أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - أحمد زكرد - فلسفة نيتشه عن المرأة














المزيد.....


فلسفة نيتشه عن المرأة


أحمد زكرد

الحوار المتمدن-العدد: 8279 - 2025 / 3 / 12 - 02:55
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


إذا كان نيتشه (Nietzsche) فيلسوفًا متمردًا على القيم التقليدية (valeurs traditionnelles)، فإنه أيضًا كان فيلسوفًا مثيرًا للجدل في موقفه من المرأة (femme). لم يكن حديثه عنها مجرد امتداد للنظرة الذكورية السائدة في القرن التاسع عشر، بل كان تعبيرًا عن رؤيته الفلسفية العميقة حول الحياة (vie)، الإرادة (volonté)، القوة (puissance)، والأخلاق (morale). لكن هل كان نيتشه عدوًا للمرأة أم أن نقده كان موجّهًا لتمثلاتها في سياق ثقافي معين؟ كيف يمكن فهم موقفه في ضوء فلسفته العامة التي تقوّض كل يقين وتعيد تأويل المفاهيم السائدة؟
إن الحديث عن المرأة في فلسفة نيتشه لا يمكن عزله عن رؤيته للعالم بوصفه صراعًا مستمرًا بين القوى (forces). المرأة بالنسبة له ليست كائنًا ضعيفًا كما يراها التقليد الأخلاقي المسيحي (morale chrétienne)، ولكنها أيضًا ليست مساوية للرجل في المفهوم الحديث للمساواة (égalité). بل يرى أن المرأة تمتلك طبيعتها الخاصة التي يجب أن تُفهم خارج مقولات الأخلاق التقليدية. في ما وراء الخير والشر (Par-delà le bien et le mal)، يكتب: "تذهب المرأة إلى التطرف في الحب، في البغض، في عبادتها، في نكرانها"؛ هذه العبارة تعكس تصور نيتشه للمرأة ككائن مفرط (excessif)، لا يخضع للمنطق الذكوري العقلاني، بل يتحرك وفق إيقاع الحياة الغريزية (instinctive).
لكن هذا لا يعني أن نيتشه كان نصيرًا للمرأة كما تفهمها الحركات النسوية الحديثة (féminisme). فهو ينتقد بشدة محاولات تحرير المرأة وفق النموذج الذكوري (modèle masculinisé)، معتبرًا أن ذلك يؤدي إلى إفقادها جوهرها الطبيعي. في هكذا تكلم زرادشت (Ainsi parlait Zarathoustra)، يقول: "المرأة لغز يجب أن يكون حله هو الأمومة"؛ هنا يظهر ارتباط نيتشه بنظرة بيولوجية (biologique) لطبيعة المرأة، مما يجعله عرضة للانتقاد من قبل من يرون أن تصوره يرسّخ هيمنة الرجل.
غير أن قراءة نيتشه لا يجب أن تكون سطحية أو متعجلة. فمن جهة، هو يرفض المساواة الديمقراطية (égalité démocratique) لأنها تقوم على إلغاء الفروق الطبيعية (différences naturelles) بين الأفراد والجماعات، ومن جهة أخرى، هو ينظر بعين الريبة إلى الأنوثة كقوة مهددة لصفاء الفكر الفلسفي (pensée philosophique). المرأة عنده ليست مجرد موضوع للهيمنة الذكورية، بل هي عنصر فوضوي (élément chaotique) داخل الوجود، مما يجعلها خطرة بالنسبة للعقل الذي يسعى إلى النظام (ordre).
وإذا كان نيتشه يهاجم المرأة في بعض كتاباته، فإن ذلك لا ينبغي فهمه كتحامل شخصي (préjugé personnel)، بل كجزء من استراتيجيته الفلسفية في تقويض المفاهيم الثابتة. فهو يسعى إلى كشف الأوهام (illusions) التي بنتها الفلسفة التقليدية حول ماهية الإنسان (nature humaine) والمرأة جزء من هذا النقد. فهل يمكن أن نقرأ مواقفه ضد المرأة بوصفها تعبيرًا عن موقف نقدي أشمل ضد الحداثة (modernité) وأوهامها حول الحرية (liberté) والتقدم (progrès)؟
إن نقد نيتشه للمرأة لا ينفصل عن نقده للديمقراطية (démocratie)، والأخلاق المسيحية (morale chrétienne)، والميتافيزيقا (métaphysique). فكل هذه الخطابات ترتبط لديه بفكرة إضعاف الحياة (affaiblissement de la vie) والتخلي عن إرادة القوة (volonté de puissance). وعليه، فإن فهم موقفه من المرأة يتطلب إعادة التفكير في منظومته ككل، لا اقتطاع عباراته ووضعها في سياق أخلاقي-اجتماعي منفصل عن رؤيته الوجودية (vision existentielle).
إن نيتشه ليس فيلسوفًا يمكن ترويضه داخل ثنائية الصواب والخطأ (bien/mal). فهو يقلب كل المعايير، ويجعل من كل قضية مجالًا لتأويلات متعددة. لذلك، فإن مقاربته للمرأة ليست مجرد موقف ثابت، بل هي جزء من ديناميكية فكره التفكيكي (déconstructif). فهل يمكن أن نقول إنه كان ضد المرأة؟ أم أنه كان ضد أي تعريف جوهري (définition essentialiste) لها، تمامًا كما كان ضد أي تعريف جوهري للإنسان؟
يبقى فكر نيتشه مفتوحًا على إمكانيات قراءة متعددة. فهو من جهة، يبدو معاديًا للمرأة وفق المعايير الحديثة، لكنه من جهة أخرى، يفتح الباب أمام فهم جديد للأنوثة خارج حدود الأخلاق المسيحية والتقاليد الثقافية. إن نقده هو نقد للثبات (fixité)، وإعلانه لموت الإله (mort de Dieu) هو أيضًا إعلان لموت كل المفاهيم المطلقة التي حاولت الفلسفة الغربية ترسيخها عبر التاريخ. وفي هذا السياق، يمكننا التساؤل: هل نيتشه كان فيلسوفًا ضد المرأة أم أن موقفه جزء من نقده الأوسع للأخلاق المسيحية والقيم الحديثة؟



#أحمد_زكرد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة القيم والتربية في عصر الإعلام الرقمي
- اليوم العالمي للمرأة: تأمل فلسفي في مسار النضال والعدالة وال ...
- الطبيعة والثقافة في ضوء فيلم LEnfant Sauvage: رحلة الإنسان م ...
- إشكالية الحب عبر التاريخ
- الريح التي حملت الأمل: قراءة في فيلم The Boy Who Harnessed t ...
- تأملات في مسيرة الإنسان وتحديات المستقبل من خلال كتاب العاقل ...
- إشكالية الرغبة والسعادة في عالم متغير: من خلال فيلم -Nomadla ...
- الأتمتة وسؤال الإنسان
- الريد بيل Red pill: فلسفة جديدة لفهم العلاقات بين الجنسين وت ...
- نظرة بانورامية حول تاريخ الفلسفة منذ الاغريق الى الآن
- اشكالية الرغبة: جدلية النقص والإشباع في تشكيل الذات
- إشكالية نقد الدين بين الوعي والواقع: من فيورباخ إلى ماركس
- Lillusion et la vérité
- مستقبل سوريا في ظل الصراع الدولي
- الفلسفة المعاصرة: جدلية الإنسان بين انهيار اليقين والبحث عن ...
- إشكالية الهوية و الوجود الرقمي: بين الأصالة والاغتراب
- بين الظلم التاريخي وإعادة الاعتبار: إشكالية قراءة أفكار السف ...
- النقاب كظاهرة ثقافية: تحليل فلسفي واجتماعي في السياق المغربي
- الناسخ والمنسوخ والمفقود والمرفوع


المزيد.....




- امرأة تعلق بسيارتها 6 أيام بعد اصطدامها بخندق.. لن تصدق كيف ...
- فنانة مصرية: محمد حسين يعقوب منعني من العمل بعدما رفضت الزوا ...
- الخليلي: الاحتلال يعرقل تمكين النساء ويفرض واقعا مأساويا
- إيران.. امرأة تجر طائرة وتحطم رقما قياسيا!
- جنرال يحارب الجوارب النسائية -الحريرية- ويلقى حتفه في مياه ا ...
- كيف يمكن أن يؤثر عدد الأطفال على الصحة العقلية للمرأة؟
- “أحصلي على 800 دينار”.. رابط منحة المرأة الماكثة في البيت 20 ...
- أنباء عن زيادة المكرمة الملكية لمستفيدي الضمان 50% لرب الأسر ...
- الإفراط في استخدام الهاتف قد يصيب الاطفال بالهوس
- الولايات المتحدة.. التفاوت في الأجور بين النساء والرجال مستم ...


المزيد.....

- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - أحمد زكرد - فلسفة نيتشه عن المرأة