رمايسة ادعزي
الحوار المتمدن-العدد: 8273 - 2025 / 3 / 6 - 07:29
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تحدث الكاتب "فوزي الدباغ" في كتابه هذا عن الحرب النفسية وهي حرب مختلفة عن الحروب العسكرية المعروفة، ونقصد هاهنا تلك الحروب الحامية الوطيس التي يكون السلاح قوامها والدماء عنوانها...، فالحرب تحدث لدى المتلقي عند أول وهلة معنى ودلالة على وجود عنصر الشدة والمفاجأة والزمن المكثف السريع...؛ لكن الحروب النفسية عي تلك الحروب الباردة التي تكون متهاودة السرعة، استراتيجية وتحذيرية ... ويظن البعض أن الحرب النفسية برزت في القرن العشرين إلا أنها دخلت القواميس العربية الحديثة منذ سنة 1955 في الولايات المتحدة الأمريكية، وتعتمد هذه الحرب النفسية على الدعاية (البروباغاندا : تعني محاولة التأثير في الرأي العام عن قصد أو تشكيله والتلاعب بالحقائق من أجل دفع الناس إلى توجه معين.)، لغاية تهم مصدر الدعاية، وكما أن الإعلام شيء آخر، فالإعلام يعتمد على الدعاية مما يجعل الأمور تختلط على الناس حيث لا يستطيعون التفريق بين الحقيقة والزيف حيث تختلط الكلمات المتقاربة في اللغة ولا تعود تعبر عن دلالاتها المتعارف عليها.
لقد كانت الحرب النفسية قديما فنا لا يجيده إلا الصينيون والهنود والعرب المسلمون منذ عهد الخلفاء الراشدون وأصبح محبوكا في عهد الأمويين، ولم يتم التعرف على أهمية هذا النوع من الحروب سوى أباطرة الرومان والأدباء فقموا بنشرها، واتبع الأمويون وسائل الدعاية والإقناع واتبعوا سياسة الإشاعة والترويج إضافة إلى استعمال القسوة والاضطهاد والترهيب لإذابة الدعوات المناهضة لهم، ولما جاء العباسيون وضعوا بدورهم الأحاديث النبوية التي تذم الأمويين وتفضحهم لدى العامة، فأصبحت الحرب الدعائية واضحة في الحديث الديني والشعر، كما أن التفرقة الدينية وإشعال فتيل التعصب كانت أداة من أدوات تأجيج المشاعر والانفعالات والحماس الأعمى بين صفوف عامة الناس والبسطاء منهم وهذا من زاد من حدة التفكك والخصام بينهم، فقد استغل السياسيون هذا التعصب الديني لخدمة أغراضهم ومصالحهم بغية السيطرة الاقتصادية والإجتماعية على عموم الناس، وكذلك من أجل السيكرة على الصراعات الداخلية من أجل إخفاء حقيقتها، حيث اكتست هذه الصراعات صبغة دينية بين مسلم ومسيحي أو يهودي ... وبدت كأنها كذلك في حين أنها حروب سياسة واقتصادية بالدرجة الأولى مما جعل العديد من الناس يضلون ويصيرون ضحايا لهذا التضليل النفسي، حيث سالت دماء كثيرة بريئة وطاهرة في مقابل تخفي السادة الماكرين الذين اشعلوا هذه الحروب وكانوا سبب نشوبها متلاعبين بنفسية ومشاعر الناس وبأحاسيسهم الدينية.
وأما بالنسبة للرأي العام فهو شيء آخر، حيث تعمل فيه الحرب النفسية على غسل الدماغ brain-washing، فالرأي العام هو مشاركة أفراد كثر في رأي واحد واتجاه منسجم، وله هذه اتجاهات منها:
أ – الاتجاه العقائدي
ب – الاتجاه ذو الطابع الشخصي
ج – الاتجاه ذو الطابع الجماعي
إن الأسس العلمية للحرب النفسية متعددة، ووصل عددها إلى ما يقارب الأربعة عشر أساسا يمكن إجمالها على الشكل التالي:
1 – تحشيد وتوجيه الحقد المباشر المباشر على الجهة الأخرى من أجل تثبيط معنوياتها بحيث لا تتبقى آثار العطف أو المحبة اتجاهها وتصبح مكروهة غير مرغوبة.
2 – الكذب، وهو أضعف الوسائل لأنه ينفع ومفعوله قصير المدى زمانيا
3 – التكرار وإعادة نشر الأفكار الخادعة بصور وأساليب متنوعة مما يجعلها تصبح حقيقة من مرور الزمان.
4 – بث الإشاعات التي تولد الحيرة والقلق والمخاوف، فقد اعتمد الصهاينة من أجل زعزعة انتماء الفلسطينيين على طرد العرب وسجنهم بتهم واهية وبث اشاعات عنهم بأنهم ارهابيون وأناس ظالمون ...، مما ساهم في كره العديد من لحياتهم وبالتالي أدى بهم الأمر إلى هجرة بلادهم وتركها للمحتلين وهذا كان نتيجة حرب الإشاعات التي تعد ركنا أساسيا في الحرب النفسية، وهي الوسيلة الفعالة لإحداث البلبلة في أوقات الحرب والسلام. إن ترويج الإشاعات يحتاج بدوره إلى صياغة مناسبة لنسقها وتأتي في خمس خطوات هي:
• الخطوة الأولى: أن تكون هذه الإشاعة منطقية وأن تكون ملائمة لكي يستطيع المواطن استيعابها بسرعة
• الخطوة الثانية: يجب بث الإشاعة في ظروف غامضة لأن هذا الغموض يولد الشك والحيرة في أنفس الناس وهو ما تحتاجه الإشاعة لكي تنمو وتترعرع وبالتالي لكي تؤثر في أكثر عدد من الناس.
