|
تبقى تبعات نزوح وهجرة الأقليات ، بعد جرائم داعش بحقهم دون قصاص ، نزيف مستمر يهدد وجودهم في مناطقهم التاريخية
خالد محمود خدر
الحوار المتمدن-العدد: 8241 - 2025 / 2 / 2 - 14:04
المحور:
المجتمع المدني
نهب الدواعش عموم مدن وبلدات اقليات سهل نينوى الدينية اثر اجتياحهم لها في السادس من آب عام ٢٠١٤ ليطال ذلك كل شيء ، إلا أرواحهم التي استطاعوا النجاة بها بصعوبة بالغة والنزوح إلى إقليم كردستان ، معتبرين في ذلك بما حصل في سنجار قبل أيام من ذلك ، إثر اجتياح الدواعش لها واقدامهم على حملة ابادة منظمة لأهلها الايزيديين ، بدأ من سبي النساء وأطفالهم وقتل الرجال ليطال ذلك عشرات الآلاف. امتدت بعد ذلك أذرع هؤلاء الأشرار لتتوسع ، فاجتاحت مجاميع إرهابية أخرى لهم مدن وقصبات وقرى الأقليات الدينية في سهل نينوى ، ولولا نزوحهم مسبقا كما اشرت لوقعت مذابح أخرى مروعة في صفوفهم.
اذا كان قد فات الدواعش الاشرار فرصة التلذذ التي عرفوا بها بقتل النفوس وحصاد الرؤوس لأبناء بعشيقة وبحزاني وقرقوش وبرطلة وباطنايا وغيرها على الهوية الدينية، فإنه لم يفتهم بعد اجتياحها تعذيب هذه النفوس على ما تعانيه من آلام النزوح وتبعاته ، بنهب ممتلكاتهم ومنازلهم وتفجير ما تمكنوا منها ومن أماكن العبادة ، وحرق ومصادرة معاملهم واسواقهم و مزارعهم وبساتينهم وكل ما وقعت عليه اياديهم ، بما يمثل ذلك في منطقهم شكلا آخر من أشكال قتل الروح ، و رسالة لأصحابها تبعدهم عن مجرد الحلم بالعودة الى ديارهم يوما.
كل هذا جرى وسط لا مبالاة القوى الدولية الكبرى مع انه كان بإمكانهم وقتها منع او إيقاف هذا المد الاصفر في ظرف ساعة سواء في سنجار او سهل نينوى.
لم يبقَ أمام الكثير من أبناء الأقليات الدينية بعد كل ما جرى لهم سوى التفكير بالهجرة إلى مختلف دول العالم الغربي بحثا عن العيش بأمان وسلام بعيدا عن العنف والقتل على الهوية الدينية ، ساعين في سبيل ذلك المجازفة بكل السبل، حتى إن تطلب الأمر ركوب أمواج البحر الهائجة بقوارب مطاطية أودت بحياة الكثير منهم في بحر ايجة غرقًا. ليضمن من وصل بشق الأنفس العيش بأمن وأمان، ولكن بقي دون أن يتمكن من الخلاص من تبعات الهجرة و أحاسيس الغربة والاشتياق لوطن وأهل، جيرةً ومعارف. ليصبح ماضي من هاجر وماضي من لا يزال يعاند متشبثا في موطنه أحاديث حزينة يكرروها على مسامع بعضهم في اتصالاتهم و تواصلهم ، صابرين مداوين بها جراحات قلوبهم المثخنة ، أملًا بغدٍ أفضل تهدأ معه النفوس وترجع به الأمور إلى طبيعتها.
هكذا توزع وتشتت في ارجاء الدنيا الكثير من أبناء الأقليات الدينية وكأنهم لم يكونوا عبر التاريخ أصحاب ارض وانما في عرض بحر ، كسرت أمواجه الهائجة المتلاطمة سفينتهم ليمنح من نجى القدر ، قدر الخيرين من البشر، فرصة اللجوء لأقرب شاطىء أمان ، فكان هذا الشاطئ في اقصى الشرق للبعض واقصى الغرب او اقصى الشمال القريب او البعيد للبعض الآخر ، ليجدوا أنفسهم في النهاية لاجئين في ألمانيا وفرنسا واستراليا والولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول.
