أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي مهذب - لم تفلت الخيط أبدا














المزيد.....


لم تفلت الخيط أبدا


فتحي مهذب

الحوار المتمدن-العدد: 8270 - 2025 / 3 / 3 - 00:10
المحور: الادب والفن
    


ترتق ثوب الحظ البالي
وتدسه في خزانتي
لأجتاز كثبان السنوات
بمرونة فائقة
أشكرها كثيرا
وهي تدندن على إيقاع ماكينة الخياطة
وحشرجات صرار الليل
النجوم تنزلق على زجاج الشباك
أنا منهمك في قراءة جلفر في بلاد الأقزام
مبتوت الصلة بالعالم الفيزيقي
متماهيا مع مغامراته الغريبة
شاكرا الروائي جونثان سويفت
من كل قلبي
آخر الليل ترمي أمي عينيها
مثل سمكتين مذعورتين في قاع النوم
كانت الأيام تدخل من النوافذ
بأكياس من الذهب
ثم تخرج من عيوننا
مبقعة بالتجاعيد والدموع
يقاسمنا المطر المتساقط
السهر العائلي
يشرب معنا الشاي الأخضر
ثم يدخل في رؤوسنا
بهدايا نادرة جدا من الموسيقى
ليرتاح على سرير المخيلة
كأحد الناجين من المعتقلات..
ألة الخياطة لا تهدأ أبدا
والقروش التي تجمعها
من جرن عرقها اليومي
تتدافع مثل أسرى ينشدون التحرر
ستذهب القروش كلها
إلى حضرة البقال والجزار
ستبتلعهم فواتير الماء والكهرباء
هكذا أمي سماء صغيرة
تمطر في كل الفصول
بالقروش وأقواس قزح
بيتنا كنيسة صغيرة
مرصعة بالملائكة والرسل
والفرح قائد أركسترا
بجناحين مفرودين
يجلب النور والبركة
تقرع النواقيس طوال النهار
وكلما مر الجيران بجوار البيت
يرسمون علامة الصليب
يقولون مبارك هذا المعبد الصغير
اليوم لم أجد أحدا
ليرتق ثوب الحظ العاثر
صعدت أمي إلى السماء
لتواصل رتق الغيوم في الأفق
حاملة كما هائلا من الحنان
تاركة أريكتها ملآى بالثقوب
آلة الخياطة المسنة
لم تزل تطن في مخيلتي
وضحكتها العذبة
طارت هي أيضا إلى مكان غامض
الجيران فروا بدراجات قديمة
إلى براري الميتافيزيق
الزمن افترس بائع الذرة
شجرة التوت العجوز
الكثير من بائعي المثلجات
إندلعت حروب كثيرة
وهي لم تزل شابة
سقط حزيران في البئر
انتحر المطرب الكاثوليكي
بطلقة من الفراغ العائلي
عبر الموسيقيون الجسر المتداعي
لإيقاظ طفولتنا المتجمدة
أذكر ذلك جيدا
بنت جارتنا الأرملة
إذ تقصف طابورا من المارة
بنهدين مليئين بالمسيرات
أذكر المؤذن الأعرج
إذ يدهس مكعبات الضوء
بصوته القروسطي
لم تمت أمي بعد
كنا نتلاقى طويلا في العتمة
داخل حديقة رأسي
تمسح شعري المهوش
بأناملها النورانية
نتكلم طويلا بلغة الإيماء
معلقين في الهواء
مثل طائري بلشون
بينما آلة الخياطة
تقرع نواقيسها في ذهني
ثم يذهب كل منا إلى عالمه
تختفي في اللامكان
وأنا أدحرج صخرة سيزيف
من جبل النهار الشاهق
في انتظار عربة آخر يوم
لاكتساب جوهر الضوء المطلق
أمي طائر جميل
ينقر زجاج نوافذ البيت
مستفسرا عن مآل آلة الخياطة
والإبن المصاب بالتوحد
والقروش التي فرت مثل اللصوص
من جيبي
مضت قافلة السنوات إلى الوراء
والزمن يركض وراءها
مثل كلب بولدوغ
حين كبرت
صرت خياطا ماهرا
رغم هزال عيني اليمنى
رغم ذلك لم أفلت الخيط
رممت آلة الخياطة العجوز
صرت أنجز كما هائلا من الأكفان
أوزعها على الأموات الفقراء
دون مقابل.
بينما كفني المعلق على المشجب
يشير بإيقاع الحدس
متى سترتديني
مثل بعل محترم جدا
يأنف من شراسة هذا العالم.



#فتحي_مهذب (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة إلى سلمى
- مقاربات
- في الميزان
- ما وراء المحدود
- شرفتي ضيقة وصوتك شاسع
- آه لو تعلمين يا باربرا
- يوم ميلادي
- إذا تمكنت من العيش مرة ثانية.
- روحك التي بمترين ونصف
- ماذا نسيت في كثافة المرئي؟
- عمق الحفرة يا قبار
- مملكة لوتريامون الضائعة
- أروض متناقضاتي في دار الأوبرا.
- الرقص بساق واحدة
- مجانين
- أحبك يا كاترين
- صانع الحياة Life Maker
- الفهد تحت الأنقاض
- من كتاب لاجىء موريسكي
- صخرة سيزيف


المزيد.....




- غضب إسرائيلي من فوز فيلم يوثق عمليات الهدم في الضفة الغربية ...
- وزير الثقافة الإسرائيلي: فوز فيلم «لا أرض أخرى» بجائزة أوسكا ...
- متظاهرون يغلقون طريق حفل الأوسكار بكاليفورنيا نصرة لفلسطين
- فيلم -أنورا- يتصدر الأوسكار بأفضل فيلم و مخرج وممثلة، والفيل ...
- وزير ثقافة إسرائيل يستنفر ويهاجم منح جائزة الأوسكار للفيلم ا ...
- فيلم -أنورا-.. الروسوفوبيا طريقا أكيدا للحصول على 5 جوائز أو ...
- الأوسكار 2025.. مايكي ماديسون تسرق الأضواء من ديمي مور
- فيلم فلسطيني إسرائيلي يحصد جائزة أوسكار أفضل وثائقي
- فيلم -أنورا- يهيمن على جوائز الأوسكار.. وبرودي أفضل ممثل
- -بذرة التين المقدس-.. فيلم إيراني صور سرا ونافس على الأوسكار ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي مهذب - لم تفلت الخيط أبدا