أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد وهاب عبود - ال -ترند- والانجراف الجمعي














المزيد.....


ال -ترند- والانجراف الجمعي


محمد وهاب عبود

الحوار المتمدن-العدد: 8274 - 2025 / 3 / 7 - 00:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يخبئ الـ "ترند" في طياته متاهة من الدوافع والتأثيرات والانعكاسات التي تستحق الغوص فيها، فهو ليس مجرد موضوع رائـج، بل هو تجسيد لعصرنا الرقمي، حيث تتشكل الهويات، وتتبلور الآراء وتتلاشى الحقائق في خضم زحام الإعجابات. الترند، بتعريفه التقني البسيط، هو الكلمة أو الهاشتاغ أو الموضوع الذي يحظى بأكبر قدر من الانتشار والتداول على منصات التواصل الاجتماعي في فترة زمنية محددة. ولكنه في عمقه، هو مرآة تعكس هواجسنا الجمعية، وتطلعاتنا الخفية، وانقيادنا اللاإرادي لـ”هوس” الإعجاب.

الترند، في بعده الإيجابي، يمكن أن يكون أداة قوية للتغيير الاجتماعي، ومنبراً لإسماع أصوات مهمشة. فكم من قضايا عادلة وجدت طريقها إلى الضوء بفضل هاشتاغ انتشر كالنار في الهشيم؟ وكم من قصة معاناة وجدت الدعم والمؤازرة بفضل تغريدة وصلت إلى الملايين؟ هنا يصبح الترند تجسيداً لقوة التضامن الرقمي، وقدرة الأفراد على التأثير في مجتمعاتهم. إنه صوت المواطن الرقمي، الذي يرفض الصمت، ويسعى إلى تغيير واقعه.

ولكن للترند وجه مظلم لا يمكن تجاهله، الوجه الذي يظهر فيه الاستغلال والتلاعب والتسطيح. فثمة حملات إعلانية خبيثة استغلت الترند للترويج لمنتجات ضارة أو أفكار مضللة، وهناك العديد من الأخبار الكاذبة التي انتشرت بسرعة البرق لتشوه الحقائق وتضلل الرأي العام، عندها يصبح الترند أداة في يد أطراف سياسية أو أصحاب رؤوس الأموال أو أي جهة تسعى إلى السيطرة على العقول وتوجيهها. وهذا ليس إلا وهم بالحرية، وسجن رقمي يتوهم فيه الأفراد أنهم يعبرون عن آرائهم، بينما هم في الواقع يرددون صدى آراء الآخرين، كمن يركض خلف الصوت الأعلى دون تفكير أو تمحيص، إنه “الفقاعة” التي تحيط بالفرد، وتجعله يعتقد أن العالم كله يفكر مثله بينما هو في الواقع معزول عن الحقيقة.

ما يثير القلق أيضاً هو التسطيح الذي يصاحب الترند، فالموضوعات المعقدة التي تحتاج إلى نقاش متعمق وتحليل دقيق تتحول إلى شعارات سطحية ومقولات مبتذلة ورموز تعبيرية ساذجة. فالقضايا المصيرية التي تحدد مستقبلنا تُختزل إلى هاشتاغات عابرة تنتهي صلاحيتها بمجرد ظهور ترند جديد. لذا يفقد النقاش معناه ويتحول إلى مجرد استعراض للإعجابات.

ثمّة بعد فلسفي آخر يستحق التأمل، كيف يؤثر الترند في هويتنا الفردية؟ أنحن حقاً أحرار في اختيار ما نؤمن به وما نعبر عنه، أم أننا مجرد انعكاس لما هو رائج؟ هل أصبحنا نحدد قيمنا ومبادئنا بناءً على عدد الإعجابات التي نحصل عليها؟ لقد تحول الترند إلى تهديدا للذات الأصيلة، ومصدراً للاغتراب الروحي.

لعل العلاج يكمن في الوعي النقدي، فينبغي التعلم كيفية التفكير بشكل مستقل، مع التشكيك في كل ما نراه ونسمعه، وأن نبحث عن الحقيقة بأنفسنا، بدلاً من الانقياد الأعمى للترند. يجب أن ندرك أن الإعجاب الجماعي ليس دليلاً على الصواب، وأن الاختلاف ليس خطيئة. كما ينبغي أن نعيد تعريف معنى الحرية، وأن نتحرر من عبودية الإعجاب ونكتشف ذواتنا الأصيلة بعيداً عن ضجيج العالم الرقمي.

صفوة القول، الـ "ترند" ليس واقعا مفروضا أو قدرا محتوما، بل هو ظاهرة يمكن التحكم فيها وتوجيهها نحو الخير. إنه سلاح ذو حدين، يعتمد على كيفية استخدامه بحكمة ومسؤولية ونقد، كيلا يتحول إلى سجن للروح، بل إلى أداة للتحرر والتقدم. فالقيمة الحقيقية ليست في عدد الإعجابات، بل في عمق الفكرة، وصدق القول، وأصالة الفعل.



#محمد_وهاب_عبود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرنسا القديمة وكاليدونيا الجديدة
- الأجيال وجدل الأفضلية المزمن
- كورونا العادل في زمن الظلم
- كورونا_من زاوية اخرى
- قوى الامن في مستنقع السياسة
- حب رقمي
- سلاح ألمعرفة ألمضادة
- كيف خدعونا ؟
- كيف خدعونا ؟؟
- ها هم السياسيون
- مادية الوعي الانساني
- اباطرة المال والتهمة المكررة
- العولمة وصناعة النخبة
- الحرب رئة الرأسمالية
- دهاء الغرب ويقضة الشعوب
- ها هي الرأسمالية
- لا حاجة لنا بالقوات المسلحة
- الحلم الاشتراكي في مخيلة الشباب الامريكي
- جوهر المشكلة
- افكار ثائرة على شراهة الرأسمالية


المزيد.....




- تحت ضغط رامز.. حسام حبيب يعترف بأنه لايزال يحب شيرين
- تحليل لـCNN: ماذا تريد -حماس- من أول محادثات مباشرة مع أمريك ...
- الخارجية الأردنية: المملكة تستضيف الأحد اجتماعا لدول الجوار ...
- لحظة وصول إعصار قوي يضرب أوكلاهوما الأمريكية
- الإمارات تندد برفع السودان قضية ضدها أمام محكمة العدل الدولي ...
- بوتين لـ -ماكرون-.. تذكر نهاية نابليون
- أوروبا تفقد توازنها وسط تحولات جيوسياسية
- -نيويورك تايمز-: الخارجية الأمريكية تضع خطة لإغلاق عشرات ال ...
- وزير الخارجية المصري: فلسطين قضية العرب المركزية وسنتصدى لأف ...
- الجيش العراقي يعزز انتشاره على الحدود


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد وهاب عبود - ال -ترند- والانجراف الجمعي