة أَوْ كَاذِبَةٌ، بَلْ قَدْ تَكُونُ أَدَاةَ لِتَحْقِيق التَّغْيِير الِإجْتِمَاعِيّ وَالسِّيَاسِيّ الْإِيجَابِيّ، إذَا كَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى أُسُسٍ عَقْلَانِيَّة وَأَخْلَاقِيَّة سَلِيمَة. وَ فِي هَذَا السِّيَاقِ، يَرَى الْبَعْضُ أَنَّ هُنَاكَ نَوْعَيْنِ مِنْ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا: أَيْدُيُولُوجْيَا السُّلْطَةَ وَالنِّظَام الْقَائِم، وَأَيْديولُوجْيَا التَّغْيِيرُ وَ التَّحَرُّر. فِي النِّهَايَةِ، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا وَالْعِلْمِ وَالْأَخْلَاقِ هِيَ عَلَاقَةٌ مُعَقَّدَة وَذَات إبْعَاد مُتَعَدِّدَة. فَالْإِيدَيُولُوجْيَا قَدْ تُؤَثِّرُ عَلَى طَرِيقَةِ إنْتَاجِ الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة وَ تَوْجِيهُهَا، كَمَا قَدْ تُؤَثِّرُ عَلَى الْمَفَاهِيمِ وَالْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة السَّائِدَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ. وَلِذَلِكَ، مَنْ الْمُهِمُّ أَنْ نَكُونَ عَلَى وَعْيٍ بِهَذِهِ الْعَلَاقَةِ وَتَدَاعِيَاتُهَا، وَإِنْ نَسْعَى إِلَى تَطْوِيرِ مَنَاهِج عِلْمِيَّة وَ أَخْلَاقِيَّة قَائِمَةً عَلَى الْمَوْضُوعِيَّة وَالعَقْلَانِيَّة بَعِيدًا عَنْ التَّأْثِيرَات الْأَيْدُيُولُوجِيَّة الْمُخْتَلِفَةِ. أَنَّ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا هِي نَسَق كُلِي مِنْ الْأَفْكَارِ وَالْمُعْتَقَدَات وَالِإتِّجَاهَات الْعَامَّةِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الأَنْمَاط السُّلُوكِيَّة لِلْأَفْرَاد وَالْجَمَاعَاتِ فِي الْمُجْتَمَعِ. تَلْعَب الْأَيْدُيُولُوجِيَّا دَوْرًا مُهِمًّا فِي تَشْكِيلِ الرُّؤَى وَالْقَيِّم وَالْمَوَاقِف تُجَاه الْعِلْم وَالْأَخْلَاق. عَلَى مَرَّ التَّارِيخ، كَانَتْ هُنَاكَ عَلَاقَة تَفَاعُلِيَّة بَيْنِ الْعُلُومِ وَالْإِيدَيُولُوجِيَّات. فَالْإِيدَيُولُوجِيَّات قَدْ تُؤَثِّرُ عَلَى إتِّجَاهَات الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ وَتَوْجِيهُه بِمَا يَخْدُم أَجْنَدَتُهَا الْفِكْرِيَّةُ وَالسِّيَاسِيَّةُ. وَفِي الْمُقَابِلِ، قَدْ تُسَاهِم نَتَائِج البُحُوثِ العِلْمِيَّةِ فِي تَغْذِيَةِ الأَطْر الْأَيْدُيُولُوجِيَّة وَتَعْزِيزِ مَوَاقِفِهَا. فَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، لَعِبَتْ الْأَيْدُيُولُوجِيَّات السِّيَاسِيَّة دَوْرًا كَبِيرًا فِي تَوْجِيهِ الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ خِلَال الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، حَيْث سَاهَمَت الْأَيْدُيُولُوجِيَّات الِإشْتِرَاكِيَّة وَالرَّأْسِمَالِيَّة فِي التَّأْثِيرِ عَلَى أَوْلَوِيَّات الْبَحْثُ الْعِلْمِيّ وَتَوْجِيهُه نَحْو أَهْدَافٍ سِيَاسِيَّةٍ وَإقْتِصَادِيَّة مُحَدَّدَة. كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْأَيْدُيُولُوجِيَّات الدِّينِيَّةُ قَدْ تُؤَثِّرُ عَلَى تَفْسِيرِ النَّتَائِج الْعِلْمِيَّة وَتَوْجِيهُهَا بِمَا يَتَوَافَقُ مَعَ رُّؤَاهَا الْفِكْرِيَّة. وَهُنَاك أَمْثِلَةٍ عَدِيدَةٍ عَلَى هَذَا التَّأْثِيرِ، كَالصَّرَاع التَّارِيخِيِّ بَيْنَ النَّظَرِيَّاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالتَّفْسِيرَات الدِّينِيَّةُ لِقَضَايَا كَالْخَلْق وَالْكَوْن وَالْإِنْسَان وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنْ الْعِلْم بِطَبِيعَتِه يَسْعَى إلَى الْمَوْضُوعِيَّة وَالْحَيَاد، وَيَخْضَعُ لِآلِيات التَّحَقُّق وَالنَّقْد وَالْمُرَاجَعَة. لِذَا فَإِنَّ تَأْثِيرَ الْأَيْدُيُولُوجِيَّات عَلَى الْعِلْمِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا، بَلْ إنْ الْعِلْمُ قَادِرٌ عَلَى تَجَاوُزِ الحُدُودِ الْأَيْدُيُولُوجِيَّة وَتَطْوِيرِ مَعَارِف جَدِيدَة بَعِيدَةٍ عَنْ التَّحَيُّز. أَيْضًا تُؤَثِّر الْأَيْدُيُولُوجِيَّات بِشَكْلٍ كَبِيرٍ عَلَى الْمَنْظُومَة الْأَخْلَاقِيَّة لِلْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ، حَيْثُ تَقُومُ بِتَبَرير وَتَوْجِيهُ السُّلُوكِيات وَالْمَمَارَسَات الْأَخْلَاقِيَّة وَفَقَا لِرُّؤَاهَا الْفِكْرِيَّة. فَالْإِيدَيُولُوجِيَّات تُسَاعِدُ عَلَى تَفْسِيرِ الْأُسُس الْأَخْلَاقِيَّة لِلْأَفْعَال وَالسَّلْوَكَيَّات الْوَاقِعِيَّة، وَتَعْمَلُ عَلَى تَوْجِيهِهَا بِمَا يَتَوَافَقُ مَعَ قِيَمِهَا وَمُعْتَقَدَاتِهِا. وَبِذَلِكَ تَكْتَسِب الْأَيْدُيُولُوجِيَّات قُدْرَةٌ عَلَى إِضْفَاء الْمَشْرُوعِيَّةَ عَلَى الْمُمَارَسَات الْأَخْلَاقِيَّة وَ تَبْرِير السُّلُوك الشَّخْصِيّ وَالْجَمَاعِيّ. عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، قَدْ تَبَرُّر الْأَيْدُيُولُوجِيَّات السِّيَاسِيَّةِ وَالِإقْتِصَادِيَّةِ بَعْض الْمُمَارَسَات غَيْر الْأَخْلَاقِيَّة كَالِإسْتِغْلَال وَالْفَسَادِ مِنْ خِلَالِ رَبَطَهَا بِمَصَالِح الْجَمَاعَات المُهَيْمِنَة. فِي حِينِ قَدْ تَبَرُّر الْأَيْدُيُولُوجِيَّات الدِّينِيَّة بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُتَطَرِّفَة أَوْ الْعُنْف بِإعْتِبَارِهَا أَفْعَال مُقَدَّسَة أَوْ ضَرُورِيَّةٌ لِحِمَايَة الْعَقِيدَة. وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنْ الْأَنْسَاق الْأَخْلَاقِيَّة لَا تَتَشَكَّل بِالْكَامِل وَفَقَاً لِلْأَيْدِيولُوجِيَّات، بَلْ هُنَاكَ عَوَامِل أُخْرَى كَالتَّنْشِئَة الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَالتَّجَارِب الشَّخْصِيَّة وَالْمَعَايِير الثَّقَافِيَّةِ الَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى الْبِنَاءِ الْأَخْلَاقِيِّ لِلْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ. لِذَا فَإِنَّ تَأْثِيرَ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا عَلَى الْأَخْلَاقِ لَيْسَ مُطْلَقًا أَوْ حَتْمِيًّا، بَلْ هُنَاكَ تَفَاعُل مَعْقَد بَيْنَ مُخْتَلِفِ الْمُؤَثِّرَات الْأَخْلَاقِيَّة. بِشَكْلٍ عَامٍّ، تَظْهَر الْعَلَاقَة الْمُعَقَّدَة بَيْن الْأَيْدُيُولُوجِيَّا وَالْعِلْمِ وَ الْأَخْلَاقِ، فَالْإِيدَيُولُوجْيَا قَدْ تُؤَثِّرُ عَلَى إتِّجَاهَات الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ وَتَوْجِيهُه، كَمَا أَنَّهَا تَلْعَبُ دَوْرًا فِي تَشْكِيلِ الْمَنْظُومَة الْأَخْلَاقِيَّة لِلْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ. وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنْ الْعِلْم بِطَبِيعَتِه يَسْعَى إلَى الْمَوْضُوعِيَّة وَالْحَيَاد، كَمَا أَنَّ الْأَنْسَاق الْأَخْلَاقِيَّة تَتَشَكَّل وَفَقَأ لِعَوَامِل مُتَعَدِّدَة. لِذَا فَإِنَّ تَأْثِيرَ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا لَيْسَ مُطْلَقًا أَوْ حَتْمِيًّا، وَإِنَّمَا يَتَفَاعل مَعَ عَوَامِلَ أُخْرَى فِي بِنَاءِ الْمَعْرِفَة وَ الْأَخْلَاق.
