|
تهميش اسهامات المرأة في العلوم الاجتماعية والإنسانية -الجزء الأول-
نعمة محسب
الحوار المتمدن-العدد: 8254 - 2025 / 2 / 15 - 17:31
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
إذا جعلتك تتذكر معي أسماء الفلاسفة في أي عصر من العصور، سيحضر على ذهنك للتو أرسطو، أفلاطون، سقراط، ديكارت، سارتر، والعديد منهم، وإذا أخذتك في جولة أخرى مع علم الاجتماع، فعلى الفور دون تفكير سنجد ابن خلدون، وأوجست كونت، ودوركايم قابعين في الذاكرة، أما في حالة رغبتي للحصول على أي معلومات بخصوص أمراض نفسية، فسنجد أن أهم مرجع يمكنني العودة إليه هو سيغموند فرويد. بالطبع هؤلاء العظماء لا يمكن إنكار جهودهم في العلوم الاجتماعية والإنسانية، ولكن أين المرأة من كل هذا؟! أين هيباتيا وروزا لوكسمبورج ونوال السعداوي والعديد من النساء في ذاكرتك؟! بالطبع نسيانهن ليس أمرًا فرديًّا، نابع من خيانة ذاكرتك لهن، ولكن النسيان والتهميش كان تاريخيًّا أيضًا، ولكن هل كان التهميش مجرد مصادفة، أم ممنهج بالفعل؟! الآن لُب الموضوع (المرأة)، تاريخيًّا والمرأة تُعاني من تهميش مستمر لدورها في الفلسفة والاقتصاد والسياسة والاجتماع، على الرغم من كونهن واجهن تحديات كثيرة للغاية من أجل إرشاد الجميع إلى رؤية فكرية عميقة، وهذا ما سنتعرّف عليه في هذا المقال، أما في المقال القادم سيتم توضيح الأسباب التي أدت إلى التهميش، مع محاولة إرساء بعض الحلول لظهور المرأة منافسًا في الساحة العلمية مع الرجال. * فيلسوفات منسيات في التاريخ رغم أن بعض الأسماء التالية قد تكون مألوفة لديكم، إلا أن دورهن لم يتم ذكره بشكل كافٍ في تاريخ العلوم الاجتماعية والإنسانية، ومنهن ما يلي: ° هيباتيا: عادةً ما يتم اختزال دور هيباتيا في كونها فيلسوفة سكندرية وتم قتلها عام ٤١٥ ميلاديًّا، ولكن إسهاماتها في العلوم والفلسفة تتجاوز ذلك بكثير، ويتضح هذا مثلًا فيما يلي: - أدارت مدرسة بالكامل، وكانت هذه المدرسة تنتهج المنهج الأفلاطوني. - لها دور كبير في توضيح فلسفة أفلاطون وأرسطو. - وضحت أيضًا الفلسفة اليونانية والتي بفضلها نعرف الكثير عن هذه الفلسفة الآن في عصرنا الحالي. - لها دور بارز في علم الفلك، فقامت بتطوير الإسطرلاب، وكان لها بالتالي اسهامات في معرفة حركة الكواكب والنجوم. - لا يمكن إنكار دورها أيضًا في الرياضيات، حيثُ أنّها فسرت معادلات رياضية، وطورت من مفهوم المخروطيات، وبفضلها أصبح المخروط أساس الهندسة التحليلية. وعلى الرغم من دورها الرائد في العديد من العلوم، إلاّ أنها تعرضت لحملات عدائية من قِبل رجال الدين المسيحيين، حيث اعتبروا أن أفكارها تمثل تهديدًا للسُلطة الكنسية، وتم قتلها على يد حشد من المتطرفين اتباع كيرلس الأول. هذه المرأة، التي لم تتجاوز الـ ٤٥ عامًا والتي كانت قادرة على فعل المزيد، لولا التعصب الديني والذكوري الذي أنهى حياتها قبل الأوان. ° هيلديجارد: من الفيلسوفات اللاتي تم تهميشهن بسبب السيطرة الذكورية في عصرها، حيثُ أنها تُعدُّ راهبة ألمانية في العصور الوسطى، ولها العديد من الإسهامات التي يجب على الجميع أن يعترف بها، ومنها ما يلي: * تُعدُّ هيلديجارد واحدة من أوائل النساء اللاتي كتبن عن اللاهوت والفلسفة بشكل مستقل، وكتاباتها كانت جدلية ومؤثرة لدرجة أنها تواصلت مع البابا والإمبراطور ووجهت لهم نصائح وانتقادات، وهو شيء نادر جدًا لامرأة في العصور الوسطى. * لها دور أيضًا في