|
هل ستقود بريطانيا انقاذ العالم مجددا من الفاشية
لبيب سلطان
أستاذ جامعي متقاعد ، باحث ليبرالي مستقل
(Labib Sultan)
الحوار المتمدن-العدد: 8273 - 2025 / 3 / 6 - 13:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
1. مقدمة لابد منها ماهي الا 48 ساعة من انتهاء المسرحية المعدة مسبقا مع بوتين ليظهر ترامب ـ فانس عضلات الفاشية المافيوية الجديدة على زيلينسكي لتركيعه علنا وامام العالم، وانهم قادرون على فرض شروطهم ( وهي شروط بوتين) ، والقبول بها وحتى قبل الدخول في اي مفاوضات لوقف الحرب في اوكرانيا ، انتهت المسرحية باعلان ترامب ، وبسلوك مدان ومشابه لأي زعيم مافيوي ، ان زيلينسكي لا يمتلك اية كارتات للجلوس في لعبة البوكر لنادي الكبار ، ولكنه فشل باصرار زيلينسكي انه يطالب بضمانات لمستقبل بلده وشعبه ولن يقبل بسلام يفرض دون مشاركة اوكرانيا واوربا.ثار ترامب لوقاحته وكيف يجرؤ على مجابهته وهو الضعيف الهزيل الذي لايحترم اميركا ما يقرره الزعماء الاقوياء. واقعا كانت هذه المسرحية مهينة لاميركا نفسها من خلال سلوكية رئيسها،وهذا ماظهر جليا من هندسة اتت من الجزيرة البريطانية، فماهي الا اقل من 48 ساعة حتى ظهر زيلنسكي للعالم في لندن محاطا بخمسة عشر رئيس دولة ومنظمة دولية ، تضم اكبر دول اوربا وكندا وتركيا ،يعلنون تضامنهم معه ، واظهر ان ترامب هو المنبوذ والمعزول فعلا عن العالم. اعلن ستارمر ، رئيس وزراء الجزيرة ومهندس هذا الاجتماع ، عن خطة احلال سلام بديلة تقوم على اربعة ركائز ،اثنتان تتضمن التعهد على الاستمرار بدعم اوكرانيا قبل وبعد الهدنة ، واثنتان بتقديم ضمانات لاستقلالها من خلال وضع قوات على الارض وفي الجو تردع بوتين من خلال تحالف سماه "تحالف الراغبين" ، وهي تسمية ناعمة لحلف مضاد لحلف لترامب وبوتين ومخططه لابتلاع اوكرانيا. لقد تعهد بتجهيز اوكرانيا بما تحتاجه من دعم وسلاح لتقوية مركزها على الجبهة ومنه مركزها للتفاوض على سلام عادل ، وليس اي سلام ، ولن يتركوا اوكرانيا وحدها لتقع فريسة للذئاب. كما ونظم ستارمر استقبال ملك بريطانيا لزيلينسكي وهي رسالة قوية ذات رمزية تقول لترامب وبوتين ان بريطانيا تستقبل رئيس دولة ستبقى دائمة ومستقلة ومحترمة وباسم ملكها ستكون مستعدة لحمايتها واحترام كيانها ورفض المساس بسيادتها . والقراءة الاعمق تقول ان الجزيرة مستعدة لمجابهة احلال قوانين الغاب لتحالف بوتين ترامب بديل القوانين الحضارية بين الدول والتي ولدت اساسا على هذه الجزيرة وتعتبرها وليدها وستدافع عنها ولن تسمح لهما بتحويل العالم الى محميات خاضعة ومناجم تقاسمها المافيات . ان الجزيرة تعلم جيدا ومن تاريخها ( الذي سنناقش علاقته بموقفها ادناه) ان البدء باوكرانيا سيلغي قوة القانون المتحضر والعيش بسلام ، وهو الدرس الذي تعلمته الجزيرة منصراعها مع الفاشية الاولى منذ ثمانين عاما، ولن يسمح بتكراره ومصائبه على العالم من مغامرات زعماء شعبويين وصلوا للسلطة تحت شعارات اعادة مجد الامة وعظمة الامبراطورية. دعونا نقرأ المشهد ومعنى اعلان هذا التحرك المضاد للجزيرة من ناحيتين احداهما تاريخية حضارية لها علاقة بمساهمة بريطانيا في قيام قوانين التحضر المعاصر للعالم اليوم واعتبارها مبادئ ولادة اصيلة من ارضها وليست قوانين طارئة كي يتم خرقها والغاؤها ، وناحية اخرى تاريخية سياسية لها علاقة بتجربتها في صراعها مع الفاشية الاولى والدفاع عن الديمقراطية ومفاهيم التحضر الانساني ، حيث بقيت وحيدة تقريبا امام صعود النازية الهتلرية واحتلاله لكل اوربا قبل 85 عاما تقريبا. ان لهذين الامرين علاقة مباشرة بموقف الجزيرة اليوم وتحركها لاقامة تحالف مضاد للفاشية الجديدة التي يقيمها بوتين ـ ترامب في العالم. والسؤال هو كيف ستتعامل بريطانيا لافشاله ؟ وهل لموقفها هذا اسسا تاريخيا تخص الجزيرة يدفعها لمجابهة هذا التحالف ، وماهي هذه الاسس.
2. ألجذورالتاريخية لفهم دورالجزيرة في مجابهة الفاشية ليس من قبيل المبالغة القول ان الجزيرة البريطانية كانت هي المنبع ووراء تأسيس اغلب، ان لم تكن ، كل مانعرفه من المفاهيم المؤسسة للحضارة الحالية واقامة اركان واسس نظم الحقوق والحكم الديمقراطية في العالم المعاصر، فهي كانت الاصل في ولادتها وتطويرها، وسواء كانت البلدان مثل اميركا او سنغافورة ، المانيا اوالارجنتين والبرازيل اوالهند وجنوب افريقيا، فجميعها تطبق عمليا ما اتت به هذه الجزيرة للعالم من مفاهيم تاسيسية للتحضر الحالي، سواء في تأسيس مفهوم نظم الحكم البرلمانية ونظم الديمقراطية ، او نظم الحقوق والحريات الفردية والاجتماعية ، او فصل العلم عن اللاهوت والفلسفة ونقله للتجريبية ومنه ولدت الثورة الصناعية ، جميعها ولدت وصيغت من التفاعلات الاجتماعية والسياسية الحضارية والفكرية التي قامت على هذه الجزيرة و أولدت هذه المفاهيم ولادة طبيعية لتحرر وتقدم العقل والارادة معا ، ومنها نشأت وترسخت ثقافتها وتقاليدها وثبتت ودافعت عنها امام العواصف والهزات التي تعرض لها العالم. من هذه الجزيرة المنعزلة جغرافيا المحاطة بالبحارالضبابية. بدأت هذه المفاهيم تتبلور منذ عصر النهضة ، اي منذ قرابة 400 عام ، فهي التي بادرت بالاصلاح الديني الذي مثل بدء انفصال الحكم عن سلطة الكنيسة ، والاصلاح البرلماني الذي اسس لتحويل نظم الملكية المطلقة الى طريق البرلمانية الدستورية ، ومنه ولدت مفاهيم ونظم الحكم الديمقراطية ،ومن هذه الجزيرة ولدت مدارس فكرية هامة مثل مدرسة الليبرالية التي وضعت حقوق وحريات الافراد والمجتمع ، ومنها ممارسة الحريات الفكرية والعقائدية والنقدية وحرية الاحزاب وجعلتها من مقومات القانون والحكم الدستوري، ولهذه الجزيرة لجأ دوما من فرّ من الاضطهاد الفكري والملاحقة القمعية وفقط فيها استطاعو نشرافكارهم وبكل حرية ، بدأً من فولتير الفرنسي الى ماركس الالماني أمثلة. ومن هذه الجزيرة ولد المنهج التجريبي التطبيقي للعلوم الذي قاد لفصل العلوم ولاول مرة عن الطروحات الفلسفية وتطالب بتطبيق الفرضيات التي تأتي بها وبالبرهنة عليها في الواقع لتصنف علما ونظرية ، وليس العكس كما حدث على مدى التاريخ، ومن هذه النقلة ولدت العلوم الحديثة التي قادت للثورة الصناعية التي نقلت الحضارة لقفزة كبرى ولافاق جديدة ، وولادة مفاهيم الاقتصاد الدينامي الدائم النمو بديل الراكد الزراعي والتجاري والغزوي ( اي زيادة الثروات من الغزو ) الذي ساد منذ فجر التاريخ ، وسبقت هذه جميعها ومن هذه الجزيرة وقبلها بقرنين قيام اعرق الجامعات التي قادت حركة فصل العلم عن اللاهوت في اوربا ، ومنها تحرر العقل والعلم الطبيعي والعلم الاجتماعي السياسي والذي منه ولدت الليبرالية ومفهوم دولة الحقوق والحريات والدستور الذي يجميها ، وحتى عندما عظم شأن هذه الجزيرة وابحرت للقارات البعيدة باحثة عن مواد اولية واسواق لمنتوجها الصناعي وتحولت لقوة امبريالية تجدها موازيا نقلت معها تقاليد واسس حكمها وعندما رحلت تركت دولا ديمقراطية بعدها بنفس تقاليدها تجدها في اميركا او استراليا او كندا او كما في الهند او هونغ كونغ او سنغافورة او مصر او العراق ، وحتى ان قيام الثورة الفرنسية يرجع بجذورها للفكر التحرري الليبرالي الذي ولد من هذه الجزيرة التي لها صفة عجيبة اخرى ، اذ انها تبدو محافظة ومتمسكة باقدم التقاليد ولكن تراها بنفس الوقت اكثر البلدان تقدمية واكثرها انفتاحا على الثقافات الاخرى وتحررا في العالم، منها تجد تمسكها الراسخ بالتقاليد الديمقراطية رفضها الدائم ولحد اليوم لموجات الفكر القومي التعصبي اوالعرقي ناهيك عن العنصري ( في بريطانيا لم يصل اي حزب قومي حتى عتبة 3% وحتى في ظروف صعود موجات اليمين القومي في بقية دول القارة واحتلال احزابه المراتب الاولى والثانية ) رغم انها من اكثر بلدان اوربا تنوعا عرقيا وفيها اكبر نسبة بين السكان من اصول مهاجرة . واخيرا ،وليس اخرا، مجابهة هذه الجزيرة للامبراطوريات الفاشية وما فرزته الحركات الشعبوية والشمولية باسم القومية على العالم ، وبها اصبحت الجزيرة البريطانية تمثل رمزا لمقاومتها والدفاع عن منجزات الحضارة الانسانية ، فعلاقتها بها هي كعلاقة الام التي انجبت مفاهيمها مولودا وبقيت تدافع عن مولودها ، وتكسرت امام مقاومتها وعلى ضفافها اعتى الموجات الفاشية الهتلرية التي اجتاحت اوربا قبل اقل من قرن. ومنها اجد انه وبحق اطلاق رمز مقاومة الفاشيات على هذه الجزيرة التي طالما دافعت عما انجبته من اسس للحضارة الانسانية المعاصرة ، وحمتها من موجات الفاشية الاولى بالامس ، وتهددها اليوم بحلف خطير كالذي يزمع ترامب وبوتين لاقامته لارجاع العالم للوراء ، لفترة العصور الاستبدادية ،عصر ملوك الاستبداد والسلاطين والامبراطوريات الديكتاتورية ، فهي بحق قلعة الدفاع عن نظم الديمقراطية والحريات في العالم. 3. درس استخلصه العالم من تجربة مواجهة الفاشية الاولى وقفت الجزيرة لمدة عامين كاملين لوحدها في الحرب لمواجهة توسع الهتلرية الفاشية على العالم بين عامي 1939 -1941 . نشبت الحرب يوم 1سبتمبر 1939 بعد اسبوع واحد فقط من اعلان هتلر مع ستالين تحالفا وصفقة حصل الاخير على نصف بولندا ودول البلطيق الثلاث ليبقى محايدا ليعلن هتلر بعدها الهجوم الكاسح على بولندا ومنه بدءت الحرب العالمية الثانية باعلان بريطانيا مطالبته بالانسحاب او مواجهة الحرب ، وهذا هو ماجرى وبدأت الحرب العالمية . وخلال عام واحد احتل هتلر كل اوربا ، مباشرة او من خلال نظم موالية له، وبقيت الجزيرة تحاربه لوحدها رافضة عروض لها " ِلمَ نتحارب نحن قادرون على تقاسم القارة والنفوذ على العالم "، وبعجزه عن تمريرعرضه ، اراد اجبارها نهائيا كما اعتقد فغزا الاتحاد السوفياتي عام 1941,لاجبارها على القبول بالصفقة ، وعكسه ساندت الجزيرة السوفيت واستطاعت اقامة حلفا قويا جمعها مع السوفيت واميركا لمواجهة الهتلرية ، وانتصر اخيرا التحالف على الهتلرية التي شكلت اكبر تحد للحضارة الانسانية. ولكن الدرس الاهم الذي استخلصته الجزيرة والعالم معها من هذه الحرب المدمرة ويدعى "درس تشمبرلن "، رئيس وزراء بريطانيا الذي وافق على التنازل عام 1938 عن اقليم السوديت الجيكي، ذوي غالبية السكان من اصل جرماني وادعى هتلر طبعا كاذبا ، ان الجيك يميزون ضدهم ( كحجة بوتين الكاذبة بتمييز اوكرانيا السكان من اصل روسي في اقليم الدونباس). كانت موافقة تشمبرلن بدعوى انه سيحافظ على السلم في القارة والسوديت اخر بقعة يطالب بها هتلر الذي تعهد ان لا مطلب اخر له بعدها، ولكن الاحداث اثبتت العكس ،فهي فتحت شهية هتلر لاحتلال كل الجيك وبعدها بولندا ومنها نشبت الحرب الثانية ، ومنها الدرس المستخلص ، درس تشمبرلن ، "لا تنازل لديكتاتور من اول بقعة يطالب بها، فان تم التنازل وكسبها الديكتاتور ستكون نقطة الانطلاق لغزو بقعة اخرى ومنها التوسع لاقامة امبراطورية فاشية على حساب الدول واخضاع الشعوب وستقود لامحالة لحرب كبرى يكون ثمنها مضاعفا بل مئات المرات ، امكن تجنبها لو تم ردعه ومنعه من اول بقعة". هذا هو نفس الدرس الذي يعرفه العالم وتعرفه كل الجزير ويعرفت ستارمر وينطلق منه لمواجهة مخطط بوتين في قضم جزء من اوكرانيا ليبتلعها فيما بعد ومنها لدول البلطيق الثلاثة ، وبنفس الحجة حيث 25 % من السكان فيها هم من اصل روسي ، ثم بولندا من يعلم ربما فنلندا ( ومنه هرعت للانضمام للناتو ). ان ستارمر يرى ذلك دون شك ، ولمنع الوقوع في الفخ من جديد ، اعلن اقامته لحلف الراغبين لمنع بوتين من قضم اولا بقعة من اوكرانيا . وهنا يلعب التاريخ دوره والتعلم من التجارب ، وكما دافعت الجزيرة عن قوانين الحضارة الانسانية بوجه الهتلرية لوحدها لعامين ، حين كانت اميركا تعيش بمبدأ الانعزالية والنأي عن صراعات اوربا ، واعتبر ستالين انه صراعا امبرياليا داخليا ، ثم تحول 180 درجة واصبح شريكا امبرياليا مع هتلر وقضم نصف بولندا وثلاثة بلدان على بحر البلطيق .ان رفض ومقاومة الجزيرة البريطانية للفاشية اتى للدفاع عن ديمقراطيتها نفسها والمبادئ التي اولدتها واسست التحضر لها وللعالم ولن تخضع لاملاءات الفاشية واحلام الديكتانوريين المريضة بالتوسع والاخضاع والسيطرة ، وكانت هذه التجربة الاولى لها وللعالم للتعامل مع النظم والتحالفات الفاشية من مرحلة مبكرة وقبل استفحالها وقبل تقوية ساعدها وبسط وتوسيع نفوذها. 4. هل تستطيع بريطانيا انقاذ العالم من الفاشية الجديدة يشهد العالم الان ظروفا تكاد تكون مطابقة لنفس ظروف صعود هتلر بصعود ترامب وبوتين وحركات الفكر القومي اليميني الشوفيني في اوربا تحت شعارات شعبوية بأعادة مجد وعظمة الامة والتوجه لاقامة حلف لتقاسم النفوذ والمصالح في العالم بين ترامب وبوتين. بدأ العالم يسمع لغة جديدة منذ الشهر الاول لتولي ترامب للرئاسة ، لغة التوسع والضم والاخضاع ، لكندا وكرينلاند وقناة بنما لاميركا ، واوكرانيا لبوتين ، كمقبلات ومشهيات. طرح ترامب نفس مخطط وشرط بوتين لقضم اوكرانيا من خلال ادعاء بتحقيق سلم وايقاف الحرب ، ووفق شروط مترجمة من طرح بوتين ( وطرحها واضحا احد ازلام ترامب الشاب المذيع في فوكس نيوز الذي عينه وزيرا للدفاع من بروكسيل ان على اوكرانيا ان تقبل بهدنة وتوقع اتفاق التنازل عن اراضيها وان اميركا لن تقدم اية ضمانة لاوكرانيا بعد ايقاف الحرب) ، وهو معناه السماح لبوتين بقضم كل اوكرانيا وانهاء وجودها كدولة ، تماما كما حدث مع جيكيوسلوفاكيا بقضمها جزئيا اولا ثم كليا تحت الفاشية الاولى قبل 85 عاما. تحركت الجزيرة، وحضر درس تشمبرلن امامها ماثلا امامها لمنع اعادة تكراره على العالم من خلال اوكرانيا ، فلا مكافأة لمعتدي ببقعة لينطلق منها ليعلن قيام محور الفاشية الثانية ، ووضع العالم امام التهديد بحرب عالمية، اليوم نووية، للركوع للديكتاتور واحلامه التوسعية ، او القبول بالتنازل له والسماح بالتوسع والسيطرة على مصير الشعوب والدول المجاورة . تحرك ستارمر رئيس وزراء الجزيرة مكوكيا وبهندسة احترافية منذ خطاب بروكسيل لمنع مرور مخطط ترامب ـ بوتين بالانفراد باوكرانيا ومنع عقد صفقة التنازل بين الاقوياء دون كلمة لا لأوكرانيا ولا لأوربا لاقامة سلام مزعوم سيؤدي لانهاء وجودها. استطاع ستارمر خلال ايام قليلة من قلب الطاولة ، وجعل احتضان 15 دولة ومنظمة لزيلينسكي واستقباله من الملك البريطاني نفسه يظهر للرأي العام الاميركي وفي العالم ان ترامب هو الذي يقف وحيدا مع بوتين امام العالم . وكان ستارمر بارعا في توظف اغشمية ترامب في السياسة الدولية وحصل منه في زيارته لواشنطن قبل زيلينسكي بيومين على اعلانه موافقته على تواجد قوات اوربية على ارض اوكرانيا كاحد بنود اتفاقية الهدنة التي يعمل عليها مع بوتين وتلاها تورط ترامب باعلانه ان بوتين موافق ايضا على هذا الشرط ، ولكن سرعان ماكذبه الكريملن ولافروف انهم لم ولن يوافقوا على ذلك، واذ يختلف السراق يظهر المسروق ، فلا ترامب يستطيع التراجع امام الشعب الاميركي