نزار فجر بعريني
الحوار المتمدن-العدد: 8274 - 2025 / 3 / 7 - 14:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إذا كان الكرد جزءا أصيلا من الشعب السوري الذي تشكّلت هويته السياسية الحديثة في أعقاب الحربين العالميين الأولى و الثانية لاعتبارات ترتبط بأهداف مشاريع سيطرة الدول المنتصرة، (وهي حقيقة راسخة، كحقيقة وجود الكيان السوري نفسه)، فهذا يعني أنّ حقوقهم السياسية هي أيضا جزء لايتجزأ من حقوق السوريين، ولا يمكن أن تتحقق إلا في مسارات نضال السوريين التاريخي المشترك لبناء دولة العدالة والمواطنة المتساوية والموحّدة. ينطبق هذا على الحقوق القومية الثقافية، التي يجب أن يكون التأكيد عليها في الدستور الوطني السوري الجديد، وفي مواجهات سياسات شوفينية سابقة، واضحا، وقطعيا، وغير قابل للتأويل، في إطار التأكيد على ضمان المساواة في الحقوق الثقافية لجميع أبناء القوميات التي تشكّل النسيج الاجتماعي السوري الواحد.
في إيدولوجيا وشعارات قسد، الوقائع متناقضة، وتؤدّي عمليا إلى نكران حقيقية أن الكرد جزء أصيل من الشعب السوري!
كيف؟
يُنظّر القسديون (و حماتهم الاوربيون والأمريكان، وواجهاتهم السياسية في مسد) إلى أطروحة "المكوّن الخاص"، للوصول إلى "الكيان"، فينادون بضرورة أن يتمتّع الكرد بحقوقهم السياسية الخاصة، وصولا إلى "حق تقرير المصير"، وتأسيس الكيان السياسي المستقل، ويغطّون على حقيقة وطبيعة دور الكيان السياسي الوظيفي في إطار تحقيق أهداف مشاريع سيطرة إقليمية، تتوافق مع سياسات تفشيل سوريا وتقسيمها، بأطروحات اللامركزية السياسية أو الفدرالية....
كيف نفهم طبيعة دوافع سياسات قسد التقسيميّة في هذه المرحلة؟
في أعقاب ما حصل في الثامن من ديسمبر من تغيّرات دراماتيكية، أسقطت سلطة الأسد، ووضعت هيئة تحرير الشام على مسارات التحوّل إلى سلطة دولة بالتنسيق مع تركيا والتوافق مع فصائل "الجيش الوطني" والحكومة المؤقّتة، سقطت منظومة التقسيم التي تمّ ترسيخ سلطاتها بعد ٢٠٢٠،و بات مشروعا أعرجا، يقف على رجل واحدة، و"إقليم شمال شرق سوريا" الإنفصالي وحيدا، في مواجهة صيرورة إعادة توحيد سوريا. بناء على رؤية هذه المخاطر الوجودية، وإدراك قيادة قسد استحالة الاستمرار خارج بيئة التقسيم الشامل، أطلقت جهود هجوم مضاد، على جبهتي الساحل والجنوب، تزامنت فيها وتكاملت خطوات وإجراءات وضع العراقيل أمام جهود تقدّم العملية السياسية مع حملات تحريض وتجييش طائفي، أستغلّت ما تواجهه السلطة الجديدة من تحدّيات، ويواكبها سياساتها من عثرات وأخطاء، ويستهدف التحريض والتجييش أبناء الساحل بشكل عام، والعلويين، بشكل خاص، لخلق رأي عام يرفض الاعتراف بشرعية السلطة الجديدة، ويطالب بالحماية الخارجية.
ليس خارج السياق، وفي مواجهة إمكانيات ومخاطر نجاح مسارات العملية السياسية، المدعومة بشكل رئيسي من تركيا، سارعت حكومة الحرب اليمينيّة الصهيونية إلى تكثيف جهودها من أجل زعزعة استقرار سوريا، عبر احتلال مناطق في الجنوب السوري و تهديد دمشق عسكريا، واستغلال ورقة الأقليات، وما رافقها من حملات تحريض إعلامية.
هكذا تبلورت ملامح محور جديد، تقوده إسرائيل إقليميّا، وتشكّل قسد قاعدته الرئيسية في سوريا!
شركاء إسرائيل اليوم في مشروع تقسيم سوريا هم أوّلا الداعمون الدوليون والإقليميون لبقاء كانتون ما يسمّى "شمال وشرق سوريا الديمقراطية"، وهم ثانيا، مرتكزات الكانتون في سوريا:
"قسد" و "مسد" و "الإدارة الذاتية"، و معهم على الصعيد السياسي طابور عريض من "نخب اليسار السوري" التقليدي، القومي والشيوعي، الذين ينسّقون مع مسد منذ ٢٠١٥، وهم معروفون بالأسماء والتيّارات والتجمعات؛ بالطبع علاوة على "الفلول العسكرية" التي تتواصل مباشرة مع قسد، وأعلنت عن نفسها بأسماء وتجمعات ميليشاوية في مناطق الساحل!
في هذه اللحظة السياسية النوعية من تاريخ صراع أصحاب المشاريع الخارجية على سوريا، وطبيعة أدوار أذرعها السورية، لقد بات خطرا على السلم الأهلي والأمن القومي السوري أن لايدرك السوريون الوطنيون حقيقة أنّ قسد التي تأسست ٢٠١٥ (لمحاربة داعش؟!) لا تمثّل مصالح السوريين الكرد أو غيرهم، لأنّ تأسيسها كميليشا YPG، و صيرورتها جيش "قسد"، أتيا في سياق مشروع أسدي/ إيراني وأمريكي، وأنّ قيادتها السياسية والعسكرية جزء لا يتجزأ من قيادات أربيل (التي باتت متمرّدة على قيادة حزب العمال الكردستاني التركي التاريخية)، وتشكّل عسكريا عمودها الفقري ميليشات "وحدات حماية الشعب" و "المرأة" التي كُلّف PYD، ذراع الأسد لمصادرة حقوق الكرد القومية المشروعة، في تأسيسها ٢٠١٢... ومكّنها الدعم الأسدي لاحقا في مناطق الكرد تحت يافطة "روج آفا"، كذراع لدق أسفين في وحدة صف النضال المشترك بين السوريين والكرد، وللتشبيح على الثوار الأكراد... وكان الشهيد مشعل التمو أبرز ضحاياها!! .
أمّا داعش، التي تتخذ قيادة قسد والأمريكان منها مبررا للبقاء، فقد كانت ذراع النظام الإيراني، شريك الولايات المتّحدة في "دعشنة" العراق... وقد سهّلت أمريكيا تمددها إلى سوريا، واستغلّت وجودها، لتحويل مشروع "روج آفا" الأسدي الى قاعدة ارتكاز وتحكّم استراتيجية بمسمّى "إقليم شمال وشرق سوريا"، لضمان استمرار تفشيل سوريا والعراق، وكقاعدة ارتكاز لتفكيك تركيا!!
الخنجر القسدي/ الأمريكي (الإيراني والأسدي) بات اليوم بعد الثامن من ديسمبر، وسقوط شريكه الأسدي/ الإيراني، رأس حربة وشريك إسرائيل لتقسيم سوريا.
أمّا تلك الشعارات التي تدّعي تمثيل حقوق الكرد، والديمقراطية واللامركزية، التي تتغطّى بها قوى التقسيم والتفكيك القسدية - الأربيليّة، وطابورها "الديمقراطي السوري"، فقد جعل منها خطاب الزعيم الكردي الأسير عبد الله أوجلان ممسحة تحت أقدام الكرد أوّلا، والسوريين ثانيا... وجميع شعوب المنطقة، التي تتقاطع مصالحها عند هدف بناء مؤسسات الدولة الوطنية الموحدة.
على جميع الذين تنطلي عليهم دعايات أحلام التقسيم الوردية أن يتساءلوا حول الأهداف الإسرائيلية/ القسدية الحقيقية في سوريا:
في 2 مارس/ آذار، صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر بأن "النظام السوري لم يُنتخب من قبل شعبه، بل هو مجموعة من الجهاديين الذين سيطروا على إدلب، ثم اجتاحوا دمشق وبقية المناطق بالقوة. ليس لهم الحق في اضطهاد الأقليات كالدروز، والأكراد، أو العلويين".
إسرائيل "هددت بالتدخل لحماية الدروز في منطقة جرمانا جنوب دمشق بعد دخولهم في مواجهات مع القوات الأمنية السورية، و أعلنت وزارة الدفاع ووزارة الخارجية الإسرائيلية، أن أي تدخل من قِبل حكومة دمشق ضد مجموعة صغيرة من الدروز المسلحين، الذين يرفضون تسليم أسلحتهم، ويخوضون مواجهات ضد القوات الحكومية، سيقابل بهجوم إسرائيلي على دمشق.
ولم يكتفِ وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر بذلك، بل وجّه تهديدًا لحكومة دمشق، محذّرًا إياها من التعامل بعدائية مع الأكراد والدروز والعلويين. ورافق هذه التصريحات تصعيد عسكري، حيث استهدف الجيش الإسرائيلي ما يقرب من مئة موقع داخل سوريا خلال يومين."
الهدف المركزي لإسرائيل هو سعيها لزعزعة استقرار سوريا، في ضوء مؤشرات عديدة على تقدّم مسارات الاستقرار التي يقودها أحمد الشرع، بمساندة مشروطة، أوروبيّة وأمريكيّة.
فصعود حكومة أحمد الشرع، بعد إسقاط سلطة الوكيل الأسدي، وحصولها على دعم وقبول إقليمي واسع – باستثناء إيران – لم يكن أمرًا مرحّباً به من قِبل إسرائيل.
