قدس المغربي
الحوار المتمدن-العدد: 8258 - 2025 / 2 / 19 - 11:55
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
ترأس الملك جلسة عمل يوم 23 ديسمبر 2023 حول مستجدات مدونة الأسرة، بعد أن رفعت الهيئة المكلفة بمراجعتها تقريرها له في أواخر شهر مارس، وأحال بعض التعديلات على المجلس العلمي الأعلى للنظر فيها، بما لا يمس «تحريم الحلال وتحليل الحرام» وقدم المجلس خلاصة رأيه فيها.
فور الإعلان عن بدء المشاورات وتقديم المقترحات بشأن مراجعة مدونة الأسرة، تسابقت قوى سياسية ليبرالية ورجعية في رفع مذكراتها للجهة التي عينها الملك بتلك المهمة. ورافق مرحلة تنظيم اللقاءات والجلسات الرسمية تجاذبات بين هذين الطرفين المجمعين كليهما على تحكيم الملكية، وبعد حملات تشهير تجلت في سعار المناهضين- ات لحقوق النساء والنواح المنافق على الأسرة المهددة بالتفكك والتباكي على الأخلاق المنتهكة، رجعت الأمور الى مركز «الحل والعقد» ومكمن الحكم الفعلي أي قرار الملك. بات أعداء حقوق النساء باختلافهم ينتظرون قرارات الحَكم، وأشاد معظمهم بما أسموه «منهجية التشاور الواسع التي سلكها ورش مراجعة مدونة الأسرة»، واتخذوا حكومة الواجهة مشجبا لنقد جبان، فيما الليبراليون- ات الذين أخافهم سعار الرجعيين- ات بدورهم يمنون النفس بما تمن به الملكية من نزر التحسينات، وفي كلتا الحالتين فمن بيده زمام الأمر يكرر نفس المنهجية التي خبرها في الجلبة التي صاحبت «الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية»، وما تلاها من إصلاح انتهى حينها بصدور مدونة الأسرة سنة 2004.
توالت بيانات القوى الليبرالية والرجعية، حكومية ومعارِضة، بعد الإعلان عن مستجدات مضامين مراجعة المدونة. وتروج هذه القوى السياسية المنبطحة أضاليل «الديمقراطية التشاركية الواسعة» في كل مرة يأمر فيها الاستبداد السياسي بوضع قوانين أو مراجعتها، بما لا يقوض مصالحه الطبقية ويخدم حكمه المطلق.
مدونة الأسرة: مشروع تعديلات لن تضع حدا لاضطهاد النساء القانوني
تهم التعديلات المقترحة منح حق الولاية القانونية للأمهات على غرار الآباء على الأبناء أثناء قيام العلاقة الزوجية أو بعد انفصامها، وتخويل الأم المطلَّقة حق الاحتفاظ بالحضانة ولو بعد زواجها. ويعد ذلك مكسبا بالمقارنة مع مدونة الأسرة لعام 2004، حيث كانت النساء اللواتي يتحلمن عبء رعاية أطفالهن بعد الطلاق تعانين مشاكل جمة جراء هذا الميز القانوني. وشملت مقترح التعديلات المعلنة احتساب العمل المنزلي ضمن الممتلكات المكتسبة أثناء قيام العلاقة الزوجية، غير أن ذلك يحصره في دائرة الأسرة فقط. وسيظل مجمل العمل الرعائي عبئا اجتماعيا تقوم به النساء لوحدهن بدلا من تحميل كلفته لمجتمع رأسمالي ذكوري. ويجتهد هذا التشريع الأسري لإبقاء العمل المنزلي لصيقا بالنساء وضمن دائرة العلاقات الأسرية حتى لا يتحمل المجتمع كلفته المادية.
خصت التعديلات كذلك قضايا أخرى مثل تبسيط مساطير الزواج بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج، وإخراج بيت الزوجية من التركة وجعله من حق أحد الزوجين الباقي على قيد الحياة، وإحداث هيئة للصلح والوساطة مستقلة عن القضاء، وجعل الطلاق الاتفاقي موضوع تعاقد مباشر دون الحاجة لسلوك مسطرة قضائية. وتم رفض مطالب قانونية أخرى جوهرية في التقدم صوب مساواة قانونية، وتكررت تلك المطالب كثيرا في مذكرات أحزاب وجمعيات نسائية ليبرالية. ويتعلق الأمر بإقرار الخبرة الجينية في إثبات النسب، ومنع زواج التعدد، والحد من زواج القاصر، ومراجعة أحكام الإرث لتستجيب لمبدأ المساواة بين الجنسين. وعُرضت هذه المطالب على رأي المجلس العلمي للعلماء بدعوى ارتباطها بنصوص قطعية، ورفض هذا الأخير قبول الخبرة الجينية لإثبات نسب الطفل المولود خارج الزواج لأبيه البيولوجي مع تحميله والأم البيولوجية العبءالمادي للطفل. وبرر المجلس العلمي رفضه كون ذلك يهدم الأسرة الشرعية ويخلق أسرة بديلة. لن يكترث فقهاء دين لما يلحق بأمهات عازبات وأطفالهن من حيف وظلم قانوني، فهَمُّهم الوحيد هو تحصين تطبيق نصوص وفق تفسير ذكوري في مجتمع تسوده أخلاق أبوية ظالمة، ويحتقر الأطفال غير المنسوبين لآبائهم وينبذ الأمهات العازبات ويعرضهن وأطفالهن لشتى النعوت المشيئة لإنسانية كليهما. ولم يستجب «الاجتهاد الفقهي المؤسساتي المنفتح والبناء» الذي تشيد به مكونات الصف الليبرالي، وتنادي بإعماله لمطلبها المتعلق بوقف العمل بقاعدة التعصيب لفائدة البنات، وحذف اختلاف الدين من موانع الإرث، وجرى الاستعاضة عن ذلك بفتح المجال للهبة والوصية، لكن ذلك لا يلغي إبقاء أحكام الإرث على الميز على أساسي الجنس والدين، كما تم الإبقاء على زواج التعدد مع إضافة حق اشتراط الزوجة عدم التزوج عليها في عقد الزواج، وبدلا من تجريم زواج القاصر جرى الاحتفاظ به و رفع سنه إلى 17 سنة.
ستبقى مدونة الأسرة حتى وإن تضمنت مكاسب، بتكييف بعض موادها لإيجاد مسوغات قانونية تُجاري واقع الأسرة الاقتصادي والاجتماعي المتحول، تشريعا أسريا رجعيا. وستبقي على اضطهاد النساء القانوني، لكون نصوص هذا القانون مقيدة بسلطة الأحكام الفقهية، ولأن تعديلها يجري ضمن حدود ما يسمح به نظام سياسي، يعد الدين أحد أركان بقاء حكمه.
لا غنى عن تنظيم نسوي عمالي شعبي لفرض حقوق النساء الديمقراطية
تجري مراجعة أحكام مدونة الأسرة في ظل ميزان قوى نضالي عام مختل لصالح الطبقة المسيطرة، ومن ميزاته غياب حركة نسوية جماهيرية مكافحة ديمقراطية ومستقلة. وفي غياب هذا الشرط الأساسي لانتزاع مكاسب فعلية وضمنها القانونية لصالح جماهير النساء المضطهَدات، يبقى نقاش مدونة الأسرة وتعديلها خاضعا لتوافقات يفرضها نظام الاستبداد السياسي من وجهة نظر مصالحه.
تعاني معظم نساء المغرب اللواتي ينتمين لطبقات الشعب المستغَلة أوجه قهر متعددة، ومنها الميز الذي تكرسه قوانين مجحفة يحكمها مورث ثقافي ذكوري. ورغم التغيير الجزئي الذي لحق بعضها تحرص دولة البرجوازية على بقاء الأساس المادي الذي تنغرس فيه تلك القوانين التميزية. يمد اضطهاد النساء جذوره في بنية مجتمع طبقي يُغرِق أغلب شعبنا في عمل بأجور ضعيفة أو بطالة واسعة. إن النتائج المترتبة عن تلك الأوضاع تنزل بثقلها على كاهل النساء سواء كن عازبات أو متزوجات أومطلَّقات. إن تغيير الأوضاع المادية للنساء وضمان الاستقلال المادي أحد الشروط الأولى لفك تبعيتهن الاقتصادية إزاء الغير، ودافع أساسي للدفاع عن باقي الحقوق. عوض أن تتحمل الدولة مسؤوليتها في تأمين دخل للجميع نساء ورجالا، ومن اضطلاعها بكلفة رعاية الأطفال (تغذية، مسكن، تعليم، صحة، ملبس، ترفيه…) والعاجزين- تناور لتتهرب من مسؤوليتها، وتقدف بعبء تحمل أفراد الأسرة في تشريع أسري ينتظر منه حل تناقضات اقتصادية واجتماعية أساسها تهرب دولة البرجوازية من تحمل الأكلاف.
تعد معركة المساواة القانونية إحدى ساحات النضال النسوي في المغرب. ولن يتأتى انتزاعها إلا بنضال فعلي، وليس عن طريق ما تمن به السلطة السياسة الحاكمة، ولا عبر انتظارها فترات طويلة لتأذن بفتح المجال لتغيير هذا القانون أو ذاك، كما هو الحال بخصوص مراجعة قانون أسرة رجعي مر على تطبيقه عقدين من الزمن.
إن فرض قانون أسرة ديمقراطي لا يكرس اضطهاد النساء ويحمي الأطفال يستدعي نضالا عاما ضد مجمل النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، بما يفرض مكاسب نوعية تحسن جذريا من أوضاع النساء، وليست معركة المكاسب القانونية إلا خطوة أولية في هذا المسار. ويلزم لخوص هذه المعركة التقدم في بناء حركة نسوية جماهيرية مكافحة وهذه المهمة لن تكون يسيرة. تعبر النساء عن قوتهن الجماعية في مرات عدة في النضالات العمالية والشعبية التي ينخرطن فيها. وحتى إن كانت مطالبهن الخاصة بهن تغيب في أغلب الأحيان، لكن ممارستهن لفعل النضال الجماعي يبقى مدخلا مهما لفهم وضعهن الخاص في مجتمع يكرس الميز اتجاههن. ويمكن أن تشكل مشاركة النساء الواسعة في مختلف النضالات الجماهيرية إحدى المنطلقات لبناء تنظيم نسوي. ويشترط هذا الالتحام بهن في تجارب النضال الميداني التي يخضنها، وإرفاق ذلك بجهد تثقيف سياسي نسوي ينطلق من واقع النساء لبلورة مطالب قادرة على تعبئة قوتهن ووعيهن الجماعي. وتتمثل تلك القوة الجماعية في العاملات اللواتي تداس حقوقهن في المعامل والضيعات، وفي اللوات يلا يجدن دخلا مستقلا يقيهن تبعيتهن المادية في أسرهن، وفي من ينتفضن ضد حياة الفقر والبؤس في البوادي، فضلا عن آلاف خريجات المعاهد والجامعات ومراكز التكوين المهني اللواتي سيتوجهن لسوق شغل هشة لتتبرص بهن البطالة. إن هذه الأقسام هي من سيشكل ذلك التنظيم النسوي الذي لا بد من توفره لانتزاع مطالب النساء، سواء الآنية التي يمكن فرضها في ظل مجتمع رأسمالي أبوي، أو تلك التي لا بد من تقويض أسس هذا المجتمع لنيلها.
#قدس_المغربي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