_ تَأْثِيرَ الْعِلْمِ وَ الْأَخْلَاقِ عَلَى الْأَيْدُيُولُوجِيَّا
لَقَدْ تَنَاوَلَتْ الْبُحُوث الْمُقَدِّمَةُ فِي هَذَا السِّيَاقِ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق مِنْ جِهَةِ وَالْإِيدَيُولُوجْيَا مِنْ جِهَةِ أُخْرَى بِشَكْلٍ مُفَصَّلٍ وَشَامِل. فَيُمْكِن إسْتِخْلَاص عَدَدٍ مِنْ النِّقَاطِ الرَّئِيسِيَّة حَوْلَ هَذَا الْمَوْضُوع. الْعِلْمُ يَعْتَمِدُ عَلَى الْمَنْهَجِ التَّجْرِيبِيّ وَ الْمَوْضُوعِيَّة فِي إسْتِقْصَاءِ الْحَقَائِق، بَيْنَمَا الْأَيْدُيُولُوجِيَّا تَعْتَمِد أَكْثَرَ عَلَى الْمَخَيَال وَالرُّؤَى الذَّاتِيَّة وَالتَّبَرُّيرًات الْمُنْحَازَة. تَأْثِيرِ الْعِلْمِ عَلَى الْأَيْدُيُولُوجِيَّا يَظْهَرُ فِي تَقْدِيمِ صُورَةٍ أَكْثَر مَوْضُوعِيَّة وَدِقَّة لِلْوَاقِع، مِمَّا يُضْعِفُ قُوَّةَ الْأَيْدُيُولُوجِيَّات الَّتِي تَقُومُ عَلَى تَزْيِيفِ الْوَاقِعِ أَوْ الَّتَّغَاضِي عَنْ حَقَائِقِه. إلَّا أَنْ الْعُلَمَاء أَنْفُسِهِمْ قَدْ يَلْجَأُونَ إِلَى عَنَاصِر أَيْدُيُولُوجِيَّة لِلدِّفَاعِ عَنْ مَوَاقِفَهُمْ الْعِلْمِيَّة وَالذَّوْد عَنْهَا ضِدٌّ تَأْثِيرَات أَيْدُيُولُوجِيَّة أُخْرَى. فَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْإِيدَيُولُوجْيَا لَيْسَتْ أُحَادِيَّة الِإتِّجَاه. كَمَا أَنَّ النَّزْعَة الْعِلْمِيَّةِ قَدْ أَثَّرَتْ عَلَى الْفَنّ وَالدَّيْنِ، حَيْثُ أَصْبَحَا أَكْثَر جَفَافًا وَإبْتِعَادَا عَنْ الْإِبْدَاع وَالتَّجَدُّد. يَرَى الْبَعْضُ أَنَّ الْعِلْمَ لَا بُدَّ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ أَيِّ أَيْدُيُولُوجْيَا لِيَتَمَكَّنَ مِنْ النُّمُوِّ وَالتَّقَدُّم. فَالْإِيدَيُولُوجْيَا، سَوَاءٌ كَانَتْ تَفْسِيرَات دِينِيَّةً أَوْ عَقِيدَةَ مَارْكِسِيَّة، قَدْ تَحُدُّ مِن قَدْرَة الْعِلْمِ عَلَى الِإسْتِكْشَافِ وَالِإبْتِكَار. الْعِلْمُ الْحَقِيقِيُّ يَجِبُ أَنْ يَتَحَرَّرَ مِنْ التَّأْثِيرَاتِ الْأَيْدُيُولُوجِيَّة. يُتِمُّ تَوْظِيف الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّةِ فِي نَقْدٍ الْأَيْدُيُولُوجِيَّات وَتَفْنيد إدَّعَاءَاتِهَا. فَالْمَعْرِفَةُ الْوَاقِعِيَّةَ وَ الْمَوْضُوعِيَّةَ الَّتِي يُوَفِّرها الْعِلْمُ تَكْشِف زَيْف الْأَفْكَار الْأَيْدُيُولُوجِيَّة وَتَفْضح مَزَاعِمِهِا. وَمَنْ ثُمَّ، تَأْتِي الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة لِتَصْحِيح التَّصَوُّرَات الْأَيْدُيُولُوجِيَّة وَتَقْوِيمِهَا. يَسْتَخْدِم الْعِلْم لِإِضْعَاف قُوَّة الْأَيْدُيُولُوجِيَّات وَالْحَدُّ مِنْ تَأْثِيرِهَا. فَالْبْحُوث الْعِلْمِيَّةِ وَالِإكْتِشَافَات التِّكْنُولُوجِيَّة يُمْكِنُ أَنْ تُقَوِّضَ الْأَفْكَارِ الْأَيْدُيُولُوجِيَّة وَتَحُدُّ مِنْ هَيْمَنَتُهَا عَلَى الْمُجْتَمَعِ. عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، سَاهَمَت الثَّوْرَة الْعِلْمِيَّةِ فِي تَرَاجُعِ نُفُوذ الْكَنِيسَة وَ أَيْديولوجيَتِهَا فِي أُورُوبَّا. فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، قَدْ يَتَحَوَّلُ الْعِلْمِ إلَى أَيْدُيُولُوجْيَا بِذَاتِهِ، حَيْث يَسْتَخْدِم لِلتَّرْوِيج لِرُؤْيَة مُعَيَّنَة لِلْعَالِمِ أَوْ لِتَبْرِير مَوْقِف أَوْ مَصَالِحِ مُعَيَّنَة. وَبِالتَّالِي، يَفْقِد الْعِلْم مَوْضُوعِيَّتُه وَيُصْبِح أَدَّاة فِي خِدْمَةِ أَجْنَدَة أَيْدُيُولُوجِيَّة. هَذَا مَا يُعْرَفُ بِالْأَيْدُيُولُوجْيَا الْعِلْمِيَّة. عَلَى الرَّغْمِ مِنْ التَّمَايُزَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْإِيدَيُولُوجْيَا، إلَّا أَنَّهُمَا يَتَأَثَّرَان بِبَعْضِهِمَا الْبَعْضُ بِصُورَة جَدَلِيَّة. فَالْأَفْكَار وَالْمَفَاهِيمُ الْأَيْدُيُولُوجِيَّة قَدْ تُؤَثِّرُ عَلَى إخْتِيَارِ مَوْضُوعَات الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ وَتَوَجُّهَاتِه، كَمَا أَنَّ التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالِإكْتِشَافَات قَدْ تُؤَدِّي إلَى تَغْيِيرِ الْأَفْكَار وَالْمُعْتَقَدَات الْأَيْدُيُولُوجِيَّة السَّائِدَة. تَتَّسِم الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْإِيدَيُولُوجْيَا بِالتَّعقُّيد وَالتَّشَابُك. فَالْعِلْمُ قَدْ يُحَرَّر الْأَيْدُيُولُوجِيَّات وَيُقَوِّضَهَا، وَلَكِنْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ قَدْ يَتَحَوَّلُ إلَى أَدَاةِ أَيْدُيُولُوجِيَّة بِذَاتِهِ. كَمَا أَنَّ هُنَاكَ تَأْثِيرٌ مُتَبَادَل بَيْن مَجَالِي الْعِلْم وَ الْإِيدَيُولُوجْيَا، حَيْثُ يُؤَثِّرُ كُلُّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِطُرُق مُتَنَوِّعَة. وَلِذَلِكَ، فَإِنَّ فَهْمَ هَذِهِ الْعَلَاقَةِ الدِّينَامِّيكِيَّة أَمَرَ بَالِغٌ الْأَهَمِّيَّة لِفَهْم طَبِيعَة الْعِلْم وَحُدُودِه وَتَأْثِيرِهِ عَلَى الْمُجْتَمَعِ. أَمَّا عَنْ تَأْثِيرِ الْأَخْلَاقِ عَلَى الْأَيْدُيُولُوجِيَّا. فَالْإِيدَيُولُوجْيَا تَعْمَلُ عَلَى تَبْرِير مَصَالِح الْجَمَاعَات المُهَيْمِنَة وَتَكْرِيس قِيَمِهَا وَأَفْكَارَهًا فِي الْمُجْتَمَعِ. فِي الْمُقَابِلِ، فَإِنْ الْأَخْلَاقِ وَالْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ النَّبِيلَة كَالْعَدْل وَالْحُرِّيَّةَ وَالْكَرَامَةَ تُشْكِل نَقِيضًا لِهَذِه الْأَيْدُيُولُوجِيَّات الْمُنْحَازَة. لِذَا لَا يُمْكِنُ لِلْأَيْدِيولُوجِيَّات إنْ تَسْتَنِدُ إلَى الْأَخْلَاقِ بِشَكْل مَوْضُوعَيْ، إذْ أَنَّهَا تَهْدِفُ إِلَى تَكْرَيس مَصَالِحِ مُعَيَّنَة بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ إعْتِبَارَات أَخْلَاقِيَّة. بَلْ إنْ الْأَدْيَان غَالِبًا مَا تُشْكِل أَهَمّ مَصْدَر لِلْأَيْدِيولُوجِيَّات السَّائِدَةِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ، حَيْث تَمْنَحُهَا الشَّرْعِيَّة وَالْقَدَاسَة. تُعْتَبَر الْعَلَاقَة بَيْنَ الْأَخْلَاق وَ الْإِيدَيُولُوجِيَّات عَلَاقَةٌ وَطِيدَة وَمَتَبَادَلَة. فَالْأَخْلَاق تُشْكِل أَحَد أَهَمِّ الرَّكَائِزِ الَّتِي تَقُومُ عَلَيْهَا الْأَيْدُيُولُوجِيَّات وَتَحَدُّد مَبَادِئُهَا وَ قِيَمِهَا. فِي الْمُقَابِلِ، تُؤَثِّر الْأَيْدُيُولُوجِيَّات أَيْضًا عَلَى تَشْكِيلِ الْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة السَّائِدَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ. هُنَاكَ الْعَدِيدِ مِنَ الطُّرُقِ الَّتِي تُؤَثِّرُ بِهَا الْأَخْلَاقِ عَلَى تَشْكِيلِ الْأَيْدُيُولُوجِيَّات وَ تَوْجِيهُهَا. تَعْتَمِدُ الْأَيْدُيُولُوجِيَّات بِشَكْلٍ كَبِيرٍ عَلَى الْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة السَّائِدَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ وَاَلَّتِي تَقُومُ عَلَيْهَا. فَالْأَفْكَار وَ الْمُعْتَقَدَات الْأَيْدُيُولُوجِيَّة يُتِمُّ تَبْرِيرَهُا وَدَعَّمَهَا مِنْ خِلَالِ هَذِهِ الْمَعَايِيرَ الْأَخْلَاقِيَّة. يَتِمّ تَصْنِيف الْأَيْدُيُولُوجِيَّات الْمُخْتَلِفَة وَ تَمَيُّزُهَا عَنْ بَعْضِهَا الْبَعْضِ إلَى حَدِّ كَبِيرٌ عَلَى أَسَاسِ النَّزْعَة الْأَخْلَاقِيَّة السَّائِدَة فِيهَا. فَهُنَاك أَيْدُيُولُوجِيَّات أَكْثَرُ تُشَدُّدا وَ تَطْرفا فِي الْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة، وَ أُخْرَى أَكْثَر إنْفِتَاحًا وَ لِيبْرَالِيَّة. كَمَا تَلْعَب الْأَخْلَاق دُورًا مُحَوَّريا فِي تَحْدِيدِ مَدَى إنْتِشَار وَ تَأْثِير الْأَيْدُيُولُوجِيَّات الْمُخْتَلِفَة، خَاصَّةً عَلَى الشَّبَابِ. فَالْإِيدَيُولُوجِيَّات الَّتِي تَتَمَاشَى أَكْثَرَ مَعَ الْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة السَّائِدَة هِيَ الْأَكْثَرُ قُدْرَةٌ عَلَى الِإنْتِشَارِ وَالتَّأْثِير. تَعْمَل الْأَيْدُيُولُوجِيَّات عَلَى تَزْوِيد أَنْصَارَهُا بِالأسس الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي تَبَرُّر وَتُدَعِّم مَوَاقِفَهُمْ وَسُلُوكِيَّاُتُّهِم، حَتَّى وَإِنْ كَانَتْ مُتَنَاقِضَةً مَع الْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة الْعَامَّةِ. فِي بَعْضِ الْمَجَالَاتِ كَالْأَعْلَام مَثَلًا، تُؤَثِّر الْأَيْدُيُولُوجِيَّات السِّيَاسِيَّةِ وَالإجْتِمَاعِيَّةِ عَلَى تَشْكِيلِ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا الْمِهَنِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة لِلعَامِلِينَ فِي هَذَا الْمَجَالِ. فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ، تَقُوم الْأَيْدُيُولُوجِيَّات الْمُتَطَرِّفَة بِتَحْوِيل الْأَفْعَال الْأَخْلَاقِيَّة السَّلْبِيَّةُ إلَى أَفْعَالٍ مَحْمُودَةٍ وَ مَقْبُولَة، مِنْ خِلَالِ التَّبْرِير الْأَيْدُيُولُوجِيّ لَهَا. وَهَذَا مَا يُفَسِّرُ ظَاهِرَة "تَقْدِيس الْجَرِيمَةِ" فِي بَعْضِ الْأَيْدُيُولُوجِيَّات. تَلْعَب الْأَخْلَاق دُورًا مُحَوَّريا فِي تَشْكِيلِ الْأَيْدُيُولُوجِيَّات وَتَوْجِيهُهَا، كَمَا أَنَّ الْأَيْدُيُولُوجِيَّات هِيَ أَيْضًا أَحَدٌ أَهَمّ الْعَوَامِل الْمُؤَثِّرَة عَلَى الْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة السَّائِدَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ. وَهَذِهِ الْعَلَاقَةُ المُتَبَادِلَةِ بَيِنَ الْأَخْلَاق وَالْإِيدَيُولُوجِيَّات هِيَ الَّتِي تُحَدِّدُ إلَى حَدِّ كَبِير الْخَرِيطَة الْفِكْرِيَّة وَالسُّلُوكِيَّة لِلْمُجْتَمَعَات. إذْن، يَتَّضِحُ مِنْ هَذِهِ الْمُنَاقَشَةِ أَنَّ هُنَاكَ عَلَاقَة تَفَاعُلِيَّة وَجدَلِيَّة بَيْنَ هَذِهِ الْمُكَوِّنَات الثَّلَاثَة، الَّتِي تَتَّسِمُ بِالتَّأْثِير الْمُتَبَادَل وَالصِّرَاع الْمُسْتَمِرّ. فَالْعِلْم قَدْ يُؤَثِّرُ فِي الْأَخْلَاقِ وَالْإِيدَيُولُوجْيَا، الْأَخْلَاقِ قَدْ تَحُدُّ مِن إسْتِخْدَام الْعِلْمِ فِي خِدْمَةِ الْأَيْدُيُولُوجِيَّات. وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنْ الْأَيْدُيُولُوجِيَّات تَسْعَى بِإسْتِمْرَار لِإسْتِغْلَال الْعِلْم وَ تَوْظِيفِه لِنَشْر مُعْتَقِدًاتها، فِي حِينِ أَنَّ الْأَخْلَاقَ تُحَاوِل الْحَدِّ مِنْ هَذَا التَّوْظِيفَ السَّيِّئ لِلْعِلْمِ. كَمَا أَنَّ الْعِلْم يُقَدَّم رُؤْيَة أَكْثَر مَوْضُوعِيَّة لِلْوَاقِع، بَيْنَمَا الْأَيْدُيُولُوجِيَّا تَمِيلُ إلَى تَزْيِيفِه وَ تَبْرِيرِه. وَ فِي الْمُقَابِلِ، تُحَاوِل الْأَخْلَاقِ وَ الْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْحَدِّ مِنْ إسْتِغْلَالِ الْعِلْمِ فِي خِدْمَةِ الْمَصَالِح الْأَيْدُيُولُوجِيَّة الْمُنْحَازَة. وَلَكِنْ فِي النِّهَايَةِ، تَبْقَى هَذِهِ الْعَلَاقَاتِ مُتَشَابِكَة وَ مُتَدَاخِلَة، تَتَطَلَّب دِرَاسَة مُتَعَمِّقَة وَنَظَرَة شُمُولِيَّة تُرَاعَى التَّأْثِيرَات الْمُتَبَادَلَة وَالْمُصَالَح الْمُتَضَارِبَة بَيْنَ هَذِهِ الْمُكَوِّنَات لِلْإِحَاطَة بِتَفَاصِيلِهَا.