الصحة، حيثُ كتبت كتابين بخصوص النباتات ودورها في الشفاء من الأمراض، بالإضافة إلى كتاب آخر يرصد العلاقة بين الغذاء والأمراض النفسية، ومدى تأثير الطعام على الحالة المزاجية لدى الفرد. * كانت ترى أن الموسيقى هامة وتجعل الفرد يتدبر في الكون، ولهذا فلقد قامت بتأليف ما يقرب من ٧٠ مقطوعة موسيقية. قامت هيلديجارد بكل هذا في العصور الوسطى وبالتحديد في القرن الـ ١١، في فترة لم يكن مسموح لأي امرأة أن تتحدث في الدين أو الطب، وعلى الرغم من كل هذا إلا أنّها فرضت أفكارها رغم التهميش. ° إيميلي دو شاتليه: واحدة من رائدات العصر التنويري، وتعاونت مع فولتير من أجل إخراج كتب نيوتن إلى النور، ولها إسهامات أخرى، ومنها: * قامت بترجمة كتاب المبادئ الرياضية لنيوتن، وعلى الرغم من كون هذه الترجمة تم نشرها بعد وفاة إيميلي، إلاّ أنّها تعتبر واحدة من أهم الترجمات الفرنسية لأعمال نيوتن، بل وقدمت أيضًا شروحات هامة لنظريات نيوتن. * بالإضافة إلى كونها واحدة من أبرز الشخصيات التي تبنت كون الطاقة تتناسب مع مربع السرعة، ويعتبر هذا واحدًا من أهم المفاهيم المتواجدة في الفيزياء الحديثة. * لها العديد من المقالات التي تناقش الأفكار الفلسفية، والعلمية، وحرصت على نشر هذه المقالات. * كما أن لها كتابًا بعنوان "أسس الفيزياء" وهو عبارة عن محاولة لدمج فلسفة لايبنتز مع فيزياء نيوتن، وهذا بالطبع يؤكد على قدرتها النقدية، وقوة رؤيتها العلمية. تعرضت بالطبع إلى التهميش لدرجة أن فولتير كان يراها رجلًا ذكيًّا جدًا، خطأها الوحيد أنها امرأة!، وهذا بالطبع يعكس ما كانت تلاقيه المرأة في هذا العصر، وبرغم كل هذا إلاّ أنها تركت اسهام قوي يُحتسب لها بسبب دوره القوي في الساحات العلمية. ° سيمون دي بوفوار: واحدة من أشهر نساء العصر الحديث، وبالتحديد في القرن العشرين، ارتبط اسمها مع چان بول سارتر، كما أنها تأثرت بالوجودية، وتم اختزال لإسهاماتها، على الرغم من كون لديها العديد من الإسهامات الفلسفية، ومنها ما يلي: - رفضت سيمون وضع المرأة في قالب أنها كائن ثاني، أو دوني، وهذا يتضح من خلال أهم كتاباتها كتاب بعنوان "الجنس الآخر"، وأكدت على أن المجتمع هو المتسبب في أن تكون كذلك، كما أن هذا الكتاب له اسهام كبير في تشكيل الفكر النسوي. - على الرغم من تأثرها بوجودية سارتر، إلا أن لها إسهاماتها عنه في الحرية الفردية، وفي قمع المرأة. - أكدت على أن المجتمع هو المتسبب في دونية المرأة، وأن الطبيعة البيولوچية لا دخل لها في ذلك. - لها العديد من الكتب والمقالات، والتي من خلالها ناقشت الفكر النسوي، بالإضافة إلى نقدها للمجتمع، وانتقدت أيضًا الأسرة والزواج التقليدي. تعتبر سيمون دي بوفوار واحدة من أهم النسويات في العالم الحديث، ونادت بحقوق المرأة، مثل حقها في العمل والإجهاض، وطالبت أيضًا بتحرير المرأة، والحصول على حريتها في تقرير مصيرها. *نساء غيرن علم الاجتماع لم يلن حقهن قلما نجد امرأة تكتب في مجال علم الاجتماع، وكل الكتابات التي نراها نابعة من ذكور، ولكن هنا سنذكر نموذجين من ضمن نماذج نسائية عدة في علم الاجتماع. ° چين آدمز: بالطبع أنت تعرف جائزة نوبل، ولعلك تتذكر أيضًا الرجال الذين حصلوا على هذه الجائزة، ولكن هنا سوف تتفاجئ بكون هناك امرأة في علم الاجتماع حصلت على جائزة نوبل، وهي چين آدمز، فلنتعرّف الآن على اسهاماتها: * حصلت چين على جائزة نوبل للسلام عام ١٩٣١، وهي ناشطة اجتماعية أمريكية، لها دور كبير في النضال المجتمعي، ونادت بحقوق المرأة. * تعتبر واحدة من رواد علم الاجتماع التطبيقي. * في القرن التاسع عشر قامت بتأسيس مركز "هال هاوس" في شيكاغو، وذلك من أجل مساعدة الفقراء والمهاجرين، وهذا المركز يعتبر نموذج حديث للمؤسسات الاجتماعية. * نادت بضرورة ربط الفلسفة بالعمل الاجتماعي، وذلك من أجل التغيير الفعلي داخل المجتمع. * كما أنها اعترضت على دخول الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الأولى، وأكدت على ضرورة تبني حلول سلمية لإنهاء الصراعات الخارجية. وعلى الرغم من كون لها دور كبير في التغيير الاجتماعي والسياسي، والعمل الاجتماعي، إلاّ أنّه ما زال يتم تجاهل إسهاماتها التاريخية. ° دوروثي سواين توماس: واحدة من علماء علم الاجتماع التطبيقي، لم تنل شهرة واسعة كما نال علماء الاجتماع في عهدها من الذكور، على الرغم من وجود العديد من الإسهامات التي تؤكد على ضرورة معرفتها خاصة في علم الاجتماع الحديث، ومنها ما يلي: * كانت دراساتها عن تأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية في التغيرات السكنية، وتعتبر من أوائل الرواد الذين استخدموا الاحصاءات والبيانات الكبرى في تحليل التحولات الاجتماعية التي تحدث داخل المجتمع. * عملت على عمل المزيد من الدراسات بخصوص تأثير الحرب العالمية الثانية على السكان، بالإضافة إلى دور الحرب في ظاهرة الهجرة. * تعتبر دوروثي هي أول امرأة ترأست الجمعية الأمريكية، وذلك في عام ١٩٥٢، وهذا بالطبع يؤكد على قدرتها في القيادة، ونجاحها في الحصول على ذلك في ظل الهيمنة الذكورية على المؤسسات. * قامت بتحليل سوق العمل في أوقات الحرب والأزمات الاقتصادية التي يتعرض لها المجتمع، وتأثير كل هذا على النساء بشكل خاص والأقليات. ورغم إسهاماتها، إلا أن أعمالها لم تنل الانتشار الكافي، حيث ظل علم الاجتماع أيضًا كغيره من العلوم، منحازًا للإسهامات الذكورية، وهذا جعل جهودها تُدفع إلى الهامش، تمامًا كما حدث مع العديد من النساء في مختلف المجالات. هؤلاء بعض من النساء اللاتي تعرضن للتهميش، ولكنهن لم يكن الوحيدات، ففي المقال القادم نوضح البعض أيضًا مع ذكر بعض النساء العربيات اللاتي تعرضن لنفس النهج الذكوري، فبدلًا من أن تسير جنبًا إلى جنب مع الرجل بإعتبارها شريكًا له, تعرضت للقمع الذي لا نعلم حتى الآن هل هو مجرد مصادفة تاريخية أم اجراء ممنهج لإقصاد المرأة من الحقل الفكري؟!
#نعمة_محسب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الآثار الاجتماعية لظاهرة الحجاب على المرأة في المجتمع المصري
المزيد.....
-
وفاة امرأة وابنتها متأثرتين بإصابتهما بهجوم ميونخ
-
رابط تقديم منحة المرأة الماكثة في البيت 2025 الجزائر
-
“قدمي الآن”.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة في البيت
...
-
في ليلة عيد الحب.. إطلاق نار على امرأة في حانة ببريطانيا
-
ملامح امرأة غامضة تحت لوحة لبيكاسو.. ماذا نعلم عن اللغز؟
-
مصر.. محام يحول مكتبه لمقبرة وفضول امرأة يكشف جرائمه
-
متاح من هنا.. التقديم علي منحة المرأة الماكثة والشروط المطلو
...
-
امرأة تفجّر عبوة ناسفة عند مركز للتجنيد جنوب أوكرانيا (فيديو
...
-
فوائد تناول الذرة المسلوقة للنساء وهل الذرة جيدة لاتباع نظام
...
-
رفع سن الزواج في الكويت إلى 18 عاماً، خطوة لحماية القُصَّر أ
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|