|
مذبحة بورسعيد.. جريمة العسكر التي لن يغفرها التاريخ
إسلام حافظ
كاتب وباحث مصري
(Eslam Hafez)
الحوار المتمدن-العدد: 8240 - 2025 / 2 / 1 - 14:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الأول من فبراير عام 2012، ارتكب نظام العسكر واحدة من أكثر الجرائم وحشية في تاريخ مصر، مجزرة بورسعيد التي راح ضحيتها 74 شابا من جمهور الأهلي، ليس بسبب شغب ملاعب، وليس في معركة عادلة، ولكن في فخ دموي دبرته أجهزة الدولة القمعية بدم بارد كجزء من انتقام واسع من شباب الثورة الذين وقفوا ضد بطش العسكر منذ أن سقط مبارك هذه لم تكن مجرد أحداث شغب"، بل كانت جريمة دولة، مؤامرة مكتملة الأركان نفذتها وزارة الداخلية بالتعاون مع عناصر إجرامية، وبمباركة من المجلس العسكري الحاكم وقتها، الذي رأى في شباب الألتراس خطرا يجب إبادته.
لم يكن العسكر قد استقروا في الحكم بعد، كانت الثورة لا تزال حية، والشوارع مشتعلة والمظاهرات مستمرة ضد حكم المشير السفاح حسين طنطاوي، الذي لم يكتف بقتل الثوار في محمد محمود وقبلها في ماسبيرو، بل أراد إرسال رسالة دموية لكل من يجرؤ على التحدي. ومن كان أشجع من الألتراس؟ هؤلاء الشباب الذين لم يرضخوا يوما، والذين شكلوا رأس الحربة في مواجهة الداخلية، الذين وقفوا في وجه الشرطة يوم 28 يناير، وأسقطوا هيبة الأمن المركزي وهتفوا ضد حكم العسكر في كل مكان، في الشوارع وفي المدرجات بلا خوف بلا تنازلات.
في ذلك اليوم المشؤوم، كانت كل المؤشرات تدل على أن شيئا ما يحاك في الخفاء من الصباح، كان الأمن يتعامل مع جماهير الأهلي كأنهم سجناء، بينما يسمح لجماهير المصري بدخول الملعب بأسلحة بيضاء وسلاسل حديدية وسكاكين وسيوف، في مشهد لا يمكن أن يكون عفويا. انتهت المباراة بفوز المصري 3-1، لكن ما حدث بعدها لم يكن احتفالا ولا حتى شغبا، بل كان كمينا معدًا بعناية. فجأة، أطفئت أنوار الملعب، أغلقت أبواب مدرجات الأهلي، بينما تركت الأبواب الأخرى مفتوحة، وبدأ الهجوم. مئات من البلطجية نزلوا إلى أرض الملعب، لكن لم يكن هدفهم اقتحام المدرجات كعادة المشاغبين بل كان الهدف هو القتل المباشر.
بدأت عملية الإبادة تحت أعين الشرطة التي لم تتدخل، بل ساعدت في إحكام الحصار طعن الشباب بالسكاكين سحلوا على الأرض، ضربوا بالهراوات والسواطير، ألقي البعض من المدرجات ليلقوا مصرعهم فورا، بينما سحقت اجساد آخرین تحت الأقدام الذين حاولوا الفرار وجدوا الأبواب مغلقة بالسلاسل الحديدية، اختنق العشرات في الزحام، ماتوا تحت ضغط الأجساد التي حاولت الفرار من الجحيم. الصراخ كان يملأ المكان الدماء غطت الأرض والموت كان يحصد الجميع بلا رحمة.
كانت الشرطة، التي تقتل الناس في الشوارع منذ أيام مبارك والتي اطلقت الرصاص الحي في محمد محمود وقتلت المئات، والتي حاصرت الثوار في مجلس الوزراء وأحرقت المجمع العلمي، هي نفسها التي نظمت المذبحة هذه المرة، لكن بأسلوب أكثر خسة. لم يطلقوا الرصاص، لم يواجهوا الشباب في الشوارع، بل خدعوهم استدرجوهم إلى فخ مغلق وتركوهم الي مصيرهم.
وعندما انتهت المجزرة، لم يحاول أحد إسعاف المصابين تركت الجنت مكدسة فوق بعضها البعض، بينما خرجت الداخلية بوجهها القذر تدعي أن الأمر كان مجرد "شغب كروي". لكن كيف يكون شغبا والشرطة كانت متفرجة؟ كيف يكون شغبا والأبواب أغلقت عمدًا؟ كيف يكون شغبا والمسلحون نزلوا من مدرجات المصري في توقيت واحد؟ لم تكن هذه مباراة كرة قدم، كانت مذبحة سياسية بكل معنى الكلمة.