• الخطوة الثالثة: من الأفضل نشرها حينما يكون الناس في حالة من الخوف والذعر لأنه وبمجرد أن تزول هذه الشائعة حتى يصبح خوف الناس وهواجسهم حقيقية؛ وهذا هو الغرض من الحرب النفسية.
• الخطوة الرابعة: يجب أن تكون الشائعة في صالح جماعة معينة واكون في الآن نفسه ضد دماعة أخرى، وهذا ما يؤدي إلى إشعال نار الكراهية والعداء والعنف تجاه الجماعتين.
• الخطوة الخامسة: يجب أن تعبر الإشاعة عن القلق الدفين أو النقد الحبيس، فمع تداول وانتشار هذه الإشاعة يصبح ذلك منفذا للتفريغ والتنفيس عن الحالة النفسية الداخلية.
إن الإشاعات تنطلق قبيل الانتخابات في الدول الغربية، وتصبح أداة من أدوات المنافسة الحزبية؛ ففي عام 1924 م، كانت الانتخابات محتدمة في بريطانيا بين الأحزاب الثلاثة: أحزاب المحافظين والأحزاب الشيوعية وحزب العمال. وقد لا تؤثر الحرب النفسية في العدو ذاته بقدر تأثيرها في الشعوب المغلوبة أو الشعوب التي ترزح تحت نير الاحتلال، فالدعاية لا تؤثر إلا فيمن له استعدادات للإصغاء لها وتنفيذ كل ما جاء فيها، خاصة إذا ما كان الطرف المنهزم مكسور المعنويات، كما أن للإشاعات أيضا عوامل مختلفة تهم نشرها وتصديقها كما ذكرنا من قبل في الخطوات السابقة، فالصهاينة أيضا قد استخدموا هاته التمويهات والإشاعات عام 1967. كما اتجهت الحرب النفسية إلى سلاح الغرائز الجنسية أيضا لاجتذاب الآخرين إلى الدعاية المدسوسة، أما الجانب المعتم المرير من الحروب النفسية فهي اعتماد الإعداء والمخربين على العملاء والمتشردين والمرتزقة لبث الإشاعات الهدامة داخل المجتمع.
أما من ناحية علاقة الحرب النفسية بالأمة العربية فقد أصبح جليا مما تقدم أن هذه الأمة كانت ترزح تحت وطأة الحكم العثماني قم الاستعمار الغربي بعد ذلك، وتعرضت إلى حرب نفسية منذ ان بدأت تطالب بالاستقلال الوطني، حيث شن الاستعمار والصهاينة حربا نفسية طويلة الأمد على الأمة العربية من أجل نشر الأمراض في أوصالها؛ وكان الاستعمار والصهيونية يدركان تماما أن يقظة هذه الأمة واتحادها سينعكس عليهم بالفشل والخسارة، ولهذا فقد استغلوا كل جهودهم ومخططاتهم سعيا في الحصول على ولاء الحكام العرب لكي يصبحوا تابعين لهم.
واستمرت محاولات الصهاينة المنتشية بانتصاراتها لإعاقة التئام الجروح العربية، مذلة كبرياء الإنسان العربي وإشعاره بالعار والضعف والهوان؛ ولكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل وذلك بفضل يقظة المواطن العربي والثورات الوطنية القومية مثل ثورة 17 و 30 تموز في العراق والتي اختطت سياسة قومية واشتراكية صريحة وواضحة في مواجهة الصهيونية. لكن الكيان الصهيوني وقع في الفخ النفسي الذي نصبه للعرب، فقد أصابه مرض بعد الانتصار في معركة 1967 وهو "الغرور"، فعلى الرغم من حبكة وتخطيط الإعلام الصهيوني إلا أن الغرور اللامتناهي، والغطرسة أعمت بصيرتهم وجعلتهم فريسة حربهم النفسية ذاتها.
إذن فالحرب النفسية ضد العرب مستمرة ولن تنقطع طالما وجد في الوطن العربي عملاء للاستعمار والصهيونية، واليوم نرى بأم أعيننا كيف غزت قوات الاعتداء الصهيوني جنوبي لبنان، وكيف ساعدتهم القوات الدولية، وكيف يتم قمع ومحاربة الثورة الفلسطينية ضد هذا المستعمر الغاشم...
وللوقاية من الحرب النفسية يجب اتباع نفس الأصول والأسس العلمية التي بنيت عليها تلك الخطط، وهذا أنجح سبيل وأضمنه، ومن البديهي أن احباط الحرب النفسية يتطلب الإحتفاظ بالقابلية والمرونة والتكيف حسب الظروف بغية معالجة كل حالة حسب ما يلائمها، وهذه بعض الأساليب الواقية من شرور الحروب النفسية:
- أولا: المحافظة على روح الجماعة والتعاون ونكران الذات في سبيل محاربة هذه الحروب النفسية
- ثانيا: تريبة النفس على روح المواطنة الصادقة والنظر إلة المصلحة العامة قبل الخاصة.
- ثالثا: الهدوء والبرود والتمحيص والتدقيق تجاه كل خبر وقصة أو إشاعة.
- رابعا: الحذر من الغزو الثقافي المخرب والمستتر.
#رمايسة_ادعزي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