والعالم ، ولا بوتين سيقبل به لانه سيمنعه من قضم اوكرانيا . وجاء اعلان حلف الراغبين لارسال وحدات عسكرية على الارض وحماية جوية لاوكرانيا ، هو بمثابة اعلان من الجزيرة انها على استعداد للمواجهة على الارض ان تطلب الامر ، فلا قضم لاوكرانيا سيمر دون مواجهة، هذا ما يفهمه العالم ، وبوتين ، ولابد ان ترامب قد فهمه من خلال تحليلات معاهد الجمهوريين في واشنطن . والواقع ان ستارمر واجه ترامب وبكل الرصانة البريطانية انه سينشئ حلف مضاد لو تم الاستمرار باقامة حلفه مع بوتين ، سيجمع فرنسا والمانيا وأهم دول اوربا واسكندنافيا وكندا واستراليا وحتى تركيا وبه سيكسب الرأي العام الاميركي والعالمي بجانبه ويبقي ترامب وحليفه بوتين معزولين، وهما يبدوان كذلك حتى اليوم. هل يستطيع ستارمر فعلا اقامة هذا الحلف وهل يقوى على مجابهة ترامب وبوتين، ومالذي يراهن عليه من عناصر تقف الى جانبه؟ لا شك ان ستارمر يعي جيدا انه لايمكن مجاراة الولايات المتحدة لما تمتلكه من قوة واوراق في فرض ماتراه من سياسات على مستوى العالم، ومنه فهو لايسعى لمجابهتها بل لتحييدها لافشال مايخططه له مع ترامب وازلامه مع بوتين وجر اميركا للتحالف معه واقامة الامبراطوريتين الحاكمة للعالم. ان قراءة ما يسعى له ستارمر هو كسب الوقت والرأي العام معا، فهو يعلم ان ترامب ظاهرة شعبوية صعد للرئاسة باموال اعلامية اوليغارخية بوتينية وككل الحركات الشعبوية ستنكشف اوراقها الحقيقية بمرور الوقت خصوصا وان اميركا ديمقراطية قوية وليست كجمهورية فايمار الضعيفة التي استطاع هتلر تصفيتها بعد شهرين من وصوله للسلطة عام 1933. الامر في اميركا يختلف، وهذا مايراهن عليه ستارمر، ان امامه عامين لترويض ترامب خلالها وتقليل الخسائر لاقل مايمكن ،حتى يحين موعد التجديد النصفي لمجلسي النواب والشيوخ ، ومنها يعود فعل الفرامل القانونية لايقاف منهجه التحالفي الامبراطوري مع بوتين حول اقتسام العالم، وخلال هذين العامين سيحاول الحفاظ على استقلال اوكرانيا وكندا من خلال دعمهما ماديا وعسكريا ، والعمل على جمع شمل اوربا وطاقاتها لمنع تقوية هذا الحلف وفضحه امام الرأي العام الاميركي والعالمي . انها مهمة صعبة ولكن الجزيرة جابهت ظروفا اصعب منها حينما كانت وحيدة امام تحالف هتلر مع ايطاليا واليابان ولم تتراجع عن مبادئها وتنضم لحلفه بتقاسم العالم حتى بعد اتفاقه مع ستالين واحتلاله لكل اوربا عام 1940، فاليوم ظروف نجاحها افضل واوسع ، كون شروط اقامة دكتاتورية نازية مطلقة تحكم اميركا غير متوفرة كما كانت لهتلر، والبوتينية العدوانية منبوذة شعبيا وواسعا من الرأي العام الاميركي، ومنه لن ينجح ترامب من فرض حلف على اميركا والعالم مع بوتين ، رغم انه سيتمكن من تحقيق اقصى مايمكن من الصفقات معه ولكنها هذه الصفقات نفسها ستفضحهما كونها صفقات مافيات وحرامية باللغة العامية وسرعان ما سينكشف شأنها كون لا مصالح اميركية حقيقية وراء ترك العالم والجري وراء بوتين، فلغة المصالح هي التي ستدحض ادعئاته الشعبوية كون اميركا اليوم هي امبراطورية بذاتها ولن تحتاج بوتين لاعادة مجدها الامبراطوري ، ومنه تتبخر دعواته الشعبوية وتظهر انها صفقة شخصية لترامب مع بوتين وليست صفقة اميركية حقا. ما سنشهده من القادم هو غير ماخطط له بوتين ، واذا بدا اليوم انه انتصر على جزيرة وقلعة العالم الديمقراطية ، بسحب اميركا الترامبية اليه، فانه سيشهد زوال سراب احلامه بافول الترامبية التي بدأت تتصدع من الان وسيضعف بريقها خلال عام وربما تختفي كليا بعد عامين بطرد ترامب من كرسييه او اربعة باكمال ددورته ليلاقي بعدها مصيره بتهمة التامر على مصالح اميركا لمنفعته الشخصية ( واقعا انه يرد الجميل لبوتين لانقاذ امبراطوريته المالية الزائفة ثلاثة مرات خلال العقدين السابقين) كما ستظهر الوثائق بعد عظمة الاحداث والخراب الذي سيجر ترامب اميركا والعالم اليه. ملخص القول ان هذه الجزيرة القلعة لحماية وليدها الاصيل مفاهيم التحضر الانساني والديمقراطية وستدافع عنه وتنقذ العالم من الفاشية الثانية لمحاولة ترامب بوتين لبسطها عليه ، تماما كما انقذته من الاولى، الفاشية الهتلرية. د. لبيب سلطان 6/2/2025
#لبيب_سلطان (هاشتاغ)
Labib_Sultan#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حلول الريفيرا والمناجم وخيال السريالية الفاشية
-
شهادة بولادة محور ترامب - بوتين
-
قراءة الغرائز السياسية في ترامب شو
-
مطالعة في نشأة الديانات الابراهيمية
-
عرس لبنان ودلالاته الكثيرة
-
دستور جولاني
-
أرفع راسك فوق انت سوري حر*
-
صورتين للصين
-
مداولة في وقائع اسقاط نظام الاسد
-
ظاهرة هوكشتاين
-
مخطط ترامب للانقلاب
-
الولائية مشروع لاجهاض حل الدولة العلمانية ( تشريح محور المقا
...
-
بحث في دهس الولائية على الوطنية (تشريح محور المقاومة ـ2)
-
تشريح محور الممانعة والمقاومة
-
حول كتابين في معرض بغداد الدولي
-
تحليل بوتين
-
بحث حول تراجع العلمانية في العالم العربي-2
-
بحث حول تراجع العلمانية في العالم العربي
-
في دحض الشعبويات المتاجرة بالقضية الفلسطينية
-
تحليل للظاهرة الترامبوية
المزيد.....
-
أردوغان يتحدث عن دفع تركيا أثمانا كبيرة جراء وقوفها مع السور
...
-
ليبيا.. اعتداء مسلح داخل مستشفى غدامس العام
-
واشنطن توجه طلبا جديدا لزيلينسكي بعد واقعة توبيخه -المثيرة-
...
-
بين الآمال والمخاوف، كيف يرى بعض الأوكرانيين مصير بلادهم في
...
-
حظر تجوال في الساحل السوري بعد مقتل 16 عنصراً من قوات الأمن
...
-
طبيبة روسية تروي أمام بوتين قصتها المؤثرة عن نقلها جثة زوجها
...
-
لماذا غضبت إسرائيل من محادثات إدارة ترامب المباشرة مع حماس؟
...
-
أسرى إسرائيليون سابقون يلجأون لترامب
-
نواب بريطانيون يدعون للجنة تحقيق مستقلة
-
جرافات تهدم منازل في مخيم نور شمس بطولكرم مع استمرار العملية
...
المزيد.....
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|