خالد الدروبي
الحوار المتمدن-العدد: 8244 - 2025 / 2 / 5 - 20:46
المحور:
المجتمع المدني
أكتب إليك هذا المقال وأنا دكتور خالد الدروبي من حمص، محملاً بمشاعر من الاحترام والتقدير لشخصك الكريم، هذا التقدير الذي لا يُعبّر عنه سوى الكلمات التي تخرج من قلب كل سوري شريف يقدر القيم الوطنية الحقيقية. عندما قرأت مقالك الأخير على موقع “الحوار المتمدن” الدمشقي يتقن فن تقديم الولاءات والطاعة الذي تتحدث فيه عن معاناة الكرد من خطاب الكراهية،الذي يتعرضون اليه في سوريا وخارجها ، وددت لو أنني أكتب لك، ليس فقط من باب الرد أو الدفاع، بل من باب الاعتراف بكل ما تمثله من قيم سورية أصيلة، قيم الوحدة والتسامح.
لقد ترددت طويلاً في كتابة هذا المقال، إذ شعرت بأن العديد من السوريين قد لا يقدرون تمامًا أهمية الصوت الذي تحمله، وربما لا يرون في كلماتك سوى دعاية “قومية ضيقة” وفقًا لبعض المفاهيم الخاطئة السائدة. لكنني، كمواطن سوري عربي، أرى فيك شخصًا يتحدث لغة واحدة هي لغة الوطن، التي تتخطى حدود الانتماءات الإثنية والطائفية. وعليه، أردت أن أكتب لك كأخ من هذا الوطن، وأقول لك بأن سوريا لنا جميعًا، وأنني من بين أولئك الذين يرفضون خطاب الكراهية والتمييز ويؤمنون بأن المستقبل السوري هو مستقبل مشترك.
أزاد خليل: نموذج الوطنية الحقيقية في زمن الانقسامات
هذا الرجل الذي يحمل اسمه الذي يعني “الحرية” في لغته الكردية، هو أكثر من مجرد كاتب و باحث سياسي. إنه رمز حي للوطنية السورية الحقيقية، تلك الوطنية التي تجاوزت الحدود الضيقة للانتماء العرقي أو الطائفي. لقد جعل من تنوع سوريا سببًا للوحدة وليس للانقسام، وجعل من القيم السورية العميقة دعوة للتعايش والاحترام المتبادل بين كافة المكونات.
على الرغم من الأزمات التي تعصف ببلدنا، وبينما تتوالى الصراعات التي تغذيها النزاعات الطائفية والعرقية، يظل أزاد خليل مثالًا للتعالي على هذه الانقسامات. شخصيته الوطنية القوية، والمبنية على مبدأ المواطنة المتساوية، تقدم نموذجًا حقيقيًا عن كيفية بناء وطن للجميع، وطن يتسع لكل السوريين من مختلف الأعراق والأديان.
في مقالاته وكتبه، كان أزاد دائمًا ما يفضح التمييز العنصري الذي تعرض له السوريون على مدار سنوات طويلة، سواء كانوا من العرب أو الكرد أو غيرهم من المكونات السورية. كتب عن معاناة الأكراد، ووصفهم بأنهم في بعض الأحيان يُنظر إليهم في سوريا كما لو كانوا غرباء بسبب أسمائهم أو انتمائهم القومي. ورغم هذه المعاناة، كان دائمًا ما يدعو إلى الحوار والتفاهم، ويحث على تجاوز خطاب الكراهية إلى بناء الجسور بين المكونات السورية المختلفة.
سوريا للجميع: رسالة حب من عربي سوري إلى أزاد خليل
بصفتك أحد أبرز الأصوات الوطنية السورية، نحن نرى فيك في هذا الوقت العصيب الذي يمر به وطننا رمزًا للتسامح والوحدة. في مقالك الأخير، الذي تحدثت فيه عن الكرد وتجربة التمييز التي يواجهونها، لم أكن فقط أشعر بالأسف لما ذكرته، بل أيضًا شعرت بالفخر لأن هناك شخصًا مثل أزاد خليل يرفع الصوت عاليًا ضد هذه الممارسات البغيضة.
أنا شخصيًا، وباسم كثير من السوريين، أود أن أقول لك: سوريا لنا جميعًا. نحن السوريين العرب والكرد، المسيحيين والمسلمين، كلنا جزء من هذا البلد العريق، لا فرق بيننا. في وقت يروج فيه البعض لخطاب الكراهية، هناك الكثير منا من يرفض هذا الخطاب ويؤمن بأن سوريا ستكون دائمًا وطنًا للجميع، دون تفرقة أو تمييز. نحن نرفض تلك الأصوات التي تُحاول زرع الفتن بيننا، ونحن نؤمن بأن هذه التعددية، التي تميز مجتمعنا السوري، هي قوة عظيمة يجب أن نبني عليها لا أن نفصلها عن بعضنا البعض.
وأنت، كما أعرفك جيدًا، كنت دائمًا ذلك الشخص الذي يجمعنا في نقاشات منصة “كلوب هاوس” حيث كنت تدير الحوار السياسي السوري بكل حكمة وموضوعية. لقد كانت جميع النقاشات التي أدرتها تحترم الجميع دون تمييز، وتعزز قيم التفاهم المتبادل، وكان صوتك أحد أصوات العقلانية والتوازن في ظل الفوضى التي تعيشها الساحة السياسية السورية.
رائد في نبذ العنصرية وبناء المستقبل السوري
لم يكن أزاد مجرد ناقد للعنصرية، بل كان له دور بارز في محاربتها. أزاد لا يتوقف عن الدعوة إلى إصلاح حقيقي في المجتمع السوري، ويعمل دائمًا على نشر ثقافة العدالة والمساواة بين كافة مكونات الشعب السوري. في مقالاته وأطروحاته، لم يكن يسلط الضوء فقط على التمييز الذي تعرض له الأكراد أو غيرهم، بل كان يضع دائمًا اليد على الجرح ويحث على العلاجات الجذرية للمشاكل التي يعاني منها وطننا.
قد يقول البعض إن هذه التحليلات قد تكون غائبة عن واقعنا السوري الحالي، لكنني أرى أن أزاد كان دائمًا يؤمن بأن “سوريا المستقبل” يجب أن تكون دولة مدنية ديمقراطية، ليس فيها مكان للتمييز على أساس الدين أو العرق أو الطائفة. أزاد كان ينادي بالحقوق الثقافية والسياسية لجميع السوريين، بل كان يشدد على أن مستقبل سوريا يجب أن يقوم على أساس المواطنة المتساوية واحترام حقوق الإنسان لكل فرد.
الشخصية الوطنية التي نحتاجها الآن
على الرغم من الظروف الصعبة التي مر بها السوريون، وعلى الرغم من التشتت الذي أصابنا جميعًا، يبقى أزاد خليل مثالًا للشخصية السياسية الرزينة والمحترمة التي تقدم المصلحة الوطنية على أي اعتبار آخر. في وقت يواجه فيه المجتمع السوري انقسامات وحروبًا باردة بين مختلف المكونات، يتبنى أزاد فكرًا جامعًا يفضي إلى وحدة وطنية حقيقية، حيث لا فرق بين العرب والكرد أو المسيحيين والمسلمين، بل نرى في سوريا بلدًا يحتضن الجميع على قدم المساواة.
رسالة أمل: سوريا بحاجة إلى أصواتكم
في الختام، أود أن أقول لك، أزاد، أن سوريا بحاجة إليك، كما هي بحاجة إلى أصوات جميع السوريين الشرفاء. أنت اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بحاجة لأن تكون في قلب المشهد السياسي السوري، لتكون صوتًا للوحدة والعدالة.
إن سوريا، كما نعلم جميعًا، ليست فقط وطنًا لنا اليوم، بل هي أيضًا وطن للأجيال القادمة، والأمل في أن نبني معًا مستقبلًا يضمن المساواة والعدالة لجميع مكوناتها هو ما يجب أن يظل هدفنا المشترك.
وأنا، كما الكثير من السوريين، أؤمن بأن صوتك الوطني المعتدل، الذي يدعو إلى التعايش والتفاهم، هو الصوت الذي يجب أن يُسمع اليوم في ظل هذا المشهد الصعب الذي نعيشه. سوريا للجميع، كما نقول دائمًا، ولن يكون مستقبلها إلا من خلال التعاون بين جميع أبنائها.
دمت بخير، وأتمنى أن يبقى قلمك، كما عودتنا دائمًا، منارة للأمل ولبنة لبناء سوريا الجديدة.
اخوك المحب دكتور خالد الدروبي
سوريا حرة
#خالد_الدروبي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