|
جانب من حياة الرحاله العراقي يونس بحري ومذكراته في سجن ابو غريب بعد ثورة 14 تموز 1958 بصيغة حوارية الجزء الثاني
خالد محمود خدر
الحوار المتمدن-العدد: 8274 - 2025 / 3 / 7 - 14:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قضى يونس بحري حياته ، كما تبين في الجزء الأول من المقال ، متنقلا من مكان إلى آخر ومن عمل الى آخر ونهج نهجا متفردا وزار مختلف الدول في مشارق الارض ومغاربها. نسج حول أسفاره قصصا أسطورية تصلح في كثير من محطاتها عبرا للناس و حديثا للمجالس.
لنقرأ له في هذا الجزء وبقية الأجزاء عن ما كتبه في مذكراته عن سجن أبو غريب بصيغة حوارية تجعل من أحاديثه بخصوص ما عاشه و رصده في السجن عن ما مروا به ، صيغة تأخذ طابعا آخر يكون فيه طرفا مجاوبا معقبا كشاهد عيان عن ما عايشه من أحداث السجن واقعا. كتب مذكراته التي اضحت بمثابة وثيقة تاريخية تحكي للأجيال العراقية واقع ما عاشه رجال العهد الملكي وطريقة التعامل معهم بعد ما تم زجهم في السجن عقب وقوع ثورة 14 تموز 1958 مباشرة ، و بضمنهم كاتب هذه المذكرات الذي كان رسميا مطاردا و مطلوبا للحكومات الملكية المتعاقبة أكثر من ثمانية عشر عاما ، ولكن بمجرد وصوله صدفة إلى بغداد قادما من بيروت قبل الساعات الأخيرة من وقوع الثورة ، وزيارته ل نوري السعيد رئيس الوزراء الحكومة الملكية ، دارت عليه وقائع الزمن ليعتبر أحد رجالها ويصبح مطلوبا من الحكومة العراقية الجديدة بعد الثورة مباشرة. ولمن يريد التفاصيل عليه بأصل كتاب مذكراته عن هذا السجن التي وثقها و قدم لها السيد خالد عبدالمنعم العاني و طبعها تحت عنوان : مذكرات الرحالة يونس بحري في سجن ايو غريب مع رجال العهد الملكي في العراق بعد مجزرة قصر الرحاب 1958. هذه المذكرات صدرت عن الدار العربية للموسوعات ، عام 2005.
في الجزء الثاني هذا وبقية الأجزاء من المقال ، وبغية تسهيل متابعة و قراءة المذكرات هذه ، تم إعادة ترتيبها لتأخذ طابع حواري مع كاتبها يونس بحري مع الحفاظ تماما جوهرا و نصا على ما ورد في متن المذكرات هذه ، كما هو مائة بالمائه ، مفترضا في هذا الحوار لقاءا افتراضيا معه صاحبه حوارا لمناقشته عن وقائع اعتقاله وسجنه ليكون جوابه في كل مرة واقعا كتبه بنفسه عبر ما ورد في مذكراته التي طبعت بعد سبع واربعين سنة من وقوع ثورة تموز ، ويكون اللقاء الافتراضي هذا وفقها بعد سبعة وستين عاما و بعد وفاته بقرابة ستة وأربعون عاما.
حوارا افتراضيا أتى تصرفا بصيغة سؤال وجواب ، بغيه تسهيل متابعه قراءه الملاحظات المقتطفه نصا من مذكرات يونس بحري هذه التي دونها بقلمه عندما ساقته وقائع الأحداث ليكون كما اشرت ضمن المطلوبين من رجال الثورة ويزج بعدها مباشرة في سجن ابو غريب مع رجال العهد الملكي من رؤساء وزارات ووزراء ومتصرفي ألوية (محافظ محافظات) ومدراء عامين وغيرهم ، وشاءت وقاىع الاحداث أن يكون في قائمة الذين القي عليهم القبض في التسلسل الثاني من المطلوبين ، بعدما قبض عليه في اليوم الاول لثورة 14 تموز 1958 وسبقه فقط إلى قاعة السجن التي خصصت لهم وزير الداخلية سعيد قزاز الذي كان في مقدمة المطلوبين الذين توالت عمليات إلقاء القبض عليهم تباعا بصفتهم كبار رجال الدولة في العهد الملكي ، ليزجوا في نفس القاعة التي حشر فيها يونس بحري ، وهم كلهم لم يتوقعوا ان يأتي عليهم يوما أن يروا أنفسهم فيه بما هم عليه من ملابس النوم ، يقتادون مكبلة اياديهم بالحديد و يصب عليهم الضباط والجنود شتائمهم من العيار الثقيل الذي تعافه النفس ويمجه الذوق ، ليستلمهم اخيرا رئيس عرفاء بالسجن دافعا بهم إلى القاعة المخصصة لهم ليتفاجوا ثانية ببقية زملائهم من رجال ذلك العهد وهم في حال وأحوال لم يتوقعوها حتى في المنام. الجدير بالملاحظه انه بين المسجونين موظفي دوله غير سياسيين مثل المذيعين والصحفيين وغيرهم ممن هم دون درجة وزير ، في وقت تعاملت الثورة مع اغلبية قادة و ضباط الجيش العراقي وبقيه مراتبه وكأنهم جميعا من فجر الثورة عدا وزير الدفاع ورئيس اركانه وقادة بعض الفرق فقط. يبقى الجدير بالذكر عن الحوار هذا ، ان اي اضافه بسيطة يقتضيها الحديث واستمراريته غير مأخوذة عن جوهر الكتاب نفسه قد كتبت بخط مائل ليسهل ملاحظتها.
الحوار الافتراضي : بداية نتشرف بلقاء السيد يونس بحري الرحالة العراقي الذي ذاع صيته في حياته في كل أرجاء العالم ، وجرت أحاديثه على كل لسان أيام حياته ، وهو في كل هذا يعتبر أسطورة تحدى فيها المستحيل ، متنقلا بين قارات العالم ودوله مع انه كثيرا ما وجد نفسه مطاردا مطلوبا محكوما بالاعدام دون أن يرجف له جفن. وقبل أن أعرض عليه مجموعه من الأسئلة التي تخص حياته بما جابهه فيها من مواقف وأحداث اجتماعية وسياسية ، اشير إلى ان الجزء الاول من هذا المقال تناول مختصرا جانب من حياته ورحلاته في أرجاء الأرض ، وهو ذو شخصية تتصف بمزيج من الواقعية والعجائبية والاسطورية وفقا لسيرة المغامرات التي خاضها هذا الرجل العجيب المتعدد المواهب والاختصاصات ، ولا غرابة فقد حمل خمس عشرة جنسية وأسس ست عشرة إذاعة ، وأتقن سبع عشرة لغة عالمية. في كل تنقلاته ورحلاته بقيت أربعة أشياء متلازمة معه هي جواز سفر، قنينة عرق، فرشاة أسنان وأدوات الحلاقة. وفي أواخر ايامه عاد إلى العراق ليقضي ما تبقى من عمره في بيت أحد أقربائه ، دون ان يتحسر على شيء لأنه عاش حياته بكل تفاصيلها ، من الرهبنة والتعبد والتصوف إلى الرقص واللهو والسكر بالإضافة إلى السياحة والرياضة والصحافة والإذاعة والتنقل بين الزوجات كما لو كانت بلداناً يطوف بها، وكان الحصول على المال من أيسر الأشياء بالنسبة له. ولكنه مع كل هذا مات وحيداً مفلساً هكذا انتهت حياة هذا الرحالة الكبير بعد أن طاف العالم، والتقى كبار الرؤساء والملوك، وشبع من الدنيا ومن فيها ، ليرحل بصمت بعد أن ملأ الدنيا ضجيجاً لفترة طويلة.
بحري معقبا: شكرا لك على كل هذا التقديم والتفاصيل التي عرفت بعضها المتعلق بنهاية حياتي لأول مرة. كما تفاجأت من حديثك ، أن مذكراتي حول السجن عقب ثورة 14 تموز 1958 قد وجدت طريقها للطبع ولعل الأجيال اللاحقة قد قرأتها واستفدت منها. توضيح: بداية يمكن القول إن الحوار يأتي وكأنه يمثل لقاءا مباشرا عبر مجموعة من الأسئلة التي تخص فترة سجن يونس بحري في ابو غريب ببغداد بعد وقوع الثورة مباشرة ، وهو الذي عاش طيلة الثمانية عشر السابقة لها مطاردا مطلوبا لحكومات العهد الملكي المتعاقبة. وياتي الحوار هذا بصيغة سؤالا محددا يعقبه جوابا وردا من قبل يونس بحري وفقا لما كتبه نصا في مذكراته حول ذلك السجن. ان مجموع الاسئلة واجوبتها غطت جانبا كبيرا من مذكرات يونس بحري التي عملت على كتابتها بهذه الصيغه لما تحمله اولا من معلومات مهمه عن طبيعه ووقائع ما جرى بعد الثورة على لسان شاهد عيان يمكن ان يجد القارئ فرصة للتسلية مع تلك المعلومات.
