الليبرالية الجديدة - (النيوليبرالية)

سلمان محمد شناوة

الحوار المتمدن-العدد: 8274 - 2025 / 3 / 7 - 02:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

الليبرالية الجديدة (بالإنجليزية: Neoliberalism) هي فلسفة اقتصادية وسياسية ظهرت بشكل بارز في القرن العشرين، وخاصة منذ السبعينيات، كتطور لليبرالية الكلاسيكية. تركز على تعزيز السوق الحرة، تقليل تدخل الدولة في الاقتصاد، وتعظيم دور القطاع الخاص.

أصولها ونشأتها
بدأت كفكرة في ثلاثينيات القرن العشرين مع اقتصاديين مثل فريدريك هايك ولودفيغ فون ميزس، لكنها اكتسبت زخماً في السبعينيات والثمانينيات بفضل شخصيات مثل ميلتون فريدمان.

انتشار الفلسفة النيوليبرالية بين علماء الاقتصاد الأوروبيين بدأ عام 1930 ,ارتبط تطبيقها العملي بسياسات قادة مثل رونالد ريغان في الولايات المتحدة ومارغريت ثاتشر في بريطانيا.

هناك مفاهيم مختلفة لمصطلح «الليبرالية الجديدة». فمثلاً يستخدمه البعض لوصف النظام الاقتصادي الذي أنشأته رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر من جهة والرئيس الأميركي رونالد ريغان من جهة أخرى؛ فكثير من الناس يطلقون مسمى «أصولية السوق» أو «ليبرالية السوق» على هذا النظام وينظرون إلى «الليبرالية الجديدة» بكونها نظاماً سياسياً اقتصادياً تطبق من خلاله الدولة نظام فكر السوق على معظم مجالات الحياة، بما في ذلك خدمات الرعاية الاجتماعية، مثل رياض الأطفال ودور رعاية المسنين.

وهناك من يربطون هذا المصطلح بمصطلح آخر هو الاستهلاك، وأولئك هم الذين يستغلون الإعلانات واللافتات الموجودة في كل مكان، ويفكرون في كيفية استغلال مخاوفنا وعدم ثقتنا في أنفسنا والاستفادة من كل ذلك في جني المال. وتشير إلى أننا يمكننا أن نرى أثر ذلك حينما نجد أنفسنا ننساق وراء تلك الفتن وننفق الأموال لكي نغير من شكلنا وشكل أجسادنا. فعندما يصبح شكلنا الخارجي وما نملكه مرتبطاً بماهيتنا وصورتنا الاجتماعية وكيف يرانا الناس، هنا يصبح الاستهلاك والهوية أمرين مرتبطين تمام الارتباط، وبالتالي يمكننا أن نرى كيف اصطبغ فكرنا بفكر هذه الموجة من الليبرالية.
المبادئ الأساسية ....

السوق الحرة:
الاعتقاد بأن الأسواق، عندما تُترك دون قيود، تنظم نفسها بشكل أفضل من تدخل الحكومات، وتؤدي إلى كفاءة وابتكار.

تقليص دور الدولة:
تقليل الإنفاق الحكومي، الضرائب، والتنظيمات، مع التركيز على تحرير التجارة والاستثمار.

الخصخصة:
نقل ملكية المؤسسات العامة (مثل الكهرباء أو الاتصالات) إلى القطاع الخاص لزيادة الكفاءة.

الفردانية:
التركيز على المسؤولية الفردية بدلاً من الاعتماد على الدعم الحكومي أو الجماعي.

العولمة:
تعزيز التجارة الدولية وفتح الأسواق العالمية، غالباً عبر اتفاقيات مثل منظمة التجارة العالمية.
أمثلة عملية ...

خصخصة الشركات الحكومية في العديد من الدول.

تقليص برامج الرعاية الاجتماعية لتشجيع العمل الفردي.

إلغاء القيود على حركة رؤوس الأموال عبر الحدود.

وعلى ذلك الليبرالية الجديدة (النيوليبرالية) هي فلسفة اقتصادية وسياسية تركز على السوق الحرة، تقليل تدخل الدولة، والخصخصة. فلا معنى للحرية السياسة والاجتماعية ما لم ترافقها الحرية الاقتصادية أيضا، هكذا يدعم أنصار "النيوليبرالية" نهجهم الاقتصادي، ويعتقدون أنه طريق الخلاص للوصول إلى دولة "الرفاهية" التي يحلمون بها.

لكن على الطرف الآخر، يجادل مناهضو هذا النهج بأنه معاد للديمقراطية، ويعزز الظلم الاجتماعي، ويزيد معدلات الفقر، ويوسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.

منتقدوها يرون أنها قد تؤدي إلى تدمير البشر والطبيعة بعدة طرق .