_ مَوْضُوعِيَّة الْعِلْمِ وَ قِيَمِيَّة الْأَخْلَاقِ وَ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا
تَنْظُر الْأَيْدُيُولُوجِيَّا إِلَى الْمَوْضُوعِيَّةِ وَ الْحَيَاد الْعِلْمِيُّ بِنَوْعٍ مِنْ الشَّكِّ وَالرِّيبَةِ. فَالْإِيدَيُولُوجْيَا تُعْتَبَرُ أَنَّهَا تَنْطَوِي عَلَى مَجْمُوعَة مِنْ الْمُعْتَقَدَاتِ وَالْقَيِّم وَالتَّصَوُّرَات الَّتِي تَتَشَكَّلُ بِنَاءً عَلَى خَلْفِيَّات إجْتِمَاعِيَّة وَ سِيَاسِيَّة مُعَيَّنَة. بِالتَّالِي، فَإِنْ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا تَرَى أَنَّ الْمَعْرِفَةَ الْعَلَمِيَّةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ خَالِيَةً تَمَامًا مِنْ هَذِهِ الْخَلْفِيَّات، وَإِنْ الْبَاحِث أَوْ الْعَالِمِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَصِلَ تَمَامًا عَنْ سِيَاقِه الِإجْتِمَاعِيّ وَ السِّيَاسِيّ وَالثَّقَافِيّ. وَ مِنْ هَذَا الْمُنْطَلَقِ، فَإِنْ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا تَرَى أَنَّ الْحِيَاد وَ الْمَوْضُوعِيَّة الْمُطْلَقَةِ فِي الْعُلُومِ، وَ خَاصَّةً فِي الْعُلُومِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَ الِإجْتِمَاعِيَّة، أَمْرٌ غَيْرُ مُمْكِنٍ. فَكُلّ عَمَلِيَّة مَعْرِفِيَّة وَ أَبْحَاث عِلْمِيَّة تَتَأَثَّر بِشَكْلِ مَا بِالنَّظْرَة الْأَيْدُيُولُوجِيَّة لِلْبَاحِثِ أَوْ الْعَالِم وَ هَذَا لَا يَعْنِي أَنَّ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا تَرْفُض الْعِلْمِ أَوْ تُنْكِرُ قِيمَتِهِ، وَ لَكِنَّهَا تَرَى أَنَّهُ مِنْ الضَّرُورِيِّ الِإعْتِرَافِ بِأَنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ حَيًّاديا أَوْ مَوْضُوعِيًّا بِشَكْل مُطْلَقٍ، بَلْ هُوَ نِتَاجُ لِتَفَاعل مَجْمُوعَةً مِنْ الْعَوَامِلِ الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَ السِّيَاسِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّة. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَالْبَاحِثِين أَنْ يَكُونُوا عَلَى وَعْيٍ بِإنْحِيَازَاتِهُمْ الْأَيْدُيُولُوجِيَّة وَإِنْ يُحَاوِلُوا تَقْلِيلُ تَأْثِيرِهَا عَلَى أَبْحَاثِهِمْ وَ مُمَارَسَاُتُّهِم الْعِلْمِيَّةِ. وَ فِي هَذَا الصَّدَدِ، تُشِير الْأَيْدُيُولُوجِيَّا إلَى أَنَّهُ مِنْ الْخَطَأِ الشَّائِعِ الِإعْتِقَادِ بِأَنْ الْحِيَادِيَّة هِيَ شَرْطٌ لِلْمَوْضُوعِيَّة، أَوْ أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ. فَالْحِيَادِيَّة هِيَ مَوْقِفٌ سِيَاسِيّ مَحَايد، بَيْنَمَا الْمَوْضُوعِيَّة هِيَ مَسْأَلَةُ مَعْرِفِيَّة تَتَعَلَّق بِالْبَحْثِ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَ الْوُصُولُ إلَى نَتَائِج دَقِيقَة وَ مُحَدَّدَة وَ هَذَانِ الْمَفْهُومَان لَيْسَا مُتَطَابِقَيْن، فَقَدْ تَكُونُ هُنَاكَ أَبْحَاث عِلْمِيَّة مَوْضُوعِيَّة وَ دَقِيقَة صَادِرَةٌ عَنْ بَاحِثِين لَدَيْهِمْ تَوَجُّهَات أَيْدُيُولُوجِيَّة مُحَدَّدَة. وَ لِذَلِكَ، فَإِنَّ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا تَرَى أَنَّ تَحْقِيقَ الْمَوْضُوعِيَّة الْكَامِلَةِ فِي الْعُلُومِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالِإجْتِمَاعِيَّة أَمْرٌ بَعِيدٌ الْمَنَال إلَى حَدِّ كَبِيرٍ، وَإِنَّهُ يَبْقَى نِسْبِيًّا مِنْ بَاحِث إلَى آخِرِ. وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْعُلُومِ هِي بِالضَّرُورَة مُتَحَيِّزَة وَ مُسَيَّسَة بِطَبِيعَتِهَا. فَمَا عَلَى الْعُلَمَاءِ وَالْبَاحِثِين سِوَى أَنَّ يَكُونُوا عَلَى وَعْيٍ بِإنْحِيَازَاتِهُمْ الْأَيْدُيُولُوجِيَّة وَإِنْ يُحَاوِلُوا تَقْلِيلُ تَأْثِيرِهَا قَدْرِ الْإِمْكَانِ مِنْ خِلَالِ الْمَنْهَجِيَّةِ الْعِلْمِيَّةِ الصَّارِمَة وَالنَّقْد الذَّاتِيّ الْمُسْتَمِرّ. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا لَا تَرَى فِي الْحِيَاد وَالْمَوْضُوعِيَّة الْمُطْلَقَة هَدَفًا يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ بِشَكْل كَامِلٌ فِي الْعُلُومِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالِإجْتِمَاعِيَّة، وَلَكِنَّهَا تَرَى أَنَّهُ يَجِبُ السَّعْيُ نَحْوَ تَقْلِيل التَّحَيُّز وَالِإنْحِيَاز قَدْرِ الْإِمْكَانِ مِنْ خِلَالِ الْوَعْيِ وَالنَّقْد الذَّاتِيّ. فَالمُهِمّ هُوَ أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ جُهُودٌ جَادَّة لِلْوُصُولِ إلَى أَكْبَرِ قَدْرٍ مًمْكِنٍ مِنَ الْمَوْضُوعِيَّة وَالْحَيَادِيَّة فِي الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ، حَتَّى وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُمْكِنًا بِشَكْل مُطْلَق. أَمَّا عَنْ الْأَخْلَاقِ فَإِنْ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا وَالْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة هِيَ عَلَاقَةٌ مُعَقَّدَة وَتَفَاعُلِيَّة. مِنْ نَاحِيَةِ، تُشْكِل الْأَيْدُيُولُوجِيَّا إِطَارًا فَكَرِيا وَ تَصَوُّرَا لِلْعَالِمِ يَتَضَمَّن مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْقِيَمِ وَالْمُعْتَقَدَات الَّتِي تَوَجَّهَ سُلُوك الْأَفْرَادِ وَالْجَمَاعَاتِ. فِي هَذَا السِّيَاقِ، تُسْتَخْدَم الْأَيْدُيُولُوجِيَّا لِتَبْرِير وَتَعْزِيز مَجْمُوعَة مُعَيَّنَةٍ مِنْ الْقَيِّمِ الْأَخْلَاقِيَّة وَالسِّيَاسِيَّةُ وَالِإجْتِمَاعِيَّةُ الَّتِي تَنْسَجِمُ مَعَ أَهْدَاف وَتَوَجَّهَات الْجَمَاعَاتُ المُهَيْمِنَة فِي الْمُجْتَمَعِ. مِنْ نَاحِيَةِ أُخْرَى، تُشْكِل الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ جُزْءًا لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا، حَيْثُ تُعْتَبَرُ الْمُكَوِّن الْمِعْيَاري وَ التَّبَرُّيرِيّ لَهَا. فَالْإِيدَيُولُوجْيَا تَقَدَّمَ رُؤْيَة شَامِلَة لِلْعَالِم تَتَضَمَّن مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْمُعْتَقَدَات وَالْقِيَمِ الَّتِي تُسْتَخْدَمُ لِتَفْسِير الْوَاقِع وَتَوْجِيه السُّلُوك وَالْمَمَارَسَات الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ. وَمِنْ ثَمَّ، فَإِنَّ الْقَيِّمَ الْأَخْلَاقِيَّة تُشْكِل أَحَدُ الْأَرْكَانِ الْأَسَاسِيَّةَ الَّتِي تَقُومُ عَلَيْهَا الْأَيْدُيُولُوجِيَّا وَتَكُسِبُهَا الشَّرْعِيَّةِ وَالتَّبَرُّير. فِي هَذَا السِّيَاقِ، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا تَنْظُرَ إلَى الْقَيِّمِ الْأَخْلَاقِيَّة بِإعْتِبَارِهَا أَدَوَات لِتَحْقِيق أَهْدَافٍ سِيَاسِيَّةٍ وَ إجْتِمَاعِيَّة مُعَيَّنَة. فَالْإِيدَيُولُوجْيَا تُوَظِّف مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ كَوَسْائِل لِإِضْفَاءِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الْأَوْضَاعِ الْقَائِمَةِ أَوْ لِتَبْرِير السَّعْيِ إلَى تَغْيِيرِهَا. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ الْقَيِّمَ الْأَخْلَاقِيَّة فِي الْأَيْدُيُولُوجِيَّا لَا تُعْتَبَرُ غَايَات فِي حَدِّ ذَاتِهَا، بَلْ وَسَائِل لِتَحْقِيق أَهْدَافٍ سِيَاسِيَّةٍ وَإجْتِمَاعِيَّة مُحَدَّدَة. فِي الْمُقَابِلِ، يَرَى بَعْضُ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُفَكِّرِينَ أَنْ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا تُشْكِل شَكْلًا مِنْ إشْكَالِ "الْوَعْي الزَّائِفُ" الَّذِي يَحْجُبُ الْحَقِيقَةِ عَنْ الْإِفْرَادِ وَيُبْعِدُهُمْ عَنْ إدْرَاكِ وَاقَعهم الِإجْتِمَاعِيِّ وَالسِّيَاسِيّ الْحَقِيقِيِّ. فِي هَذَا السِّيَاقِ، يُنْظَرُ إلَى الْأَيْدُيُولُوجِيَّا بِإعْتِبَارِهَا تَشْوِيهًا لِلْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة الْحَقِيقِيَّة وَتَحْرِيفًا لَهَا بِمَا يَخْدُم مَصَالِح الْجَمَاعَات المُهَيْمِنَة. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا تُعْتَبَر عَقَبَةً أَمَامَ تَحْقِيق قِيَمٍ أَخْلَاقِيَّةٍ حَقِيقِيَّة وَعَادِلَة. فِي الْخِتَامِ، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا وَالْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة هِيَ عَلَاقَةٌ مُعَقَّدَة وَغَيْر بَسِيطَة. فَالْإِيدَيُولُوجْيَا تُوَظِّف الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ لِتَحْقِيق أَهْدَافٍ سِيَاسِيَّةٍ وَإجْتِمَاعِيَّة مُحَدَّدَةٍ، فِي حِينِ أَنَّ الْبَعْضَ يُنْظَرُ إلَى الْأَيْدُيُولُوجِيَّا بِإعْتِبَارِهَا تَشْوِيهًا لِلْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة الْحَقِيقِيَّة. وَمِنْ ثَمَّ، فَإِنَّ فَهْمَ هَذِهِ الْعَلَاقَةِ الْمُعَقَّدَة بَيْن الْأَيْدُيُولُوجِيَّا وَالْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة يُعَدُّ أَمْرًا ضَرُورِيًّا لِفَهْم الدِّينَامِيكِيَّات الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ.
_ الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق و الْأَيْدُيُولُوجِيَّا : (عَلَاقَات دِينَامِّيكِيَّة فِي إطَارُ السِّيَاقِ التَّارِيخِيّ)
الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق وَالْإِيدَيُولُوجْيَا هِيَ عَلَاقَةٌ مُعَقَّدَة وَ مُتَدَاخِلَة. تَطَوَّرَتْ هَذِهِ الْعَلَاقَةِ عَبْرَ التَّارِيخِ وَشَهِدَتْ تَحَوُّلَات كَبِيرَةٌ، فَهِيَ لَيْسَتْ ثَابِتَةً أَوْ بَسِيطَة. الْأَخْلَاق تُعْتَبَر مَجْمُوعَة الْمَعَايِير وَالْقِيَمِ الَّتِي تَحْكُمُ سُلُوكَ الْإِنْسَانِ وَتُضْبَط عَمَلِيَّات إتِّخَاذ الْقَرَارِ. فِي حِينِ أَنَّ الْعِلْمَ هُوَ مَجْمُوعَةُ الْمَعَارِف وَالْمَعْلُومَات وَالنَّظَرِيَّات المُنْتِجَةُ مِنْ خِلَالِ الْمَنْهَجِ الْعِلْمِيِّ الْقَائِمِ عَلَى الْمُلَاحَظَةِ وَالتَّجْرِيب. عَلَى مَرَّ التَّارِيخِ، كَانَ هُنَاكَ تَأْثِيرٌ مُتَبَادَل بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق. فَقَدْ سَاهَم تَطَوُّر الْعِلْمِ فِي إِثْرَاءِ الْفِكْر الْأَخْلَاقِيّ وَتَطْوِير الْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّةِ، مِثْلُ ظُهُورِ مَبَادِئ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ وَالِإهْتِمَام بِالبِيئَة. فِي الْمُقَابِلِ، كَان لِلْأَخْلَاق تَأْثِيرٍ عَلَى تَوْجِيهِ الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ وَضَبَط الْمُمَارَسَات الْعِلْمِيَّةِ، مِثْلُ ظُهُورِ أَخْلَاقِيَّات الْبَحْثُ الْعِلْمِيّ وَأَخْلَاقِيَّات الْمِهَن الْعِلْمِيَّة. وَ مَعَ ذَلِكَ، هُنَاكَ أَيْضًا حَالَاتٍ مِنْ التَّعَارُضِ وَ الصِّرَاع بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق. فَقَدْ إسْتَخْدَم الْعِلْمِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لِخِدْمَة أَغْرَاض غَيْر أَخْلَاقِيَّة كَالْأَسْلِحَة الكِيمْيَائِيَّة وَ الْبُيُولُوجِيَّة. كَمَا أَنَّ بَعْضَ النَّظَرِيَّاتِ الْعِلْمِيَّةِ كَنَظِريَّة التَّطَوُّرِ أَحْدَثَتْ صِدَامَات مَعَ الْمُعْتَقَدَات الدِّينِيَّة وَ الْأَخْلَاقِيَّة السَّائِدَة . أَمَّا الْأَيْدُيُولُوجِيَّا فَهِي مَجْمُوعَة مِنْ الْأَفْكَار وَ الْمُعْتَقَدَات وَ الْقِيَمِ الَّتِي تُشَكِّلُ رُؤْيَة كُلِّيَّة لِلْعَالِم وَتَحَدُّد مَوْقِف الْفَرْدِ أَوْ الْجَمَاعَةِ تُجَاه الْقَضَايَا السِّيَاسِيَّةِ وَالإجْتِمَاعِيَّةِ. وَقَدْ لَعِبَ الْعِلْم دَوْرًا مُهِمًّا فِي تَشْكِيلِ وَتَرْسِيخ الْأَيْدُيُولُوجِيَّات عَبَّر التَّارِيخ. فَفِي عَصْرِ التَّنْوِيرِ، سَاهِم الْعِلْمِ فِي ظُهُورِ أَيْدُيُولُوجِيَّات تُنَادِي بِالْعَقْلِانِيَّة وَالْحُرِّيَّةُ وَالْمُسَاوَاة. وَفِي الْقَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ، إرْتَبَطَتْ بَعْض النَّظَرِيَّاتِ الْعِلْمِيَّةِ كَنَظِرِيَّةِ التَّطَوُّرِ بِإيدْيُّولُوجِيَّاتٍ سِياسِيَّةٌ وَإجْتِماعِيَّةٌ كَالدَّارِوِينْيَّةِ الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَ الْعُنْصُرِيَّة. كَمَا إسْتَخْدَم الْعِلْم لِخِدْمَة أَجْنَدات أَيْدُيُولُوجِيَّة سِيَاسِيَّة، كَمَا حَدَّثَ فِي الِإتِّحَادِ السُّوفْيِتِّيِّ مَع لينْين وَسِتِّاليْن عِنْدَمَا وَظَّف الْعِلْم لِخِدْمَة الْأَيْدُيُولُوجِيَّة الْمَارْكِسِيَّةِ-اللِّينِينِيَّة. وَ فِي الْمُقَابِلِ، هُنَاك أَمْثِلَةٌ عَلَى رَفْضِ الْعُلَمَاء لِلتَّوْظِيف الْأَيْدُيُولُوجِيّ لِلْعِلْمِ، كَمَا حَدَّثَ مَع أَيْنَشتاين الَّذِي رَفَضَ رَبَط نَظَرِيَّتِه النِّسْبِيَّة بِالْأَيْدُيُولُوجِيَّات السِّيَاسِيَّة. أَنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَيْسَتْ خَطَيَّة أَوْ ثَابِتَةً، بَلْ هِيَ عَلَاقَةٌ مُتَدَاخِلَة وَ مُعَقَّدَة تَتَأَثَّرُ بِالسِّيَاقَات التَّارِيخِيَّة وَ الِإجْتِمَاعِيَّة وَالثَّقَافِيَّة. فَقَدْ يُوَظَّف الْعِلْم لِخِدْمَة أَيْدُيُولُوجِيَّات مُعَيَّنَةٍ تَتَعَارَضُ مَعَ الْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّةِ. وَ فِي الْمُقَابِلِ، قَدْ تُوَظِّف الْأَخْلَاق لِمُحَارَبَة بَعْض الْمُمَارَسَات الْعِلْمِيَّةِ الَّتِي تُعْتَبَرُ غَيْرَ أَخْلَاقِيَّة. وَ هُنَاكَ أَيْضًا أَمْثِلَةٌ عَلَى تَعَاوُن وَتَكَامَل بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، كَمَا حَدَّثَ فِي ظُهُورِ أَخْلَاقِيَّات الْبَحْثُ الْعِلْمِيّ وَ اَلَّتِي سَاهَمَت فِي ضَبْطِ الْمُمَارَسَات الْعِلْمِيَّة وَ تَوْجِيهُهَا نَحْوَ الْخَيْرِ الْعَامِّ. كَمَا أَنَّ تَطَوُّر الْعِلْم أَدَّى إلَى بُرُوز قَيِّم جَدِيدَة كَالِإهْتِمَام بِالبِيئَة وَالْحِفَاظِ عَلَى حُقُوقِ الْإِنْسَانِ. إذْن، الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق وَ الْإِيدَيُولُوجْيَا هِيَ عَلَاقَةٌ مُعَقَّدَة وَ دِينَامِّيكِيَّة تَتَأَثَّرُ بِالسِّيَاقَات التَّارِيخِيَّة وَالِإجْتِمَاعِيَّة وَالثَّقَافِيَّة. فَالْعِلْمُ لَيْسَ بِمَعْزِلٍ عَنْ القِيَمِ الأَخْلَاقِيَّةِ وَالتَّوَجُّهَات الْأَيْدُيُولُوجِيَّة، بَلْ يَتَأَثَّرُ بِهَا وَيُؤَثِّرُ فِيهَا. وَهَذَا مَا يَسْتَدْعِي ضَرُورَة تَطْوِير آلِيَات لِلتَّوْفِيقِ بَيْن هَذِهِ الثُّلَاثِيَّة وَالْحِفَاظِ عَلَى الْأَخْلَاقِ وَالْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ فِي مُمَارَسَةِ الْعِلْم وَالتَّطْبِيقَات التِّكْنُولُوجِيَّة.
_ الْعِلْمُ و الْأَخْلَاقِ وَ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا : (مُقَارَنَةُ عَلَى مُسْتَوَى الِإخْتِلَاف الْوَظِيفِيّ)
الْعِلْم وَالْإِيدَيُولُوجْيَا مَفْهُومَان مُتَمَيِّزَان وَلَكِنْ لَهُمَا عَلَاقَةٌ تَفَاعُلِيَّة مُعَقَّدَة. هُنَاك الْعَدِيدِ مِنَ النِّقَاطِ الرَّئِيسِيَّةِ الَّتِي تَبْرُزُ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا: 1.الطَّبِيعَة وَالْهَدَف :الْعِلْمِ هُوَ نَشَاط مُنَظَّم لِلْبَحْث وَ الِإسْتِقْصَاء الْمَوْضُوعِيّ لِلْحَقَائِق وَالظَّوَاهِر الطَّبِيعِيَّةِ وَ الِإجْتِمَاعِيَّةِ، بِهَدَف وَصَفَهَا وَتَفْسِيرُهَا وَإِدْرَاك قَوَانِينِهَا. أَمَّا الْأَيْدُيُولُوجِيَّا فَهِي مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْأَفْكَارِ وَ التَّصَوُّرَات الَّتِي تَعْكِس مَوْقِف أَوْ نَظَرَة مُعَيَّنَة تُجَاه الْمُجْتَمَع وَالْعَالِم، وَتَهْدِفُ إِلَى تَبْرِير هَذَا الْمَوْقِفِ وَ تَحْقِيق أَهْدَاف إجْتِمَاعِيَّة وَسِيَاسِيَّة مُحَدَّدَة. 2. الْمَوْضُوعِيَّة وَالْحَيَاد: يَتَمَيَّزُ الْعِلْم بِالمَوْضُوعِيَّة وَالْحَيَاد الْقِيَمِيِّ، فَهُو يَهْدِفُ إِلَى الْوُصُولِ إلَى الْحَقِيقَةِ الْمَوْضُوعِيَّة بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ الْآرَاء وَالْقَيِّم الشَّخْصِيَّة لِلْعُلَمَاء. بَيْنَمَا الْأَيْدُيُولُوجِيَّا هِيَ تَعْبِيرٌ عَنْ مَوْقِفِ قِيَمِيّ وَفِكْرِي مُحَدَّد، وَ تَسْعَى إِلَى تَبْرِير هَذَا الْمَوْقِفِ وَإِقْنَاعِ الْآخَرِينَ بِهِ. 3. الْمَنْهَجُ وَالْأَسَالِيب : يَعْتَمِدُ الْعِلْمَ عَلَى الْمَنْهَجِ الْعِلْمِيِّ الْقَائِمِ عَلَى الْمُلَاحَظَةِ وَالتَّجْرِيب وَالِإسْتِقْرَاء وَ التَّحْلِيل الْمَوْضُوعِيّ. أَمَّا الْأَيْدُيُولُوجِيَّا فَتَسْتَخْدُم أَسَالِيبُ إقْنَاعِيَّة وَتَعْبَوِيَّة تَهْدِفُ إِلَى تَرْسِيخ أَفْكَارُهَا وَ قِيَمِهَا فِي أَذْهَانِ النَّاسِ. 4. الطَّابَع الدِّينَامِّيكِي وَالنِّسْبِيَّة : الْعِلْمِ لَهُ طَابَع دَيْنٌامِّيكِي وَ نِسْبِيّ، فَالمَعَارِف الْعِلْمِيَّة قَابِلَة لِلتَّطْوِير وَ التَّعْدِيلِ بِنَاءً عَلَى الْأَدِلَّةِ الْجَدِيدَة. بَيْنَمَا الْأَيْدُيُولُوجِيَّات تَمِيلُ إلَى الثَّبَات وَ الْجُمُود، وَتَسْعَى إِلَى تَقْدِيمِ رُؤَى جَامِدَة وَمُطَلَّقَة. 5. الْعَلَاقَةِ مَعَ السُّلْطَة : الْأَيْدُيُولُوجِيَّا غَالِبًا مَا تَرْتَبِط بِالسُّلْطَة السِّيَاسِيَّةِ وَالإجْتِمَاعِيَّةِ، وَتُسْتَخْدَم كَأَدَاة لِتَبْرِير وَتَعْزِيز مَوْقِعُ هَذِهِ السُّلْطَةُ. فِي الْمُقَابِلِ، يَسْعَى الْعِلْمِ إلَى الْحِفَّاظُ عَلَى إسْتِقْلَالِيَّتِه وَحَيَادَه عَنْ التَّأْثِيرَات السِّيَاسِيَّة وَالْإِيدَيُولُوجِيَّة. بِشَكْلٍ عَامٍّ، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الِإخْتِلَافَ الأَسَاسِيّ بَيْنَ الْعِلْمِ وَ الْإِيدَيُولُوجْيَا يُكْمَنُ فِي أَنَّ الْعِلْمَ يَهْدِفُ إِلَى الْوُصُولِ إلَى الْحَقِيقَةِ الْمَوْضُوعِيَّة، بَيْنَمَا الْأَيْدُيُولُوجِيَّا تَسْعَى إِلَى تَحْقِيقِ أَهْدَافٍ سِيَاسِيَّةٍ وَإجْتِمَاعِيَّة مُحَدَّدَة مِنْ خِلَالِ تَبْنِي وَتَرْوِيج أَفْكَار مُعَيَّنَة. وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنْ الْعَلَاقَةُ بَيْنَهُمَا مُعَقَّدَة وَتَفَاعُلِيَّة، حَيْثُ يُمْكِنُ لِلْأَيْدِيولُوجْيَا إنْ تُؤَثِّرُ عَلَى تَوَجُّهَات الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ، كَمَا يُمْكِنُ لِلْعِلْمِ أَنْ يُسَخِّرَ لِخِدْمَة أَغْرَاض أَيْدُيُولُوجِيَّة
. النِّقَاط الْأَسَاسِيَّة لِلِإخْتِلَافِ بَيْنَ الْأَخْلَاق وَالْإِيدَيُولُوجْيَا
الْأَخْلَاقِ وَالْإِيدَيُولُوجْيَا هُمَا مَفْهُومَانِ مُخْتَلِفَان بِالرَّغْمِ مِنْ وُجُودِ بَعْضِ التَّدَاخُل بَيْنَهُمَا. فِيمَا يَلِي أَبْرَز نِقَاط الِاخْتِلَاف بَيْنَهُمَا: 1. الْمَنْشَأ وَالنَّشْأَة : الْأَخْلَاق هِيَ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْمَبَادِئِ وَالْقِيَمِ وَالْمَعَايِير السُّلُوكِيَّة الَّتِي تَنْشَأُ طَبِيعِيًّا فِي الْمُجْتَمَعِ بِنَاءً عَلَى التُّرَاث وَالْعَادَات وَالتَّقَالِيد. أَمَّا الْأَيْدُيُولُوجِيَّا فَهِي مَنْظُومَة فَكَرْيَّة مُصْطَنَعَة تَهْدِفُ إِلَى تَفْسِيرٍ الْوَاقِع وَتَوْجِيه السُّلُوك وَفَقَأ لِمَجْمُوعَةٍ مِنْ الْمُعْتَقَدَاتِ وَالتَّصَوُّرَات الْمُسَبَّقَة. 2. الطَّبِيعَة وَالْغَرَض : الْأَخْلَاق تَتَعَلَّق بِالسُّلُوك الصَّوَابِ وَ الخَطَأ وَمَا هُوَ أَخْلَاقِيّ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَهَدَفِهَا هُو تَنْظِيم السُّلُوكِ الْإِنْسَانِيِّ وَتَحْقِيقُ الْخَيْرُ وَالْعَدْلُ. بَيْنَمَا الْأَيْدُيُولُوجِيَّا تَعْنِي بِتَفْسِير الْوَاقِع وَتَبْرِير وِجْهَاتِ النَّظَرِ السِّيَاسِيَّةِ وَ الإجْتِمَاعِيَّةِ، وَهَدَفِهَا هُوَ التَّأْثِيرُ عَلَى الْآخَرِينَ وَكَسْب التَّأْيِيد لِوَجْهَة نَظَر مُعَيَّنَة. 3. الْمَوْضُوعِيَّة وَالنِّسْبِيَّة : الْأَخْلَاق تُعْتَبَر أَكْثَر مَوْضُوعِيَّة وَ عَالَمِيَّة نِسْبِيًّا، إذْ تَسْتَنِدُ إلَى مَبَادِئِ عَامَّة كَالْعَدْل وَالْإِنْصَاف وَ الرَّحْمَة. أَمَّا الْأَيْدُيُولُوجِيَّا فَهِيَ أَكْثَرُ نِسْبِيَّة وَتَنْحاز لِوُجُهات نَظَرَ جَمَاعِيَّة مُحَدَّدَة، فَهِي تَخْتَلِفُ بِإخْتِلَافِ السِّيَاقَات الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّة. 4. الْعَلَاقَةُ بِالْحَقِيقَة : الْأَخْلَاق تَهْدِفُ إِلَى الْكَشْفِ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَالتَّعَامُل مَعَهَا بِمَوْضُوعِيَّة. فِي الْمُقَابِلِ، تَمِيل الْأَيْدُيُولُوجِيَّا إِلَى تَزْيِيفِ الْحَقَائِق وَتَوْظِيفِهَا لِخِدْمَةِ أَجْنَدات مُعَيَّنَةٍ، وَهَذَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْعَدِيدِ مِنَ الْمُفَكِّرِينَ كـ"نِيتْشَهْ" و"فُرُويِد" و "مَارْكِس". 5. الصِّرَاع وَالتَّسَامُح : الْأَيْدُيُولُوجِيَّا تَمِيلُ إلَى إثَارَةِ الصِّرَاعَات وَالِإنْقِسَامَات بَيْنَ الْأَفْرَادِ وَالْجَمَاعَاتِ نَظَرًا لِطَبِيعَتِهَا الَّتِي تَقُومُ عَلَى التَّمْيِيزِ وَالِإنْحِيَاز. فِي الْمُقَابِلِ، تَدْعُو الْأَخْلَاقِ إِلَى التَّسَامُح وَالتَّعَايش وَالتَّفَاهُم بَيْنَ النَّاسِ عَلَى أَسَاسِ مِنْ الْمُسَاوَاةِ وَالْعَدْل. خُلَاصَةٌ الْقَوْلِ، فَإِنْ الْأَخْلَاق تَتَّسِم بِالْعُمُومِيَّة وَالمَوْضُوعِيَّةُ وَ الْمِثَالَيَّة، بَيْنَمَا الْأَيْدُيُولُوجِيَّا تَتَّصِف بِالنَّسَبِيَّة وَالذَّاتِيَّة وَ الْأَدَاتِيَّة. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ وُجُودِ بَعْضِ التَّدَاخُل بَيْنَهُمَا، إلَّا أَنْ الْفَرْق الْجَوْهَرِيّ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنْ الْأَخْلَاق تَتَعَلَّقُ بِمَا هُوَ صَوَابٌ وَ مَا هُوَ خَطَأٌ بِشَكْلٍ عَامٍّ، بَيْنَمَا الْأَيْدُيُولُوجِيَّا تَتَعَلَّق بِتَفْسِير الْوَاقِع وَتَوْجِيه السُّلُوك وَفَقَأ لِأَجْنَدَات مُحَدَّدَة.
_ هَلْ الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق مُجَرَّد أَيْدُيُولُوجِيَّات ؟
الْأَيْدُيُولُوجِيَّات تَكُونُ غَالِبًا ذَاتِيَّة وَثَابِتَة وَتَهْدِفُ إِلَى فَرْضٍ رُؤْيَة مُعَيَّنَةٍ عَلَى الْوَاقِعِ. أَمَّا الْأَخْلَاق فَهِي مَجْمُوعَةُ الْمَبَادِئِ وَالْقِيَمِ الَّتِي تَحْكُمُ سُلُوكَ الْإِنْسَانِ وَتَوَجَّه تَصَرُّفَاتِه نَحْوَ الْخَيْرِ وَالْفَضِيلَةِ. تَتَأَسس الْأَخْلَاقِ عَلَى الْعَقْلِ وَالضَّمِيرِ الْإِنْسَانِيّ، وَ لَيْسَ عَلَى أَسَاسِ أَيْدُيُولُوجِيّ مُحَدَّدٍ. هُنَاك تَيَّارَات فَكَرْيَّة تُناقِش الْأَخْلَاقِ مِنْ مَنْظُورٍ دِينِيٍّ أَوْ عَلِمَانِيّ، لَكِنْ الْأَخْلَاق بِحَدِّ ذَاتِهَا لَا تَنْتَمِي إِلَى أَيِّ أَيْدُيُولُوجِيَّة بِعَيْنِهَا. بِالطَّبْعِ، قَدْ تَتَأَثَّر الْأَخْلَاق وَالْعِلْم بِالسِّيَاق الِإجْتِمَاعِيّ وَالثَّقَافِيّ وَالسِّيَاسِيّ، لَكِنَّ هَذَا لَا يَعْنِي أَنَّهُمَا مُجَرَّدُ أَيْدُيُولُوجِيَّات. فَالْعِلْمُ يَسْعَى إلَى الْكَشْفِ عَنْ الْحَقَائِقِ الْمَوْضُوعِيَّة، بَيْنَمَا الْأَخْلَاق تَبْحَثُ عَنْ الْمَبَادِئِ الْكُلِّيَّة لِلسُّلُوك الْإِنْسَانِيّ الصَّحِيحِ. وَمِنْ هُنَا، فَإِنَّ الِإدِّعَاءُ بِأَنَّ الْعِلْمَ وَالْأَخْلَاق مُجَرَّد أَيْدُيُولُوجِيَّات هُوَ إدِّعَاءُ خَاطِئ وَمَضَلل. فِي الْوَاقِعِ، هُنَاكَ صِرَاع دَائِم بَيْن الْأَيْدُيُولُوجِيَّات وَالْعِلْمِ وَالْأَخْلَاقِ، إذْ تُحَاوِل الْأَيْدُيُولُوجِيَّات أَحْيَانًا التَّلَاعُب بِالْحَقَائِق الْعِلْمِيَّةِ أَوِ تَبْرِير إنْحِرَافَات سُلُوكِيَّة بِإدِّعَاءِات أَخْلَاقِيَّة زَائِفَة. لَكِنَّ هَذَا لَا يَعْنِي أَنَّ الْعِلْمَ وَالْأَخْلَاق فِي حَدِّ ذَاتِهِمَا هُمَا أَيْدُيُولُوجِيَّات. بَلْ إنَّهُمَا وَسَائِل لِمُوَاجَهَة الْأَيْدُيُولُوجِيَّات الْمُتَطَرِّفَة وَالتَّفْكِيرَ الْأَيْدُيُولُوجِيّ الْمُنْغَلِق. فِي الْخِتَامِ، الْعِلْم وَالْأَخْلَاق لَهُمَا خَصَائِص وَمَعَايِير مَوْضُوعِيَّة تَمَيُّزِهِمَا عَنْ الْأَيْدُيُولُوجِيَّات. فَالْعِلْم يَقُومُ عَلَى الْمَنْهَجِيَّة وَ التَّجْرِيب وَالتَّحَقُّق، بَيْنَمَا الْأَخْلَاق تَسْتَنِدُ إلَى الْعَقْلِ وَالضَّمِيرِ الْإِنْسَانِيِّ. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ تَأَثُّرِهِمَا بِالسِّيَاقَات الْمُخْتَلِفَةِ، إلَّا أَنَّهُمَا يَظَلَّان وَسَائِل لِمَعْرِفَة الْحَقِيقَة وَالْخَيْر، وَ لَيْسَ مُجَرَّدُ أَيْدُيُولُوجِيَّات ذَاتِيَّةٌ وَثَابِتَة.