لكن ما أزعجها أكثر هو النفوذ التركي المتنامي بشكل غير مسبوق في سوريا والمنطقة، إضافةً إلى الضغط على الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، لإلقاء السلاح.
ورغم أن حزب الاتحاد الديمقراطي قد تلقى دعمًا عسكريًا من الولايات المتحدة، فإنه في الوقت نفسه يمتلك ارتباطات وثيقة مع إسرائيل، وقد سعى لتعزيزها في ضوء ما يواجهه من مخاطر فقدان السلاح والسيطرة في أعقاب سقوط شريكه الأسدي في مشروع التقسيم. فقد سبق أن صرّحت إلهام أحمد، مسؤولة العلاقات الخارجية في قوات سوريا الديمقراطية – الواجهة السياسية لقسد – بأنّ "إسرائيل يجب أن تكون جزءًا من الحل لضمان أمن سوريا والشرق الأوسط"!.
أمّا طبيعة "الضمان" الذي يمكن أن تقدمه إسرائيل، ويتوافق مع مصالح مشروع سيطرتها على سوريا والإقليم، ويتقاطع مع مصالح مسد وقسد، فهو مصلحة إسرائيل وسعيها إلى منع سوريا من استعادة وحدتها و استقرارها وقوّتها، وتثبيت عوامل التفشيل والتقسيم، وذلك من خلال استخدام الدروز في الجنوب، والعلويين في الساحل، والأكراد في الشمال كأوراق وأذرع، إضافة إلى مواجهة تحسّن العلاقات بين سوريا وتركيا، الدولة الجارة التي ترتبط عوامل أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية بتوفير شروط وحدة سوريا، واستقرارها.
التساؤل الذي يطرح نفسه:
هل ينحاز الغالبية العظمى من "الدروز" إلى إسرائيل؟
يؤكد خبراء تحدثوا عن الملف السوري، أن الورقة الدرزية التي تلوّح بها إسرائيل ليست سوى خدعة، ولا تمتلك أي مصداقية على الأرض.(١)
علاوة على ما أظهره أهل الجبل تاريخيا من ارتباط وثيق بالوطن الأم، رغم كلّ المحن التي عاشتها سوريا، فليس للسوريين من أبناء الجبل مصالح اقتصادية أو سياسية أو أمنية في مقاطعة السوريين، أو الدخول في علاقات عدائية!
مع تصاعد التوتر بين دمشق وتل أبيب، أعلن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط عزمه زيارة العاصمة السورية للقاء الرئيس أحمد الشرع، في خطوة تهدف إلى التأكيد على التزام الدروز بدعم الدولة السورية، وعدم الانجرار إلى أي تحالفات مشبوهة مع إسرائيل.
هل يمكن للعلويين والأكراد أن يتحالفوا مع إسرائيل؟
تحاول إسرائيل كذلك استمالة العلويين والأكراد إلى صفها ضد دمشق. لكن وفقًا لجميع المعطيات فإن غالبية العلويين من ضحايا سياسات الأسد هم ضحايا الخوف وفقدان الثقة الذي تجيّره أبواق وقوى التقسيم لتجييش الرأي العام، ودفعه إلى قبول التقسيم! يُعاني العلويين منذ عقود من التهميش، ولم يكن وضعهم الاقتصادي والاجتماعي جيدًا، لذا لا مصلحة لهم في التورط في أي صراع جديد. من المؤسف أنّه كما كان العلويين ضحايا سلطة الأسد،
يمكن أن يكونوا اليوم ضحايا "فلول ميليشات الأسد"، وهو ما يتطلّب الإعلان عن موقف واضح وصريح من النخب السياسية والثقافية الوطنية، برفض سلوك العصابات المسلّحة التي تهاجم عناصر السلطة الجديدة، وتحميل الذين يحرضون الرأي العام المسؤولية القانونية والأخلاقية . الرأي الواضح بات أيضا مطلوبا من قبل نخب اليسار السوري، التي دعمت أو غضّت النظر عن طبيعة قواه و اهدافه .
التساؤل الرئيسي الذي يطرح نفسه، برسم الإجابة الواقعية :
هل تدرك السلطة خطورة عدم تقديم ما يخفف المخاوف، ويطمئن الرأي العام "العلوي"، وعدم تركهم أدوات بيد قوى التقسيم؟!
هل تدرك خطورة التساهل مع رؤوس الفتنة، الذين تصدروا مشهد تحريض العلويين؟
كلّ الإجراءات باتت مطلوبة، الميدانية والسياسية.
الإعلان عن تشكيل حكومة انتقالية وطنية، وبرنامج سياسي واضح، يطمئن جميع أبناء الساحل والجبل، و مشاركة مباشرة من أعلى مستويات السلطة في طمأنة الرأي العام السوري، باتت إجراءات ضرورية... كما هو ضروري الكشف عن خيوط مشروع التقسيم، وطبيعة القوى التي تعمل عليه.
#نزار_فجر_بعريني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