استراتيجيات الحكام العرب في الحفاظ على سلطتهم

محمد عبيد حمادي
أكاديمي وكاتب وباحث في الشأن السياسي العراقي والإقليمي
(Mohammed Obaid Hammadi)

الحوار المتمدن-العدد: 8274 - 2025 / 3 / 7 - 02:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية

في عالم السياسة العربية التي تتشابك فيها قوى التاريخ مع تحديات الحداثة، نجد أن الحكام قد بنوا أنظمة معقدة للحفاظ على مناصبهم، حيث يستندون إلى تراث طويل من الحكم الوراثي والشرعية التاريخية، إلى جانب استراتيجيات سياسية وأمنية واقتصادية تكفل استمرارية السلطة رغم التقلبات الداخلية والإقليمية. منذ عقود، أدرك القادة العرب أن المفهوم التقليدي للسلطة يحتاج إلى تحديث يراعي متطلبات العصر دون المساس بالأصول التي تكسبهم قبول الشعب، فظهر هذا المزيج في نماذج عدة على مستوى الدول العربية.

على سبيل المثال، تجسد المملكة العربية السعودية هذا المزيج من خلال نظام وراثي متين اعتمد على توزيع المناصب داخل العائلة المالكة وتعزيز الولاءات القبلية والعائلية، ما ساهم في خلق استقرار داخلي ومواجهة التحديات سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي. في الأردن، استطاع الملك عبدالله الثاني أن يرسم مساراً دقيقاً يوازن بين الإصلاحات المحدودة التي تواكب التطورات العالمية والحفاظ على الهوية الملكية الراسخة، مما أكسب النظام الشرعية الشعبية والثقة الدولية. وفي المغرب، يسعى الملك محمد السادس إلى قيادة عملية إصلاحية اقتصادية واجتماعية متوازنة مع الحفاظ على الروح التاريخية للمؤسسة الملكية، إذ تُعتبر الشرعية التقليدية ركيزة أساسية في استقرار الدولة، وقد تجلى ذلك من خلال تحديث آليات الإدارة دون التخلي عن جذور الهوية الوطنية.

ومن جهة أخرى، توجد تجارب تختلف نوعها في الحفاظ على السلطة عبر استخدام أساليب أمنية وسياسية مكثفة، كما يتجلى في النظام السوري الذي برز بقيادة الرئيس بشار الأسد، حيث تعتمد استمرارية الحكم على قوة الأجهزة الأمنية والعسكرية وبناء تحالفات داخلية متماسكة تُحبط محاولات التغيير الجذري، حتى وإن كانت تلك الاستراتيجيات مثيرة للجدل على المستوى الدولي. جميع هذه التجارب تُظهر أن عملية الحفاظ على السلطة في العالم العربي ليست نتاجاً لعوامل عارضة، بل هي نتيجة تصميم طويل الأمد يجمع بين الاستخدام الدقيق للتراث السياسي وأساليب التكيف مع متطلبات العصر.

في خضم هذه المشاهد المتنوعة، يظل السؤال مطروحاً حول مدى قدرة الأنظمة القديمة على مواكبة تطلعات الشعوب نحو الإصلاح والتغيير، إذ يتطلب النجاح في هذا المضمار تحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على الاستقرار وإتاحة المجال للتجديد الجزئي الذي لا يخل بمصالح القائمين على السلطة. إن التجارب التي شهدناها من السعودية إلى الأردن والمغرب وسوريا تقدم درساً في السياسة الاستباقية والمرنة، حيث تتشكل أساليب الحفاظ على المناصب من خلال مزيج من الوسائل التقليدية والحديثة، تتناغم مع متغيرات الزمن وتستجيب لمطالب الشعب دون التنازل عن شرعية الحكم التي بُنيت على أسس تاريخية عميقة.

#محمد_عبيد_حمادي (هاشتاغ) Mohammed_Obaid_Hammadi#

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات