أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أوزجان يشار - سلوك العمل الجماعي: بين الإبداع والاندفاع















المزيد.....

سلوك العمل الجماعي: بين الإبداع والاندفاع


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8281 - 2025 / 3 / 14 - 19:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يُعتبر السلوك الجماعي أحد أهم الموضوعات في علم النفس والاجتماع، حيث تلعب الجماعات دورًا مركزيًا في تشكيل الهويات، وصنع القرارات، وتحقيق الإنجازات. وبينما يمكن أن يكون التعاون الجماعي مصدرًا للإبداع والتقدم، فإنه قد يقود أيضًا إلى نزاعات وتدمير ذاتي، خاصة عندما تهيمن النزعة العاطفية على العقلانية.

في عالم الطبيعة، نجد أمثلة رائعة على المجتمعات التي تعمل بتناغم وانسجام مثل مجتمعات النمل والنحل والأسماك المفترسة كالبيرانا، حيث يتجسد العمل الجماعي في أبهى صوره لتحقيق البقاء والتطور. وهذا يطرح سؤالًا مهمًا: كيف يمكن للبشر الاستفادة من هذه النماذج الطبيعية لتحقيق أقصى استفادة من التعاون الجماعي، دون الوقوع في أخطاء التفكير الجمعي أو النزاعات التدميرية؟



لماذا ننتمي إلى الجماعات؟

الإنسان كائن اجتماعي بالفطرة، يبحث عن الانتماء ليجد الأمان، والدعم النفسي، والهوية المشتركة. وكما يقول الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو:

“لا يمكن للإنسان أن يعيش بمفرده، فالحياة الاجتماعية هي التي تعطيه معنىً لوجوده.”

يرى عالم النفس دوجلاس هاوات أن الهوية الفردية تتشكل جزئيًا من خلال الجماعات التي ننتمي إليها. على سبيل المثال، نلاحظ أن مشجعي الفرق الرياضية يستخدمون ضمير “نحن” عند الحديث عن فرقهم، حيث يشعرون بالفخر عند الفوز، ويتأثرون عاطفيًا عند الهزيمة.

لكن الجماعات لا تقتصر فقط على الرياضة، فهناك الجماعات الدينية، السياسية، المهنية، وحتى الجماعات الافتراضية عبر الإنترنت، وكلها توفر للفرد إحساسًا بالانتماء.

أما في الطبيعة، فالنحل والنمل يمثلان نموذجًا للعمل الجماعي، حيث يعمل كل فرد ضمن مستعمرته بوظيفة محددة تضمن استمرار الحياة، دون أنانية أو صراعات داخلية.



الأداء الفردي بين التحفيز والتراجع الجماعي

يرى عالم النفس روبرت زاجونك أن وجود الآخرين يمكن أن يكون عاملًا محفزًا أو معيقًا للأداء. فوفقًا لنظرية البراعة الاجتماعية، نجد أن الأفراد يؤدون المهام السهلة بشكل أفضل عند وجود جمهور، ولكن أداءهم في المهام الصعبة قد يتراجع بسبب القلق والتوتر.

من جهة أخرى، تشير دراسات التبطل الاجتماعي إلى أن الأفراد يبذلون جهدًا أقل عند العمل ضمن فريق إذا لم يكن هناك تقييم فردي للأداء. وهذا ما يحدث في الشركات الكبرى حيث يتراجع بعض الموظفين عن العمل الجاد اعتمادًا على جهود الآخرين.

في الطبيعة، نجد مثالًا رائعًا على الأداء الجماعي الفعّال في أسماك البيرانا، التي تصطاد فرائسها بطريقة منظمة وسريعة، حيث تتحرك كمجموعة منسجمة، مما يضمن نجاح عمليات الصيد.



التفكير الجماعي واتخاذ القرارات

رغم الاعتقاد السائد بأن العصف الذهني الجماعي يولّد أفكارًا أكثر إبداعًا، فإن الأبحاث تشير إلى العكس، حيث يكون الأفراد أكثر إنتاجية عندما يعملون منفردين. كما أن اتخاذ القرارات الجماعية قد يؤدي إلى نتائج كارثية بسبب ما يسمى بـ “التفكير الجماعي”، حيث يسود الإجماع على حساب التفكير النقدي، كما حدث في أزمة خليج الخنازير عام 1961، حيث أدت قرارات غير مدروسة إلى فشل استراتيجي كبير.

يقول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه في هذا السياق:

“العقل الجماعي ليس بالضرورة أكثر حكمة من الفرد، بل قد يكون أكثر غباءً حين يُقيد بالإجماع الزائف.”



القيادة وديناميات الجماعة

يؤدي القائد دورًا حاسمًا في توجيه الجماعة، فالقائد الفعّال لا يفرض الأوامر فقط، بل يُحفّز أتباعه ويستمع إليهم. وفقًا لعالم السلوك التنظيمي جيم كويك، فإن القادة الناجحين يتميزون بالكاريزما، والتواصل الفعّال، وقدرتهم على إدارة النزاعات.

أما في المجتمعات الطبيعية، فنجد أن ملكة النحل ليست مجرد قائدة تأمر، بل هي مركز النظام في الخلية، وتضمن استمرار الجماعة من خلال تنظيم العمل والتكاثر، وهو مثال رائع على القيادة التي تجمع بين الحزم والتنظيم.



أهمية العمل الجماعي اجتماعيًا واقتصاديًا

للعمل الجماعي تأثير هائل على المجتمعات البشرية، حيث يساهم في تعزيز القيم الاجتماعية وتقوية الروابط بين الأفراد. يقول الأديب المصري طه حسين:

“المجتمعات التي تؤمن بالتعاون، لا تسقط تحت وطأة الأنانية الفردية.”

اقتصاديًا، يعد التعاون عنصرًا أساسيًا في نجاح الشركات والمؤسسات. فالشركات العملاقة مثل جوجل وأبل تعتمد على فرق عمل متكاملة تتعاون لتطوير المنتجات وتحقيق الابتكار.

أما في الطبيعة، فإن مجتمعات النمل والنحل تقدم مثالًا مثاليًا على الاقتصاد التعاوني، حيث يقوم كل فرد بمهامه بدقة لضمان رفاهية المستعمرة بأكملها.



التطرف والتجاهل الاجتماعي

من الظواهر المثيرة للاهتمام “لا مبالاة المتفرج”، حيث يميل الأفراد إلى عدم التدخل عند وقوع حوادث في وجود حشود كبيرة، كما حدث في قضية كيتي جينوفيز عام 1964، حين شاهد 38 شخصًا جريمة قتل دون أن يتدخلوا لإنقاذها.

على العكس، أظهرت دراسات أن بعض المجتمعات، مثل البرازيل والهند، أكثر استعدادًا لتقديم المساعدة مقارنة بمناطق أخرى، مما يدل على أن الثقافة تلعب دورًا مهمًا في السلوك الجماعي.



فوائد العمل الجماعي وأسس بناء فرق العمل الناجحة

للعمل الجماعي فوائد متعددة على أي منظومة، ومنها:
1. زيادة الإنتاجية: حيث يتم توزيع المهام بناءً على المهارات، مما يعزز الكفاءة.
2. الابتكار والإبداع: العصف الذهني الجماعي يساعد في تطوير أفكار جديدة.
3. تعزيز الروابط الاجتماعية: العمل ضمن فريق يعزز روح التعاون والانتماء.
4. تقليل الأخطاء: فرق العمل تقلل من فرص ارتكاب الأخطاء الفردية.

كيفية بناء فرق العمل الناجحة
• وضع أهداف واضحة: يجب أن يكون لكل فريق هدف محدد يسعى لتحقيقه.
• تحديد الأدوار والمسؤوليات: حتى لا يحدث تداخل أو تقاعس.
• تعزيز التواصل الفعّال: لضمان تدفق المعلومات بين الأفراد.
• تشجيع التنوع الفكري: حيث يؤدي التنوع إلى مزيد من الإبداع.
• توفير بيئة محفزة: تدعم الابتكار وتشجع على العمل الجماعي.



السلوك الجماعي سلاح ذو حدين، يمكن أن يكون قوة دافعة نحو الإبداع والتقدم، كما يمكن أن يكون مدمرًا إذا لم يُحسن توجيهه. من خلال فهم ديناميات الجماعات، والقيادة الحكيمة، والاستفادة من تجارب الطبيعة، يمكننا بناء منظومات عمل أكثر فعالية، تساهم في ازدهار المجتمعات وتطورها.



المصادر
1. Robert Zajonc, “Social Facilitation,” Journal of Personality and Social Psychology, 1965.
2. Janis, I. L., “Victims of Groupthink,” Houghton Mifflin, 1972.
3. Rousseau, Jean-Jacques, The Social Contract, 1762.
4. Quick, Jim, “Leadership and Organizational Behavior,” University of Texas.
5. Nietzsche, Friedrich, Thus Spoke Zarathustra, 1883.



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- “برامج رامز: عبثية المحتوى وهدر المال.. متى ينتهي هذا الإسفا ...
- جماعة “الجمجمة والعظام” والرقم 322: سر النخبة الخفية
- رؤية السعودية الخضراء: خارطة طريق لتشجير المملكة ومستقبل بيئ ...
- قراءة في كتاب “عقل القائد: كيف تقود نفسك وموظفيك ومؤسستك لتح ...
- إشكالية تكيف المثقف العربي بين الاستقطاب السياسي والفكري ودو ...
- البحرين: رحلة عبر الزمن بين القلاع والأسواق والمعابد والأساط ...
- بيئة العمل المسمومة: كيف تؤثر على نجاح الشركات؟
- البلد: روح مدينة جدة القديمة
- معضلة القنفذ: فلسفة المسافة الآمنة في العلاقات الإنسانية
- الحمار المظلوم وحكمة “موت يا حمار”
- مجتمع النبل والإنسانية: دروس مستوحاة من الذئاب
- الصراع العالمي القادم على الليثيوم: وقود معركة الطاقة المستق ...
- إتقان منهج يونغ: رحلة إلى أعماق النفس البشرية
- سبينوزا وفلسفة السعادة: طريق العقل إلى الحرية
- الإحباط من الواقع قد يقتل فرص النجاح
- قواعد التعامل الاجتماعي
- مصاصي الطاقة والعلاقات السامة
- خطاء المديرين في الإدارة
- طواحين الهواء (متلازمة دون كيشوت)
- أنواع العقد النفسية: تحليل لأشهرها وأسبابها وآثارها وطرق الت ...


المزيد.....




- نيبينزيا: روسيا مستعدة لمفاوضات مباشرة مع كييف على الرغم من ...
- ترامب في البيت الأبيض.. حصيلة 100 يوم
- مصر.. شريحة هاتف تتسبب في أزمة كبرى وقضايا أمام المحاكم
- نيبينزيا: مشاركة القوات الكورية الشمالية في تحرير كورسك تتوا ...
- دول -بريكس- تدعو إلى تطوير الذكاء الاصطناعي ليفيد دول الجنوب ...
- بعد 100 يوم على تسلمه الرئاسة.. كيف قيم الأمريكيون أداء ترام ...
- دول -بريكس- تدعو إلى حل سلمي عاجل للصراع في السودان
- الرئيس المصري يفاجئ ابنة ضابط شرطة توفي عام 2013
- -حزب الكتائب يطالب -حزب الله- بتسليم السلاح فورا للدولة اللب ...
- وزراء خارجية دول -بريكس- يدعمون انضمام البرازيل والهند إلى م ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أوزجان يشار - سلوك العمل الجماعي: بين الإبداع والاندفاع