نص الحوار: بداية اسال السيد يونس بحري ، متى ولماذا جئت الى بغداد صيف 1958 علما بان عائلتك كانت تعيش في بيروت منذ زمن ليس بالقصير ؟
بحري: كنت قد وصلت بغداد مصحوباً بزوجتي ظهر يوم الأحد ١٣ تموز ١٩٥٨ ، هرباً من رصاص الثورة في بيروت الذي كان يشمل داري في حي الظريف. وكان بعض رجال المقاومة الشعبية قد اتخذوا سلم داري قاعدة لنشاطهم الحربي، فقلت لزوجتي هيا بنا إلى بغداد لنستريح من الرصاص والقنابل . قالت: ولكن بغداد في مثل هذا الوقت من الصيف جهنم وحريق. قلت: إن حريق بغداد أهون بكثير من رصاص بيروت.
سؤال : ولكن قيل وقتها أن الحكومة الملكية علمت بوصولك إلى بغداد ، فهل هذا كان صحيحا ، و عليه اين ذهبت بعد وصولك الى بغداد؟
بحري : نعم كان صحيحا ، إذ ارسل في طلبي نوري السعيد، وكان هناك خلاف بين السعيد وعبد الناصر فطلب مني نوري السعيد أن اذيع مقالاته ضد عبد الناصر. فوافقت.
سوال: يبدوا لهذا السبب اعتبرت بعد الثورة كأحد أنصار نوري السعيد في حين أنك حاربت الاستعمار والسياسة البريطانية والوجود الأجنبي في العراق سنين طويلة. ولعل هذا السبب كان كافيا بعد الثورة لاعتقالك لفترة تقارب السبعة أشهر في سجن أبو غريب.
بحري: أطلق سراحي دون محاكمة لعدم كفاية الأدلة، وعدم وجود قضية أصلاً، وذلك جاء بعد مقابلة حامية مع عبد الكريم قاسم.
سؤال: بعد وصولك إلى بغداد ولقاءك مع نوري السعيد قبل يوم واحد من وقوع الثورة ، اين ذهبت ؟
بحري: انتقلت من الفندق الذي نزلت فيه بداية الى دار ابن اخي و في اليوم التالي ، استيقظت في الساعة السادسة من صباح يوم ١٤ تموز ١٩٥٨ على أصوات كانت تتعالى من الطابق الأرضي في منزل ابن أخي العقيد الركن وحيد صادق الجبوري وهو مساعد رئيس استخبارات الجيش العراقي الزعيم عبد المجيد حسن الذي عين أميناً للعاصمة يوم ١٤ تموز. وكنت قد وصلت إلى بغداد مع زوجتي في اليوم السابق، قادمين من بيروت ونزلنا ضيفين عليه.
سؤال: وبعد ذلك هل خلدت إلى النوم؟
بحري: كلا ، بعد ربع ساعة طرق باب غرفتي طرقاً عنيفاً. وقبل أن أرد على الطارق فتح الباب وأطل ابن أخي وقال وهو يحملق في وجهي بعصبية ظاهرة : عماه لقد قام الجيش بانقلاب عسكري . بعدها قال لي : إنني ذاهب إلى وزارة الدفاع فابق أنت هنا لترى جلية الأمر. استمع إلى إذاعة بغداد. إن صديقي العقيد عبد السلام عارف قد خاطبني تلفونياً. وطلب إليَّ باسم مجلس قيادة الثورة أن أذهب إلى الوزارة ، لأرابط في مقر إدارة الاستخبارات لتلقي الأوامر وتنفيذها.
سؤال: ماذا عن موقف بقية العراقيين من الثورة ؟
بحري: لقد ظن الناس بأن الجيش العراقي بأسره هو الذي زحف على بغداد بخيله ورجاله، فكان لمباغتة الإذاعة العراقية الناس بالانقلاب بصوت العقيد عبد السلام عارف وبياناته الثورية الرسمية، الأثر المنشود في نفوس الناس ! .
سؤال: يقال إنه تم البحث عنك من قبل ضباط من الجيش في كل مكان يتوقعون انت فيه ووجدوك في دار ابن اخيك واخذوك بعدها الى التسفيرات. كيف تم ذلك؟
بحري: أحد أصدقائي نقل إلى شرطة بغداد بأنني موجود في دار العقيد الركن وحيد صادق الجبوري، فقام هؤلاء السادة النجب بإبلاغ الخبر إلى انضباط الجيش، فبعثوا لي الرئيس سعيد مطر، فنقلني إلى وزارة الدفاع بعد أن أقسم لي يشرفه العسكري أنني معتقل على سبيل الاحتياط إنقاذاً لحياتي، وأن سراحي سيطلق عندما تهدأ الأحوال وأدخلت إلى مكتب عريف الخفر، ساعة وصول جثة نوري السعيد محمولة على سيارة جيب، وكانت الساعة الرابعة بعد ظهر يوم ١٥ تموز ١٩٥٨.
هكذا شاءت الأقدار أن أقع في الفخ، وصرت بالفعل كالمستجير من الرمضاء بالنار ، وفي الواقع لو لم أنتقل عصر ذلك اليوم من فندق ريجنت بالاس إلى دار ابن أخي العقيد الركن وحيد صادق الجبوري مساعد رئيس استخبارات الجيش العراقي، لكنت اليوم في عداد المسحولين الذين قضوا نحبهم في صباح ذلك اليوم العبوس القمطرير. فلقد نشرت الصحف العراقية الصادرة يوم ١٤ تموز ١٩٥٨ ، خبر وصولي إلى بغداد، معددة الولائم والحفلات التي سيقيمها لي فلان وفلان، وذكرت أنني حللت في فندق ريجنت بالاس، وقد ألقي القبض على جميع السادة الذين كانوا سيقيمون لي الحفلات، وقصد الفندق متطوعون كثر لسحلي والتمثيل بي ولكنهم لم يجدوني هناك فسرت إشاعة بأنني قد هربت من بغداد.
سؤال: وهل عرفت من هو الصديق الذي ابلغ عن مكانك؟
بحري: التقيت في بيروت بعد اطلاق سراحي بأحد كبار ضباط الجيش وتكلم عن رأيي بأحد أصدقائي الذي مدحته امامه. بعدها أردف قائلاً : لقد كنت أحد الضباط الموفدين للبحث عنك. فقصدنا فندق ريجنت بالاس، فقال لنا صاحب الفندق إن صلحي الطرابلسي يعرف المكان الذي توجد فيه .. وبمجرد سؤالنا الطرابلسي تلفونياً أجاب بأنك في بيت العقيد وحيد. وكان هذا كافياً لإلقاء القبض عليك . ولكن يؤسفني ان اتذكر بانني بقيت في بغداد سنة ونصف السنة بعد إطلاق سراحي من السجن وأنا أخدم هذا الصديق وأساعده، وأقتر على نفسي لأرفه عليه.
سؤال: لنرجع الى ما حصل لك بعد اعتقالك ؟
بحري: بقيت في مكتب عريف الخفر التابع للانضباط العسكري بوزارة الدفاع وأنا لاه عما يدور حولي، أدخن لفافات تبغ باعني إياها العريف بثلاثة أضعاف ثمنها الرسمي، وكان العريف رجلاً مهذباً ومتأدباً يعنى بالأدب العربي وينظم الشعر، وعربياً شهماً فقال لي: أنا لا أعرف من أنت. وربما تكون أحد الوزراء، ولكن يظهر لي من هيئتك أنك ابن حلال، فهل تريد أن أدبر خروجك من هنا ؟ .س قلت له : يا أخي إنني لست وزيراً ولم أكن قط مسؤولاً. ومع هذه الإيضاحات لم يفهم العريف حقيقة الرجل الماثل أمامه ولم يعرف اسمه، فلم أشأ أن أقول له من أنا، ما دام الأمر لا يهمه على ما يظهر فسكت. قبل أن نعود إلى الكلام مر من أمام باب المكتب ضابط برتبة ملازم كنت أعرفه من مدينة الموصل، وهو شيوعي قديم ، وما إن رآني حتى جمد في مكانه واقترب مني حتى صار على بعد مترين، وبسرعة البرق الخاطف انهال علي ضرباً وشتماً، وأتبع ذلك بصاقاً انهمر على وجهي وعلى رأسي وملابسي، ثم حاول سحب مسدسه، فتصدى له العريف وقال له : أنا مسؤول عن حياة هذا الرجل وأنا عريف الخفر، فإذا لم تذهب فإنني سألقي القبض عليك . فذهب الضابط، واسمه مصباح الخيرو، ولم أر وجهه مرة ثانية إلا في سجن الأحداث حيث عين مساعداً لآمر السجن. وقد كان من حسن حظي وقتها أن الزعيم عبد الكريم قاسم قد أمر بإطلاق سراحي بكفالة. رأى بعض الجنود الضابط الخيرو وهو يضربني ويشتمني في مكتب عريف الخفر، فتجمهروا حول باب المكتب، وراحوا يصرخون بأعلى أصواتهم هذا خائن متآمر رجعي من العهد البائد ... اقتلوه! اسحلوه .
سؤال: من انقذك حينها من السحل؟
بحري: لقد أنقذني العقيد عبد الكريم جده أمر الانضباط العسكري من موت أكيد، إذ لم يكن بيني وبين الموت سوى ثلاثة أمتار فقط. قلت للعقيد عبد الكريم الجدة: إلى متى سأبقى هنا؟. قال: إلى أن تخلو الشوارع من الناس، فنحن لا نملك القوات الكافية للهيمنة على هؤلاء الذين ثارت أعصابهم من مدنيين وعسكريين وقد أصدر الحاكم العسكري أمراً بمنع التجول اعتباراً من الساعة الثامنة، أي بعد نصف ساعة فقط، فاصبر.