حررت بلدات سهل نينوى من قبل ابطال القوات المسلحة العراقية بشتى أنواعها وتصنيفاتها مشكورين في شهري تشرين الاول والثاني من عام ٢٠١٦. بعدها وجد النازحين مدنهم و بلداتهم وقراهم هذه عندما عادوا اليها غير تلك البلدات والمدن والقرى التي عافوها قبل اكثر من سنتين بحثا عن النجاة. فقد حولها الدواعش الى ما يشبه ركام غابت معه كل معالمها بعد ان نهب وفجر الدواعش كما اشرت كل ما تمكنوا منه وكل ما كان ينبض بمعاني الحياة.
قبل عدة سنوات هاجرت مواطنة عراقية من إحدى بلدات سهل نينوى ، كلاجئة إلى إحدى الدول الأوربية املا بالاستقرار والخلاص من مسلسل الرعب والإرهاب بعد أن قضت عائلتها فترة نزوح في إقليم كردستان ككل عوائل الأقليات الدينية اثر غزو داعش لمناطقهم.
تعبيرا عن شكوتها ومعاتبتها للزمن على ما حل بها وبعائلتها واقربائها وعموم أهالي منطقتها بعد احتلال داعش لمدينتها ، كتبت هذه السيدة الأصيلة قبل فترة ليست بالقصيرة على صفحتها بمنصة التواصل الاجتماعي: خليتنا يا زمن كل واحد في ديرة ، لا بيت يلمنا بعد ، لا ام ، لا جار ولا جيرة. حيرة بعد حيرة ، يا ليتنا نرجع الى الديرة.
تركت كلماتها المعبرة أثرا كبيرا في نفوس قرائها ، بما لم يسع معه الا القول لها : أعانك الله ايتها السيدة النبيلة و الاخت العفيفة و كل من وجد معك نفسه في نزوح او غربة لم يعد نفسه لها مسبقا ، بل لم يتوقع أن يعيشها يوما. وبعدها لكِ الحق يا سيدتي الفاضلة في كل ما كتبتيه وأغلب الظن أنكِ كتبتِ ما كتبتِ بمداد من دموعك. ولا اكتم أن هذا المقال جاء في الأصل تعبيرا وردا على ما كتبته هذه الأخت الكريمة من كلماتها اعلاه في موقعها وقتها.
اصبح الكثير هكذا مغتربا صابرا متحسرا على ماضيه وأرضه وأهله وعائلته المشتتة أفرادها في الأرض شرقا وغربا. في وقت نجد الكثير المهاجر قد اعتادوا وتاقلموا مع واقعهم الجديد كلاجئين مغتربين ، نجد بالمقابل بينهم من يعيش على أمل أن تدور الأيام ليعودوا كما كانوا قبل الرحيل الى ديارهم وأرضهم مثل هذه السيدة الجليلة ممن يعيشوا الغربة سجنا حدا رجع البعض منهم إلى دياره رغم كل ما أصابها.
الغربة القسرية يصعُب تخطّيها عند الكثير أو نسيان تبعاتها ، وإن كان وقع ذلك يخف عليهم عندما يتذكرون أسباب نزوحهم و هجرتهم واحتمالات تكرار ذلك ، وما حل بهم جميعا.
من المؤكد أن وضع الكثير ممن هاجر قد غدا أفضل وتحسّنت حياته المعيشية والسكنية والمادية بما عوضته الغربة عن ما سلب منه ، ذلك أن توفر عوامل الأمان والاستقرار يجعل من الغربة أمرا مقبولا بل ومطلوبا ، افضل من وطن يسلب فيه المواطن كرامته ، التي يجدها في هذا البلد المغترب الذي فيه اصبح الجيل الجديد من أطفالهم قد اكتسب جنسية و لغه البلد الجديد وحقوقه المكتسبة ليصبح حقا وطنه الجديد محتفظا فيه بكرامته مطمئنا على نفسه ، ليعكس ذلك صورة لمستقبلهم بعيدا عن من يتحين الفرص للنيل منهم ثانية.
كم تجبر الحياة الإنسان على تقبّل أمور كثيرة غصبا عنّه ، و كم تقود الحياة احيانا البعض على ردع النفس واجبارها على تقبّل ما تفرزه وقائع الزمان من اجل ان يبقى قادرا على مجارات متاعب الحياة وإمكانية الاستمرار فيها ، وحسبه في كل ذلك حياة وأمان اعزاء له ابناءا كانوا ام احفادا ، ليزيل عنهم هم الامس وبعدها الاطمئنان على مستقبلهم في أن يعيشوا بأمن وأمان.
يحاول الإنسان نسيان همومه قدرَ ما استطاع إليه سبيلا ولكن ذلك لا يفلح دائما. كم يداهمه الحنين كل لحظة ، حينَ يخلى بنفسه أو تطَأ اقدامه مكاناً جمعهم ومن فارقوه يوماً ، أو عندما يتواصل معهم عبر وسائل التواصل التي تخفف بقدر ما تزيد من لوعة الاشتياق اليهم ككل. انها ذكريات الأيام التي جمعتهم بمحبه وامل وانتماء بما لا يستطيع الإنسان معها نسيانها طالما يجد نفسه فيها ، ولما لا اليست الذكرى شكل من أشكال اللقاء. هكذا تبقى ذكريات العمر بكل تفاصيلها محفورةً داخل النفس البشرية ، تذهب بالإنسان اوقات شدته لعالم جميل يتذكّر فيه اهم اللحظات التي تبقى محتفظة بطعمها الخاص ، مداريا لهمومه على إيقاع ذكراها التي كثيرا ما يأمل أن تعود من جديد. ذكريات مضت لكنها ما زالت تنبض بالحياة. ذكريات حفرت لها مكانا داخل أعماقه ، بما لا يستطيع أي إنسان أو قوة في الوجود أن تمحوها.
من هذا يمكن فهم معاني كلمات الاخت المغتربة التي أشرت لها والمحملة بكل عناوين الشوق لكل ما يربطها بماضيها الجميل من مسقط راسها وجيرتها وافراد عائلتها واقربائها المشتتين في دول مختلفة.
ليس لي بعد هذا الا القول : كانت السماء في عون هذه السيده والاخت المبجلة وعون كل من وجد نفسه بغتة في غربه لم يكن يوما مخططا لها ، وكانت السماء في عون من بقي في دياره منشدا بأمل لغد اجمل.
قد تبحر بنا سفينة الحياة إلى شواطئ لا نرغب أن نرسى فيها ، ولكن قد تكون تلك الشواطئ قدرنا وخلاصنا.
ب. د. خالد محمود خدر
#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خواطر صباحية في محطات دروب الحياة
-
حوار افتراضي مع نخبة من قادة الفكر الادبي والإنساني
-
لم يعد عند الكثير ذلك الاهتمام المفروض في قراءة الكتب الثقاف
...
-
أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) الجزء
...
-
أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) الجزء
...
-
أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) الجزء
...
-
أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) / الج
...
-
أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) / الج
...
-
أزمه المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) الجزء
...
-
أزمه المياه في إقليم كوردستان / العراق (الأسباب والحلول) / ا
...
-
يبقى العالم المنشود هو العالم الذي تجمعه القيم والفضائل الإن
...
-
فقدان الارادة بين الانتظار واتخاذ القرار يفقد الإنسان الكثير
...
-
هكذا ينبغي ان تكون وتبنى النفوس ليرتقي الجميع بأنفسهم ومجتمع
...
-
كن منشدا للسلام لتببني جسوراً من الفهم المتبادل لردم الخلافا
...
-
محبتك للناس تبدأ بمحبتك لنفسك ليسهل انتدابها للأعمال الجليلة
-
عش كل يوم من ايام حياتك كيوم جديد وسيكون هكذا
-
قراءة لدروس الحياة في محطاتها
-
الأخلاق في الميزان بين المنصب و العلم والمال
-
وقفة تأمل مع الساعات الأخيرة التي تسبق حلول رأس السنة الميلا
...
المزيد.....
-
جيش الاحتلال يعتقل صيادا لبنانيا عند نقطة رأس الناقورة.. ويع
...
-
السعودية.. إعدام مقيم أدين بجريمة مخدرات
-
الجزيرة ترصد أوضاع مدارس الطوارئ بمخيمات النازحين في السودان
...
-
حملات اعتقال وترحيل للمهاجرين غير النظاميين من أميركا
-
وصول عدد من الأسرى الفلسطينيين المبعدين إلى القاهرة (فيديو)
...
-
جدل واسع في إسرائيل بعد مشاهد تسليم الأسرى الإسرائيليين
-
صحف عالمية: تبادل الأسرى السبت كان الأسلس وحماس تسيطر على غز
...
-
ناد نرويجي يتبرع بعائدات مباراته ضد فريق إسرائيلي لإغاثة غزة
...
-
DW تتحقق من معلومات مضللة حول المهاجرين قبل الانتخابات الألم
...
-
DW تتحقق في معلومات مضللة حول المهاجرين قبل الانتخابات الألم
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|