وفي اليوم التالي، كانت شوارع مصر تغلي، خرج الألتراس في مظاهرات غاضبة اشتعلت الاشتباكات مع الشرطة هوجمت مديريات الأمن، واحترقت أقسام الشرطة، كان الغضب في ذروته، لكن العسكر لم يتراجعوا، بل واجهوا المتظاهرين بالرصاص الحي، وقتلوا المزيد من الشباب في السويس والقاهرة والإسكندرية. كان النظام قد اختار طريق الدم، كان قراره واضحًا أي معارضة ستسحق، وكل من يجرؤ على التحدي سيدفع الثمن غاليا.
وبدأت مسرحية المحاكمات الهزلية، حيث تم تقديم بعض المشجعين ككبش فداء، بينما بقي القتلة الحقيقيون في مواقعهم، يديرون الدولة بقبضة حديدية. لم يحاسب المشير طنطاوي، لم يحاسب وزير الداخلية محمد إبراهيم، لم يحاسب أي مسؤول حقيقي بل استمرت الدولة العميقة في فرض سطوتها، في قتل المزيد من الأبرياء، في قمع أي صوت يعارض حكم العسكر.
لكن هل انتهت القصة ؟ هل نسي الألتراس دماء إخوانهم؟ هل غسلت يد النظام من هذه الجريمة ؟ أبدا. كل عام، تعود الهتافات، تعود الأغاني التي تفضح الجريمة، تعود أسماء الشهداء لتلعن القتلة، ولا تزال لافتات القصاص ترفع، لأن من ماتوا لم يكونوا مجرد مشجعين كانوا شهداء معركة، شهداء ثورة، قتلهم نظام دموي لا يعيش إلا على الجثث، ولا يحكم إلا بالخوف.
بعد سنوات من المجزرة، لا يزال القتلة في مواقعهم، لا يزال النظام يبطش بالجميع، لا تزال السجون مليئة بالشباب، ولا يزال الدم يراق، لكن هذا النظام لن يبقى للأبد. قد يظنون أن السجون والمشانق كافية لإسكات الثورة، لكنهم واهمون لأن الدم لا ينسى، لأن القصاص ليس مجرد كلمة، بل وعد، لأن الثورة التي لم تكتمل بعد، لم تغفر، ولن تغفر، وستأتي اللحظة التي يدفع فيها العسكر ثمن كل جريمة ارتكبوها، من أول شهيد سقط في يناير إلى آخر شاب قتل في بورسعيد إلى كل من مات تحت التعذيب، أو اختفى قسريا، أو أعدم ظلمًا.
هذه الأرض لن تنسى والدماء لن تجف، والمجرمون قد يفرون مؤقتا، لكنهم لن يفروا إلى الأبد القصاص آت والثورة لم تمت، ولن تموت.
#إسلام_حافظ (هاشتاغ)
Eslam_Hafez#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-المنفى وطنٌ من رماد-
-
إضراب ليلي سويف: صرخة أمٍّ في وجه الظلم
-
25 يناير: أنشودة الحرية التي لا تموت
-
-عصر السيسي الذهبي للنساء: أكذوبة تُخفي القمع والاستغلال-
-
-القمع خلف ستار التحرر: معتقلات المنازل ومعاناة المرأة السعو
...
-
-نظام السيسي: شعارات للبرمجة وقمع للحرية... مصر تحتضر في ظل
...
-
إحنا بتوع التحرير..!
-
-الظلم لا يدوم... وصوت الحق أقوى من السجون-
-
نظام السيسي: استغلال الضرائب لتكريس الفشل الاقتصادي
-
-2024: عام القمع والإخفاء القسري في مصر-
-
رسالة الي الوالي..
-
ثورة يناير: الحلم الذي لن يموت
-
خطر الجولاني على سوريا: هل ينتظر السوريون نفس مصير المصريين
...
-
القصور الفاخرة مقابل العيش الكريم.. كيف يرسخ النظام فجوة الط
...
-
-حين ينكر الواقع نفسه: عن الدم والمال... والأيدي البيضاء-
-
شوارع المحروسة
-
مصر السجن الكبير
-
مصر .. السجن الكبير
-
السيسي بين الحقيقة والخيال
-
معاناة اللاجئين السودانين في مصر
المزيد.....
-
مسؤول مصري لـCNN: وفد حماس بالقاهرة الأسبوع المقبل لبحث المر
...
-
العراق.. تراجع عن مطلب خروج الأمريكيين
-
ضربة جديدة لحكومة ميلوني: إعادة 43 مهاجرا من ألبانيا إلى إيط
...
-
متظاهرون يتصدون لمحاولة طرد أحد المستأجرين من حيّ تاريخي في
...
-
51 مليون يورو .. بيع سيارة مرسيدس للسباقات تعود إلى الخمسينا
...
-
رئيس جمهورية بريدنيستروفيه: احتياطيات الفحم لتوليد الكهرباء
...
-
لافتات في غزة دعما لموقف السيسي ورفضا للتهجير على أنقاض الحر
...
-
الخارجية الروسية تؤكد أهمية عرض الممارسات الدموية للقوات الأ
...
-
-أمريكيون موتى-.. خبير يذكر ماسك بـ-الأهوال- التي رأتها القو
...
-
أسير محرر يعود إلى غزة ليكتشف مصرع زوجته وطفلته خلال الحرب (
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|