سؤال: نقلت بعدها الى سجن ابو غريب، كيف كان الوضع فيه بعد نجاح ثورة 14 تموز، اقصد هل وجدت فيه معتقلا من رجال العهد الملكي ؟
بحري: في البدايه لم أر فيه إلا رجلاً واحداً هو المرحوم سعيد قزاز وزير الداخلية فحياني قائلاً : الحمد لله على السلامة.
تعقيب: و بعدها ؟
بحري: بعدها فتح باب السجن على مصراعيه، فكان أول الداخلين الشيخ محمد العريبي الرجل الذي كان نوري السعيد يقصده للاختفاء في بيته. ثم وزعونا على الغرف، فكان من نصيبي الغرفة رقم (۲) المتاخمة لغرفة سعيد قزاز وبرهان الدين باش أعيان وفي الغرفة المقابلة وضع الشيخ محمد العريبي ونائل سلطان، وكانا مريضين، فقد أصيب العريبي بإسهال حاد، في حين أصيب نائل بإمساك حاد. كان الجميع في المعتقل ينامون على الفرشات التي جاؤوا بها، إلا أنا، فقد كان فراشي الوحيد نسخة من جريدة الحياة ، اصطحبتها معي من بيروت ووضعت حذائي تحت رأسي كمخدة.
سؤال: ماذا عن بقية المعتقلين؟
بحري: في الصباح الباكر كثر الهرج والمرج في المعسكر، وكان لغرفتنا نافذة تطل على المدخل الرئيسي للسجن، فشاهدنا فوجاً جديداً من المعتقلين وهم يرسفون بالسلاسل والأغلال ودخلوا الواحد تلو الآخر كقطيع من الغنم يساق إلى المجزرة. إن جل هؤلاء لم يكن قد سمع طوال حياته كلمة بذيئة تقال له في حضرته، أما الآن فقد أخذ الضباط والجنود يصبون علينا شتائمهم صباً، وكلها من العيار الثقيل الذي تعافه النفس ويمجه الذوق. لقد أذاقونا الأمرين في خلال الأسبوع الأول من توقيفنا في سجن أبي غريب، ولكنني كنت أهدىء من روع الرفاق، وأمنيهم بالخلاص
ورحنا نحصي الداخلين، وكنت أسجل أسماءهم على ورقة زرقاء ما زلت محتفظاً بها، وكان أول الداخلين الأستاذ كاظم الحيدري مدير إذاعة بغداد الملكية والمعلق السياسي فيها، وكان يمشي وهو يتكىء على كتفي جنديين، بينما حمل جندي ثالث فراشه ومتاعه. ثم أعقبه السيد أحمد مختار آخر رئيس وزراء في العهد الملكي، وقد استحال هذا الرجل الذي كان إلى ما قبل يومين بهي الطلعة، إلى شيخ طاعن في السن لا يكاد يسير إلا بمشقة. وتبعه السيد بهجت العطية مدير الأمن العام، وكان هادئاً يسير وسيكارة ثري فايف لا تفارق شفتيه وكلما انتهت سيكارة أتبعها بثانية يشعلها من عقب سابقتها، وكان كلما بصق في وجهه جندي يبتسم له وكأنه يشكره مشجعاً .
ودخل خليل كنة وزير المالية العراقية وهو يتمخطر في مشيته مرفوع الرأس، وكأنه داخل إلى حفلة استقبال في بهو العاصمة لم يلتفت إلى أحد. ولم يُعر الشتائم التي استقبل بها أدنى أهمية. ولعل منظره أخجل الضباط والجنود فكفوا عن شتمه والتفتوا إلى السيد خليل إبراهيم مدير عام مجلس وزراء الاتحاد العربي، فأغرقوه بسيل من الشتائم، وجعلوا يرجمونه بالحصى والحجارة، ولكنه كان بمعزل عما يدور حوله، فلقد عض بأسنانه على غليونه التقليدي متحملاً ألم الضرب غير عابيء بتلك الشتائم.
تعقيب: استمر في حديثكعن المعتقلين ، فهو شهادة للتاريخ ، قبل ان يكون حديثا غابت تفاصيله عن العراقيين وسط انشغالهم وهتافاتهم بوقوع ونجاح الثورة.
بحري: رحنا نحصي الداخلين، وكنت أسجل أسماءهم على ورقة زرقاء ما زلت محتفظاً بها، وكان أول الداخلين الأستاذ كاظم الحيدري مدير إذاعة بغداد الملكية والمعلق السياسي فيها، وكان يمشي وهو يتكىء على كتفي جنديين، بينما حمل جندي ثالث فراشه ومتاعه. ثم أعقبه السيد أحمد مختار آخر رئيس وزراء في العهد الملكي، وقد استحال هذا الرجل الذي كان إلى ما قبل يومين بهي الطلعة، إلى شيخ طاعن في السن لا يكاد يسير إلا بمشقة. تبعه السيد بهجت العطية مدير الأمن العام، وكان هادئاً يسير وسيكارة ثري فايف لا تفارق شفتيه وكلما انتهت سيكارة أتبعها بثانية يشعلها من عقب سابقتها، وكان كلما بصق في وجهه جندي يبتسم له وكأنه يشكره مشجعاً .
ودخل خليل كنة وزير المالية العراقية وهو يتمخطر في مشيته مرفوع الرأس، وكأنه داخل إلى حفلة استقبال في بهو العاصمة لم يلتفت إلى أحد. ولم يُعر الشتائم التي استقبل بها أدنى أهمية. ولعل منظره أخجل الضباط والجنود فكفوا عن شتمه والتفتوا إلى السيد خليل إبراهيم مدير عام مجلس وزراء الاتحاد العربي، فأغرقوه بسيل من الشتائم، وجعلوا يرجمونه بالحصى والحجارة، ولكنه كان بمعزل عما يدور حوله، فلقد عض بأسنانه على غليونه التقليدي متحملاً ألم الضرب غير عابيء بتلك الشتائم.
وبعد لحظة دخل عبد الجبار فهمي متصرف بغداد، وقد حمل على رأسه فراشه ليتقي به الحصى والحجارة. أما الشتائم فقد كان بحكم ماضيه، في الشرطة معتاداً على سماعها، فكان يبتسم للضباط والجنود .
وعندما أدخل السيد محمود عبد الكريم مراسل وكالة رويتر» البريطانية في العراق استقبل بالحملة المعهودة من الشتائم والضربات ولكنه كان يضحك بصوت سمعناه وهو يردد متسائلاً : يا جماعة أريد أن أعرف وين موجود هالملعون يونس بحري؟. فناديته قائلاً : هنا يا أعور. فصاح والحجارة تدغدغ جسمه، وهو يقفز من شدة الألم، هييء لي محلاً في غرفتك. فصحت به حاضر.
وجاء دور الدكتور محمد حسن سلمان وزير الصحة العراقي الأسبق، فكان كلما شتموه يرفع يده بالتحية شاكراً والمسبحة بيده، وهو يمشي بتؤدة وهدوء وكأنه يسير في تشييع جنازة شخصية محترمة.
أما سامي فتاح وزير الداخلية الأسبق، وهو أمير لواء سابق في الجيش فقد عرفه الضباط والجنود ومع أنهم لم يتعرضوا له بسوء، فلقد كان وجلاً، وما إن وصل إلى غرفتنا حتى تهاوى إلى الأرض.
وبعد لحظة دخل عبد الجبار فهمي متصرف بغداد، وقد حمل على رأسه فراشه ليتقي به الحصى والحجارة. أما الشتائم فقد كان بحكم ماضيه، في الشرطة معتاداً على سماعها، فكان يبتسم للضباط والجنود.
ثم دخل الدكتور نديم الباجه جي، وزير الاقتصاد العراقي السابق والخبير العالمي بشؤون النفط، وكان يسير وراءه صديقه المرح يحيى قاسم صاحب جريدة الشعب البغدادية، وقد شاء القدر أن يقيدا بسلسلة واحدة حتى في المعتقل، فهما صديقان حميمان قل أن يفترقا .
سؤال: هل حصلت مشادة بين الشيوعيين والسجناء كما يقال؟
بحري: كانت حياتنا في سجن أبي غريب تسير على وتيرة واحدة، لولا ما كان يتخللها من فترات يحتشد فيها الضباط والجنود حول نوافذ غرفنا. فيسألوننا عن أسمائنا الواحد تلو الآخر. وعندما علموا أن سعيد قزاز - عدو الشيوعية اللدود - هو في الغرفة المجاورة لنا انهالوا عليه بالشتائم، وبالتهديد بالموت رمياً بالرصاص وصاحوا به لقد نبشنا اليوم قبر سيدك نوري السعيد الذي كان مدفوناً هنا في أبو غريب وسلمنا جثته إلى الشعب ليسحلها ببغداد، وسنسلمك أنت أيضاً يا أيها المجرم الخائن .
وتطلع سعيد قزاز في وجوه الضباط، فعرف أحدهم، وكان برتبة رئيس(رائد) ، فصاح به قائلاً : هذا أنت يا شيوعي .. أنت عباس الدجيلي .... هل هذا جزائي منك؟ ألم أنقذك من السجن؟ ألم أعطك عملاً عندما أحالوك على التقاعد؟
سؤال: بماذا اجابه الرئيس عباس الدجيلي؟
بحري: أجابه قائلا : لقد لعبت دورك القذر في مكافحة الشيوعية بدون هوادة أو لين ... والآن فإننا سنلعب أدوارنا بنفس الروح التي كنتم تعاملوننا بها وأكثر.
صار عددنا في الغرفة رقم (۲) في اليوم الثالث من اعتقالنا (۲۷) شخصاً، إذ وصل إلى المعتقل ضيوف جدد، كالمحامي ناظم بطرس مذيع التلفزة والإذاعة الأول، وكانوا يلقبونه بمذيع حلف بغداد، فضموه إلينا في غرفتنا .
وأنصتنا إلى الأصوات المتعالية في الخارج فسمعناهم يقولون: هذا توفيق السويدي ... لقد قبضنا عليه في مزرعته وهو مختف في أكوام من التبن في حظيرة. وارتفعت فجأة أنغام المعزوفة العسكرية الجديدة، وانهالت الشتائم بسخاء منقطع النظير على وزير خارجية الاتحاد العربي ورئيس الوزارات العراقية سابقاً. لم نتمكن من مشاهدة ردة الفعل عند السيد توفيق السويدي، ولكنه لما أدخل علينا بعد ربع ساعة كانت آثار الضرب على وجهه ورأسه الأشقر بادية للعيان.
سؤال: لم اسمع شيء في حديثك عن الدكتور فاضل الجمالي لحد الآن ، ألم يقبض عليه ؟
بحري: نعم فذات يوم واذا بأحدهم يفتح باب غرفتنا على مصراعيه وهو يقتاد أعرابياً بلحية حمراء، ويضع على عينيه نظارة سوداء وملابسه قذرة وبدون عباءة، وحذاء أقذر من أرض غرفتنا التي لم تمر عليها المكنسة منذ أجيال . وما إن فك وثاق الأعرابي حتى قذف به علي، فتلقيته بيدي، وأنا أتفرس في وجهه، فما عتمت أن عرفته، ولم أتمالك نفسي من الصراخ وأنا أبكي من شدة الفرح وبعد برهة يسيرة سادها الوجوم، مددت يدي إليه مصافحاً : أهلاً بك يا أبا ليث. وقلت له: لقد أشاعوا بأنهم قتلوك ... وأنهم سحلوك في بغداد؟ فقال الدكتور فاضل الجمالي بلهجته الساخرة حتى في ذلك الموقف الحرج : لقد شبه لهم ... لقد شبه لهم ... ولكن يا ليتهم فعلوا ذلك لتخلصت من ألم الضرب والتشنيع. انظروا إلى هذه الجروح في جسمي وإلى هذه الكدمات في رأسي. لقد استمروا في ضربي بأخمص البنادق والمسدسات منذ الساعة الخامسة حتى قبل ربع ساعة!.
وقبل أن ينهي الدكتور فاضل الجمالي عبارته تلك، فتح الباب سؤال: ماذا جرى للجمالي بعد ذلك:
بحري: بعد نصف ساعة عاد الجمالي إلينا . و آثار ضربات جديدة بادية على وجهه . و قال انا : إن وسائل الإيضاح اصطلاح تربوي في وزارة المعارف، فهي تعني الخرائط الجغرافية والسياسية والأثرية ومختلف صور علم الأشياء. أما الآن فوسائل الإيضاح هي توجيه الأسئلة إلي. وقبل أن أجيب عنها يتولى ضابط أو ضابطان ضربي، ويتولى ضابط ثالث مهمة التسجيل على شريط جهاز مسجل لتضاف إلى ملفي !. ضحك الدكتور الجمالي، واستطرد يقول : مثلاً، سمعوني أقول للضابط الذي اعتقلني في مزرعة السيد رشدي الجلبي أثناء نقلي بسيارة الجيب إلى هذا المعتقل: إن هذه السلاسل التي قيدتموني بها هي أميركية، وأنا الذي طلبتها من أميركا ضمن العتاد الحربي الذي قدمته أميركا مساعدة منها للجيش العراقي. ولما استدعاني الضابط قبل نصف ساعة، قالوا لي بعد أن أشبعوني ضرباً : أيها الخائن يا عميل الاستعمار الأميركي ... إذن أنت الذي طلبت هذه السلاسل من أسيادك الأميركان لتقيد بها الشعب العراقي؟». قلت : كلا أيها السادة طلبتها لكيما تقيدونا بها. أفليس وجودنا في هذا المعتقل تحت رحمتكم وحراستكم الدليل الكافي على صحة ما أقول ؟
ضحكوا وطربوا لقولي هذا، وتالله لو لم أقل لهم ما قلت، وأنا أتكلف الابتسامة لما أعادوني سالماً إلى عندكم فلقد كانوا مصممين على لقد رأيتها مصفوفة قتلي بمختلف وسائل الإيضاح ... التي لديهم ..
سؤال: وكيف عن معامله مسوؤلي السجن لكم ؟ هل لك بمثال ؟
بحري: سمعنا بعد ايام من اعتقالنا عواء وعويل من الغرفة رقم (٤) المقابلة لغرفتنا. لقد مات نائل سلطان مساعد مدير الأمن العام، الذي كان ممتلئاً صحة ونشاطاً وحيوية. مات هذه الميتة الشنيعة البشعة أمام رفاقه في الغرفة، ولم يتقدم لإسعافه طبيب أو مضمد أو جندي، بل تركوه يموت اختناقاً بعسر الهضم، إذ بقي أربعة أيام مهملاً بدون علاج، إلى أن برز الغائط من فمه فقتله ! رحنا حينها : افتحوا الأبواب بالله عليكم يا ضباط ويا جنود ، وأخرجونا جميعاً إلى القاعة المشتركة التي تتوسطها منضدة خشبية كبيرة. وعندها تقدم أربعة من الجنود فحملوا جثة نائل سلطان الضخمة المنتفخة وألقوا بها على المنضدة. وما إن ارتطمت الجثة بالخشب الصلب حتى تفجرت معدته. ولما أبصر السيد أحمد مختار بابان رئيس الوزارة العراقية السابق هذا المنظر المؤلم، أغمي عليه فهرعنا إليه نرش على وجهه الماء، ونفرك رأسه ويديه إلى أن أفاق.
سؤال: وماذا عن وضعكم العام وقضاء حاجاتكم؟
بحري: ذات يوم صاح العريف رسن وهو يلهث : يونس بحري مالك سيف ! . وبعدها قيد يدي. لم أنبس ببنت شفة والعريف رسن المشرف على هذا السجن الزاخر برؤساء الوزارات وقادة الرأي والوزراء والنواب والساسة، لا يستطيع التصرف من تلقاء نفسه، ولا بد أنه تلقى أمراً لتنفيذ ما أقدم عليه ليغل أيدينا بالأصفاد ونحن معتقلون. وكنا كلما أردنا قضاء حاجة طرقنا الباب طرقاً شديداً متواصلاً ، إلى أن يأتينا العريف رسن وهو يزمجر قائلاً : أزعجتمونا يا خونة .... من أنت وماذا تريد؟ .
أجبت: أنا يونس بحري أريد الخروج إلى الحمام.
فتح العريف الباب، وما إن رآني حتى ابتسم، لقد كان يستأنس بأحاديثي ونكاتي، وكنت ألمحه من خلال شقوق الباب وهو يسترق السمع جذلاً كلما رويت للزملاء قصصاً أرفه بها عن أنفسهم.
وما إن صرت وإياه لوحدنا في الحمام قلت له يا عريف هذه ورقة مالية فأحضر لنا طعاماً وسكاير.
قال طيب ... ولكن إياك أن تقول كلمة لأي جندي أو ضابط .
سؤال: الم ياتي لزيارتكم احد من المسؤولين الجدد؟
بحري: دعني اكمل بعد عشر دقائق عاد العريف رسن وهو يحمل رزمة من السندويشات ولكن ما إن وضعها على الباب حتى سمعنا مدير السجن يصيح بصوته الجهوري تفتيش. جاء مسؤول اسمه المقدم صبحي ليتفقدن، وجعل يسأل كل واحد عن اسمه وما هي مطالبه. ولما وصلني الدور، قلت له : أريد فراشاً وطعاماً، فأنا لا أملك شروى نقير. ثم أرجو الأمر برفع هذه الأغلال. فضحك وقال : سيأتيك الفراش والطعام. ثم التفت إلى مدير السجن وقال له : من الذي أمر بوضع القيد في يد هذا المعتقل؟ ثم نظر إلى العريف رسن حامل مفاتيح السجن متسائلاً، فأجاب مرتبكاً : إن الرئيس فاضل الساقي هو الذي أمرني بشد وثاق هذا المعتقل وذاك الآخر ... وأشار إلى السيد مالك سيف. وعندها أمر المقدم صبحي بفك وثاقي ووثاق المعتقل الآخر، وابتعد عنا وهو يشتم الرئيس فاضل الساقي.
سؤال: الم يزوركم أحدا غيره؟
بحري: في احد الايام وقبل أن أمد يدي لأطرق الباب، لكي أستدعي العريف رسن ليعطينا طعامنا الملقى على الباب فتحت الأبواب الخارجية من جديد وسمعنا وقع أقدام كثيرة تقترب من غرفتنا وازداد الهرج والمرج وما إن فتح الباب حتى أطلت علينا فوهات بنادق «ستن» عديدة، وارتفع صوت ضابط يتقدم مجموعة من ضباط أرقى منه رتبة، لأنه كان برتبة رئيس، والباقون كان أقلهم رتبة يحمل تاجاً على كتفه، أي رئيس أول. قال الضابط : أين هو كاظم الحيدري؟ فرد عليه السيد الحيدري بكلمة : داعيكم. فصب عليه الضابط وابلاً من الشتائم والمسبات. حاولت هنا أن أغتنم الفرصة لأخذ رزمة السندويشات» القريبة مني فصاح بي الرئيس قائلاً : مكانك لا تتحرك وإلا مزقت جسمك بهذا الرشاش. قلت يا سيدي الرئيس حلمك، إن الرزمة تلك تحتوي على طعامنا، ونحن لم نتناول طعاماً منذ يومين . قال : خذ الطعام. وأردف ذلك بأن رفس الرزمة بحذائه، فتناثرت علينا السندويشات»، وكأنها وزعت بنسبة عادلة .
قلت للضابط : خاف الله يا رجل ! . قال: اخرس یا خائن يا ذنب العهد البائد ... ماكو الله . قلت : لا حول ولا قوة إلا بالله . قال: من أنت؟ وشنو اسمك؟ قلت: أنا خائن ومجرم، وذنب من أذناب العهد البائد أما إيش كان اسمي، فقد كان اسمي يونس بحري. ضحك الضابط، فقهقه الضباط الملتفون حوله، واستمروا يضحكون زهاء نصف دقيقة. ثم قال الضابط : إذن أنت يونس بحري؟ ولك يا كواد ، حتى وأنت في السجن لا تخاف؟ قلت وأنا أغتنم فرصة الجو المرح : ماذا فعلت حتى أخاف؟ قال : ألا تخاف من هذا ؟ وأشار إلى رشاشه. فقلت هيا أطلق رصاصك علي وخلصني من هذه الحياة التعسة المشينة . ثم قلت له : اسمح لي سيادتك، فأنا جائع. ورحت أقضم قطعة السندويش وأنا لا ألوي على شيء وقبل أن ازدرد اللقمة الثانية دوى طلق ناري شارد في الغرفة، فتمدد على الأرض كل من فيها من المعتقلين. غير أنني بقيت ممسكاً بقطعة السندويش أقضمها وكأن الأمر لا يعنيني. وما إن ابتعد صوت الخطى العسكرية عنا حتى نهضنا ونحن نحمد الله على حسن العاقبة، وأقبل علي رفاق المعتقل وهم يشكرونني على تحويل موقف الضباط الجدي إلى رواية هزلية. قلت له : يا جماعة إن الحياة برمتها مهزلة، ولولا ذلك لكانت الرصاصات التي وجهت قبل لحظات إلى سقف الغرفة. قد سددت إلى صدورنا .
وكان هذا اللقاء أول تعارف بيننا وبين الرئيس فاضل الساقي مساعد العقيد عبد السلام عارف والضابط الذي احتل البلاط الملكي يوم ١٤ تموز ١٩٥٨....
سؤال: هل جاءكم احدا من المسؤولين غيرهم؟
بحري: بعد مداخلتي حول جلب الماء والثلج لنا بعد ايام طويلة جاءنا حسين مدير السجن لتفقدنا قائلا: بعد شتريدون من شرب ماء الخزان الحار وبعد ان قال لنا المقدم نوري قلت له: لم يبقى لنا الا الحريه ؟ ؟
وهنا ولأول مرة يتكلم توفيق السويدي، فقال: يا سعادة المقدم، العدل أساس الملك. فأجاب المقدم نوري هذا صحيح، ولكنكم لو حكمتم بالعدل لما قمنا بهذه الثورة ولما اعتقلناكم. ثم إن كلمة سعادة ومعالي ممنوع استعمالها بعد الآن، وإن كلمة سيادة» هي المستعملة . قال السويدي الذي جمع جرأته واستعاد حيلته المعهودة: إننا تحت تصرفكم، وستقول العدالة كلمتها فينا وسيحكم التاريخ.
وعندها تدخل المرحوم سعيد قزاز في الموضوع فقال بلهجته الكردية : تكلم عن نفسك وحدك يا أستاذ سويدي. أما أنا فإنني مسؤول عن أعمالي كلها . فأجاب السويدي: أنت تدري يا سعيد بك أن الحكم كان يديره عبد الإله ونوري، أما نحن وبقية الرؤساء والوزراء، فلم نكن سوى أحجار شطرنج، ينقلانها حيث ومتى يريدان. وعندها احتد سعيد قزاز، وهب واقفاً وهو ينظر بغضب إلى توفيق السويدي، ونسي أنه معتقل وقال بحدة وإصرار : هذا كذب وافتراء بالنسبة لي ولبعض الوزراء الذين أعرفهم وتعرفهم أنت جيداً مثلي. فأنا عندما أضطلع بالمسؤولية لا أعرف عبد الإله ولا نوري، بل أعرف واجبي ومسؤوليتي، والآن وأنا معتقل، أقول أمام الله والناس إن هؤلاء جميعاً ليسوا بمسؤولين، بل المسؤول أنا وحدي عنهم على الأقل. وأشار بيده إلى متصرف بغداد عبد الجبار فهمي وإلى بهجة العطية وإلى بقية الموظفين التابعين لوزارة الداخلية من متصرفي الألوية ومدراء الشرطة وأمانة العاصمة والبلديات.
سؤال: وهل كان اسمك ضمن قائمة المقرر اعتقالهم بالأصل ؟
بحري: لقد أصدرت حكومة الثورة القائمة الأولى والأخيرة بأسماء المعتقلين المئة والأربعة وعلى رأسها اسم المرحوم سعيد قزاز وزير الداخلية الأخير في العهد الملكي، وهو يحمل رقم (1)، أما الاسم الذي تلاه فكان اسمي أنا أي أنني الرقم الثاني في الجريمة والخيانة والتآمر. ولقد أثار رقمي هذا جدلاً ونقاشاً بين رؤساء الوزارات والوزراء، إذ كيف أعطى مثل هذا الشرف العظيم حتى في قائمة أسماء المعتقلين؟ تبين بعدما نقلنا إلى سجن الأحداث ببغداد، أن تلك الأرقام كانت أرقام التسلسل في دخول المعتقلين إلى سجن أبي غريب، إذ إن سعید قزاز كان أول من دخله، وكنت ثاني الداخلين إليه.
سؤال: بعد أيام من الثورة ، هل بقيت نشوة الغضب عند الجماهير الهائجه وكافه الضباط على ما كانت عليه في اليوم الاول للثورة؟
بحري: إن نشوة ما سمي بالنصر بعد مجزرة قصر الرحاب، ومجزرة بغداد، قد أسكرت الذين قدر لهم أن يشتركوا في تينك المجزرتين. ولكن تلك النشوة ما عتمت أن خبا أوارها بمرور الأيام، فهدأت الأعصاب الثائرة، وإذا بالهوة السحيقة تفصل بين أولئك وهؤلاء . لقد شعرنا ونحن في السجن بهذه الهوة، بل أحسسنا بها قولاً وعملاً، ففي العشرين من تموز صار المقدم نوري حسين مدير السجن يناديني : أستاذه ! . وراح العريف رسن يلبي طلبات السيد أحمد مختار بابان ويردفها بكلمة : نعم باشا ! أمرك باشا !.
سؤال: قصدك رئيس العرفاء رسن الذي كان لك معه حوارات ممتعه وصلت الى الزعيم ، هل لك ان تطلعنا عليها؟
بحري: كان اليوم السادس الذي مر علينا في السجن هو يوم ٢١ تموز ١٩٥٨ ، أي اليوم السابع للثورة العراقية، يوماً غريباً متناقضاً بأحداثه. فما إن انتهينا من عمليات الاغتسال وتناول الشاي والكنس والتنظيف حتى أطل علينا العريف رسن بشاربه الستاليني الكثيف وهو يتمخطر في مشيته، ويصفر نشيداً أجنبياً خيل إلي أنني قد سمعته من قبل. سألت العريف رسن بعد أن صبحته بالخير، كما يفعل الحاجب مع أي رئيس وزراء محترم ما هذا النشيد الذي تصفره ؟ . قال : حقاً إنكم معاشر الإقطاعيين والرأسماليين جهلة! ألا تعرف نشيد الشعوب المتحررة؟ إنه نشيد الكادحين في الأرض الذي نقول في مطلعه: سنمضي سنمضي إلى ما نريد ... وطن حر وشعب سعيد!. قلت: شكراً يا عريف رسن. لقد زدتني علماً، ففوق كل ذي علم قال العريف: أرجوك ألا تسميني عريفاً بعد الآن، فلقد رفعت درجتي وصرت اليوم رئيساً للعرفاء . فناديت المعتقلين وأعلمتهم بنبأ ترقية العريف رسن، فانهالت عليه التهاني، واقترحت تقديم هدية مشتركة إليه. ولما سألته ماذا يريد، أجاب ضاحكاً يابا چم فلس وخلصونا.
أما أنا فلقد رويت له قصة «العريف باتيستا» الذي أشعل نيران الثورة في كوبا، وصار بعد انتصاره ديكتاتوراً حكم كوبا عشرة أعوام. ولما انتصر عليه فيديل كاسترو فر هارباً إلى الولايات المتحدة. لقد كانت قصتي هذه أعظم هدية تلقاها رئيس العرفاء رسن في حياته، فلقد أيقظت شعوره الداخلي وغروره ... فبعد أن قتل شاربه الأيسر انكب على أذني ليهمس فيها قائلاً : داد يونس هذه قصة عجيبة ... فإذا كان «عريفاً» مثل باتيستا يحكم شعباً مثل كوبا عشرة أعوام ... فما بالي وأنا الآن رئيس عرفاء ؟ ...
