أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - حمدي سيد محمد محمود - مذبحة المحيط الأطلسي: مأساة سفينة زونغ وتجسيد البربرية الاستعمارية














المزيد.....


مذبحة المحيط الأطلسي: مأساة سفينة زونغ وتجسيد البربرية الاستعمارية


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8261 - 2025 / 2 / 22 - 13:14
المحور: حقوق الانسان
    


د.حمدي سيد محمد محمود
في قلب المحيط الأطلسي، حيث تمتزج أمواج البحر المجهولة مع قصص الاستعباد والوحشية، وقعت واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية، وهي مذبحة السفينة زونغ التي تحولت إلى رمز للهمجية الاستعمارية والاستغلال الاقتصادي الوحشي للبشر. في عام 1781، كانت السفينة البريطانية زونغ تشق طريقها عبر المحيط الأطلسي محملةً بمئات من الأفارقة المستعبدين الذين اختُطفوا من أوطانهم في غرب إفريقيا ليتم بيعهم في مستعمرات العالم الجديد. لكن المأساة الحقيقية لم تكن في الاستعباد ذاته، بل في الجريمة البشعة التي ارتكبها طاقم السفينة بحق 130 من هؤلاء الضحايا العزل.
خلفية المذبحة: بين الطمع والاستعباد
كانت زونغ سفينةً متخصصةً في تجارة العبيد، تابعةً لمجموعة من التجار البريطانيين الذين استثمروا في تجارة البشر باعتبارها مصدرًا ضخمًا للثروة. في رحلتها المشؤومة، كانت السفينة تحمل عددًا يفوق قدرتها الاستيعابية من الأسرى الأفارقة، ما أدى إلى تفشي الأمراض وتناقص الإمدادات الغذائية والمياه العذبة. وبدلًا من البحث عن حلول إنسانية لإنقاذ الركاب، قرر قبطان السفينة لوك كولينجوود اتخاذ قرار وحشي يهدف إلى تعويض الخسائر المالية المتوقعة، وهو إلقاء 130 من الأسرى الأفارقة في مياه المحيط، بحجة أنهم باتوا عبئًا غير مربح.
كان الدافع الأساسي وراء هذا القرار غير الإنساني هو أن شركة التأمين الخاصة بالسفينة كانت تغطي الخسائر الناتجة عن الغرق، لكنها لم تكن تعوّض عن حالات الوفاة الناتجة عن المرض أو الجوع. وهكذا، اعتبر الطاقم أن قتل الأسرى الأفارقة وإلقاءهم في البحر سيكون وسيلة أفضل "اقتصاديًا"، إذ سيمكنهم من المطالبة بتعويضات مالية من الشركة المالكة. وهكذا، بدأت واحدة من أبشع الجرائم في تاريخ الاستعمار الأوروبي.
تنفيذ الجريمة: من قسوة الحديد إلى قسوة البحر
على مدار عدة أيام، تم اقتياد الأسرى الأفارقة واحدًا تلو الآخر إلى حافة السفينة، حيث قُيدوا بالسلاسل ثم أُلقوا في المحيط الأطلسي البارد. كانت صرخاتهم تتلاشى وسط هدير الأمواج، بينما كان الطاقم يتعامل مع الجريمة وكأنها مجرد عملية تجارية روتينية. لم يكن لدى هؤلاء الضحايا فرصة للنجاة، إذ أن الغرق كان مصيرًا محتمًا لهم، بينما وقف الناجون من زملائهم في الأسر عاجزين عن فعل أي شيء سوى مشاهدة المصير المروع الذي ينتظرهم.
لم يكن البحر وحده هو الشاهد على هذه المذبحة، بل كانت هناك قصص مؤلمة عن مقاومة بعض الضحايا الذين حاولوا التمسك بحافة السفينة أو التشبث بالحياة، لكن دون جدوى. وبالرغم من بشاعة المشهد، فإن الطاقم لم يظهر أي نوع من الندم أو الرحمة، بل تعامل مع الأمر بدم بارد، كجزء من "الضرورات" التجارية التي تفرضها تجارة العبيد.
ردود الفعل القانونية والأخلاقية: هل هناك عدالة؟
عندما وصلت السفينة زونغ إلى وجهتها، تقدم مالكوها بدعوى قضائية ضد شركة التأمين، مطالبين بتعويضات عن "خسارتهم" البشرية. وهنا، بدأت القضية تأخذ بعدًا آخر، إذ لم تكن محاكمة للجريمة الأخلاقية، بل نزاعًا ماليًا حول تعويضات التأمين. في البداية، قضت المحكمة لصالح الملاك، معتبرةً أن إلقاء الأسرى في البحر كان "ضروريًا" للحفاظ على باقي الشحنة (أي العبيد الناجين)، لكن عندما تم استئناف القضية، بدأت تبرز أصوات معارضة لهذا الفعل الوحشي، خاصةً من قبل النشطاء المناهضين للعبودية مثل توماس كلاركسون وويليام ويلبرفورس.
أثارت المذبحة غضبًا واسعًا داخل بريطانيا وخارجها، وكانت من بين الحوادث التي سلطت الضوء على وحشية تجارة العبيد، ما أدى لاحقًا إلى تصاعد الحركات المناهضة للاستعباد، والتي تُوجت بإلغاء تجارة العبيد في بريطانيا عام 1807 ثم إلغاء العبودية بالكامل عام 1833. ومع ذلك، فإن الجريمة نفسها لم تُعاقب بشكل عادل، إذ لم يُحاسب القبطان ولا الطاقم على قتل 130 إنسانًا بريئًا، مما كشف عن النفاق القانوني الذي كان يحكم المستعمرات في ذلك العصر.
دلالات المذبحة: جريمة ضد الإنسانية لا تُنسى
لم تكن مذبحة زونغ مجرد حادثة معزولة، بل كانت انعكاسًا صارخًا لوحشية النظام الاستعماري الذي تعامل مع البشر كسلع تُباع وتشترى، وتُلقى في البحر عند انتهاء فائدتها. كشفت هذه الحادثة عن العقلية الاستغلالية التي هيمنت على تجارة الرقيق، حيث كان الربح المادي يعلو على أي اعتبار أخلاقي أو إنساني.
واليوم، لا تزال هذه المذبحة تمثل علامة سوداء في تاريخ البشرية، تذكرنا بأن العبودية لم تكن مجرد ممارسة اقتصادية، بل كانت نظامًا وحشيًا بُني على الإبادة والاستغلال. وتظل قصص الضحايا الذين قُذفوا في المحيط الأطلسي جزءًا لا يتجزأ من الذاكرة التاريخية، تحثنا على مواصلة النضال من أجل العدالة والكرامة الإنسانية.
هل تعلمنا الدرس؟
رغم مرور أكثر من قرنين على هذه المذبحة، إلا أن آثارها لا تزال حاضرة في التاريخ والذاكرة الجماعية، ليس فقط كجريمة مروعة في حق الإنسانية، بل كتذكير بالأنظمة الوحشية التي قامت على الاستعباد والاستغلال. فهل تعلم العالم من دروس زونغ؟ أم أن العبودية قد عادت بأشكال جديدة تحت مسميات حديثة؟
إن التحدي الحقيقي اليوم هو ألا تصبح مثل هذه الحوادث مجرد قصص تُروى في كتب التاريخ، بل دروسًا تُلهم الأجيال القادمة لمكافحة جميع أشكال الظلم والاستبداد، وضمان أن مثل هذه الجرائم لن تتكرر أبدًا، في أي زمان أو مكان.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شركة الهند الشرقية: صعود الإمبريالية الاقتصادية وبدايات الاس ...
- كيف تعيد الخوارزميات تشكيل الأخبار؟ الصحافة التنبؤية في عالم ...
- المنهج الفينومينولوجي وتطبيقاته في العالم الإسلامي
- العدالة كإنصاف: قراءة معمقة في نظرية جون رولز
- السيادة بين القانون والاستثناء: قراءة فلسفية في كتاب اللاهوت ...
- كيف نعرف ما ليس كذلك؟ قراءة تحليلية في فكر توماس جيلوفيتش
- الجذور الفكرية والمعرفية للفلسفة الإسلامية والمدرسية: دراسة ...
- العقل في مواجهة التقليد: التيارات الفلسفية وصناعة أوروبا الح ...
- إعادة بناء الحقيقة: تأثير توما الأكويني في الفكر الفلسفي الغ ...
- الميتافيزيقا في الفكر الأوروبي: أفق الفلسفة وحدود العقل
- التحولات الفلسفية الكبرى: من المادية الفلسفية عند فيورباخ إل ...
- ابن رشد بين الفلسفة والعقيدة: جدلية العقل والنقل في الفكر ال ...
- سلاح التجويع: أداة الحرب الأمريكية الخفية
- القومية الإيطالية وتحديات التوحيد: من جوزيبي غاريبالدي إلى ف ...
- نظرية هابرماس في الاتصال: من فلسفة الوعي إلى العقلانية التوا ...
- رؤية مستقبلية: كيف يمكن تحقيق مشروع عربي نهضوي متكامل؟
- الرأسمالية والأخلاق: هل يمكن تحقيق توازن بين الربح والقيم ال ...
- الإسلام وأزمة القيم في العالم المعاصر: رؤية حضارية بديلة
- الوعي والعقل: جدلية الإدراك والوجود في الفكر الفلسفي
- النظرة الاستعلائية في الحضارة الغربية: الجذور التاريخية والت ...


المزيد.....




- عائلات الأسرى الإسرائيليين تدعو للقبول بعرض حماس وتناشد ترام ...
- فرنسا.. اعتقال -الذبابة- في رومانيا بعد تسعة أشهر من هروبه
- إعلام إسرائيلي: مشاورات نتنياهو تؤجل إطلاق سراح الدفعة الساب ...
- مديرإعلام الأسرى الفلسطينيين: الاحتلال يحاول التلاعب ببعض أس ...
- مدير إعلام الأسرى الفلسطينيين: الاحتلال يحاول التلاعب ببعض أ ...
- -واشنطن بوست-: الإدارة الأمريكية تطالب كييف بسحب مشروع قراره ...
- إسرائيل تطبع عبارة من العهد القديم على ملابس الأسرى الفلسطين ...
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر: تأخير الا?فراج عن الأ ...
- جثث الأسرى تصدم الاحتلال ونتنياهو يتذرع بالمظلومية
- إعلام العدو:تأخير اطلاق الأسرى الفلسطينيين حتى انعقاد الإجتم ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - حمدي سيد محمد محمود - مذبحة المحيط الأطلسي: مأساة سفينة زونغ وتجسيد البربرية الاستعمارية