أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - متاهات المعنى: جدلية العدمية والوجودية والعبثية في الفكر الفلسفي














المزيد.....


متاهات المعنى: جدلية العدمية والوجودية والعبثية في الفكر الفلسفي


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8281 - 2025 / 3 / 14 - 12:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


د.حمدي سيد محمد محمود
تعد الفلسفات العدمية والوجودية والعبثية من بين أبرز التيارات الفكرية التي نشأت في سياق الحداثة الأوروبية، حيث عالجت قضايا جوهرية تتعلق بالمعنى، والحرية، والمسؤولية، وعلاقة الإنسان بالكون. وعلى الرغم من وجود تداخلات بينها، إلا أن كل منها يعكس تصورات مختلفة عن الواقع الإنساني وطبيعة الوجود. ومن خلال المقارنة الفلسفية، يمكن الكشف عن أوجه التشابه والاختلاف في أسس هذه الفلسفات وأثرها على الفكر الحديث والمعاصر.

العدمية: نفي المعنى واليقين

العدمية (Nihilism) هي فلسفة تقوم على إنكار وجود أي معنى جوهري للحياة، ورفض القيم المطلقة والحقائق الموضوعية. تعود أصول العدمية إلى الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، الذي رأى أن "موت الإله" أدى إلى انهيار المنظومة القيمية التقليدية، مما يترك الإنسان أمام فراغ وجودي عميق. غير أن نيتشه لم يكن عدميًا بالمعنى السلبي، بل دعا إلى تجاوز العدمية من خلال "إرادة القوة" وخلق قيم جديدة.

العدمية ليست بالضرورة إلحادية، رغم أنها تتوافق مع الإلحاد في إنكار الغايات الكونية والحقائق المتجاوزة للطبيعة. يمكن أن يوجد عدميون مؤمنون يرون أن الحياة، رغم وجود إله، تظل بلا معنى واضح. كما أن العدمية يمكن أن تتقاطع مع المادية، حيث أن إنكار أي بعد روحي أو ميتافيزيقي للحياة قد يؤدي إلى الإيمان بأن الوجود مجرد حتميات فيزيائية غير ذات غاية.

الوجودية: حرية الإنسان وخلق المعنى

الوجودية (Existentialism) على النقيض من العدمية، لا تنكر غياب المعنى الموضوعي فحسب، بل ترى أن الإنسان قادر على خلق المعنى بنفسه. الوجودية تؤكد على الحرية والمسؤولية الفردية، إذ يرى جان بول سارتر أن الإنسان "محكوم عليه بالحرية"، مما يعني أنه لا يملك مبررات خارجية لسلوكه، بل هو مسؤول بالكامل عن أفعاله.

الوجودية ليست بالضرورة ملحدة؛ فهناك وجوديون ملحدون مثل سارتر وألبرت كامو، ووجوديون مؤمنون مثل سورين كيركغور الذي رأى أن الإيمان نفسه هو خيار وجودي يتم اتخاذه في ظل غياب اليقين المطلق. كما أن الوجودية ليست بالضرورة مادية، حيث أن تركيزها على الذاتية والوعي والحرية قد يفتح المجال لتيارات روحانية أو دينية تتبنى أطروحاتها دون التخلي عن الإيمان.

العبثية: صراع المعنى واللامعنى

العبثية (Absurdism) تنطلق من فكرة مركزية وهي الصراع بين سعي الإنسان لإيجاد معنى للحياة وبين عجز الكون عن توفير هذا المعنى. يبرز ألبرت كامو باعتباره المنظر الأبرز لهذا التيار، إذ رأى أن الحياة في جوهرها عبثية، لكن هذا العبث لا ينبغي أن يؤدي إلى الانتحار أو الاستسلام، بل يمكن للإنسان أن يتبناه بوصفه تحديًا وجوديًا.

على غرار العدمية، لا تنكر العبثية غياب المعنى الموضوعي، لكنها تختلف عنها في أنها تدعو إلى موقف إيجابي تجاه هذا الغياب، حيث يرى كامو أن الإنسان يمكن أن يعيش بكرامة رغم إدراكه لعبثية الوجود. العبثية ليست بالضرورة إلحادية، فقد يكون هناك مؤمنون يتبنونها، معتبرين أن العلاقة بين الإنسان والإله قد تكون غير مفهومة أو محاطة بالعبث. كما أنها ليست بالضرورة مادية، إذ أنها تهتم أكثر بالسؤال الوجودي الأخلاقي أكثر من السؤال الفيزيائي.

مقارنة وتحليل

تتقاطع هذه الفلسفات في نقطة مركزية وهي الاعتراف بغياب المعنى الموضوعي للحياة، لكنها تختلف في كيفية التعامل مع هذا الغياب:

العدمية ترى أنه لا يوجد معنى ولا جدوى من محاولة البحث عنه.

الوجودية ترى أن الإنسان هو من يصنع المعنى بنفسه من خلال حريته ومسؤوليته.