قلت: يا ريس، إنك تتمتع بجميع الصفات التي تؤهلك للحكم. قال : كيف ؟ .
قلت: إن الذي يستطيع أن يحكم هذا العدد الضخم من رؤساء الوزارات والوزراء والأعيان والنواب والصحفيين ويرضيهم ويؤنسهم، ألا يستطيع أن يحكم الشعب الذي كان هؤلاء المعتقلون يحكمونه منذ ٣٨ عاماً ؟ .
وانتشرت قصة «العريف باتيستا في معسكر أبي غريب انتشار النار في الهشيم اليابس بين الضباط والجنود وانتقلت بسرعة البرق الخاطف في مختلف معسكرات الجيش عامة وفي وزارة الدفاع خاصة، وراح كل عريف يعتني بهندامه ويمعن في تلميع أزراره النحاسية وحذائه .
وصار الجنود يتوافدون زرافات ووحداناً لمشاهدتي من وراء قضبان النوافذ، فلقد سمح لنا رئيس العرفاء رسن بالوقوف أمامها وصار الجنود يتوافدون زرافات ووحداناً لمشاهدتي من وراء قضبان النوافذ، فلقد سمح لنا رئيس العرفاء رسن بالوقوف أمامها ، ومحادثة من نشاء من الضباط والجنود الذين يسمح لهم بالاقتراب من الأسلاك الشائكة التي تبعد 3 أمتار عن معتقلنا . لقد زارنا من وراء الأسلاك والقضبان أكثر من (٥٠٠) ضابط وعريف وجندي في خلال ساعتين
تعقيب: انت بهذا قد اثرت هيجانا بين العرفاء والجنود وكانك حرضتهم على القيام بثورة ثانية. الم يحاسبك مسؤولي السجن على ذلك؟
بحري: ما إن دقت الساعة الحادية عشرة من صباح اليوم التالي ، حتى دوى صوت المقدم نوري حسين ينادي من وراء الباب الداخلي : يونس بحري البس كاملاً .
تعقيب : الم اقل لك ، هذا امر يدل على ان امرا خطيرا قد حدث وانت المتهم فيه
بحري: دعني استطرد في كلامي. قال لي المقدم نوري : إن وزير الداخلية ونائب القائد العام قد طلبك وسيأخذك الرئيس مطر إلى هناك.
سؤال: وهل اخذت فعلا لمقابله وزير الداخليه وكان حينها عبد السلام عارف، و ماذا حصل لك معه ؟
بحري: نعم ، و كان العقيد عبد السلام عارف واقفاً وراء المنضدة الكبيرة التي أمر بصنعها السيد رشيد عالي الكيلاني لما كان وزيراً للداخلية بوزارة المرحوم السيد ياسين الهاشمي في سنة ۱۹۳۵. وقد تعاقب عليها وزراء الداخلية منذ ذلك الوقت حتى جاء دور أول وزير للداخلية في العهد الجمهوري ليجلس أمامها . وفي الواقع فإن جل وزراء الداخلية الذين جلسوا حول هذه المنضدة المشؤومة قد نكبوا إما بحياتهم أو برزقهم، أو بسمعتهم. تذكرت هذه السلسلة من الأحداث المشؤومة وأنا أتطلع إلى المنضدة كالمسعور ..
فسألني الوزير وهو ينظر إلي بدهشة : لماذا تنظر إلى هذه المنضدة هكذا ؟ قلت: اسمح لي سيادتك أن أقول بصراحة إن هذه المنضدة مشؤومة . قال : لماذا ؟ فرويت له قصتها بإيجاز، فامتقع لونه ... وفغر فاه، وشهدت شفته العليا وهي ترتعش بوضوح، وراح بدوره يتطلع إلى المنضدة تطلع الرجل الذي صدقت أذناه ما سمع . وهكذا كسبت الجولة الأولى في موقفي الدقيق مع هذا الرجل الذي كان لولب ثورة ١٤ تموز ومنفذها الأوحده. فما كان منه إلا أن جلس على مقعد أمام المنضدة، وأشار إلى المقعد المتاخم له وقال لي بصوت مرتجف : اجلس. فجلست وأنا أنظر إليه كمنوم مغناطيسي يحاول أن ينوم وسيطاً عنيداً. بيد أن محاولتي كانت أسهل مما كنت قد تصورت من قبل .... لقد تناسى العقيد عارف الموضوع الذي استقدمني من أجله، والذي كنت أجهله بالطبع. ولكن شعوراً داخلياً أوحى لي بأن أمثل معه ذلك الدور خفف من حدته، وأحول تركيز تفكيره على ناحية تضعف أعصابه وتدخل الشك إلى نفسه، خاصة بعدما سمعت من كثيرين يعرفونه من وزراء العراق المعتقلين معنا عن كثرة وساوسه وشكوكه وتردده وسرعة تصديقه لما يسمع ! .
وبقدرة قادر تحول هذا الضابط المتحفز المشاكس إلى حمل وديع. جلس إلى جانبي كتلميذ مهذب يوجه إلى أستاذه أسئلة غير منتظمة عن مختلف وزراء داخلية العهد الملكي الذين سبقوه في هذا المكان وعملوا على تلك المنضدة المشؤومة الماثلة أمامنا . وقد ركز أسئلته على وزيرين سابقين للداخلية: أولهما رشيد عالي الكيلاني، والثاني أمير اللواء المتقاعد سامي فتاح ! . وصفت له أعمال الرجلين ومراحل أدوارهما في الداخلية زهاء ساعة كاملة، وهو ينصت إلي بإمعان مطالباً بالمزيد. ولو لم يدخل المرافق لينبه العقيد عارف وزير الداخلية إلى أن السفير البريطاني قد حضر، لما سمح لي بالذهاب.
سؤال: وماذا بشان الموضوع الذي استدعاك من اجله؟
بحري: لما جاء الرئيس مطر يقتادني تذكر العقيد عارف الموضوع الذي استدعاني من أجله، فقال وهو يربت على كتفي بعصاه العسكرية : يا يونس أرجوك اترك قصة العريف باتيستا دكتاتور كوبا . قلت: أمرك يا سيادة العقيد.
اللقاء. قال : مع السلامة وفي أمان الله، سننظر في موضوعك قريباً…
سؤال: ورجعه بعدها الى سجنك؟
بحري: نعم ، ولكن ما إن دخلت الغرفة حتى احتاطني رفاق السجن وأمطروني بمختلف الأسئلة عما حدث لي : لماذا طلبوك؟ وماذا جرى ؟ . رويت لهم قصة العريف باتيستا دكتاتور كوبا، وكان ما يزال وقتئذ قائماً على دست الحكم، وقلت لهم إن وزير الداخلية أمرني بعدم تكرار ذكرها للضباط والجنود. فقال السيد أحمد مختار بابان وهو يبتسم : وكيف تكرر ذكرها لنا قلت: إننا لسنا ضباطاً هنا ولا جنوداً، بل مدنيين، فلن يدعو أحدنا إلى القيام بثورة جديدة على طريقة باتيستا .
سؤال: وهل استمر سجنكم في نفس المكان ؟
بحري: تم نقلنا الى سجن بغداد حيث ما ان انتهى توزيع المعتقلين على الغرف الثلاث، حتى ناداني الرئيس المجهول باسمي قائلاً : احمل فراشك وأمتعتك واتبعني. فامتثلت للأمر وأعين المعتقلين تتبعني بخوف ووجل، فاقتادني إلى غرفة صغيرة تقع عند مدخل سجن الأحداث، وهي غرفة خاصة بمعاقبة السجناء الذين يرتكبون جرائم إضافية داخل السجن. ويبلغ طول الغرفة ثلاثة أمتار وعرضها متراً ونصف المتر.... وبعد ساعة من الزمن عاد الرئيس المجهول وفتح باب غرفتي الموصد من الخارج ودفع بزميلي الشيوعي السابق مالك سيف إلى داخل الغرفة، ثم أقفلها علينا نحن الاثنين. وفي صباح اليوم الثالث الذي مر علينا ونحن في سجن الأحداث، وقد علينا ضيف ثالث ليشاركنا جحيم عيشنا في غرفتنا الحقيرة، وهو السيد كاظم الحيدري مدير إذاعة بغداد السابق ومذيع الأحاديث المعروفة باسم أخي العربي حيث ما تكون !
سؤال: يقال انه عذب هو الآخر وكاد ان يموت بيد الجنود الثائرين وهم يوصلونه الى السجن ؟
بحري: نعم ، قال لي الحيدري : أخبرني العقيد أمر الحرس بعد أن استعدت رشدي، بأنه كان منقذي من أيدي الجنود الثائرين الذين جاؤوا بالحبال السحلي بعدما أشبعوني ضرباً بأيديهم وبأخمص بنادقهم ومسدساتهم . ولحسن حظي أن العقيد كان على مقربة من مكان الحادث فأمرهم بالكف عن ضربي وحملني إلى غرفته وقد علمت منه أنه كان زميلاً لي في المدرسة الابتدائية، وهو اليوم أمر الانضباط العسكري العقيد عبد الكريم الجدة. لم يكن في حديث السيد كاظم الحيدري شيء من المتعة، بل لقد زاد في آلامنا وأشجاننا، فحاولت تغيير مجرى الحديث إلى ناحية أكثر انشراحاً.