_ نَحْوُ الْمَزِيدِ مِنْ التَّوَازُنِ وَالتَّكَامُلِ بَيْنَ الْفِكْرِ الْعِلْمِيِّ وَ الْأَخْلَاقِيّ وَالْإِيدَيُولُوجْيَا
الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْفِكْرِ الْعِلْمِيِّ وَالْأَخْلَاقِيّ وَالْإِيدَيُولُوجْيَا هِيَ عَلَاقَةٌ جَدَلِيَّة مُعَقَّدَة تَتَطَلَّب التَّوَازُنِ وَالتَّكَامُلِ بَيْنَهَا. وَفَقَاً لِلْبَحْث، هُنَاك عِدَّة نِقَاط هَامَة حَوْلَ هَذِهِ الْعَلَاقَة. الْأَيْدُيُولُوجِيَّا هِي "النَّسَق الْكُلِّيّ لِلْأَفْكَار وَالْمُعْتَقَدَات وَالِاتِّجَاهَات الْعَامَّةِ" الَّتِي تُؤَثِّرُ فِي بِنَاءِ الْمَنْظُومَةِ الْمَعْرِفِيَّةِ وَالْفِكْرِيَّة بِمَا فِي ذَلِكَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق. فَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْفِكْرِ الْعِلْمِيِّ وَالْأَخْلَاقِيّ مَع الْأَيْدُيُولُوجِيَّا هِيَ عَلَاقَةٌ تَأْثِير مُتَبَادَل وَ لَيْسَتْ أُحَادِيَّة الِإتِّجَاه. هُنَاكَ جَدَلِيَّةٍ بَيْنَ الْفَلْسَفَة (الْفِكْرِ الْعِلْمِيِّ وَالْأَخْلَاقِيّ) وَ الْإِيدَيُولُوجْيَا، فَالْإِيدَيُولُوجْيَا تُسَاعِدُ عَلَى تَفْسِيرِ الْوَاقِعِ وَ تَوْجِيه السُّلُوك، بَيْنَمَا الْفَلْسَفَة تَسْعَى إِلَى الْكَشْفِ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَ التَّسَاؤُل عَنْ الأُسُسِ وَالْمَبَادِئ. وَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ قَدْ تَكُونُ الْأَيْدُيُولُوجِيَّا عَقَائِدِيٍّة وَتُؤَثِّرُ سَلْبًا عَلَى الْمَنْظُومَة الْمَعْرِفِيَّة. هُنَاكَ حَاجَةٌ إلَى التَّوَازُنِ وَالتَّكَامُلِ بَيْنَ الْفِكْرِ الْعِلْمِيِّ وَ الْأَخْلَاقِيّ. فَالتَّطَوُّر الْعِلْمِيّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ دُونَ ضَوَابِط أَخْلَاقِيَّة قَدْ يُؤَدِّي إلَى إخْتِلَالِ التَّوَازُن وَ ظُهُور أَزَمَات أَخْلَاقِيَّة كَمَا يَرَى الْفَيْلَسُوفُ الْإِسْلَامِيُّ مُحَمَّدُ بَاقِرٍ الصَّدْر. كَمَا أَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعِلْمِ أَوْ الْأَخْلَاقِ وَالْعِلْم أَمْرٌ غَيْرُ صَحِيحٍ وَفَقاً لِرُؤْيَة بَعْض الْمُفَكِّرِين، فَالْإِسْلَام مَثَلًا يَرْبِطُ بَيْنَ الدَّيْنِ وَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاقِ فِي مَنْظُومَةِ مُتَكَامِلَة. هُنَاك مُحَاوَلَات لِإِقَامَةِ مُصَالَحَةُ بَيْن الْمَارْكِسِيَّة (كَإيديولُوجْيَا) وَالْأَخْلَاقِ، كَمَا لَدَى الْفَيْلَسُوف الْبِير كَامِّي Albert Camus، فِي مُحَاوَلَةٍ لِتَجَاوُز الْهُوَّةُ بَيْنَ الْقَيِّمِ الْأَخْلَاقِيَّة وَالرُّؤْيَة الْمَادِّيَّة لِلْوُجُود. وَ يَرَى الْبَعْضُ أَنَّ ظَاهِرَة "نِهَايَة الْأَيْدُيُولُوجِيَّا" وَ تَغْيِير بِنِيَّة الْأَحْزَابِ السِّيَاسِيَّةِ يُمْكِنُ أَنْ تُؤَدِّيَ إلَيَّ التَّوَازُن الْمَنْشُود بَيْنَ الْفِكْرِ الْعِلْمِيِّ وَالْأَخْلَاقِيّ وَالْإِيدَيُولُوجِيّ. فِي النِّهَايَةِ، لَا بُدَّ مِنْ الِإعْتِرَافِ بِأَنَّ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَجَالَاتِ الثَّلَاثَة (الْعِلْمِيّ وَ الْأَخْلَاقِيّ وَالْإِيدَيُولُوجِيّ) هِيَ عَلَاقَةٌ جَدَلِيَّة مُعَقَّدَة، تَحْتَاجُ إلَى مَزِيدِ مِنْ الدِّرَاسَةِ وَالْبَحْثِ لِلْوُصُولِ إلَى التَّوَازُنِ وَالتَّكَامُلِ الْمَنْشُود بِمَا يَخْدُم الْإِنْسَانِ وَالْمُجْتَمَعِ. وَهَذَا يَتَطَلَّبُ عَدَمَ الِإنْقِسَام وَالتَّطَرُّفَ فِي أَيِّ مِنْ هَذِهِ الْمَجَالَاتِ.
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الْعِلْم وَالْأَخْلَاق فِي الْحِكْمَةِ الْغَنُوصِيَّة
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْحِكْمَةِ الْهَرْمُسِيَّة
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ مَبَاحِث الْآكْسِيُّولُوجْيَا
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ إشْكَالَيْات الْكُوسْمُّولُوجْيَا
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي سِيَاقِ الثَّيُولُوجْيَا
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ تَصَوُّرَات الِأنْطولُوجْيَا
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ مُقَارَبَات الإِبِسْتِمُولُوجْيَّا
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْفَلْسَفَةِ الْمَادِّيَّةِ
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْفَلْسَفَةِ الْمِثَالِيَّةِ
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق سَطْوَة الْمَيِّتُافِيزِيقِيَا
-
نَقْد فَلْسَفِيّ لِلْخِطَاب الْعِلْمِيّ و الْأَخْلَاقِيّ
-
الْمَشْرُوع الْفَلْسَفِيّ الشَّامِل لِلْوُجُود الْإِنْسَانِي
...
-
أَخْلَاقِيَّات الْعِلْمُ وَ عِلْمِيَّة الْأَخْلَاق
-
حِوَارٌ مَعَ صَدِيقِي الشَّيْطَانُ الْأَكْبَرُ
-
جَدَلِيَّة الِإنْتِمَاء و الِإنْتِسَاب
-
جَدَلِيَّة التَّنْمِيط وَ التَّسْطِيح
-
السُّؤَالُ عَنْ السُّؤَال
-
إيلَون مَاسِك عَبْقَرِيّ أَمْ شَيْطَانِي
-
سُّلْطَة المُثَقَّف أَمْ مُثَقَّف السُّلْطَة
-
مَقَال فِي الأَسْئِلَةُ الْوُجُودِيَّة الْكُبْرَى
المزيد.....
-
حفلة تتحول لكارثة.. كاميرا ترصد لحظة انهيار شرفة تحمل أشخاصً
...
-
سلطات كورسك تشرع بالعمل على تطوير استراتيجية لإعاد إعمار الأ
...
-
ترامب يكشف أسباب شن الجيش الأمريكي عملية عسكرية -حاسمة- ضد ا
...
-
نكهةٌ بين الحموضة والحلاوة، ما سرّ وصفة طاجين اللحم بالبرقوق
...
-
وفد درزي سوري يزور مقام النبي شعيب في إسرائيل
-
-في رسالة تحد وصمود-.. أهالي مخيم النصيرات ينظمون إفطارا جما
...
-
تظاهرة احتجاجية في برلين ضد زيادة الإنفاق الدفاعي
-
مستشفيات نيوجيرسي الأمريكية تطلب من الأهل تقرير جنس المولود
...
-
جنوب إفريقيا ترد على قرار الولايات المتحدة بطرد سفيرها من وا
...
-
تونس.. وزارة الفلاحة تصدر بيانا بشأن دخول الجراد الصحراوي إل
...
المزيد.....
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|