أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد خليل - محنة الأدب العالمي تحت هيمنة التوحش الرأسمالي














المزيد.....

محنة الأدب العالمي تحت هيمنة التوحش الرأسمالي


خالد خليل

الحوار المتمدن-العدد: 8271 - 2025 / 3 / 4 - 02:54
المحور: الادب والفن
    


إن الأدب كان على مرّ العصور نافذة الأرواح إلى ضياء الوجود، وبستان الأفئدة التي تُزهِرُ بالكلمات وتُثمر بالمعاني. كان الأدب بيتنا حين ضاقت بنا المنازل، وسرابيلنا حين عرّتنا الحقائق، وجسرنا إلى عوالم لم نكن لنبلغها إلا بحروف الأدباء وخيال الشعراء. ولكن، أيها السائرون في دروب الجمال، ألم تتساءلوا: ماذا جرى للأدب في هذا العصر المتوحش؟ أين ذلك البهاء الذي كان يسكن في الصفحات؟ أين تلك النفحات التي كانت تُزهر بين الأسطر كأنها زهرات على ضفاف نهر الخيال؟

لقد استبدت الرأسمالية بالأدب، كما يستبد العطش بالماء، فجعلت من الحرف سلعة تُباع وتُشترى، ومن القلم آلةً تُديرها المكائن الكبرى لصناعة “الأكثر مبيعًا” و”الأعلى ربحًا”. أضحت الروايات تُنسج وفق مقاييس السوق، وتُكتب الأشعار لتُطرب الجمهور وتُرضي المعلنين، وكأن الأدب قد خلع عنه ثوب الروح وارتدى بذلة التاجر.

في هذا الزمن، يُساق الكاتب إلى حظيرة الإنتاج، يُطلب منه أن يكتب كما تُصنع البضائع، أن يُنهي كتابًا في مدة محددة، وأن يُراعي أذواق المستهلكين، وأن يُطابق صياغته مع مقاييس التسويق الرقمي. أين ذلك الصوفي الذي كان يُسافر في بحار المعاني ليأتي بلالئ الحكمة؟ أين ذلك الشاعر الذي كان يكتب بدم قلبه لا بحبر قلمه؟

إن الرأسمالية لا تُحب الخيال، فهي لا تملك له سعرًا في أسواقها. إن الإبداع لديها يُعتبر مخاطرة غير محسوبة، والمغامرة الفكرية سلعةً لا تُدرج في قوائم الربح. إنها تُريد من الأدب أن يكون طيّعًا، سهل الهضم، لا يُثير الأسئلة، ولا يُحرّض على التفكير. تُريد قصصًا تُباع كالحلوى المغلفة، لا تُلطّخ الأيدي، ولا تُثقل العقل.

وها نحن نرى كيف انقلب الأدب إلى تجارة، يُصنّع كما تُصنّع الأفلام، ويُروّج له كما تُروّج العطور. يُطلب من الكاتب أن يُجيد التسويق أكثر من إجادة الكتابة، وأن يُراعي المنصات الإلكترونية أكثر من مراعاة خفقات قلبه. أصبحت الجوائز الأدبية تُمنح للأسماء اللامعة لا للأعمال اللامعة، وصارت الكتب تُصنّف وفق معايير الشعبية لا القيمة.

لكن الأدب، في جوهره، هو تمرد على هذا التوحش، هو صرخة الروح ضد ابتذال المعاني وسجن الخيال. الأدب الحق هو الذي يُعيد للإنسان إنسانيته، هو الذي يُواجه المدّ الجارف للمادية بيد من نور، ويزرع في الصحاري النفسية حدائق من أمل. إنه البيان الأول للعالم، والقصيدة الأخيرة التي ستُغنّيها الأرض حين يرحل عنها كل شيء.

فليكتب الكاتب إذًا بصدق، وليخط الشعراء قصائدهم بدموع الفجر، وليكن الأدب آخر قلاع الإنسانية في وجه هذا الطوفان. ليكن الحرف طوق نجاة، والكلمة جسر عبور، ولتكن الرواية بحرًا يُبحر فيه كل من ضاقت به اليابسة. في هذا العالم المتوحش، الأدب هو النجاة، هو النور الذي لا تستطيع الرأسمالية أن تبتلعه، ولا أن تُطفئه مهما عظمت نارها.

أيها الأدباء، كونوا أنتم القناديل المعلقة في ظلام هذا العصر، ولتكن كتبكم نوافذ على عوالم لم يرها أحد بعد. ولتكن كلماتكم كالسحر، تُعيد ترتيب العالم حين يختل، وتُحيي الإنسان حين يموت فيه الأمل



#خالد_خليل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسرار النور
- العلاج الصوتي عبر الحقول الكمومية: ابتكار د. خالد خليل لنهج ...
- الذكاء الاصطناعي العام (AGI): نقطة الصفر بين الفرصة والتهديد
- نقطة الصفر: هل يمكن أن يصبح العلم ذاتي التشغيل؟
- ملوك الطحالب
- عبور في التيه
- غوغاء القدر وسيمفونية العبث
- الرؤية الشاملة لنظام التقنيات الروحية العميقة (Deep Techno-S ...
- التكنوروحانية: التقاء العقل مع الروح في عصر التكنولوجيا
- ريفيرا الأبد
- جمرةُ الغياب
- دونالد هتلر أم أدولف ترامب؟
- أبو مازن مثل ترامب… أو أسوأ!
- ترامب والهذيان الإمبراطوري: رئيس بأحلام استعمارية ومزاج عصبي
- ‎في ليلٍ بلا ضفاف
- سفر إلى اللانهائي….
- العلاقة بين دماغ القلب والدماغ المركزي: من القيادة إلى الشرا ...
- مزامير الروح في ليل بهيج
- لا اسم للقصيدة… ولا حدّ للمعنى.. كانّها ثوب من الغموض النقي،
- سيكولوجية العنف والتبرير الجماعي: لماذا يسوغ المجتمع الإسرائ ...


المزيد.....




- -ألكسو-تكرم رموز الثقافة العربية لسنة 2025على هامش معرض الرب ...
- مترجمة ميلوني تعتذر عن -موقف محرج- داخل البيت الأبيض
- مازال الفيلم في نجاح مستمر .. إيرادات صادمة لفيلم سامح حسين ...
- نورا.. فنانة توثق المحن وتلهم الأمل والصمود للفلسطينيين
- فيليبي فرانسيسكو.. برازيلي سحرته اللغة العربية فأصبح أستاذا ...
- بمَ تسمي الدول نفسها؟ قصص وحكايات وراء أسماء البلدان بلغاتها ...
- عن عمر ناهز 64 عاما.. الموت يغيب الفنان المصري سليمان عيد
- صحفي إيطالي يربك -المترجمة- ويحرج ميلوني أمام ترامب
- رجل ميت.. آخر ظهور سينمائي لـ -سليمان عيد-
- صورة شقيق الرئيس السوري ووزير الثقافة بضيافة شخصية بارزة في ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد خليل - محنة الأدب العالمي تحت هيمنة التوحش الرأسمالي