سؤال: لماذا تم عزلكم عن بقيه المعتقلين؟
بحري: سالت الحيدري حينها نفس السؤال و اجابني : أننا نحن الثلاثة وأنت في الطليعة محدثون بارعون، نرفه بقصصنا وفكاهاتنا عن هموم المعتقلين وندخل السرور إلى نفوسهم، أو بعبارة أصح كما قال لنا الرئيس المجهول إننا نسلي المعتقلين ونلهيهم عن الشعور بالمذلة والهوان ، الأمر الذي لا يريده الرئيس المجهول. قلت له : ومن هو هذا الرئيس المجهول ؟ "
قال وهو يهمس في أذني متلفتاً ذات اليمين وذات الشمال: إنه الرئيس عبد الستار سبع، وهو الضابط الذي قتل الملك فيصل وعبد الإله وبقية أعضاء العائلة الهاشمية المالكة بيده وبمدفعه الرشاش. وكان الرئيس المجهول عبد الستار السبع، كلما مر بنا يشيح بوجهه عنا، ويتظاهر بعدم رؤيتنا.
سؤال: كيف كانت علاقتك مع هذا الرئيس المجهول؟
بحري: قررت أن أعقد معه صفقة في سوق الصداقة، مهما كلف الأمر.
تعقيب: صداقه!!!!. وكيف يمكنك ذاك وانت في السجن
بحري: سألني الحيدري.نفس سؤالك وقال لي: كيف تتمكن من عقد هذه الصفقة ونحن في هذا الوضع المشين؟ قلت: لا أدري، إن الصدفة وحدها كفيلة بإتمام الأمر، فلننتظر .. وفي صباح اليوم التالي، أي اليوم السابع الذي مر علينا ونحن في سجن الأحداث ببغداد، فتح باب السجن الكبير المجاور لباب غرفتنا، ودخل الرئيس عبد الستار السبع وهو يقود عدداً كبيراً من مراسلي الصحف العربية والمصورين، وكنت أعرفهم جميعاً. ولم نكن قد ارتدينا ملابسنا بعد، فأخذوا لنا صوراً من وراء قضبان باب غرفتنا الحديدية. ثم فتح باب الغرفة، وراح الرئيس سبع يقدمنا إلى الصحافيين بأسمائنا المجردة. وهنا هجم علي الزميل محمد رفعت مندوب دار «الهلال» وأشبعني تقبيلاً، فقال له الرئيس سبع: هل تعرف يونس؟.
فأجاب قائلاً : إنه أستاذنا الكبير. فضحك الرئيس سبع لأول مرة، وضحكنا جميعاً. وتقدم منا الزميل إبراهيم علي محرر جريدة الزمان البغدادية وصافحني قائلاً : حي العرب . فقلت: وحي الرئيس عبد الستار سبع . فأجاب الرئيس سبع: بل حي الزعيم عبد الكريم. فهتفت بأعلى صوتي : حي الزعيم الأوحد، عبد الكريم قاسم.
لقد أعجب الرئيس عبد الستار سبع بكلمة «الأوحد». فقال لي : سأنقل هذه الكلمة إلى الزعيم، فكلمة «الأوحد» ابتكار بديع يا يونس. ولقيت الكلمة قبولاً حسناً عند الزعيم عبد الكريم قاسم، وعند أرباب الصحف وفي الإذاعة وشاع استعمالها في كل مكان حتى يومنا هذا، وصارت صفة ملازمة لاسم الزعيم عبد الكريم قاسم.
سؤال : اذن فانت اول من اطلق على عبد الكريم قاسم بـ الزعيم الاوحد ؟ ولكن كان لهذه الكلمه سحرها واثرها في نفوس الناس واستمر طويلا ؟ هل كان لك منها مردودا ولو في معاملتهم لك في سجنك؟
بحري: بهذه الوسيلة استطعت أن أدخل إلى قلب الرئيس عبد الستار سبع بدون كبير عناء وبعد يومين من هذا الحدث الذي كان له الأثر البعيد في تقرير مصيري، جاءنا رئيس العرفاء الفتة وهو يصيح جذلاً مسروراً : يا يونس، لقد عفونا عنك ! . ثم فتح الباب باب غرفتنا على مصراعيه وقال: احملوا فراشكم وأمتعتكم واتبعوني، لقد أمر الرئيس عبد الستار سبع بإعفائكم من السجن في هذه الغرفة، وستبقون مع المجموعة. ودخلنا على المجموعة دخول الفاتحين، وأنا أهلل، وأهتف بحياة الزعيم الأوحد. وكيف لا أهتف وقد أنعم علينا بهذه الحرية .... بإخراجها من ذلك القبر الذي دفتونا به ونحن أحياء؟. وقد وضعني رئيس العرفاء لفتة في القاووش رقم (۲). وكان يقيم فيه السادة عبد الوهاب مرجان ، أحمد مختار بابان، فاضل الجمالي ، توفيق السويدي خليل كنه خليل إبراهيم بهجت العطية، عبد الجبار فهمي، سعيد قزاز عصام مريود أحمد نامق حفيد السلطان عبد المجيد الخليفة العثماني والمطلوب من الجمهورية العربية المتحدة، وسعيد لطفي، المذيع المصري اللاجيء إلى العراق في العهد الملكي. ومحمود هندي الضابط السوري اللاجيء إلى العراق، وجمال المفتي نائب الموصل السابق وشقيقه حازم المفتي المحامي، والشيخ الرومي من مشايخ الطرق في الموصل وهو شيخ طاعن بالسن اعتقلوه لأنه أقام الفاتحة في داره لمدة ثلاثة أيام على روح الملك فيصل الثاني.
وأقيمت على شرفنا تلك الليلة حفلة تكريم ألقيت فيها الخطب
سؤال: ماذا كنت تفعل داخل السجن مع هذا العدد من رجال الحكومة المنقلب عليها و المعتقله ؟
بحري: إمام ومؤذن وطباخ : فشلت في السجن كإمام، ولكنني نجحت نجاحاً باهراً كمؤذن بارع . لم تنجح سياسة الصلاة في السجن ، فبعد أن كانوا المصلين يعدون بالعشرات بادىء ذي بدء، أصبحوا بعد ثلاثة أشهر من الاعتقال ثلاثة أشخاص فقط وهم الدكتور فاضل الجمالي والسيدان فخري الفخري وعبد الجليل الراوي وزير العراق المفوض. وهناك ناحية أخرى نجحت فيها وأثارت إعجاب المعتقلين وزودتني بدراهم يومية لا بأس بها لأستعين بواسطتها على شراء الدخان واللوازم اليومية الأخرى، فلقد صرت أطبخ لبعض الرفاق طعاماً يقترحون طبخه، الأمر الذي مكنني من أن أطبخ لنفسي. و صرت أغسل أواني الطعام للزميل عادل معين ، ليتكرم علي بشيء من سكائر لوكي سترايك.
سؤال: ما قصه خلافك مع توفيق السويدي حول الوليمه التي ضيفت بها زملائك في السجن ؟
بحري: ذات يوم جاء رئيس العرفاء لفتة، ووقف أمام الكوة الصغيرة التي تتوسط باب سجن الأحداث وهي تفتح من الخارج لمحادثة المعتقلين وتسليمهم الأشياء الصغيرة دونما حاجة لفتح الباب، وصاح ينادي بصوته الجهوري : أبو لؤي ! . فقمت من مكاني قاصداً الباب، لأنني أكنى بهذا اللقب، فأنا أبو لؤي، لأن لؤياً هذا هو ابني في العراق. وما إن وقفت أمامه وجهاً لوجه حتى حياني وهو يبتسم، ومد إلي بورقة ثم قال: وقع عليها بإمضائك. فوقعت وأنا مذهول من شدة الدهشة، إذ لم أكن أتوقع أن يطلب مني رئيس العرفاء توقيعاً.
لم أشأ أن أسأله علام هذا التوقيع ولماذا، ولم يشأ هو على ما يظهر أن يفسر أو يعلق على الموضوع ولو بكلمة واحدة. وبعد أن ناولته الورقة موقعة بدون أن أكلف نفسي عناء قراءة ما كان مخطوطاً عليها، ناولني رزمة من الدنانير : خمسون ديناراً نقداً وعدا.
لم أتمالك نفسي وأنا أضع هذا المبلغ المحترم من المال في جيبي من أن أفكر في أن أحد الأصدقاء قد بعث لي به ليساعدني على قضاء حاجتي، لثلا أبقى أبد الدهر في السجن غسالاً لأواني طعام الزميل عادل عوني.
وطلبت فوراً إلى العريف المولج بشراء ما نحتاج إليه من طعام أن يأتيني بمحتويات قائمة كتبتها له، ونفحته بعشرة دنانير، مشفوعة بدينار وضعته في جيب قميصه الخاكي، فقال: حاضر يا أستاذا. وإن هي إلا دقائق معدودات حتى عاد وهو محمل مع جنديين من أتباعه بالمؤونة من المعلبات للطعام والدخان تكفي لستة أشهر. وكنا في الشهر الرابع من حياة السجن.
وأولمت وليمة عرمرمية دعيت إليها نخبة ممتازة من كبار المعتقلين من رؤساء وزارات ووزراء وقادة جيش وشرطة وأمن عام وأرباب صحف ومتصرفين، ومديرين عامين .... وكانت الوليمة من أروع الولائم التي أقيمت في السجن، اشترك فيها رئيس السجن أنور الحديثي ومساعده عبد الستار سبع، ورئيس العرفاء لفته.
وبالغت بالحفاوة بالضيوف، وكأنني أمير من أمراء بني تميم، أوزع الطعام والابتسامات على هذا وذاك بسخاء ما بعده سخاء.
وكان السيد توفيق السويدي من عداد ضيوفي المرموقين، فأكل وشرب وهو يردد على الضيوف عبارات الشكر والامتنان، حتى أنه اعتبرني حاتم طي ... بالنسبة إلى ما حوته مائدتي من الأصناف العديدة والشهية معاً من الطعام الذي هيأته بكل إتقان وترتيب .... وسألني السويدي : يا يونس، من أين لك هذا ؟ فأجبته كما أجابت مريم زكريا : هذا من عند ربي . وانفض عقدنا ونحن على أتم ما يكون من السرور والانسجام
بعد فترة القيلولة اجتمعنا لتناول الشاي عند السيد خليل كنة، وكان الجمع حافلاً، فأطل علينا السيد توفيق السويدي وهو يلقي علي نظرة فاحصة، لقد طلبت أمس مبلغاً من المال من زوجتي، ألم يأت رئيس العرفاء ويسأل عني؟
وما إن تفوه السويدي بعبارته تلك حتى أخذ الرفاق يتغامزون بأعينهم علي، وانفرجت أسارير وجوههم عن ابتسامات عريضة، ولكنني أدرت رأسي والتهيت بشرب الشاي، فهجم علي السويدي وقال : فلوسي ... أين هي فلوسي يا يونس؟
قلت له : ماذا تعني ؟ هل أخذت منك شيئاً؟ إذا كانت لك فلوس فراجع من أجلها رئيس السجن؟ وفعلاً أعد السويدي كتاباً موجهاً إلى رئيس السجن، بلغته وفعلاً أعد السويدي كتاباً موجهاً إلى رئيس السجن، بلغته المحكمة، فالسويدي محام كبير، ويعتبر من الرعيل الأول في القانون وهو أول عراقي درس الحقوق في جامعة باريس منذ سنة ۱۹۱۲. ولكنه نسي أن الرئيس عبد الستار سبع لا يعرف القانون ولا يعترف به، وقد برهن بقتله الملك فيصل وبقية أفراد العائلة الهاشمية المالكة على أنه لا يعير القانون ولا الدستور أي اهتمام.
ومع ذلك ضمن السيد توفيق السويدي كتابه إلى رئيس السجن بعض الملاحظات القانونية عن حقوق السجناء. وجاء الرئيس أنور ومعه معاونه الرئيس سبع، للتحقيق في الأمر، فقال لي الرئيس سبع: هل أخذت مالاً من السويدي؟ قلت : لا! فقال للسويدي : هل أخذ منك يونس مالاً؟ قال: لا، ولكن العريف لفته أعطاه مائة دينار. فقلت مصححاً : ٥٠ ديناراً فقط . وقال الرئيس سبع: هذا موضوع لا يخصك ! . وانتهى التحقيق، وانتهت معه القضية. ولعل القارىء، فهم أن السيدة المحترمة قرينة الرئيس السويدي هي التي أرسلت إليه مئة دينار فأعطاني منها العريف خمسين واحتفظ لنفسه بالباقي وأقسم أنني لم أكن أعرف القصة، ولم أعلم بالأمر إلا بعد أن تصرفت بالمبلغ.
سؤال: ما حقيقه اموال المعتقلين والهاربين من رجال العهد الملكي؟
بحري: لقد صدر مرسوم جمهوري بحجز أموال المعتقلين والهاربين إلى خارج العراق من رجال العهد الملكي المنقولة وغير المنقولة. ومنعت المصارف من أن تصرف لكل واحد من المعتقلين، أكثر من ٣٠٠ دينار شهرياً، وقد حمدت الله وشكرته على أن اسمي لم يرد في قائمة المحجوز على أموالهم، لكوني لا أملك شيئاً منقولاً أو غير منقول.
إن حجز أموال المعتقلين قد كشف عن حقيقة مدهشة، وهي أن هؤلاء الرؤساء والوزراء والساسة لم يكونوا أثرياء، بل ثبت أن الثروات في الأموال المنقولة المسجلة بأسماء أصحابها في المصارف والبنوك ثروات عادية، وأن أكثر الرؤساء والوزراء فقراء. ولنضرب على هذا مثلاً : وجد أن المرحوم سعيد قزاز لا يملك سوی ۳ آلاف دينار، وأن بهجت العطية مديون وأن رصيد أحمد مختار بابان في بنك الرافدين كان 8 آلاف دينار، وكما أن السيد خليل كنة الذي قالت عنه الإشاعات بأنه حاول تهريب ۱۸ مليون دينار بسيارته يوم ١٤ تموز ۱۹۵۸ لم يكن رصيده ليتجاوز 4 آلاف دينار فقط .
سؤال: و ما قصه الصبي المدمن على الحشيش معكم في السجن؟
بحري: وكان الرئيس أنور مدير السجن السياسي قد اتفق مع مدير سجن بغداد ليرسل لنا صبياً ليكنس القاعة ويغسل الحمام والمراحيض، ولكن الصبي السجين دخل علينا في ذلك اليوم، وراح يدخن سكاتر قد مزج تبعها بحشيش مخدر أدمن السجناء على تدخينه، ويدفعون ربع دينار ثمناً لكل سيكارة حشيش. اردت ان اجرب سلطني الإدارية مع هذا الصبي السجين فقلت له: يا أخي إن الرئيس أنور قد أمرك بمساعدتي لتنظيف الحمام وبيوت الماء، لا للجلوس وتدخين الحشيش هذا ! . فأجاب الصبي بكل وقاحة وصلافة: أنا لا أتلقى الأوامر منك ... وأنا لست مستعدا لخدمة الخونة أمثالكم. وما إن سمع سعيد قزاز أقوال هذا الصبي الوقح حتى هجم عليه وراح يشبعه ضرباً ولكماً، كل ذلك والصبي يصرخ في وجوهنا وهو يردد قوله خونة... كلاب. أذناب الاستعمار أنا لا أخدم الخونة. وكان جنود الحرس يقفون وراء باب معتقلنا المقابل لمكتب الرئيس أنور مدير السجن، وهم ينظرون إلى معركتنا، ويهتفون للصبي يشجعونه على الاستزادة من شتمنا . وبعد دقائق أقبل الرئيس عبد الستار سبع فرأى الصبي واقفاً على الباب وهو شاهر مكنسته علينا ولسانه السليط يمطرنا بالشتائم والمسبات، فانتهره الرئيس سبع وطرده من الباب ....
بقية الحوار في الاجزاء التالية رابط الجزء الاول: https://www.ahewar.net/debat/show.art.asp?aid=860218
ب. د. خالد محمود خدر
#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جانب من حياة الرحاله العراقي يونس بحري ومذكراته في سجن ابو غ
...
-
تشييع دفعة جديدة من رفات شهداء حملة إبادة إيزيديي سنجار على
...
-
لا تتناول خصوصيات الناس وتلمس جراحاتهم إن لم يكن قصدك فيها ن
...
-
للحوار لغة على منصات التواصل الاجتماعي كما في واقع الحياة
-
طوبى للطفولة عندما تستشهد كالكبار تحديا للدواعش في حملة اباد
...
-
نسبية الزمن في تقييم وقائع حياة الناس الإجتماعية
-
وقفة حوارية ثانية مع افكار الدكتور ابراهيم الفقي في كتابه ال
...
-
وقفة سريعة مع افكار الدكتور ابراهيم الفقي في كتابه البرمجة ا
...
-
قراءة وملاحظات على ديوان شعري الموسوم بعنوان : نرجسه في حقل
...
-
تبقى تبعات نزوح وهجرة الأقليات ، بعد جرائم داعش بحقهم دون قص
...
-
خواطر صباحية في محطات دروب الحياة
-
حوار افتراضي مع نخبة من قادة الفكر الادبي والإنساني
-
لم يعد عند الكثير ذلك الاهتمام المفروض في قراءة الكتب الثقاف
...
-
أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) الجزء
...
-
أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) الجزء
...
-
أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) الجزء
...
-
أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) / الج
...
-
أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) / الج
...
-
أزمه المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) الجزء
...
-
أزمه المياه في إقليم كوردستان / العراق (الأسباب والحلول) / ا
...
المزيد.....
-
سوريا.. القوات الأمنية تضبط أسلحة وذخائر في ريف دمشق كانت مع
...
-
زعماء العالم ينعون البابا فرنسيس ويشيدون بمواقفه وقيمه
-
تقرير: مقتل أكثر من 30 شخصا في هجوم جديد للدعم السريع على ال
...
-
رئاسة الوزراء الإسرائيلية: إفادة رئيس الشاباك رونين بار أمام
...
-
خارجية البرلمان الليبي تبحث مع وفد روسي تأسيس -البيت الثقاف
...
-
حفتر يفتتح مشاريع تنموية كبرى في مرزق جنوب ليبيا
-
الكويت.. اللجنة العليا لتحقيق الجنسية تصدر قرارا جديدا
-
مصر تكسر حاجز المليونين وتسجل انخفاضا تاريخيا في المواليد
-
-رعب على المدرج-.. اشتعال النيران في طائرة تابعة لشركة -دلتا
...
-
بوتين يشير إلى تحولات متكررة في جدول أعماله بسبب مكالمة هاتف
...
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|