العبثية تعترف بعدم وجود معنى لكنها ترى أن الإنسان يجب أن يقاوم هذا العبث بطريقة واعية.

من حيث علاقتها بالإلحاد، فإن العدمية هي الأقرب إلى الإلحاد الصريح، بينما تتبنى الوجودية موقفًا أكثر انفتاحًا على الإيمان، أما العبثية فتظل في منطقة وسطى بين الإيمان واللاإيمان، حيث تقر بأن الكون لا يجيب عن أسئلة الإنسان الوجودية. أما من حيث علاقتها بالمادية، فإن العدمية تتسق تمامًا مع الرؤية المادية للكون، بينما تظل الوجودية والعبثية أكثر اهتمامًا بالخبرة الإنسانية والوعي الذاتي، مما يجعلهما أقل ارتباطًا بالمادية الصرفة.

أي فلسفة هي الأكثر صوابًا؟

لا يمكن الجزم بأن إحدى هذه الفلسفات أكثر صحة من الأخرى، فكل منها يقدم إجابة مختلفة عن سؤال الوجود تبعًا لموقفه من المعنى والقيم والحرية. العدمية قد تبدو متطرفة في إنكارها لأي معنى، لكنها قد تعكس بصدق إحساس الإنسان الحديث بالعزلة والتيه. الوجودية تقدم مخرجًا عمليًا من المأزق العدمي، لكنها تتطلب شجاعة فردية لا يمتلكها الجميع. أما العبثية، فهي تقدم حلاً وسطًا يعترف بلا معنى الوجود لكنه يدعو إلى مواجهة هذا الواقع بشجاعة ووعي.

في النهاية، يبقى الخيار الفلسفي شخصيًا، فكل فرد يختار وفقًا لقناعاته وخبراته كيف يتعامل مع السؤال الأزلي حول معنى الحياة.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلمانية العسكرية وتداعياتها على الواقع السياسي العربي
- التحرر من سجن العقل: فن إيقاف التفكير الزائد واستعادة صفاء ا ...
- جدلية الدين والسياسة عند المعتزلة: رؤية عقلانية لمفهوم الحكم
- ثورة المصانع المظلمة: كيف تبني الصين اقتصادا بلا عمال
- جملة التوحيد في الفكر الاعتزالي: المفهوم والأسس الفلسفية
- الماهية والوجود في الفلسفة الأوروبية الحديثة والمعاصرة: صراع ...
- الجيش والسياسية في العالم العربي: تاريخ الانقلابات العسكرية ...
- الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل الهوية: نحو تصنيفات ما بعد بشر ...
- العلمانية السياسية: قراءة نقدية في المفهوم والممارسة
- آرثر شوبنهاور: الفيلسوف التشاؤمي وتأثيره الفلسفي العميق
- خطة مورغنثاو: محاولة خنق ألمانيا اقتصاديًا بعد سقوط النازية
- الفلك في ميزان الوحي والعلم: كشف أسرار الكون بين القرآن والا ...
- الاستبداد وصناعة العقول: كيف يُعيد الطغيان تشكيل الوعي الجمع ...
- صناعة الحقيقة: كيف يشكل الدين والسياسة والإعلام وعينا بالعال ...
- العلمانية الفلسفية: جدلية العقل والدين في تشكيل المجتمعات ال ...
- التفكير النقدي الإسلامي: بين ثوابت الدين وتحولات العصر
- أفلاطون والمجتمع المثالي: المدينة الفاضلة كمشروع فلسفي للعدا ...
- المجتمع العاقل بين الوهم والحقيقة: إريك فروموتشريح الاغتراب ...
- الحرب الأمريكية الإسبانية: صراع الإمبراطوريات وتحول القوى ال ...
- حرب الرفاق: جذور الصراع السوفيتي-الصيني عام 1969 وتداعياته ع ...


المزيد.....




- فيديو يُظهر نائب الرئيس الأمريكي يتعرض لصيحات استهجان في حفل ...
- حماس تُعلن استعدادها للإفراج عن رهينة أمريكي-إسرائيلي وجثث أ ...
- تفاعل واسع على مواقع التواصل بـ -قطايف- سامح حسين
- مصارع مصري يدخل موسوعة -غينيس- بعد أن سحب بأسنانه قطارا يزن ...
- فيضانات وسيول في بوليفيا تؤدي إلى تدمير المنازل والمحاصيل وا ...
- -هولي-... مهرجان الألوان الهندوسي يجذب الملايين
- لأول مرة.. وفد ديني درزي من سوريا في إسرائيل
- وزير الخارجية السوري يصل إلى بغداد في زيارة رسمية
- وزير عراقي يروي تفاصيل عملية لاغتيال صدام حسين كان طرفا فيها ...
- أوكرانيا تعلن -بدء تشكيل فريق لمراقبة وقف إطلاق النار-


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - متاهات المعنى: جدلية العدمية والوجودية والعبثية في الفكر الفلسفي