كريمة مكي
الحوار المتمدن-العدد: 8260 - 2025 / 2 / 21 - 13:18
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
لقد عرضت عليَّ هيام أستاذة الرسم مثلي و زميلتي من أيام الجامعة أن أذهب معها إلى مرسم الزبير التركي حيث كان يستقبل الرسامين و الأدباء و يناقشهم في أعمالهم و في غيرها و كان كما قالت يصنع لهم القهوة بنفسه رغم أنه في الثمانين من عمره!
إنه تواضع الكبار الذي لم أعرفه فيمن حولي من أصحاب النفوس الصغيرة التي لا تنظر للعالم إلا من أضيق الزوايا و لا تهتم في الأمور كلها إلا بالصغائر و تعدّها من أكبر الكبائر!
وعدتها أن أذهب معها و بقيت لأسبوع أحلم باللقاء و حين حان الموعد و اتصلت بي قلت لها إن محمود يعاني من نزلة برد.
خفت وقتها أن أتركه لوحده و خفت أكثر أن أعلمه بالأمر.
لم أنسى أبدا يوم أخبرته و نحن بعد في فترة الخطوبة أني لم أُعلم أبي بدخولي لكلية الفنون الجميلة...
وقتها جاءني ردّه مباركا لما فعلت مما طمأن قلبي قليلا و كان الشعور بالذنب تجاه أبي يتأجج في صدري من فترة لأخرى بسبب تلك الكذبة المرّة.
لقد قال لي بالحرف: أحسن ما فعلتِ... من أين لأبيك أن يفهم الرسم و رسالة الفن و هو الذي ظلّ أسيرا لزمن صالح بن يوسف و مات على يقينه بأن بن يوسف العروبي كان أصلح لتونس من بورقيبة العلماني!!
أما بعد الزواج بقليل و بعد أن تأخرت مرّة في سهرة ختان ابن قريبتنا فانه أقام الدنيا على رأسي لأن قريبي و زوجته أوصلاني للبيت بسبب أني لا أقود السيارة.
يومها قال لي: من قال أن زوجته كانت معكما؟! و كيف أُصدّق من خدعت أباها!!
و ظلّ من بعد ذلك كثيرا ما يُعيد عليّ تلك الجملة القاتلة ليزيد في تأجيج شعوري بالذنب المدمّر لنفسيتي الهشّة خاصة بعد رحيل أبي و افتقادي لسند غيره في حياتي فأنا بلا إخوة ذكور و بلا حتى ابن ذكر أرى فيه سندا من دمي عندما يكبر!
ضحكت هيام مني في بداية الأسبوع الموالي قائلة:ʺ ربي يحفضك لسي محمود!! و لكن تأكدي أن جلسة مع الزبير التركي برجال العالم كلهʺ.
و كدت أنفجر أمامها بكاءا و قهرا لعجزي أن أكون حرّة مثلها .
هيام التي لم تتزوج بعد أن توفي خطيبها في حادث و كانت معه في السيارة.
خسرت في ذلك الحادث قدمها اليسرى و لكنها ظلت متمسكة بالحياة و إن استمرّت ترفض كل من يطلبها للزواج! و أشجعها على القبول فتقول: يا بنتي إنهم يريدون الراتب و في أول خصومة سيقول لي: يا معاقة أنا الغبي الذي رضيت بك!!
معها حق...ها هو محمود يعيّرني بمعلومة لم أخفيها عنه بل صارحته بها لأخفف عن نفسي ذلك الذنب الذي يؤنبني أحيانا و أتصور أبي كان عالما و أخفى عني ذلك و أنه مات غير راض عني كما لمّح لي بذلك محمود بأكثر من طريقة.
*مقتطف من قصة ʺكنت سأكون زوجة للدكتاتورʺ تونس 2011
#كريمة_مكي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