استغلال الموارد الطبيعية:-

النيوليبرالية تشجع الشركات على تعظيم الأرباح، مما قد يؤدي إلى استغلال مفرط للموارد الطبيعية مثل الغابات، المياه، والمعادن. على سبيل المثال، إزالة الغابات في الأمازون أو التلوث الناتج عن الصناعات غير المنظمة يُعزى أحيانًا إلى سياسات السوق الحرة التي تضع الربح فوق الاستدامة.

تفاقم التفاوت الاجتماعي:
تقليص دور الدولة في توفير الخدمات (كالصحة والتعليم) يمكن أن يؤدي إلى تهميش الفقراء. النقاد يرون أن هذا يدمر النسيج الاجتماعي، حيث يصبح البقاء مرهونًا بالقدرة المالية، مما يزيد من الفقر واليأس.

تدهور البيئة:
بسبب تركيزها على النمو الاقتصادي، قد تتجاهل النيوليبرالية التكاليف البيئية. انبعاثات الكربون، التلوث الصناعي، وتغير المناخ تُعتبر من النتائج غير المباشرة لسياسات تقلل من التنظيم البيئي.

فقدان الهوية الثقافية:
مع انتشار العولمة المرتبطة بالنيوليبرالية، يرى البعض أن الثقافات المحلية تُدمر لصالح ثقافة استهلاكية موحدة، مما يؤثر على البشر نفسيًا واجتماعيًا.
ما هو تاثير اليبرالية الجديدة على الاخلاق والمجتمع .
تأثير الليبرالية الجديدة (النيوليبرالية) على الأخلاق والمجتمع موضوع معقد يثير جدلاً واسعاً بين المؤيدين والمعارضين.

الفردانية المفرطة:
النيوليبرالية تعزز فكرة أن الفرد هو مركز كل شيء، مما قد يؤدي إلى تآكل القيم الجماعية مثل التضامن والتعاون. النقاد يرون أن هذا يحول الأخلاق إلى مسألة شخصية بحتة، حيث يصبح النجاح المادي مقياساً للقيمة بدلاً من الأخلاق التقليدية مثل الكرم أو العدالة.

تسليع كل شيء:
مع السوق الحرة، يتم التعامل مع العلاقات الإنسانية والخدمات (مثل التعليم والصحة) كسلع. هذا قد يضعف القيم الأخلاقية التي ترى في هذه الأمور حقوقاً إنسانية وليست مجرد منتجات للبيع والشراء.

تراجع المسؤولية الاجتماعية:
بما أن النيوليبرالية تقلل من دور الدولة وتشجع المسؤولية الفردية، يرى البعض أنها تبرر الأنانية وتقلل من الشعور بالواجب تجاه الآخرين، مما يؤثر على الأخلاق المتعلقة بالعناية بالضعفاء.
تأثير الليبرالية الجديدة على المجتمع .

زيادة التفاوت الطبقي:
سياسات النيوليبرالية، مثل تقليص الضرائب على الأغنياء والخصخصة، قد تؤدي إلى اتساع الفجوة بين الطبقات. هذا يخلق مجتمعات منقسمة، حيث يشعر الكثيرون بالإقصاء، مما يؤثر على التماسك الاجتماعي.

تفكك الروابط الاجتماعية:
مع التركيز على المنافسة والإنتاجية، قد تضعف العلاقات الأسرية والمجتمعية. على سبيل المثال، العمل لساعات طويلة بسبب ضغوط السوق قد يقلل من الوقت المخصص للعائلة أو الأنشطة الاجتماعية.

انتشار الاستهلاكية:
النيوليبرالية تربط السعادة بالقدرة على الشراء، مما يحول المجتمع إلى ثقافة مادية. النقاد يرون أن هذا يقلل من أهمية القيم غير المادية مثل الفن، الروحانية، أو العلاقات الإنسانية.
وجهة نظر المؤيدين
من ناحية أخرى، يرى أنصار النيوليبرالية أنها تعزز الحرية الفردية والمسؤولية الذاتية، وهي قيم أخلاقية بحد ذاتها. كما يعتقدون أن النمو الاقتصادي الناتج عنها يمكن أن يحسن مستوى المعيشة للجميع على المدى الطويل.

تأثير على الثقافة

تفاقم التفاوت الاجتماعي:
تقليص دور الدولة في توفير الخدمات (كالصحة والتعليم) يمكن أن يؤدي إلى تهميش الفقراء. النقاد يرون أن هذا يدمر النسيج الاجتماعي، حيث يصبح البقاء مرهونًا بالقدرة المالية، مما يزيد من الفقر واليأس.

تدهور البيئة:
بسبب تركيزها على النمو الاقتصادي، قد تتجاهل النيوليبرالية التكاليف البيئية. انبعاثات الكربون، التلوث الصناعي، وتغير المناخ تُعتبر من النتائج غير المباشرة لسياسات تقلل من التنظيم البيئي.

فقدان الهوية الثقافية:
مع انتشار العولمة المرتبطة بالنيوليبرالية، يرى البعض أن الثقافات المحلية تُدمر لصالح ثقافة استهلاكية موحدة، مما يؤثر على البشر نفسيًا واجتماعيًا.

تأثير الليبرالية الجديدة (النيوليبرالية) على الأخلاق هو موضوع معقد ومتعدد الأوجه، حيث يعتمد على كيفية تعريفنا للنيوليبرالية وعلى السياق الثقافي والاجتماعي الذي ننظر إليه. بشكل عام .

تعزيز الفردية على حساب الجماعة:
النيوليبرالية تشجع على الاعتماد على الذات والمسؤولية الفردية، مما قد يؤدي إلى تآكل القيم الجماعية مثل التضامن والتعاون. هذا قد يُنظر إليه كتراجع في الأخلاق التقليدية التي تقدر العلاقات الاجتماعية والمسؤولية المشتركة.

تسليع القيم:
مع تركيز النيوليبرالية على السوق، قد تصبح القيم الأخلاقية مثل الرحمة، العدالة، أو الكرامة عرضة للتعامل معها كسلع يمكن قياسها ماديًا. على سبيل المثال، الرعاية الصحية أو التعليم قد تتحول إلى خدمات تجارية بدلاً من حقوق إنسانية، مما يثير تساؤلات حول العدالة والمساواة.

تزايد عدم المساواة:
النيوليبرالية غالبًا ما تؤدي إلى تركيز الثروة في أيدي قلة، مما قد يُضعف الشعور بالإنصاف والمساواة كقيم أخلاقية أساسية. هذا التفاوت قد يولد شعورًا بالظلم أو يقلل من الثقة في المؤسسات الاجتماعية.

تغير مفهوم الأخلاق إلى الأداء الاقتصادي:
في ظل النيوليبرالية، قد يتم تقييم الأفراد والمجتمعات بناءً على إنتاجيتهم الاقتصادية بدلاً من صفاتهم الأخلاقية مثل اللطف أو الصدق. هذا التحول قد يجعل الأخلاق تبدو ثانوية مقارنة بالنجاح المادي.

إضعاف الروابط الاجتماعية:
بسبب التركيز على المنافسة والربح، قد تتراجع أهمية العلاقات الإنسانية غير المادية، مما يؤثر على قيم مثل التعاطف والتكافل التي تعتبر أساسية في العديد من الثقافات.
وجهات نظر نقدية:-

من مؤيدي النيوليبرالية: يرون أنها تعزز الحرية الفردية والابتكار، مما يمكن أن يُترجم إلى أخلاق قائمة على المسؤولية الذاتية واحترام حقوق الآخرين في السوق.

من منتقديها: يجادلون بأنها تُفرغ الأخلاق من مضمونها الإنساني وتحولها إلى أدوات لخدمة الرأسمالية، مما يؤدي إلى مجتمعات أكثر أنانية وأقل تعاطفًا.
في السياق العربي:
في المجتمعات العربية، حيث تلعب القيم التقليدية والدينية دورًا كبيرًا في تشكيل الأخلاق، قد تُواجه النيوليبرالية مقاومة بسبب تعارضها المحتمل مع مفاهيم مثل العدالة الاجتماعية والتكافل التي يروج لها الإسلام والتقاليد. على سبيل المثال، قد يُنظر إلى خصخصة الموارد الأساسية (مثل الماء أو التعليم) كانتهاك للأخلاق الجماعية.

مشكلة العولمة
إن التركيز الذي يبديه الليبرالية الجديدة على الكفاءة الاقتصادية شجع العولمة ، والتي يقول المعارضون إنها تتسبب في إغلاق المصانع ونقل الوظائف إلى الخارج.

يزعم منتقدو الليبرالية الجديدة أن دعوتها إلى استبدال الشركات المملوكة للحكومة بشركات خاصة يمكن أن تسبب أشكالاً مختلفة من الضرر المجتمعي مثل الحد من الوصول إلى الخدمات الأساسية والإضرار بحقوق العمال.

بالإضافة إلى ذلك، يزعم المعارضون لليبرالية الجديدة أنها معادية للديمقراطية ويمكن أن تؤدي إلى الاستغلال والظلم الاجتماعي. كما يزعمون أنها قد تؤدي إلى استخدام الشركات لقوتها ومواردها لتقويض إرادة غالبية الناس. ويؤكد آخرون أنها تؤدي إلى دعم الأنظمة غير الديمقراطية التي تطبق الاقتصاد النيوليبرالي.

#سلمان_محمد_شناوة (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات