خطة بوش الجديدة : كثير من اللغو المفخخ

سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 1797 - 2007 / 1 / 16 - 13:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

القراءة المتأنية لما يسميه الرئيس الامريكى جورج بوش باستراتيجية أمريكية جديدة.. شر لا بد منه وواجب ثقيل لا مناص من القيام به. فمع ان هذا الرئيس بالذات هو من اقل رؤساء الولايات المتحدة ذكاء وأكثرهم سطحية وغثاثة وجهلاً ، ومع ان إدارته من اكثر الإدارات الأمريكية تطرفاً وعنصرية وازدراء للمجتمع الدولى والشرعية الدولية والثقافات الأخرى، فان "أدبيات" هذا الرئيس غير الذكى وتلك الإدارة المسكونة بالأطماع الإمبراطورية البالية واجبة النظر والفحص والتمحيص، خاصة إذا كانت تتعلق بمنطقتنا العربية.
وهذه الاستراتيجية "الجديدة" والتى هى آخر ابتكارات بوش وإدارته، تتناول الوضع فى العراق، وتتحدث عن دور مصرى فى هذا الوضع . ولذلك فان هذه الوثيقة الأمريكية لا يجب ان تمر مرور الكرام ، بل يجب قراءتها بعناية فائقة وتحمل ما بها من كلام فارغ يغيظ ويرفع الضغط.
وليست هذه اول مرة تصدر فيها توجيهات "استراتيجية " للرئيس بوش عن الوضع فى العراق. بل تكرر هذا كثيراً حتى قبل غزو العراق . وثبت بالتجربة الدامية ان معظم "مقدمات" هذه التوجيهات الاستراتيجية كانت كلاما فارغا وأوهاماً ذاتية وأكاذيب مقصودة، ولم يكن مفاجئا ان تأتى "نتائجها" مريرة للمحافظين الجدد الذين دبروا لغزو العراق منذ فترة ليست قصيرة فى سياق خطة إمبراطورية لاعادة تشكيل المنطقة وإخضاعها إخضاعاً مطلقاً للهيمنة الأمريكية- الإسرائيلية المشتركة.
وفى كل مرة يتحدث فيها بوش عن "استراتيجية " أمريكية جديدة فى العراق والمنطقة، ينتفض "المارينز العرب" ويصدعون رؤوسنا بالحديث عن " مآثر" هذه الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، ويبشروننا بان فيها "الشفاء" من كل الأوجاع العربية .
ومع ان الواقع يكذب هذه التحليلات المتداعية كل مرة فان هؤلاء " المبرراتية " لا يكلون ولا يملون ويطلون برؤوسهم من جديد على كل " مبادرة " أمريكية.
لكن بوش جعل مهمة هؤلاء اصعب هذه المرة .
اولاً لأنه اعترف صراحة ودون لف أو دوران بفشل كل استراتيجياته السابقة فى العراق.
وثانيا لأنه هو شخصيا قد توقع بان استراتيجيته "الجديدة" يمكن ألا تؤدى الغرض منها ، واعترف بأن نجاحها يحتاج الى المزيد من " التضحيات الأمريكية والعراقية "
وثالثا لأن الجديد فى هذا الاستراتيجية قليل جدا وهذا الجديد إما " مراوغاً " أو " خطيراً" .
ورغم ان بوش اعترف بالأخطاء الضخمة التى ارتكبها فى بلاد الرافدين ، وأعلن تحمله مسئولية كل ما حدث فى العراق من كوارث ، فانه مازال يتصور ان الطريق نحو الخروج من المستنقع العراقى هو استخدام المزيد من القوة . فى حين ان هذا المنهج هو الذى أدى الى هذا الإخفاق الفاضح . ومع ذلك فان الاستراتيجية " الجديدة " تقوم على الإبقاء على قوات الاحتلال ، بل وزيادتها .
إذن ليس هناك " جديد" من هذه الوجهة .
ما الجديد إذن؟
الجديد – أولاً – هو الحديث عن إنفاق حوالى عشرة مليارات من الدولارات لتحسين الخدمات العراقية المنهارة وإنعاش الاقتصاد العراقى، والحديث عن تعديل دستورى فى العراق يتيح إعادة توزيع عائد البترول العراقى على السنة والشيعة والأكراد حسب تعداد السكان فى كل إقليم.
وهذا حديث جاء متأخراً من ناحية، ومن ناحية ثانية فان مبلغ العشرة مليارات دولار مبلغ تافه لا يفيد فى عمل شئ حقيقى بعد أن أدى الاحتلال الأمريكى لتخريب كل شئ فى العراق بصورة مروعة.
ومن ناحية ثالثة فان التقارير الأمريكية ذاتها تؤكد أنه تجرى سرقة مليارات الدولارات من الثروة البترولية العراقية سنوياً وأن العراق أصبح من أكثر البلاد فساداً فى ظل "الحوكمة الأمريكية".
ومن ناحية رابعة فان مقارنة العشرة مليارات بتكاليف احتلال العراق التى ناهزت 300 مليار دولار تبين أن هذه "المكرمة" الأمريكية مجرد سخافة.
ومن ناحية خامسة فان الصيغة المطروحة لإعادة توزيع عائد البترول العراقى تكرس الانقسام الطائفى والعرقى وهو "الإنجاز" الأساسى الذى حققه الأمريكيون منذ احتلالهم للعراق حتى الآن.
والجديد – ثانياً – فى استراتيجية بوش هو مطالبة حكومة المالكى بوقف القتل على الهوية وسياسات التطهير الطائفى والانتهاكات الفظة لحقوق الإنسان، وبخاصة السنة. لكن المدهش فى هذا المطلب أنه يطلب من الذئب أن يكون نباتياً. فالمالكى هو أبو الطائفية، وحكومته طائفية حتى النخاع، وأجهزة الدولة التى يقودها، سواء فى الجيش أو الداخلية مخترقة بالطول والعرض من الميليشيات الطائفية، وممارسات هذه الحكومة ما دون الوطنية على كل الأصعدة. فهى إذن جزء من المشكلة .. فكيف تكون جزءا من الحل؟!
والجديد – ثالثاً – هو أنه بعد فترة من الغزل الأمريكى المباشر وغير المباشر مع طهران ودمشق عادت الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لنفس الاسطوانة المشروخة والمملة التى لم تكف واشنطن عن إذاعتها منذ اليوم الأول لاحتلال العراق عن تورط إيران وسوريا فى دعم المقاومة العراقية وإشعال أعمال العنف فى بلاد الرافدين. ومع أن هذا الاتهام ليس جديداً فان هناك مؤشرات خطيرة مصاحبة للعودة الى هذه النغمة القديمة.
المؤشر الأول: هو أن هذه الاستراتيجية التى قد تستهدف ضرب بعض الفصائل العراقية المرتبطة بإيران بصورة أو بأخرى، ربما تستهدف ما هو أبعد من ذلك أيضاً، وهو ضرب إيران نفسها أو سوريا فى مرحلة معينة كشكل من أشكال الهروب إلى الأمام.
والمؤشر الثانى: هو ما يتزامن مع ذلك فى نفس الاستراتيجية من عزم أمريكى على نشر شبكة صواريخ مضادة للصواريخ فى إسرائيل. الأمر الذى يعزز احتمالات أن تشهد المنطقة خلال فترة الشهور العشرة التى تغطيها هذه الاستراتيجية تصعيداً للحرب ليس فى العراق فحسب، وإنما فى المنطقة بأسرها على النحو الذى توقعناه فى مقال سابق.
وبهذا المعنى لا تكون استراتيجية بوش "الجديدة" استراتيجية "خروج" أو "تهدئة"، وإنما استراتيجية تصعيد ومواجهة خاصة مع إصراره على زيادة عدد القوات الأمريكية.
والجديد – رابعاً – وبالتوازى مع النقطة السابقة هو طلب بوش "المساعدة" من مصر والأردن ودول الخليج، أى السعودية أساساً.
ولم تقل استراتيجية بوش ما نوع "المساعدة" التى يجب أن تقدمها هذه البلدان، ولماذا، وفى أى إطار؟
وما يستدعى المزيد من الاستغراب بهذا الصدد أن الاستراتيجية التى تطالب هذه البلدان العربية بمد يد المساعدة، تجاهلت ذكر أى شئ يمكن أن يساعد حكومات هذه البلدان كى تساعد إدارة بوش فى العراق.
فلم تتحدث – مثلاً – عن اى ضغط أمريكي على إسرائيل لتحقيق تقدم او انفراج للأزمة الفلسطينية ، او غير ذلك من القضايا العربية !
واذا كان لهذا من معنى ، فان هذا المعنى هو ان استراتيجية بوش" الجديدة" تحاول توريط الدول العربية المشار إليها فى وضع خطير ربما يتطور إلى حرب شاملة فى المنطقة تاتى على الأخضر واليابس، وتكون فيها الخيارات بالغة الصعوبة والحساسية ، حيث إن طلب استراتيجية بوش الجديدة " مساعدة" بلاد عربية فى الأشهر القادمة ربما يكون معناه مطالبتها بالوقوف جنبا الى جنب مع إسرائيل فى مواجهة شاملة محتملة فى المنطقة .
الا يعنى ذلك أننا نحتاج الى قراءة هذه الاستراتيجية الأمريكية المسمومة .. مرة ثانية دون استخفاف .. وأيضا دون خوف؟!

#سعد_هجرس (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات